الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وهم الأسلمة!

جواد البشيتي

2017 / 4 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جواد البشيتي
"الدِّين" بَيِّنٌ و"الدولة" بَيِّنة، وبينهما أُمور متشابهات لا يَعْلَمها كثير من الناس؛ وينبغي لنا جميعاً الحَذَر من الوقوع في الشُّبهات؛ ولقد وَقَع بعضنا في الشُّبُهات إذْ قال (جاعِلاً كثيرين من العامَّة من المسلمين يقولون معه) بوجود، وبوجوب وجود، "نظام سياسي إسلامي (خالص)"، عابر للتاريخ، وللأزمنة والأمكنة جميعاً؛ وكأنَّ التاريخ لم يكن شاهِداً على أنَّ كل النُّظُم السياسية (وغير السياسية) هي نُظُمٌ عابرة، يتخطَّاها التاريخ، الذي لم يَعْرِف، ولن يَعْرِف، نظاماً سياسياً يتخطَّاه (أيْ يَتَنَقَّل بين حقبه وعصوره كافَّة، مُحْتَفِظاً بماهيته وخواصه نفسها).
إنَّ أوَّل ما ينبغي لنا حَسْم أمره، في أذهاننا السياسية؛ لأنَّه محسوم في العالم الواقعي للسياسة، هو أنْ لا وجود الآن لـ "حُكْمٍ إسلاميٍّ"، يقوم على "مبادئ سياسية إسلامية خالصة"، وإنْ وُجِدَ بَعْدَه (أو ظلَّ ممكناً الوجود) حُكْمٌ (أو نظام حُكْم، أو نظام سياسي) يَنْسِبَهُ أصحابه إلى "الإسلام"، ويُلْبِسونه (من طريق الاجتهاد والتأويل) لبوس "الإسلام"؛ فَلْنُمَيِّز "الحُكْم الإسلامي (الخالص، والذي أصبح أثراً بعد عين)" من "حُكْم الإسلاميين"؛ فالأوَّل ما عاد ممكناً الوجود؛ أمَّا الثاني، فيُوْجَد الآن؛ وقد يُوْجَد مستقبلاً.
الأمر يلتبس علينا، ويختلط؛ لأنَّ طُلاَّب الحُكْم (أو السُّلْطَة) في عالمنا العربي والإسلامي يجتهدون دائماً في انتزاع مبادئ وطرائق ومفاهيم للحُكْم من أمكنة وأزمنة مختلفة؛ لكنَّها تَصْلُح، على وجه العموم، ولأسباب واقعية، لابتناء نظامٍ سياسيٍّ (عندنا) منها، فيتوفَّرون، من ثمَّ، وبمعونة "مُفَكِّرين إسلاميين"، على كَسْو هذه "العِظام" الأجنبية، أو العالمية، "لَحْماً (أو شيئاً من اللَّحْم)"، هو كناية عن "مفردات" و"عبارات" و"تسميات".. إسلامية، وإنْ تَسَبَّب عملهم هذا بكثير من التنافُر بين "محتوى (جُلُّه له مثيل عند غيرنا)" وبين "تشكيلهم له تشكيلاً إسلامياً"، أيْ وَضْعِهم له في شكلٍ، أو قالَبٍ، إسلامي؛ وليس أدل على ذلك من تصالحهم الفكري (عن اضطِّرار) مع نَزْرٍ من "الطريقة الديمقراطية في الحُكْم"؛ فَهُم، وبشيء من "التأويل"، الذي يجيدون لعبته، جعلوا الفَرْق بين "الشورى" و"الديمقراطية" من الضآلة بما كاد أنْ يجعلهما شيئاً واحداً؛ وإنْ اعتبر بعضهم "الشورى" أوسع وأشمل وأعمَّ من "الديمقراطية (حتى في درجتها العليا)".
هُمْ، وعن اضطِّرار، وفي رُبْع السَّاعة الأخير من القرن العشرين، اكتشفوا "الشَّعْب (أو الأمَّة)"، بمفهومه المتواضَع عليه عالمياً؛ واكتشفوا أنَّ هذا "الشعب" يَصْلُح لاتِّخاذه (بإرادته) مَصْدَراً (مع مصادِر أُخرى) للسُّلطة، ولـ "الشرعية السياسية في الحُكْم"؛ واكتشفوا أنَّ "اتِّخاذ صندوق الاقتراع طريقاً إلى الحُكْم" ليس من الكفر في شيء؛ لكنَّهم لم يكتشفوا بَعْد أنَّ كل هذا الذي اكتشفوه ليس بذي أهميةٍ ديمقراطية جوهرية إذا لم يكتشفوا أهمية وضرورة "القِيَم والمبادئ الديمقراطية كافَّة".
وشتَّان الآن ما بين "أَسْلَمة" نظام سياسي (أو اقتصادي، أو اجتماعي) ما، و"نظام سياسي (أو اقتصادي، أو اجتماعي) إسلامي خالص"؛ فـ "الأَسْلَمَة" ممكنة، وواقعية؛ وليس بالأمر المستعصي على المرء أنْ يَجِدَ، إذا ما فَكَّر أو اجتهد قليلاً، في "النَّص"، أو "الظاهرة"، مدار اهتمامه، ما يرغب في وجوده.
إنَّ "الأَسْلَمَة" ليس إلاَّ هي "حقيقة" جماعات وأحزاب "الإسلام هو الحل"؛ وكأنَّ التعبير عن "المشكلات نفسها"، و"الحلول نفسها"، بـ "لغة إسلامية" يكفي للقول بشعار "الإسلام هو الحل"؛ فأين هي الآن "المشكلة الكبرى" التي أَعْجَزت غيرنا عن حلها، ولَمْ تُحلَّ إلاَّ على أيدي أصحاب هذا الشعار، والقائلين به؟!
وفي "العولمة"، وبها، تتَّسِع، في استمرار، دائرة المشكلات المتشابهة المتماثلة بين الدول والشعوب كافَّة، وتتَّسِع معها دائرة الحلول المتشابهة المتماثلة؛ والدِّين، أيُّ دِين، ليس في وسعه إلاَّ أنْ يقف على الحياد من هذه المشكلات وحلولها، لأنَّها تَقَع في الخارج من نصوصه، ومن معانيها الحقيقية؛ فإنَّ لكلِّ عصرٍ ما يُميِّزه من "المشكلات"؛ أمَّا "الحلول" فهي "بَنَات" المشكلات نفسها؛ ولقد أكَّد لنا التاريخ، وأثْبَت، في استمرار، أنَّ "المشكلة" لا تُوْلَد إلاَّ ومعها "حلها"، أو لا تُوْلَد إلاَّ وجنين حلها ينمو في رحمها؛ فالناس لا يُوَاجِهون مشكلات لا يمكنهم أبداً حلها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا