الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ام كلثوم والشيخ كشك وعبقرية المصريون

احمد الباسوسي

2017 / 4 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


كانت حشود المصلين المقدرة بعشرات الآلاف تتحرك مبكرا في اتجاه مسجد عين الحياة على شارع مصر والسودان بمنطقة حدائق القبة بالقاهرة لحجز موطئ قدم داخل المسجد أو خارجه انتظارا لما سوف يقوله إمام المسجد وقتئذ الشيخ الكفيف عبد الحميد كشك (1933-1996) في خطبة الجمعة قبل آذان الجمعة بنحو ساعتين أو أكثر. وكان قد تم تكليفه بتولي الإمامه والخطابة في هذا المسجد عام (1962) وإستمر ذلك الأمر مدة عشرون عاما قبل أن يمنع نهائيا من الخطابة في أعقاب خروجه من المعتقل الذي زج فيه مع عشرات المعارضين لسياسات الرئيس السادات فيما عرف بأحداث سبتمبر الشهيرة (1981)، وتم الإقراج عنه عام (1982). بعد أحداث مقتل الرئيس السادات في حادث المنصة في العرض العسكري الشهير في يوم 6 اكتوبر (1981) وتولي الرئيس السابق حسني مبارك مقاليد الأمور بعد ذلك. والرجل كان يتمتع بكاريزما فريده ملفتة للانتباه والاهتمام، صوت قوي واثق، وطلاقة لسانية لفظية منسابة كنهر متدفق على طريقة أغلب الأزهريون. ودراية واسعة بالأخبار والأحداث اليومية وتفاصيل الحياة العادية الآنية للمصريين، واضافة الى كل ذلك كان الرجل يتمتع بخفة ظل مدهشة، وقدرة غير محدودة على السخرية من كل شيء وأي شيء، خاصة اذا كان الأمر يتعلق بتفاصيل الحياة اليومية للمصريين ومعاناتهم مع الدولة واجهزتها المختلفة، حتى أضحى بين يوم وليلة واحدا من أشد المعارضين لنظم الحكم المتعاقبة في مصر. تزايدت جماهيرية الشيخ السلفي خاصة مع تزايد المد السلفي في مصر منذ سبعينيات القرن الماضي، وأصبح مسجده بمنطقة حدائق القبة مزارا لآلاف المصريون يشدون اليه رحالهم منذ صباح كل جمعة، يفترشون الأرض في الشوارع المحيطة ويتنظرون في عز الحر تحت نيران شمس لاترحم ما الذي سوف يقوله الشيخ في هذه الجمعة، ومن الذي سوف توضع رقبته تحت مقصلة سخرية الشيخ المفرطة على منبره في هذه الظهيرة سواء من رجال أو نساء السياسة والفن أو قادة الدول وسياسييها في مصر أو خارج مصر. المصريون بطبعهم مولعون بالسخرية، وسماع الانتقادات، ودائما يتوحدون مع كل الاطروحات التي تكشف عن السلبيات سواء كانت في اتجاه السلطة أو تجاه قضايا اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية من دون ان يتكلفوا مشقة البحث داخل عقولهم عن دلائل تؤكد كلام الشيخ الذي عادة يكون مٌعمم، ومن دون دلائل، ولاحدود. الشيخ بذكائه الفطري تيقن من حاجة جماهيره للسخرية وللضحك مثلما تيقن من خفة ظله أيضا. كانت كل خطبة تحمل له مردودا عظيما من الانشراح والثقة واتساع القدر بين الناس. وفي إحدى خطبه المنبرية سخر بشراسته المعهودة من سيدة الغناء العربي ام كلثوم، قال " عجوز في السبعين من عمرها تقف أمام الناس تغني وتقول خدني في حنانك خدني!.....وتابع السخرية ". ضحك المصلون في هذه الظهيرة كثيرا من سخرية الشيخ، لكنهم بعدما انفضوا من حوله ذهبوا يتابعون ام كلثوم ويتمايلون مع ايقاعات الموسيقى وصوتها العبقري أمام المذياع. والشيخ الذي اعتاد على اجتذاب الناس لمنبره عن طريق المبالغات تارة، حيث إن ام كلثوم لم تكن بلغت السبعين وقتما غنت "إنت عمري" لمحمد عبدالوهاب، بل كانت اقل من ذلك بكثير، كما إنه كان دائما يعتمد (مثل من على شاكلته) على ترديد الاشاعات التي تدغدغ مشاعر مريديه وجماهيره. ولايهتم بالتدليل على ما يقول بما يخاطب العقول. اضافة الى اعلانه كراهيته للغناء وتحريمه، وذلك حينما يختار أعظم من غنت الأغنية العاطفية والوطنية والدينية ايضا في التاريخ العربي وينفذ فيها مقصلة سخريته وتهكمه. ويبدو إن هذا الشيخ السلفي الكفيف خانه ذكائه الفطري وابتعد به كثيرا عن فهم طبيعة وذكاء ومشاعر المصريون البسطاء وخاصة اولئك الذي كانوا يشدون الرحال الى منبره أو يتلقفون شرائطه المسجل عليها خطبه المنبرية كل جمعه بشغف بالغ. لم يتمكن هذا الشيخ السلفي بعقليته المنغلقة من ادراك إن هذه الآلالف التي كانت تفترش شارع مصر والسودان لتصلي الجمعة خلفة كانوا يستغلون الرجل لحل ازماتهم الشخصية والنفسية. كانوا يعتبرونه البطل الوهمي الذي يجرؤ على التعبير عما بداخلهم من غضب واحباط في حياتهم الخاصة والاجتماعية وأيضا غضبهم حيال السلطة، إي سلطة، سواء في المنزل او العمل أو في القصر الجمهوري. الشيخ الكفيف كان يساعدهم في التفريغ واعلان الغضب، ثم قضاء وقت ممتع في الضحك، وقت صلاة الجمعة المفترض فيها الخشوع والاستسلام لله سبحانه وتعالى. لم يكن الشيخ بطلا مثلما توهم وهاجم عن حق وعن باطل السلطة والسلطان واضحك الناس، لأنه ببساطه كان يدغدغ مشاعرهم وعواطفهم، ويتجنب مخاطبة عقولهم. وكان الناس مسحورين بكاريزما الرجل وطلاقته المدهشة في الكلام لكنهم لم يصدقون ابدا إن الغناء حرام حسبما يدعي الشيخ، وإن العبقرية ام كلثوم مجرد عجوز شمطاء تتلظى في نار جهنم مثلما كان دائم الوصف لها هكذا. بل انتشرت أقاويل وقتها إن خطب الرجل تجتذب بقوة هؤلاء المولعون بتدخين الحشيش والانبساط. والغريب والمدهش إن نموذج الشيخ الكفيف كشك لايزال يتكرر حتى اليوم وكأن أحدا لا يتعلم ابدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتساع رقعة الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية للمطالبة بوقف فو


.. فريق تطوعي يذكر بأسماء الأطفال الذين استشهدوا في حرب غزة




.. المرصد الأورومتوسطي يُحذّر من اتساع رقعة الأمراض المعدية في


.. رغم إغلاق بوابات جامعة كولومبيا بالأقفال.. لليوم السابع على




.. أخبار الصباح | مجلس الشيوخ الأميركي يقر إرسال مساعدات لإسرائ