الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأنصاريون يقيمون تجربتهم

آريين آمد

2017 / 4 / 18
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


في عام النكبة الوطنية 1978 لفظت الجبهة الوطنية آخر أنفاسها، حينها لم يترك البعث أمام الرفاق الشيوعيين وأصدقائهم سوى خيارات محدودة للغاية، واغلب تلك الخيارات كانت تعتمد على التقدير الشخصي للموقف، بسبب ضيق الوقت وشدة الهجمة البوليسية التي استهدفت كافة المستويات في الهيكل التنظيمي للحزب، جميع الخيارات كانت صعبة، البقاء في الداخل يجعلك هدفا سهلا لزبانية النظام، الهروب إلى خارج البلاد يحتاج دائما إمكانيات قد لا تتوفر لدى الكثيرين، جاء قرار الحزب للتحول إلى الكفاح المسلح، كخيار أخير لتوفير فرصة حقيقة للنضال من اجل إسقاط النظام وإحلال الديمقراطية.
في تقديري الشخصي إن كل من لم يستطيع المشاركة في حركة الأنصار ومهما كانت الأعذار والمبررات يبقى يشعر بالنقص وتأنيب الضمير والتقصير أمام ابسط أنصاري حمل السلاح بوجه أقسى وأبشع نظام عرفته البشرية على مر التاريخ. هذه الفرضية جعلت قراءتي لكتاب (محطات في حياتي) للرفيق (وردا البيلاتي) قراءة خاصة، فمنذ البداية كان هناك شعور شديد وحاجة لتقمص الشخصية من خلال تبادل الأدوار لفهم أفضل لأوجه القصور فقد كان ممكنا جدا أن نكون احد الأنصاريين لو لا الظروف الخاصة.
خيار الكفاح المسلح طالما أثار اهتمامي وما يزال، فكيف لحزب ينتهج الطريق السلمي أن يتحول بين ليلة وضحاها إلى حرب العصابات لمواجهة أقوى نظام عسكري يمتلك جيش وطائرات واستخبارات وامن وفوق كل هذا القسوة والإفراط بالوحشية ضد مناوئيه؟! لابد أنها التجربة الأكثر اهتماما في حياة الحزب الداخلية، فقد تتوفر لدى كوادر الحزب معلومات نظرية كثيرة عن حرب العصابات ولكن تبقى المسافة بين النظرية والتطبيق كبيرة وشاسعة، فليس سهلا على طبيب أو مهندس أو شاعر أو فنان أو كاتب أن يعيش في جبال قنديل ويتحمل قسوة الطبيعة مع نقص تام لجميع المستلزمات الضرورية للعيش كانسان.
كانت قراءتي لكتاب محطات في حياتي قراءة من نوع ثان، قراءة ليست لغرض الاطلاع على التفاصيل المذكورة فقط بل التعمق لما بعد الكلمة والعبارة والجملة والفقرة والصورة .... قراءة لإكمال الفهم. كيف يمكن للأنصاري تحمل كل تلك العذابات والصراع المزدوج مع الطبيعة من جهة والبعث من جهة أخرى؟ كيف نظم الحزب نفسه ليصبح تنظيما مسلحا قادرا على إلحاق الأذى بالعدو من اجل إسقاطه؟ كيف كان يعيش الأنصاري يومه وهو في كهف أو في العراء أو على سفح جبل؟ هل كان للأنصاري حياة خاصة، زوجة، حبيبة، أحلام، رغبات؟ إضافة إلى أسئلة تتعلق بالحزب، من أين كان يحصل الحزب على التمويل المادي؟ كيف كان الحزب يجري اتصالاته مع الخارج؟ هل كانت لدى القيادة تصور واضح على ماهية هذا النضال، الأهداف المرحلية، الأهداف الكبرى، الإستراتيجية اللازمة لتحقيق الأهداف، الموارد المتاحة.... الخ
هل أجاب الكتاب على كل تلك الأسئلة؟ الجواب الأول حتما لا... فلم تكن مهمة الكاتب بيان ذلك قدر تعريفنا بمحطات مهمة في حياته، محطات أوصلته لما هو عليه، محطات خسر خلالها الكثير من وقته، عمره، شبابه، محطات لم تكن سهلة على الإطلاق، امتاز خلالها بالصبر والثبات واليقين، أما ما مصدر اليقين فلا ندري إن كان بسبب الإيمان بالمبادئ أم بسبب العناد في شخصيته التي لم تقبل أن تلين، اليقين كان جزءا مهما من شخصية الكاتب مكنته من أن يتميز عن الرفاق الآخرين، جاعلا منه مؤمنا بحتمية الانتصار ومقارعة النظام ولو بكلاشنكوف!
لم يقدم الكاتب بحثا في حرب الأنصار، لكن اختلاط تفاصيل حياة الكاتب مع تجربة الأنصار مكننا من التعرف على جوانب مهمة كانت خافية لم يتم تناولها مسبقا. وأول تلك الجوانب ... إن الحزب بدأ الكفاح المسلح من الصفر من منطقة (ناوزنك... ص 74). وهي بداية صعبة جدا بالتأكيد... فقبل كل شيء يصبح تامين مقومات العيش في بيئة قاسية أسبقية أولى، فمن اجل أن تحصل على قطعة خبز لابد أن تمتلك تنورا وخبازا وحطابا، ورغم إن التنور يبدو بسيطا للغاية فهو لا يحتاج سوى للطين، وما أكثر الطين في جبال كوردستان، إلا إن الرفاق في السرية لم ينجحوا في أيامهم الأولى من بناء تنور قادر على الصمود، (الشيء المهم الذي كان يجب علينا انجازه هو بناء "التنور" لنتمكن من صنع الخبز الذي كان مصدرا أساسيا لحياتنا، وفعلا باشرنا ببنائه لكننا فشلنا بذلك رغم إننا صببنا فيه كل الأفكار والمقترحات التي كانت تخطر ببال الرفاق بخصوصه... ص 76). مثلما انهار أول حمام شيدوه بعد أول سيل جارف (وتكرر ذلك لأكثر من مرة... ص 76).... الصراع مع الطبيعة القاسية كان أول التحديات التي يواجهها المقاتل في جبال كوردستان، فكل شيء هناك مصمم ضدك وكل شيء يجب أن تخضعه لخدمتك وخدمة الحرب التي تخوضها. أما المشاكل الأخرى فلكل منها قصة، غطى الكاتب بعض منها في سياق السرد وترك الكثير منها لتبقى غامضة في ذهن القارئ.
رغم إن الحزب استطاع أن ينظم الأنصار في أفواج وسرايا ومفارز قتالية وأخرى للاستطلاع أو الاتصالات أو الطبابة وغيرها، وطور من الإمكانيات العسكرية لدى الرفاق من خلال زجهم في الكليات العسكرية في اليمن مثلا، إلا أن النهاية كانت كارثية بكل المقاييس، (مكثنا نحن الأنصار في ذلك الوادي، توكأنا على صخوره، وجذوع أشجاره، شربت أرضه ملح عرقنا ودموعنا الصامتة الحزينة على الهزيمة التي منينا به.... ص 214) هكذا انتهى كل شيء بسرعة، وتشتت الأنصاريون في مخيمات اللجوء مثل الآخرين (بعد أن كنا مقاتلين نحمل السلاح نصبح مجرد أسماء في قوائم اللاجئين... ص 220) فأي نهاية كانت تلك؟ مؤكد إنها لا تليق بالحزب الشيوعي العراقي لأنه يكشف سوء تقدير للموقف وتقييما خاطئا للوضع الاستراتيجي.
الكتاب مشوق لأنه يدخلك في عالم الأنصاريين، العالم الذي يظل يشعرنا بنقصنا وعدم اكتمالنا لأننا تخلفنا يوما عن حمل السلاح بوجه صدام الذي سرق منا أعمارنا وأحلامنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترامب يواجه محاكمة جنائية بقضية شراء الصمت| #أميركا_اليوم


.. القناة 12 الإسرائيلية: القيادة السياسية والأمنية قررت الرد ب




.. رئيس الوزراء العراقي: نحث على الالتزام بالقوانين الدولية الت


.. شركات طيران عالمية تلغي رحلاتها أو تغير مسارها بسبب التوتر ب




.. تحقيق باحتمالية معرفة طاقم سفينة دالي بعطل فيها والتغاضي عنه