الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مع بناة الدولة العراقية, اللواء العقيلي والأستاذ هاشم الحلي نموذجا

هيثم الحلي الحسيني

2017 / 4 / 17
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


مع بناة الدولة العراقية, اللواء العقيلي والأستاذ هاشم الحلي نموذجا
دهيثم الحلي الحسيني.. باحث في الدراسات الإستراتيجية
عرض الأستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف, لمعلومة تستوقف الكثير من الدارسين لموروثات الدولة العراقية المعاصرة, وتقاليدها وقيمها, التي من الواجب إستذكارها والتأسيس عليها, في ضوء الواقع المعاصر المتردي لها, تتعلق بالعلاقة الوثيقة للواء الركن عبد العزيز العقيلي, وزير الدفاع في العهد الثاني للرئيس عبد السلام عارف, والموقف المميز له, من رجل الدولة, السفير الأستاذ هاشم الحلي, وذلك في معرض بحثه عن سيرة اللواء الركن العقيلي, الذي قدمه الى هيئة كتابة التأريخ العسكري, في العام 2002.
وهيئة التأريح العسكري, من المراكز البحثية العلمية, التي إحتضنتها المؤسسة العسكرية العلمية العراقية, بعد إنتهاء الحرب العراقية الإيرانية, والتي تركت إرثا علميا وبحثيا غاية في القيمة والأهمية, في سفر تأريخ الدولة العراقية المعاصرة, إذ كانت المؤسسة العسكرية, هي اللاعب الرئيس فيها, من خلال إصدار الكثير من الدوريات والكتب والدراسات الموثقة والرصينة ذات العلاقة.
فبعد رحيل الرئيس عبد السلام محمد عارف, في حادث سقوط طائرته المروحية في البصرة العام 1966، إستمر الدكتور عبد الرحمن البزاز رئيس الوزراء, في ممارسة صلاحياته الدستورية، وقد كان الحكم مشاركة, بين الساسة المدنيين, وجلهم من الإختصاصيين "التكنوقراط", ويمثلهم مجلس الوزراء برئاسة رئيس الوزراء البزاز, وبين القادة العسكريين, الذين يمثلهم مجلس الدفاع الوطني, برئاسة وزير الدفاع اللواء الركن عبد العزيز العقيلي.
ولغرض تولي منصب الرئاسة الشاغر, فقد عقد اجتماع مشترك, لمجلس الوزراء ولمجلس الدفاع الوطني, لغرض إجراء الانتخابات على المنصب وفقا للدستور المؤقت, فيذكر الدكتور محمد كريم المشهداني في كتابه الموسوم "عبد الرحمن البزاز, دوره الفكري والسياسي", بأن الآراء قد تبلورت في اتجاهين, الاول يدعو لرئيس للجمهورية من العسكريين, الذين اسهموا في قيام النظام الجمهوري, وهو ما ينسجم والجو العربي العام في الأنظمة الجمهورية, التي لم تعتد بعد على رئيس مدني, إقتداء بالجمهورية العربية المتحدة.
وقد كان المرشح العسكري الأول, الذي حضي بتأييد قيادة الحرس الجمهوري, هو وزير الدفاع, اللواء الركن عبد العزيز العقيلي, إذ عرضت عليه قيادة الحرس الجمهوري, فرضه رئيسا للجمهورية بالقوة والأمر الواقع, لكنه رفض ذلك, ثم المرشح الثاني, وهو الفريق عبد الرحمن عارف, رئيس أركان الجيش وكالة, وشقيق الرئيس الراحل.
في حين ذهب الإتجاه الثاني الى ان يكون رئيس الجمهورية, من المدنيين المعروفين بوطنيتهم وإخلاصهم وكفاءتهم, وكان رئيس الوزراء البزاز, من مؤيدي الاتجاه الثاني وممثلا عنه, وحصل على الأغلبية البسيطة في الجولة الإنتخابية الأولى, مما تطلب إجراء جولة ثانية وفق الدستور.
ثم جرى تنحي الدكتور البزاز قبل الجولة الثانية من الإنتخاب لصالح الفريق عبد الرحمن عارف, للأسباب المذكورة ولكونه من الضباط الأحرار, فضلا عن الجانب العاطفي, كونه شقيق الرئيس الراحل, وذلك ما رجح كفته على منافسه العسكري, أولا وهو اللواء العقيلي, ثم المدني لاحقا, الذي تنحى له, عملا بمنطق وسير الأحداث.
وبعد تكليف الدكتور البزاز بتشكيل وزارته الثانية, قام بترشح اللواء الركن عبد العزيز العقيلي لمنصب وزارة الدفاع, لكنه رفض ذلك, وهو ما يستغرب له, غير أن الأستاذ الباحث العلاف, يذكر في تبيانه أسباب الرفض, مستندا الى رسالة موثقة, من الأستاذ العميد خليل إبراهيم حسين, إن اللواء العقيلي قد إشترط لقبول منصب وزير الدفاع، تعيين ثلاثة وزراء يرى فيهم الأهلية والكفاءة, والمصلحة الوطنية في توليهم المنصب, ومن بينهم الأستاذ هاشم الحلي, إضافة الى شخصيتين عسكريتين.
ليست الغرابة في موقف اللواء العقيلي بما يختص بالشخصيتين العسكريتين, فقد عرفهما عن قرب, من خلال عملهما المشترك, ومن دفعات قريبة لدفعته, والضابط عادة, يعرف ويزن دفعاته من زملائه الضباط, بشكل جيد.
غير أن الذي يستوقف الباحث والدارس المهتم, هو إصراره على تولي الأستاذ هاشم الحلي, برغم إختلاف مرجعيتهما في التأهيل, وبيئتيهما في العمل, فضلا عن عوامل إختلاف أخرى, مما يستوجب التحليل والقراءة المعمقة, التي ستكون درسا مستنبطا بالضرورة, لتجربة الدولة العراقية المعاصرة, بما تعانيه من تداعيات وأمراض, ونكبات وأزمات مستديمة.
بدءً يتبين من موقف اللواء الركن عبد العزيز العقيلي, في رفضه عرض أمر الحرس الجمهوري, لتقلده منصب رئس الجمهورية بالقوة, وكما ورد في معرض رده الحازم على عرض المقدم الركن بشير الطالب, أمر الحرس الجمهوري, أنه كان قد آمن بالديمقراطية واحترام الدستور, وبرأي الأغلبية والإنتخاب, والسلمية في إنتقال السلطة, وكما قال إن من يفرض بالقوة, سيبعد بالقوة أيضا.
فضلا أنه كان مؤمنا بالوحدة الوطنية العراقية, كونها صمام الأمان لأمن وإستقرار وإزدهار الوطن, وأن اللهاث وراء مطلب الوحدة العربية, ليست سوى أحلام ونزعة عاطفية, فليس الإندماج الفوقي بين الدول برغم خصوصياتها, هي الطريق الأسلم لتحقيق الوحدة العربية بنجاح, بل التضامن والتنسيق والتعاون العربي المشترك, هي التي تحقق هذا الهدف المنشود, وهذا ما جعله غير مرغوب فيه, من قبل ساسة الجمهورية العربية المتحدة, وخاصة الرئيس الراحل عبد الناصر, الذي شكل دالة على سائر الأنظمة الجمهورية العربية, وحتى الملكية منها في تلك الحقبة.
إن صواب رؤى العقيلي, قد أثبتته تجارب الوحدة السابقة, والتي فشلت بمجملها, بما فيها وحدة مصر وسوريا, والوحدة الثلاثية التي إضيف اليها العراق, وربما إن نموذج الإتحاد الأوربي, الذي نجح في تحقيق أهدافه, بعد عقود من ذلك الزمن, كان هو الأرجح والأنجح, لو جرى إعتماده من قبل دعاة الوحدة العربية ومؤيديها.
إن هذه الجزئيات الفكرية والمبدئية, تبين أسباب التقارب في الرؤى والتوجهات, بين اللواء الركن عبد العزيز العقيلي والأستاذ هاشم الحلي, إذ يبدو أنهما قد تشاركا الإنتماء لهذه المبادئ, على أساس العقلانية والرؤية الموضوعية, وليس العواطف أو الصداقات البينية.
وذلك مع إختلاف مرجعيتي الرجلين, فاللواء الركن العقيلي, ذا مرجعية عسكرية, إذ تخرج من الكلية العسكرية العراقية نهاية الثلاثينات, ثم تلقى تأهيلا عاليا في القيادة والأركان, ويحمل إجازة في الحقوق, وتولى مناصب الإمرة والقيادة بنجاح, في التشكيلات والقيادات, قبل أن يبعد ويعتقل مع القادة ذوي التوجهات القومية الليبرالية, بعيد قيام الجمهورية, ثم يعود الى الخدمة مع الجمهورية الثانية, ليتولى منصب وزارة الدفاع, في حكومة الدكتور عبد الرحمن البزاز الأولى.
أما الأستاذ هاشم الحلي, فقد كان أكاديميا وتربويا متميزا, من المشهود لهم في سفر العمل الأكاديمي والتربوي, ثم دبلوماسيا سياسيا ورجل دولة من الطراز الأول, تلقى تأهيلا علميا عاليا في الجامعات الأمريكية في الثلاثينات, وتولى إدارة وعمادة الكثير من المؤسسات التربوية, والمعاهد العلمية والتدريسية العالية.
ثم تلقفته الخارجية العراقية, بإلحاح من وزيرها الجهبذ, الدكتور محمد فاضل الجمالي, ليعمل في السلك السياسي والدبلوماسي, قنصلا عاما في نيويورك, وممثلا دائما للعراق في المنظمة الدولية, وسفيرا في ديوان الوزارة, قبل أن يجري نفيه وإبعاده مع السياسيين ذوي التوجهات القومية والليبرالية, بعيد قيام الجمهورية, ليعمل حينها أستاذا جامعيا, ثم ليعود الى الوظيفة, بعد الجمهورية الثانية, رئيسا لبعض مؤسسات الصناعة الوطنية, ومديرا عاما للمصرف الصناعي, تاركا بصماته فيها.
بدليل أن الأستاذ الحلي, كان قد إرتبط بعلاقة وثيقة وقديمة بالدكتور عبد الرحمن البزاز, وقد جمعهما نادي البعث العربي, أواسط الأربعينات, كمؤسسين له الى جانب مجموعة رفاقهما, من طبقة الدكتور علي الصافي, والدكتور حسن ثامر والدكتور عبد الحميد الهلالي, تجمعهم الرؤى العامة في التوجهات الوطنية والقومية والليبرالية التحررية الديمقراطية, وقد حرص البزاز على إشراكهم في حكوماته المتعاقبة.
بينما يكون اللواء الركن العقيلي, هو من يحرص على تولية الأستاذ الحلي منصبا وزاريا, ويعتبره شرطا لقبوله تولي منصب وزارة الدفاع في حكومة الدكتور البزاز الثانية, بعد تسلم الفريق عبد الرحمن عارف رئاسة الجمهورية, في العام 1966, وذلك لمعرفته الشخصية بكفاءة الأستاذ الحلي, وفكره وتطلعاته ورؤاه, وتوجهاته الفكرية والمبدئية, وتصلبه وتفانيه في سبيلها, وهو يبدو المشترك الأبرز في شخصيتيهما, التي أثبتها في عمله الناجح المتميز, في السلكين التربوي ثم السياسي الدبلوماسي, ولأكثر من ثلاثة عقود.
وعليه فليس من الغريب أن الرجلين قد واجها نفس المصير, بما يثبت مواقفهما المبدئية الصلبة, التي في النهاية قدما حياتهما ثمنا للدفاع عنها, وعدم التفريط أو المساومة فيها, ورفضهما الرجوع عنها, فكان الإعتقال والتعرض للقمع والتعذيب, بعد التغيير السياسي في العام 1968, وصدور أحكام الإعدام بحقهما, ثم السجن القاسي, الذي أفضى الى إنهاء حياتهما, في فترة متقاربة, بداية عقد الثمانينات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا


.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024




.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال