الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعادة ضبط البوصلة

فاتح الخطيب

2017 / 5 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


قد يكون التطور في عالم الاتصالات ووسائل التواصل هو أهم سمة تميز وقتنا هذا, والذي منح كل الشعوب فقيرها وغنيها القدرة على متابعة المصادر الإعلامية المتنوعة والكثيرة. واذا كانت المدرسة والبيت هما أهم ضابطين لثقافة الشعوب في الماضي, فإنهما لم يعودا كذلك, وأصبح لكل فرد الحرية التامة في اختيار مصادر معلوماته وبالتالي تشكيل أفكاره. ولطالما تساءلت الى أين ستفضي هذه الحرية مقابل سلطة قوى الشر التي تتحكم في البلاد وثرواتها. وما الذي سيحدث لو أن الشعوب وعت أن الصراع بينها وبين قوى الشر صراع وجودي, وسارعت أكثر ما يمكن للتضامن مع بعضها البعض للاهتمام بالنواحي التي تحقق لها الحرية في العيش الكريم ولتحقيق كل القيم التي طالما نادت بها الثورات الشعبية.
لقد تنبهت قوى الشر الى هذا السباق الخطير بين سلطتهم وبين وعي الشعوب, فقامت بضخ مليارات الدولارات على العديد من الفضائيات والصحف والمواقع, وجندت الكثير من ضعفاء النفوس من الاعلاميين والأدباء والفنانين والسياسيين والأكاديميين...., مهمتهم الوحيدة هي ضرب الوعي العام عند الشعوب وتشويه أفكارهم, ولا سيما في المنطقة العربية التي أثاروا بها ما يسمى بالربيع العربي. فقاتل الأخ أخاه, وحاربت الدولة شقيقتها, ودخل الحابل بالنابل وتاهت البوصلة في مجتمعات صارت أشبه بمصحة نفسية.
وهكذا صار الاتفاق بين الناس عسيرا حتى على الأسئلة الأساسية, والأجوبة متناقضة, كالسؤال مثلا إن كانت السلطة الفلسطينية ضرورة استراتيجية للسلام ولتحقيق الدولة الفلسطينية, أم أنها جزء لا يتجزأ من المؤامرة الصهيونية على القضية الفلسطينية برمتها, بقيادة مكلفة بتدجين المقاومين السابقين, ووأد أية مقاومة جديدة تحت ظل رئيس يشيد بقدسية التنسيق الأمني.
وقد تصر فئة من الشعب العربي على ضرورة التخلص من بشار الأسد ونظامه بوصفه القاتل لشعبه, في الوقت التي ترى جهة أخرى بأنه الضامن الوحيد والأخير لوحدة الدولة السورية وللشعب السوري. وفي المسألة العراقية نختلف في موقفنا من أمور كثيرة كقيام أقليم كردستان بتحركات فردية للانفصال عن الدولة العراقية, ففي الوقت الذي يعطيهم بعضهم الحق في استقلالهم كشعب كردي يريد حكم نفسه بنفسه, يرى اخرون بأنها طعنة في قلب العراق ودعوة لبداية تقسيمه وإضعافه.
وقد نختلف في التدخل الايراني في العراق وسوريا, فتجد من يقول بأنه احتلال شيعي, وفي المقابل تجد من يرى بأن ايران جاءت نجدة لهذين البلدين من التغول الداعشي. وفي السياق نفسه يمكن أن نختلف في التدخل التركي في سوريا والعراق, والذي قد يرى البعض بأنه الأمل الأخير في تحقيق وحدة الدول الاسلامية وقيادتها سيما بتمتعها برئيس يحظى بشعبية عربية غير مسبوقة, في الوقت الذي يرى اخرون بأن تركيا عضو الناتو والذي لم يخرج من عباءته وأن تدخلها في البلدين جاء استكمالا لمشروع قوى الشر والتي ترمي الى تفتيت البلاد......
وحتى إذا حق لنا أن نختلف في كل الأمور السابقة وغيرها مما يجري في العالم ولا سيما في الدول التي ثار بها ما سمي بالربيع العربي, فإنه لا يحق لنا أبدا الاختلاف بأن اسرائيل هي محتل لدولة عربية اسلامية, وأنها لا زالت حتى يومنا هذا تمارس أبشع أشكال القتل والتنكيل بالشعب الفلسطيني, ضاربة بعرض الحائط كل القوانين الدولية التي ادانتها وتدينها. ولا يحق لنا أن نختلف بأن هذه الدولة العدوة هي مدللة قوى الاستعمار متمثلة بأمريكا. ولا أن نختلف بأن وجود هذه الدولة كان كالسرطان في الجسم منذ انشائها في وطننا العربي, ولا أن نختلف بأن الاحتلال الاسرائيلي كان ولا زال الخطر الأكبر بلا منازع, على كرامة ووجود الإنسان العربي ووطنه.
إن وعينا هذه الحقيقة وذلك التشويش الكبير الموجه لإضاعتها, فسندرك أن أول مهماتنا هي إعادة وضع العدو الإسرائيلي في مركز الدائرة, وما يتطلبه ذلك من مراجعة كل النقاط الخلافية وإعادة تقييم كل عناصر المعادلة, لضبط إتجاه البوصلة المحددة للعدو والصديق.
لو أننا فعلنا ذلك لوجدنا المعادلة بسيطة سهلة الرؤية: فكل حدث يصب في مصلحة اسرائيل هو خطر وجودي لنا وللمنطقة, وكل من يتعاون مع اسرائيل هو العدو, وكل من يقف بوجه اسرائيل هو الصديق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التجسس.. هل يقوض العلاقات الألمانية الصينية؟ | المسائية


.. دارمانان يؤكد من الرباط تعزيز تعاون فرنسا والمغرب في مكافحة




.. الجيش الأمريكي يُجري أول قتال جوي مباشر بين ذكاء اصطناعي وطي


.. تايلاند -تغرق- بالنفايات البلاستيكية الأجنبية.. هل ستبقى -سل




.. -أزمة الجوع- مستمرة في غزة.. مساعدات شحيحة ولا أمل في الأفق