الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة في الخطاب ما بعد الثورة

سماح هدايا

2017 / 4 / 30
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نظرة في الخطاب ما بعد الثورة
مقدمة
دراسة الخطاب الذي ظهر في المعارضة، يحتاج لأبحاث موسّعة منهجية من قبل مؤسسات مختصة، حتى تحقق نتائج علميّة، نظرا لأهميّته في تأصيل الوعي الجديد.
هذا المقال أقرب لتعليق عام وفق الرأي،، يشير إلى الملامح العامة للتغيير الذي حدث؛ مضمونا وشكلا في مجمل الخطاب ككلام منطوق أو مكتوب بين متكلم ومخاطب، أو مرسل ومرسل إليه، مدعوما باشكال تعبير مختلفة من صورة وصوت. وذلك بناء على الملاحظة والمتابعة واعتمادا على القراءة في هذا الشأن. وليس بدراسة منهجيّة، ولا بمقال تحليلي موسّع.
كما لم يتطرق للغة بمعنى القواعد النحوية واللغويّة، علّق، فقط، على الطرائق والمقاصد التي يجري فيها الخطاب والتواصل. كذلك لم يستشهد بمؤسسة إعلامية أو وسيلة إعلامية، لأن ليس لديه المعلومات الدقيقة بالإحصاء والاستبانة والبيانات، فالبرهنة بالأدلة لا تكتفي بالاطلاع والتصفّح والقراءة ووحهة النظر.
أخيرا يهدف العمل إلى تقديم مقترح يخص تطوير الخطاب ضمن مستجدات الواقع الجديد وإشكالياته السياسية والفكريّة ومشاكل التعبير والتواصل.
الثورة والخطاب
وضعت الثورة السورية الخطاب السوري، وتفاعلاته في عمليّة التواصل، أمام تحد تاريخي كبير، ليس على مستوى حرية التعبير والرأي، بل بما يتعلق بالمقولات السياسية والمفاهيم والمعاني وأشكال التعبير. فقد حدث مع الثورة تغيّر كبير في المزاج والسلوك والقيم والأفكار، انعكس على الخطاب والتواصل.
الثورة جاءت لغايات إنسانية مشروعة في الحرية والكرامة والعدالة؛ لذلك كان عليها أن تنتج تطوراً في القيم والسلوك بما يلائم هذه الغايات وأن تحدث تغييرا يطال البنى الثقافية الحاملة للعمل الاجتماعي والثقافي والسياسي، وتزيح حالة الركود التي سادت في حقبة الاستبداد، بما كرسته من خوف وجهل وفساد وانقسام ورياء وسيطرة لسلطة النظام على التواصل. وأن تطوّر الأفكار والقيم، لينعكس على الخطاب وعملية التواصل واللغة، خصوصا مع حجم التجربة الواسع الذي جلبته الثورة وحالة كسر المرجعيّة السياسيّة السلطويّة، وما رافقه من الانفتاح الكبير على مجالات الاتصال والتواصل ونمو الإعلام الجديد وانتشار الإعلام البديل، ووجود فضاءات كثيرة للإعلام، ومراسلين ناشطين سوريين من الأرض وتوثيقات مباشرة، سهّلت التعبير والتواصل، ونقل الأفكار والإبلاغ والتأثير ونشر المعلومات والأخبار والصور والتسجيلات.
بدأ خطاب الثورة بشعارات واضحة لمباديء كبيرة، وهي الحرية والكرامة، وتردّدت بقوة عبارة "الشعب السوري ما بينذل" وأثرت جدا مع غيرها من شعارات في الضمير الشعبي الذي كان قد عانى طويلا من الذل والقمع. وتبع ذلك تطور جريء في التعبير من ناحية انتشار التصريح عوضا عن التلميح، وهو يعني كسر الخوف والتحرر من الصمت . لكن بعد شهور بدأ الخطاب يضطرب نتيجة الظروف السياسية القاهرة وصعود الخطابات المتشدّدة والمتطرفة التي أثارت نسقا غوغائيا، وعادت تظهر بوضوح ملامح الإرث السابق من الإسقاطات الجاهزة وغير العقلانية وأضيف إليه مزيد من العنف والتنابذ، فالأضرار النفسية والاجتماعية والتنموية التي أصابت السوريين بسبب نظام الاستبداد والفساد، كانت عميقة واشتدت بعد الثورة بسبب بطش النظام وإرهابه وممارسات الإبادة والتطهير والتهجير والفوضى والتشرذم.
كما أصيب التخاطب بنكوص أدى إلى ضعف الإفصاح والوضوح في بعض البيئات نتيجة التدمير التعليمي الذي حرم الأطفال والشباب من التعلّم، أو تقيّد بقمع جديد، نتيجة سيطرة جماعات التطرف والإرهاب، التي نشرت نسقا ثقافيا رجعيّا وعنيفاً، مما أضعف التخاطب في مقاصد العقل والحق ومسالك الإقناع والرأي، وزاد في العنف ولانقسام وفي التوترات الفكرية والاجتماعيّة والسياسيّة. وهو ما أثّر سلبا في منظومة ثقافة الثورة وفي تسويقها وإبلاغ غايتها وأغراضها ومقاصدها، وسهّل محاربتها واختراقها إعلاميا وثقافيّا وسياسيا.
الخطاب والحرب
الخطاب متصل بمعايشة الحياة ويومياتها ومشاكلها وصراعاتها وثقافتها. الحرب الفظيعة التي قوبلت بها ثورة الحرية من قبل نظام الطغيان وحلفائه، وتحوّل سوريا إلى ساحة حرب إقليمية ودولية أثّرت عميقا في المزاج؛ فمآسي الدمار والتخريب والتدخل الخارجي العابر لكل شيء إنساني ومادي ومجيء عصابات من كل الملل، انعكست على الخطاب والتواصل، من ناحية المعاني والأغراض والمقاصد ومن ناحية طرق التعبير ومسالكه، خصوصا مع نمو نفوذ عصابات داعش الإرهابية التي جاءت تعمل ضمن الصراعات الدولية بأجندات تخريبيّة.
الحرب تقوم بالتشويه، وعندما تتشوّه الأفكار والقيم في ضمير الفرد والجماعة، تصبح المقاصد والمسالك مشوهة. لذلك تمددت سلبيات خطاب الاستبداد الفاسد القمعيّة على سلبيات جديدة، من تشنّج وعنف ونزاع وتخوين وتشكيك واستعلاء وعصبوية وشتم وتحقير. فالخطاب تأثّر بالصراع الدموي، وبالصراع بين قوى التغيير الثائرة، وقوى الجمود والفساد المتسلّطة، وأخذ حالة إقصائيّة وغير عقلانيّة، وارتبط بتوجهات وأفعال اجتماعية تؤجج النزاع والاقتتال وتثير فتنة المشروع الطائفي والعرقي وتزيد في الاستقطاب. كما حمل مع خطاب داعش كمنظمة تدعي محاربة النظام وهي تحارب الثورة وتحارب الناس الآمنيين السوريين وتحارب خطابا دمويا متوحشا، خطابا دمويا وخطاب كراهية تدميرية.
الحرب جعلت التسليح واقعا على الأرض، وانجرف جزء من الخطاب نحو الاستقطاب الحربي، وظهرت الأغراض العسكريّة والإعلام الحربي، وذلك نتيجة اشتداد بطش النظام وإرهابه والحرب التي تشنها الدول على الشعب السوري في مناطق الثورة، وهو ما زاد في تعميق الانقسام الاجتماعي والسياسي والفصائلي، وأسهم في توسعة الخطاب الطائفي والعرقي. كما جعل في يحرك الإعلام العالمي تغطيته للحرب من منظومة الإرهاب.
أثر فضاء الحرية
طرأ مع اندفاع قوى الثورة والتغيير نحو ساحات الحرية، تطور كبير في حرية التعبير، انعكس على الغايات الكبرى للخطاب ( الإعلامية والإخباريةّ والدينيّة والعقائديّة الوطنية النفسية أخلاقية واجتماعية) في أوساط المعارضة والثورة على اختلافها؛ فتحرر التعبير ووسائله، خصوصا الافتراضيّة من التقييد ودخل في تجارب جديدة في كل المستويات، كما انعكس ذلك على عمليّة التواصل؛ فصارت أسهل وأكثر انتشارا وتأثيرا وتأثرا؛ لاسيما مع انكسار الضوابط والمرجعيات، وتعمّق نفوذ مواقع التواصل والإعلام الاجتماعي والإعلام البديل في الذهنيّة الاجتماعيّة.
متطلبات الواقع الجديد لتغطية الأخبار الأحداث ومجريات الأمور، أدت إلى تطور كبير خطابي تمثّل في الإعلام البديل المرئي والمسموع والمكتوب؛ فنشأت الفضائيات والقنوات الإذاعية، التي تنقل الأخبار خصوصا بعد أن تصدّت أكثر الفضائيات العربية لمحاربة الثورة، أو الهجوم والتحريض عليها، أو التدخل فيها. مع أنّ المؤسسات ووسائل الإعلام الجديدة لم تكن في الأغلب حياديّة، لها ارتباطات بأجندات سياسية واجتماعية للموّلين سواء كرجال أعمال أو حركات دينية أو جهات سياسية، وهو ما انعكس على طريقة التعاطي مع الأخبار والأفكار والمعلومات والتقاط الأخبار، خصوصا أن بعض من يمولها من دول الخارج، كإعلام بديل، يقوم أيضا بتمويل ما له علاقة بمؤسسات إعلاميّة تابعة للنظام. وهو حال مختلف القطاعات الثقافيّة والتنمويّة.
كما أطلقت مناخات الثورة جوا من الحرية الإبداعيّة الفرديّة، خارج الانتماء الحزبي أو الولاء السياسي السلطوي الذي كان يحتكر النخبة الثقافيّة. التحرر من سلطة النظام أطلق الطاقات الثقافية لتبحث عن طريق لها، وفتحت مجالات جديدة لتجارب إبداعيّة في أدب الثورة من زجل و شعر وقصة ورواية ، لاسيما في طبقة الشباب، كما تحوّل الناشطون الشباب على الأرض، وكانوا غائبين عن الساحة الثقافية إلى إعلاميين يقومون بتحرير الأخبار والتقارير...، بغض النظر عن المستوى التقني.
صفحات التواصل
أصبح ما يقال في صفحات التواصل بمثابة شرارة لتخاطب طويل كبير وإشكالي ضمن مناخ الاستقطاب والمزاجية والانفعال. فالتخاطب السوري على صفحات التواصل الاجتماعي يكشف عن اضطراب وغضب وحراك أهواء سواء في تواصل السوريين مع بعضهم. أوفي تواصلهم مع العالم وإبلاغه رسائلهم.
هناك تفاوت هائل في المعرفة والخلفيّة الثقافيّة لدرجة التباين الذي يشكل مجالا لنزاع حاد وتناقض في القيم لدرجة التأزم الشديد، الذي يقود للانفعال والمسالك العنيفة؛ فيمكن اكتشاف الحضور المتواضع لماله علاقة بسياقات التآخي والمحبة؛ مثل التودّد والنصيحة والاعتذار والشكر، والثناء. أما في حال حضور أي قصدٍ من المدح، فيسلك المجاملة وأحيانا الرياء، لغاية من مصلحة أو لسبب من خوف. بينما تتسع مساحة الهجاء، في مواجهة الخصم والآخر لإقصائه، بالذم والقدح والسخرية والإهانة والتحقير والتخوين وإثارة العداوة والنزاع. ويدور كل من الهجاء والمديح في حلقة المصالح والولاءات وصراع القيم والأفكار.
إن حجم المأساة ضخم جدا، أدى إلى الأحزان والآلام، مما أدى لانتشار خطاب الرثاء، الذي يمكن رؤيته في رثاء الذات بغرض التعبير عن الحزن واليأس لإثارة الشفقة، بمسلك التباكي والتفجّع والندب أو الندم والأسف والتبكيت للوم الذات وجلدها.. وهناك أيضاً رثاء الآخر في رثاء الشهيد والبكاء عليه.. ويسير بالتوازي مع الرثاء والتباكي حالة منتشرة من وعظ ديني تستغل الإحباط واليأس، بغرض الاستقطاب العقائدي مرتبطة أيضا بالترهيب والتخويف.
المسائل العقلية والإبداعية
إنّ ما غايته التفكير المنطقي وإعمال العقل بمهارات التفكير المنطقي، بالإقناع والتاثير قي المسائل ذات الصلة بالتحليل والتفكير؛ مثل المناظرات والحكايات والحواريات، فيقتصر عل مستويات محددة جدا، على الرغم من أهميته الكبيرة في بناء الأفكار والقيم وحل المشاكل والمسائل الإشكاليّة الكثيرة. وتنمية حراك مجتمعي قكري؛ فهو في الأغلب مرتبط بمؤسسات تعليمية ومنظمات تنموية، تكافح لأجل حماية العقل والنفس؛ وأحيانا بعضها دخيل يعمل في مصحلة تأجيج النزاع والفتن.
أما الإبداع في الفنون، فعلى الرغم من الغايات الفكرية النبيلة التي تحرّك هذه الفنون في ظل الثورة وومطالب الحرية، خصوصا مع التضحيات الكثيرة، وعلى الرغم من تأثيرها المعنوي العميق، فظلت محدودة، وتقتصر على إنجازات قليلة، وبعضها متواضع لم يتقدم بالشكل المؤثر تقنيا، لكي يدوم وينتشر، وغلب عليها الانفعال على حساب الجودة أوالافتعال، بحسب أصالة العاطفة والفكرة. فالأغاني والآداب التي تم تقديمها للثورة السورية خلال ست سنوات لا يمكن مقارنتها، بما قدمته الأدبيات العربيّة لقضية فلسطين، لا كما ولا كيفا، مع أن حراكا شبابيا رائعا ينمو ويتبلور؛ لكنه بحاجة لدعم معرفي وتقني ومالي ومرجعيّة تحميه من الفوضى.
المفاهيم الأيديولوجية
هناك خطاب ثقافي سياسي وفكري حاضر في الثورة، لكنه محصور بسياسيين ومثقفين تقليديين لهم خبرة وتاريخ ثقافي سياسي... يسلك مسلك الانقياد للمفاهيم الأيديولوجية الراسخة. وربما حقق تطورا في مجال تطوير التعبير كأغراض سياسية تتوسع قليلا خارج قولبة الشعارات الحزبي السابقة وتنميطاتها، وهو ما نراه من تطور بعض الخطابات الفردية في لشخصيات سياسية على الساحة. أما الصوت الشبابي المستقل والتجديدي فخافت؛ لأن ّهناك هيمنة للتقليد والمقصد العقائدي على الخطاب سواء كان دينيا أو علمانيا أو يساريا أو قوميا. ولأن الأفكار اصبحت مستهلكة في هذا الخطاب العقائدي التقليدي، يلجأ، غالبا، إلى التوصيف والخطاب التنظيري والتعميمي والإنشائي والبيانات والشعارات، أكثر من التفسير والتحليل المنطقي والموضوعي والاستشفافي.؛ وهذا أدّى لأفول بريقه المقنع وتأثيره في شرائح كثيرة وواسعة من الشعب.
ّ افتقار هذا الخطاب التقليدي لحامل ثقافي حداثي حيوي مقنع ولنظرة استشفافية ناقدة ورؤية متماسكة موضوعيّة، أدى إلى فشله في تقديم مشروع فكري سياسي متماسك واقعي ينسجم مع مطالب الثورة ويتصدى للتعبير عن آمال االضمير الشعبي الوطني؛ فاقتصر رواجه على جماعاته وأتباعه ومواليه التقليديين وطبقته الثقافيّة، فمع ازدياد حالة الانقسام السياسي والعقائدي، غار في خضم صراعاته، بعيدا عن مناقشة جديّة شفافة وواقعيّة وعقلانيّة للتحديات والإشكاليات والأزمات والمعوقات الحقيقيّة التي تواجهها ثورة سوريا التحررّية، ويواجهها وشعبها وتاريخها حاضرا ومستقبلا. ولم يقدم الحلول العملية والذهنيّة لمشكلة النظام السياسي المستبد ومنظوماته الفكرية والثقافية والقيمية، ولمشكلة الاحتلال الأجنبي للأرض وللتاريخ، وما يرافق ذلك من مشاكل اجتماعية خطيرة وإشكاليات تاريخيّة وجرائم ضد الإنسان.؛ فمعظم حديثه إنشائي بالرغبات والآمال، وبالتنديد والشجب والاحتجاج.
ومن ناحية ثانية هناك انقطاع ثقافي كبير بين الطبقة المثقفة، سياسيا وفكريا، وبين عموم الشعب الذي لم يحظ بمناخ حر من المعرفة والعلم والثقافة والفهم السياسي، وفيه من المخدوعين والمضللين الذين تتحكم بهم الأعراف الخاطئة التي اعتادوها وحسبوها صوابا ومقدسا. ومن الذين يتحركون بجهل بذهنية الرعاع وفق ولاءات ضيقة تحركها الغرائز والعصبويات. لذلك ظل إنتاج المثقفين فوقيا سطحيا، أو متقوقعا على طبقات ضيقة نخبوية، لم يتمكن من مخاطبة هؤلاء وتمكينهم ثقافيا وسياسيا لأنّ توجّه هذه النخب نحو السلطة لا التنمية.
كما أن ّ كثير النخب الثقافيّة فقدت مصداقيتها، في ظل الواقع الذي امتحن قيمها وسلوكها، عندما أبدت مواقفا تغاير ما تدعيه من قيم وما ترفعه من شعارات الحرية والعدل والتنوير والتقّدم. خصوصا حين فتصارعت مع بعضها بسبب الأدلجة والتحاصص السياسي، وبعضها لم يقف بوضوح، ومن دون مواربة ضد النظام السياسي الذي انتهك حقوق الإنسان وارتكب جرائم ضد الإنسانية، وبعضها استغل موضوع الإرهاب ليهاجم خصمه الإسلامي، كذلك اشتغل العلماني والقومي. فالخطاب غير موحدّ على غايات مشتركة ولا يتحرك على أسس منطقية بقدر ما يسير على مواقف راسخة مسبقة مبنية على العصبوية العقائدية.

الإعلام
انتشرت مع الثورة وسائل الإعلام الجديدة والتقليدية لنقل الخبر. وسرعان ما امتلأت الساحة بالجرائد والمجلات والمواقع الالكترونية والقنوات الفضائيّة، بتنوّع أغراضها من الإخباري إلى الثقافي إلى الديني إلى التوثيقي لنقل الخبر وتمرير المعلومة و لتوجيه الرأي والتأثير والإخبار بما يوصل رسائل مختلفة مرتبطة بهوية لكل وسيلة، رغم ادعائها بالحيادية، واجتمعت متنوّعة تحت عنوان الإعلام البديل.
هذا التنوع حيوي، خصوصا أنه اكتسب جرأة كبيرة؛ لكنّه مثير للتساؤل حول موضوعيته في التعاطي مع الأحداث والأخبار التي ينقلها. إذ يصبح للتنوّع، هنا، جوانب أخرى لافتة مثل التفاوت في معايير الجدية والمهنية والموضوعيّة. كذلك قد يحيل إلى التشرذم والتفتت وفق أجندات وتمويهات لا تصب في سياق المقولات الوطنية. فالإعلام السوري المعارض مختلف خطابه باختلاف المعارضات والجهات التي تموّله، وعلى الرغم من اتفاقه في الأغلب على رمزيّة الإطاحة بنظام بشار؛ فإن أغراضه السياسية متضاربة وتعمل بشكل حزبي، وتؤثّر في في مقاصد العمل، وفي كيفيّة التعاطي مع القيم والأفكار. فالأفق التاريخي الذي يعمل فيه ليس بالضرورة أن يصب في مصلحة مشروع وطني جامع.
لم ينجح الإعلام حتى الآن في أن يحقق توحدا على كثير من معاني المشروع الوطني، وأبعاده الثقافيّة والسياسية والاجتماعيّة. ولم يستطع أن ينتج قناة قوية أو مجلة أو جريدة ناطقة باسم المعارضة الرسمية التي تصدّت لتمثيل المعارضة والثورة. كما ظل خارج الأطر القانونية التي ترخّص عمله، وهو ما يوقع بانتهاكات قد تطال العاملين فيه. وهناك نقطة مهمة أن هذا الإعلام يعمل فيه من هو مؤهل وموهوب وعلى إدراك حرفي لطبيعة الخطاب الإعلامي في سياقاته المختلفة، وأيضا يعمل فيه من هو غير ذلك، من الناشطين الشباب الباحثين عن صوت وعن فرصة عمل؛ مما يجعل تقنية العمل الإعلامي مهددة بجودتها وتأثيرها.
كما لا تبدو معايير المصداقيّة والموضوعية والأمانة في نقل الخبر وتحليله متشابهة؛ إذ يجري التحليل والرأي وفق وفق مفاهيم وأغراض أيديولوجيّة تتفق مع الأهواء والمقاصد، لا مع التحليل الموضوعي والمنطقي ؛ خصوصا فيما يتعلق بالأمور العقائديّة والاثنية القومية والدينيّة. وأحيانا تنقل صورا غير دقيقة لدوافع سياسية إشهاريّة، وتلتقط أخبارا أقرب للشائعات وتقيم تحليلا للأحداث.كما لم ينتج معاني جديدة تلائم النهضة مابعد الثورة، على الرغم من نمو الحرفيّة العلميّة في بعض الجرائد والمجلات والمواقع، وهو ما يرقّي الحراك الإعلامي المكتوب، ويبشّر بخير ثقافي ويعد بالأفضل.
خاتمة
ما تم ذكره في الخطاب، يخلص إلى أن الثورة والحرية غيرتا في مسارات الخطاب وأغراضه، وأن هناك حاجة ماسة لتجاوز خطاب الحرب والعنف واستثمار هذه الهزة التاريخية رغم حالة الفوضى والمأساة، لتطوير الخطاب بأغراضه ومقاصده وطرقه، بما يحقق الأمن والسلم والعقلانية ويعزز الهوية الوطنيّة. وهذا يبدأ بالعمل على دراسة الخطاب دراسة منهجيّة ميدانيا وتحليليا من أجل وضع خطة تطويرية تتعاون المؤسسات الثقافية والتعليمة والسياسية والدينية والإعلاميّة الوطنيّة في تفعيلها؛ فيتكوّن وعي خطابي جديد يتجاوز المأساة والأزمة التاريخيّة السياسية والفكرية والأخلاقيّة، ويتطوّر من الاستهلاك إلى الإبداع والإنتاج والنقد .
لذلك ينبغي بناء آليّة عمل مجتمعيّة ثقافيّة لنقل الخطاب من الانفعال إلى الفعل، ومن الفوضى إلى المنهجية والمأسسة. ومن التمويه إلى الوضوح والمصداقية بحيث يحصل تطابق بين القيم والسلوك. وبحيث يشكّل الأفق المعرفي الفردي والجماعي والجمعي في نقد وإنتاج مقولات وطنيّة وحضاريّة لقضايا مصيرية، خصوصا الهوية والانتماء، وفي تجديد الأفكار لكي تقود إلى مستوى راق من الإبداع الثقافي.
لا تقتصر قوة الخطاب على فكره ووعيه ولغته السليمة الواضحة؛ بل ترتبط أيضا بصدق تعبيره الإنساني وشفافيته الوجدانيّة؛ فصقل الجانب الذاتي من الخطاب بالعواطف العميقة والضمير، يقوّي التعبير ويدعم التواصل السليم بمقاصد نبيلة وأغراض نافعة، ضمن مسالك الدماثة مع التأكيد على ضروة ترك الأحاديث التي تثير الكراهية والفتنة وتسلك مسلك الغوغائية والابتذال والعصبوية.
عمليّة تقييم الخطاب وتقويمه ضرورية وملحّة ومن الأولويات، فلا يمكن بناء حرية وكرامة ومصالحة وسلم أهلي، من دون خطاب حر مسؤول ناضج منتج للمعرفة والقيم، يحترم التعددية الثقافية، ويلجأ إلى المنطق والعقل في الإقناع وفي مواجهة إرث التخلف الذي يولّد الوهم والباطل الغوغائيّة.
لا يمكن فصل الثورات الناجحة عن النهضة والتنوير، وبالتالي يجب أن يتصدى الخطاب لموضوع التجديد قي كل المسائل والمقولات لإحراز تطور نوعي في مسيرة إنساننا ومجتمعنا والتأسيس لمنظومة ثقافية جديدة تنهض بالمجتمع الموحّد على مبادىء الحرية والكرامة عبر الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
د. سماح هدايا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا