الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفكيك بنية الأصوليّات البروتستانتية في العالم الإسلاميّ: مقاربة محمد شحرور وعدنان السيّد أنموذجا

عصام بن الشيخ
كاتب وباحث سياسي. ناشط حقوقي حر

(Issam Bencheikh)

2017 / 4 / 30
الارهاب, الحرب والسلام


تفكيك بنية الأصوليّات البروتستانتية في العالم الإسلاميّ:
مقاربة محمد شحرور وعدنان السيّد أنموذجا
د/ عصام بن الشيخ 30- 04 – 2017 / الجزائر
**********************************
يقول المفكّر الإسلاميّ اللبناني عدنان السيّد، أنّه لم يجرؤ على نقد فكر محمد آركون أو عابد الجابري أو علي أومليل حول الدولة الوطنية وافلاس مشروع القوميين العرب، في تفكيك التركة الاستعماريّة الخطرة للحداثة المشوهة وأسئلة المستقبل، لكنّه تصدّى لدعواتهم الحداثيّة التي تنطلق من نقد التقليد الإسلاميّ، فتحرّك دفاعا عن جوهر الإسلام بوصفه أحد أندر المدافعين عن التقليد الأصيل ضدّ دعوات الحداثة المزيّفة. إذ يذكر عدنان السيّد لقاءه بالأستاذ مالك بن نبي الذي قال له سنة 1968 أنّ العالم الإسلامي سيشهد انشقاقات بروتستانتية ضدّ التقليد التراثانيّ، وأنّ الصحوات ستجعل الثورات الدينيّة الوسيلة الأبرز لإخفاء إعمال العقل، ورفض الرهان السلطويّ كهدف خفيّ تحت المسميّات الدينية "المغلوطة"... إذ يكفي أن نقول أنّ ما أصح يميّز المسلمين عن غيرهم، هو شذوذهم عن الاجماع العالميّ حيال الصحوتين التاريخيتين لحقوق الإنسان، سواء في الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان سنة 1948 أو مؤتمر الأمم المتحدة في فيينا سنة 1993، لقد تخلفت عجلة الحداثة عندنا لمّا رفضنا بكلّ "وثوقيّة إيقانيّة" أن نكون مع الاجماع العالميّ بأنّ حقوق الإنسان (كونيّة، عالميّة، شاملة، مترابطة، تضامنية، غير قابلة للفصل والتجزئة). لقد برّر المسلمون التخلّف عن الاجماع الحقوقيّ العالميّ بصحواتهم الدينيّة "الخطيرة" على أمّتهم قبل الأمم المتحضّرة الأخرى، تاركين فرص الانفتاح لغيرهم من الأمم، التي استطاعت التوليف بين التقليد والحداثة، وتوصلت إلى الاستفادة من الاستعمار نفسه، كما حدث بالنسبة لدول آسيا الشرقيّة كاليابان أو الصين أو فيتنام، التي أضحت اليوم صاحبة أعلى مستويات النموّ الاقتصاديّ في القرن 21.
أما مقاربات عدنان السيّد حيال الأصوليات البروتستانتية فكانت أكثر علويّة وإحاطة (رأسيا وأفقيا) ومن جهات مختلفة ظاهريا ومن الأعماق، فلقد نقد السيّد أصوليّات المصريّ سيد قطب والباكستانيّ أبي الأعلى المودودي، على الرغم من اختلاف المقاربة العنفيّة التكفيرية لقطب، مع المقاربة اللاعنفيّة للمودودي، كما انتقد الصحوة الإخوانيّة للشيعة بقيادة آية الله الخميني، والصحوة الإخوانية للشيخ حسن البنّا المؤسّس، مبرزا بعبقرية الخصوصيّة النظرية لأطروحة الشيخ يوسف القرضاوي حول الطهوريّة الشكلانيّة، ومذكّرا أيضا بأطروحات الأصالة والمعاصرة وتأثير الوافد على الأصيل في مقاربات علي عبد الرازق ورشيد رضا، أو مقاربة الفوات الحضاريّ للمغربيّ عبد الله العروي والتي تبناها العديد من المفكرين الحداثيين الإيرانيين كفريدون هويدا وغيرهم، إضافة إلى صراعات دعاة التقليد مع العلمانية واللاّدين (الإلحاد) ورفض أطروحة "موت الله" في فكر الإيرانيّ علي شريعتي سابقا أو المفكّر الإسلاميّ التركيّ عبد الله غولن حاليّا....، وغيرهم من النماذج التي ميّزتها مسيرة عدنان السيّد بالتفكيك والتركيب، والتي كان منطلقها تفكيك خطابات الحداثيين العرب وقبلهم الحداثيون الغربيون أمثال ميشال فوكو، حيال نقل أفكار المستشرقين وتبني خطاباتهم الحداثية، كما حدث في فكر طه حسين في القرن المنصرم، أو قريبا في فكر طرابيشي وآركون والجابري وأومليل والعروي والمرنيسي وأدونيس غيرهم، او نقده الهام لفكر إبن تيمية، لتمييز البدع عن الأصليّ من الدين الحنيف.
جمع لقاء نادر رفع على مكتبة الفيديو الرقميّ يوتوب، المفكّر الإسلاميّ السوريّ محمد شحرور والمفكّر الإسلاميّ اللبنانيّ عدنان السيّد، يلخّص الرجلان العلاقة المعقدة بين دمشق وبيروت في خصوصيتهما الفكريّة، إذ يقاطع السيّد زميله شحرور في أثناء الحوار قائلا: "اشرح للمشاهدين على طريقتك، فأنا أفهمك على طريقتي". يقول عدنان السيّد أنّ عهد رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، كانت أكثر العهود اللبنانية انفتاحا على العالمين العربي والإسلاميّ، وعلى دمشق، عكس ما يروّج له التيار السياسيّ اللبنانيّ المعادي لدمشق. لقد ظهرت الأصولية في سوريا مشوّهة الثورة السوريّة، مبرزة التجاهل الكبير الذي مارسه وتمارسه الدولة الوطنية والمعارضات الأصولية الإسلامية واليساريّة واللبراليّة على حدّ سواء، باسم الدفاع عن السيادة والشعب والأرض والدين. وإذ يرصد شحرور مؤلفا هاما موسوما بـ: "تجفيف منابع الإرهاب"، لرفض منطلقات الأصوليين انطلاقا من تفنيد التفسير الدينيّ المغلوط الذي يعتمدون عليه، فإنّ رضوان السيّد يميّ هو الآخر بين الآيات التي تدعو إلى جهاد الطلب، مبرا تفعيل "جهاد الدفاع"، لأنّ كلّ آيات جهاد الطلب، كانت تخصّ تأسيس الدولة الإسلامية ورهان فتح مكّة. ويذكّرني الانضباط الفكريّ لشحرور والسيّد في هذا السياق، بما قاله المفكّر البريطانيّ أرنولد توينبي: "ولد محمد في نطاق البروليتاريا العربية الخارجية للإمبراطورية الرومانية، في عصر كانت فيه العلاقات بين الإمبراطورية وبلاد العرب قادمة على أزمة، في دوران القرنين السادس والسابع الميلاديين"..، لكم هو بعيد تحليل توينبي عن تحليلات الملحد سام هاريس، الذي قال: "كيف تطلبون مني أن أعترف بالفكر الإسلاميّ، فهل يمكن أن نعيش اليوم بالفكر اليونانيّ؟؟، إنّ ما تنتجه MIT من ماساشوستس في أسبوع يساوي ما أنتجه المسلمون واليونانيون في قرون"..؟؟؟، ويتجاو هاريس السؤال، ومن طلب منك الاعتراف بفضل المسلمين؟، كان يمكنكم ترك المسلمين وشأنهم، لولا دور الاستعمار في فرض نموذج الدولة الوطنية البائسة. يقول المناضل الجزائري في جبهة التحرير الوطني فرحات عباس: "إنه لمن المعجزات انّنا لم نلق نفس مصير الهنود الحمر"، إنّها مسؤولية تاريخية للاستعمار الغربيّ حيال مظلومياتنا المتراكمة، فلقد كنا معذبين في الأراض كما يقول فران فانون، ولا نزال في العراق وسوريا وليبيا واليمن، إلى حدّ الساعة.
أكثر مداخل تفكيك بنية الإرهاب (الانشقاق الأصولي) التي نالت عندي الاعجاب الأكبر ومن بين جميع المفكّرين الإسلاميّين، هي تلك التي يصف بها محمد شحرور، العلاقة الغريبة والمتفرّدة للخضوع الأعمى من الأصوليّ المتشدّد تجاه ربّه "المتخيّل/صعب الإرضاء"، إذ يقول على طريقة الروائيّ الجزائريّ ياسمينة خضرة الذي قال مرة عن الاستشهاديين الفلسطينيين (إنّ روايتي تأخذك إلى أقرب نقطة من نفس ذلك الإنسان الذي قرّر أن يفجّر نفسه من أجل توصيل موقف سياسيّ للآخرين، مع الفارق بين الاستشهاديّ صاحب القضية والانتحاريّ عديم الموقف)، إذ يقول شحرور أنّ الربّ الذي يتصوّره الأصوليّ المتشدّد، هو إله صعب الإرضاء، يأمره بأن يكون زاهدا في مظهره كئيبا في جوهره، بلحية طويلة، وقمصان متسخة، يسجن مجموعة نسائه في أكياس سوداء، يمنع عنهنّ كلّ صفات الجمال، لأنّ مواصفات الربّ تكره الجمال، هذا الربّ صعب الإرضاء، لا يمكن أن يرضيه سوى قتل النفس باسم الدين)، لقد فكّك شحرور بعبقريته المعهودة مكامن الخطأ في فكر الأصوليّ عديم العقل، ومن هنا كان الحلّ بسيطا، بتأكيد نفي تلك الصفات عن الله، الذي يحبّ الجمال ويحرّم قتل النفس ويوصي نبيّه الأعظم بحماية النساء والرفق بهنّ. وبربط بسيط بين ما تسميه الفليلسوفة التونسية أم الين بنشيخة المسكيني، مؤامرة الغرب ضدّنا، في تركنا أو دفعنا للتعارك مع ماضينا، تاركين حاضرنا ومستقبلنا، مكرّسين حالة الفوات ودوران عجلة التاريخ، حين يستمتع الغربيّون بالحداثة، ونعاني نحن العذابات والموت والقهر، كانت تلك رسالة بوش في العراق ورسالة أبواما وترامب في سوريا..، ملخصة موقفها الانفعاليّ في صوت (صرخة المغدور، من جوف البئر)، واصفة موقف الفقراء الخاضعين للأغنياء الامبرياليين بقولها: "قال زوجي فتحي المسكيني، إنّ فرويد لا يدخل حيّنا"، لا يحقّ لنا نحن الفقراء أن نعبّر عن آلامنا وأوجاعنا، لأنه حقّ انتفاع حصريّ للذوات. نحن نتحدث عن فيلسوفة تونسية رصدت مؤلفين هامين عن الفنّ والجمال وكوجيطو الحياة والفنّ. لذلك كانت انفعالاتها اقترابا من رفض المؤامرة الكونية على المسلم، الذي يحبّ الجمال ويكره ثقافة الموت.
لقد لفتني موقف سخيف كان قد لقي اهتماما واسعا على الرغم من وضوح الحكم فيه، شقّه الأول، الزعم في مقالة على شبكة الأنترنت، بأنّ السلفية العلمية مقبولة في فكر عدنان السيّد لأنها تقع ضمن مساحة التقليد المحمود، والثاني تلك الوقفة التضامنية التي قام بها طلبة سعوديون مع أستاذ جزائريّ، رفض أطروحة المفكر السعوديّ إبراهيم البليهي حول العلاقة بين الحضارتين اليونانية والرومانية، واستحالة افلات المسلمين من قبضة التخلف، وإن كان هذا الحوار نقلا لما حدث قبل نصف قرن بين روجيه غارودي ومالك بن نبي حول دور المسلمين في تقدّم الانسانية (سؤال شكيب أرسلان حول تقدّم الغرب وتخلّف المسلمين)، والحقيقة أنّ ردّ البليهي كان مستفزا مع الاحترام لفكرته حول خصوصية التخلّف الإسلاميّ؟؟، فبفضل الحكمة التجريبية لعلماء المسلمين نقلت المعرفة من الاغريق إلى الرومان، على يد المسلمين وهذا أمر لا جدال فيه، أما الحكمة منه، فهي قبول قانون التداول الحضاريّ خدمة للإنسانية من قبل المسلمين، عكس ما يعالمنا به الغرب اليوم، من احتكار للعلم والمعرفة والتكنولوجيا.
ينفرد الباحث العراقيّ المرموق عبد الحسين شعبان بأطروحاته العميقة التي تؤسّس لمشروعين مهمين، حقوقيّ إنسانيّ، وثقافيّ عربيّ، لتجاوز الفشل الذريع للدولة الوطنية لعربية، عكس الترويج السياسيويّ لأطروحات الرئيس التونسيّ الأسبق منصف المرزوقي، الذي أضحى سطحيّا مسيّيا وبطريقة مفضوحة تفتقد إلى الشرعيّة. فبدون ثقافة ديمقراطية لقبول الآخر والحقّ في الاختلاف كما يقول طرابيشي وأدونيس، سيبقى الأصوليّون في صدر المشهد العربيّ البائس، إلى أن نعرف الخلاص من الحروب الدينية وكلفة اللاوعي، أما ما جلبته لنا الثورات العربية البائسة، فمجرّد تدوين سخيف، للعلاقة التراكبيّة المفضوحة، بين الغلاة والطغاة والغزاة. يكفي أنّ القضية الفلسطينية قد أكّدت فشل سلطة الدولة الوطنية العربية، وها هي الثورات العربية تؤكّد فشب الأصوليات والصحوات السنيّة والشيعيّة المزيفة، وآن الأوان للنخب كي تشحذ الهمم لبناء أطروحات الخلاص العربيّ، ولو كان ذلك عبر مشروعات منفردة، كالتي جاد ولا زال يجود بها مفكرون من نوع محمد شحرور وعدنان السيّد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقيف مساعد نائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصال


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تهز عددا متزايدا من الجامعات




.. مسلحون يستهدفون قواعد أميركية من داخل العراق وبغداد تصفهم با


.. الجيش الإسرائيلي يعلن حشد لواءين احتياطيين -للقيام بمهام دفا




.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال