الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


افول الماركسية - الايديولوجيات : من 1968 حتى اليوم (5)

موسى راكان موسى

2017 / 4 / 18
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


عاصفة 1968 الكبرى (ص 28 ـ 33) :


كانت بداية السبعينات لا تزال تحت تأثير و صدمة الأحداث التي طبعت نهاية العقد السابق . هذه الأحداث كانت عبارة عن سلسلة من الأمور الخارقة للعادة ، المفاجئة و التي لم يكن بالإمكان توقع حصولها قبل بضعة أشهر من انفجارها . في عام 1968 كانت الشبيبة الطالبية و الجامعية في جزء غير قليل من أوروبا الغربية في حالة تمرد حقيقية .... من برلين إلى روما ، ميلانو ، باريس ، كانت الجامعات ثائرة تماما . و بلغة التقسيم الطبقي فإن الأمر يتعلق بجماهير الشبيبة من البورجوازية الصغيرة و التي لم يكن التحليل الماركسي (( التقليدي )) يقيم لها أي اعتبار قبل فترة من ذلك . و لكن هذه الجماهير و رغم كل شيء و رغم ضبابية عدد كبير من شعاراتها ، كانت تثور ضد (( الامبريالية )) ، و تدافع عن فيتنام ، و ترفع أسماء (( تشي غيفارا )) و هوشي منه ، و ماو و ماركس ، ليس في سبيل بضعة إصلاحات و إنما من أجل الثورة (( و الشيوعية )) . و هنا أيضا ، و مرة أخرى ، كان شيء ما شبيه بالثورة الثقافية يرتسم في الأفق بشكل ليس أقل جذرية (على مستوى الأفكار على الأقل) من الثورة الثقافية الصينية . إن (( الشيوعية )) (التي كانت الحركة العمالية و منذ فترة طويلة جدا قد اعتادت على النظر إليها كهدف بعيد ، يقع عند حدود القصوى للأفق ، في ثنايا مستقبل غير معروف بعد ، و حيث تكون قد تطورت و كبرت قوى الانتاج في الآن نفسه مع (( التطور الكلي الجوانب للأفراد )) ، و حيث كل (( مصادر الثورة الجماعية )) تكون قد سالت (( إلى الحد الأقصى من الاشباع ))) . هذه الشيوعية ، كانت تبدو فجأة و كأنها أصبحت بفضل مبادرة الطلاب هدفا قريبا إن لم يكن مباشرا للنضال .


كانت الأهداف النهائية (و قد أثارتها التجربة الصينية و أكثر من ذلك أيضا التفسيرات التي أعطاها لها عدد كبير من المثقفين الغربيين) تبدو و قد أصبحت فجأة راهنة : ليس فقط قلب الدولة البورجوازية و إنما أيضا تجاوز البرلمانية المقيتة ، و طرح ديمقراطية المندوبين (أو الديمقراطية التمثيلية) ، ليس فقط المساواة الكاملة و الفعلية و إنما أيضا إلغاء (( تقسيم العمل )) ، أو أكثر من ذلك إلغاء العمل نفسه (و هو ما دعت له بالفعل في أول أيار جريدة المانيفستو التي أصبحت بعد ذلك يومية) .


إن القواعد المادية و الموضوعية الشهيرة التي من المؤمل يوما ما أن تقوم عليها و تكبر و تتطور مقومات المجتمع الشيوعي ، بدت في أحيان معينة أكثر من ضرورة فعلية لا يمكن تجاوزها ، و إنما فريضة مقيتة (( للاقتصادوية )) . كانت التجربة الصينية تبرهن على إمكانية الاتجاه نحو (( الشيوعية )) مباشرة ، حتى و لو كان البلد المعني في وضع (( متخلف )) . و من جهة أخرى بدت يومها عملية المناوبة أو تدوير مهمات العمل ، و نقل جماهير الطلاب الصينين للعمل في التعاونيات و الكومونات الريفية ، حتى بالنسبة لمثقفين من سن معين ، الخطوة الأولى لمباشرة إلغاء الفروقات (( المقيتة و غير المبررة و غير العادلة )) بين العمل اليدوي و العمل الذهني و بين الريف و المدينة .


كان يبدو للبعض بكل تأكيد أن هناك نوعا من التبسيط ، و كثيرا من الأوهام ، في كل ذلك الكلام . كان الطلاب يبدون و كأنهم يأخذون أكثر من اللازم بحرفية كلام ماركس و دعوته للتخلص من ثقل كل تلك العادات الثقافية التي (( تنيخ بكلكلها فعلا على العقل و الدماغ )) . كان الأمر يتعلق طبعا بنواقص قديمة معروفة ، هي من صلب عقلية بورجوازية صغيرة معينة . و لكن يبقى أن قيام جماهير الشبيبة ذات الأصول البورجوازية الصغيرة بالدفع بإتجاه الثورة يشير أيضا (و هذا ما بدا للبعض) كم أن (( الحاجة إلى الشيوعية )) التي تبرز في قلب المجتمعات الغربية كانت من الآن فصاعدا عميقة و ناضجة .


و من جهة أخرى فإن أيار الفرنسي كان أكثر من مجرد مرحلة هامة و ذات مغزى في نضال الحركة الطلابية . ذلك أن (( إضرابا عاما )) تطور في فرنسا في حدود لم يسبق لها مثيل و هو قد انطلق بفضل ثورة الطلاب التي كانت بمثابة صاعق التفجير لذلك الاضراب الفرنسي الذي كان من أطول الإضرابات إن لم يكن أطولها التي عرفها التاريخ . أكثر من عشرة ملايين عامل دخلوا ميدان النضال لعدة أسابيع . و رغم جهود الحزب الشيوعي الفرنسي و نقابة العمال (سي جي تي) لمنع الالتقاء النضالي بين الطلاب و العمال ، إنعقد الاتصال و حول نقاط عديدة .


إن قابلية العمال الفرنسيين هذه على خوض نضال قاس و طويل قد ألقت جزئيا الماء على نار الخطب التي أشرنا إليها سابقا حول (( إندماج )) الطبقة العاملة الغربية في النظام . و للمناسبة فإن هذه الخطب ؛ قد صيغت و طورت (و قبل أن يمسك بها اليسار الماركسي المتطرف و يجعلها موضوعاته) قبل عقد من ذلك الزمن ، و في نهاية الخمسينات تقريبا ، بصيغة (( تحريفية )) مكشوفة و إصلاحية ، من قبل علماء اجتماع من أمثال سيرج مالليه .


و لكن حين ننظر عن كثب إلى الاضراب الفرنسي ، و رغم أنه أشعل من ناحية أولى الآمال في إمكان الثورة في الغرب ، فإنه يؤكد من ناحية أخرى ضرورة تعديل و تطوير التحاليل الماركسية القديمة و بجرأة . في مقال هام ظهر في مجلة نيوستاتيسمان في 19 تموز ـ يوليو كتب ميرفين جونز الذي كان موجودا في فرنسا في شهر مايو (آيار) ، (( أن أشد ما كان يصدم المراقب هو إنتشار الاضراب ليشمل المستخدمين و التقنيين و المهن الحرة . لقد تم احتلال المتاحف ، و دار الأوبرا ، و المختبرات النووية ، و المصارف و شركات التأمين . كما أن اضراب موظفي الراديو ضد الدعاية الرسمية كان من أكثر الاضرابات حزما و شعبية . كل ذلك كان يختلف تماما عن الاضراب الانكليزي لعام 1926 ، حيث كان مستخدمو البنوك المنشقون ، و حيث كان تضامن العمال يواجه عداء الطبقات المتوسطة )) . و يختتم جونز قائلا بأنه (( يبدو (و هنا المفارقة) أنه كلما كانت الطبقة العاملة تقل عدديا كلما تنتشر . كل أولئك المهندسين و الكيميائيين و غيرهم أيضا من أصحاب الموقع الطبقي غير المحدد ، كانوا يتجهون وجهة التماثل مع العمال و إلى جذب آخرين معهم أيضا ... و ذلك في فرنسا على الأقل )) .


إذن ، و أبعد من الطلاب ، شهد آيار الفرنسي دخول تقنيين و أعضاء من المهن الحرة و أفراد ينتمون إلى الطبقاب الوسطى ، إلى معترك ساح النضال . و كان من الملح و الحالة هذه مراجعة النظرية القديمة حول (( الذات الثورية )) . ذلك أن التورط في تكبيل الأيدي بها سيكون أكثر من مجرد حذلقة أساتذة ماركسية ، و إنما عملية انتحار حقيقية .


و لكن ، و لحسن الحظ ، جرت أمور أكثر من ذلك بكثير . إن واقعة كون أحداث آيار لم تؤد إلى شيء ، لا بل على العكس من ذلك إن نتائج الانتخابات التي جرت في فرنسا بعد أسابيع من الأحداث (حين كان الوضع قد تغير فضلا عن ذلك) قد كشفت تماما و نهائيا المسؤوليات الخطيرة للحزب الشيوعي . فهو لم يكتف فقط برفض إعطاء النضال الجاري مخرجا ثوريا رغم التعبئة العفوية و النضالية العالية للغالبية الكبرى من العمال ، بل أنه عمل بنشاط لكي يتمكن ديغول من الاجهاز على الوضع . و هذا ما يؤكد (يقول سويزي و كل جماعة أقصى اليسار في نفس الوقت) بأنه (( ما من حزب جماهيري يعمل من داخل بنية المؤسسات البورجوازية يستطيع أن يكون ثوريا في الآن ذاته )) .


أما أسباب ذلك فقد كانت جد معروفة .. ذلك أن (( أولئك الذين يتحملون مسؤوليات في البرلمان البورجوازي ، في مجالس البلديات إلخ ... يعتادون على النظر إلى المسائل بعبارات بورجوازية . أما كوادر الأحزاب فإنهم يكسبون قوت يومهم بدخولهم في لعبة الانتخابات السياسية البورجوازية . و المستخدمون النقابيون و أعضاء لجان المصانع و المؤسسات ، يحتفظون بمسؤولياتهم و يجري تقدير عملهم ، بقدر مساعدتهم للعمال على الحصول على تنازلات من الرأسماليين )) .


و يختتم سويزي قائلا : (( إن هكذا حزب حتى و لو سمى نفسه شيوعيا أو اشتراكيا أو عماليا هو بطبيعته غير ثوري إنما إصلاحي )) .


إن النقد كان يطال أيضا مفهوم الحزب كما طوره لينين . إن مجموعات اليسار الجديد المتواجدة داخل الحركات الطلابية الأوروبية (و على الأخص حركة 22 آذار ـ مارس في ألمانيا) قد أشارت دون تردد إلى سبب سلوك و ممارسة الحزب الشيوعي الفرنسي إبان آيار الفرنسي ، و ذلك بالقول أنه لا يكمن في (( الأخطاء القيادية )) التقليدية ، أو في (( الخيانة )) و إنما في المفهوم اللينيني للحزب نفسه : تلك الطليعة المنظمة تراتبيا و المنضبطة بشدة و التي تدعي لنفسها إحتكار القيادة الثورية . و في الظروف الجديدة فإن هذه الأحزاب قد أصبحت رغما عنها نسخة مضحكة (كاريكاتورا) عن اللينينية . إن مركزيتها و تحجر بنيتها كانت تمنعها من تلبية أية مهمة تقتضي أن تكون فيها خميرة أو مرشدا في وضع (كما هو راهنا) كان على العكس من ذلك يتسم بدرجة عالية من (( العفوية )) و (( الإبداع )) في الحركات الاجتماعية .


و حتى (( الخريف الإيطالي الساخن )) (الذي شكل مع ذلك نجاحا كبيرا على مستوى قيادة النضالات ليس فقط بالنسبة للتجمعات النقابية و لكن أيضا بالنسبة للأحزاب السياسية اليسارية و خصوصا الحزب الشيوعي الايطالي) فقد كان يبدو أنه في نهاية الأمر يؤكد التشخيص المذكور . في 1970ـ1971 ، و حين كانت موجة النضالات الطلابية تبدو لفترة من الوقت و قد إنكفأت ، كانت الفسحة الموجودة على يسار الحزب الشيوعي تملؤها تشكيلة من المجموعات و الجماعات دائما منهمكة في الجدال فيما بينها و في حالة أزمة مستمرة و لكن قادرة رغم ذلك على التوالد باستمرار من بين أنقاضها عند أول إشارة لنهوض ما أو لنضال يندلع هنا أو هناك في البلاد .


لقد أبرزت عاصفة 68 الكبرى إلى السطح من الآن فصاعدا كل ما كان يختفي في أعماق و باطن الحركة العمالية . فهي قد أعطت روحا جديدا للفوضوية مع كوهين بنديت (أعاد الناشرون حينها طبع مؤلفات باكونين و كروبتكين) . و هي أحيت الشبح الذي لم يكن قد اختفى أبدا ، (( الستالينية )) (الذي أصبح موضوعة بفضل جدال بكين) . و هي قد أتاحت دعاية و شعبية غير متوقعة لبورديغا و معه كل المتطرفين . حتى أولئك أصحاب الأسماء الغريبة جدا ، و الذين كان لهم الحظ بأن يكون لينين قد انتقدهم في كتابه (( اليسارية مرض الطفولية في الشيوعية )) . و هكذا صعد إلى المسرح ، و لفترة من الزمن على الأقل ، بانيكوك و غورتر ، و طبعا الأكثر أهمية منهم : روزا لوكسمبورغ ، التي صعدت من الآن فصاعدا من كونها ملكة منظري (( الانهيار )) إلى مصاف ملكة منظري (( العفوية )) . و كان لماو و لين بياو طبعا حصة الأسد . إلا أن الجميع كان له الحظ بنيل موقع (حتى أولئك الذين نسيت ذكرهم) من كارل كورش المجالسي ، إلى لوكاتش 1923 ، و حتى تلك اللحظة ظل غرامشي بعيدا عن المسرح ، و طبعا فإن تروتسكي يبقى خارج هذا الوضع على الدوام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024