الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وطن يفرح كلما قصفته طائرة

عبدو خليل

2017 / 5 / 2
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


عندما قصفت الطائرات الإسرائيلية مشروع المجمع النووي السوري بالقرب من دير الزور عام 2007 كانت الفرحة. القاتمة، النابعة عن وجع. لسان حال السوريين وهم يتناقلون أخبار الضربة، كان الفرح كوجه للتشفي. سمة شعبية عامة بعد كل ضربة، وكان يمكن ملاحظة ذلك من أحاديث الناس في المقاهي وحافلات النقل العامة المكتظة، الكل كان يستهزئ من النظام ويكرر مقولته الشهيرة. الجوفاء من أي فعل، سنرد بالوقت والزمان المناسبين.
الفرح. كمرادف للانتقام من الظالم بطائرات العدو وهي تدك الوطن ربما تعتبر من الأمور المنافية لقيم الهوية البشرية و علم الأخلاق والاجتماع. هل يعقل أن يفرح شعب ما على وجه البسيطة بطائرات تدمر بناه التحتية.
في سوريا الأسد كل شيء ممكن. ألم تقتل طائرات الوطن ذات نفسها مئات ألوف السوريين من الأطفال والنساء. لم توفر حتى المواشي، ألم تقصف شعبها بالكيماوي و الفوسفور والنابالم و البراميل المحشوة بالمتفجرات وقطع الخردة المعدنية !؟
إذن لم يخطئ السوريون عندما كانوا يفرحون في سرهم كلما دكت اسرائيل معقلاً للنظام، ليسوا كما قد يتوهم البعض. عديمي النخوة والوطنية، لكن من عاش فيها. وحده، يدرك كم الوجع الذي كان يخبئه السوري تحت أظافره نتيجة سطوة الأجهزة الأمنية وعسفها، ناهيكم عن الجوع والحرمان. أذكر كيف أن نادلاً في المقهى السياحي بحلب رد على مجموعة مثقفين أبدوا غضبهم من الضربة وقال: ناقصنا مفاعل نووي، بعدين ليش زعلانين ؟ إذا حق فنجان القهوة ما معكن وأغلبكم ممنوع من العمل. كان النادل يتحدث بلسان وطن بأكمله.
وإذا تركنا الحياة السياسية والثقافية جانباً. الأعراس كانت تحتاج لموافقات أمنية. الترخيص لفتح دكان للسمانة يتطلب مراجعتك لفرع أمني، وما أكثرها، إنجازات الحزب القائد تركت مئات القرى بدون ماء وكهرباء وشبكات صرف صحي لكنها لم تحرمهم من نعيم تواجد هذه الأفرع. ابتسم أنت في دولة الصمود والتصدي التي مازالت تبهر الكثير من المثقفين العرب.
بالعموم تلك الطائرات المغيرة. العدوة، لم تقتل مدنياً ولم تستخدم سلاحاً محرماً دولياً. كانت تصطاد ما تراه يهدد أمنها. لا بل إنها دمرت جزءاً كبيراً من مخزونات النظام الكيماوية التي تخنق بما تبقى منها اليوم أطفال الوطن ذات نفسه.
وسط هذه المفارقة ينقسم اليوم الشعب السوري بموجب الخارطة الجوية لتلك الطائرات. لكل مِلة وطائفة وقومية صارت لها طائراتها الخاصة. تُشعِرُها بالفرح والغبطة كلما غارت على منطقة ما في سوريا. مثلاً، مناطق الساحل السوري تصفق لطائرات النظام وللأزعر بوتين وتطالبها بالمزيد من ممارسة سياسة الحرق، و أهل المنطقة الجنوبية يترقبون بفارغ الصبر تحليق طائرات المملكة الأردنية فوق مناطقهم حتى تستقر أوضاعهم. والمنطقة الشرقية تهلل كلما دكت طائرات التحالف معاقل داعش في مناطقهم وإن أخطأت وأصابت موقعاً للنظام تضاعف هذا الفرح .
و لا ننسى عندما أوعز ترامب لأسطوله القابع في المتوسط بتدمير مطار الشعيرات، بمجرد أن همست ابنته ايفانكا في أذنه وطالبته بالرد السريع بسبب المشاهد المروعة التي جاءت من مدينة خان شيخون وعكرت صفوَ صباحها. الفرحة غمرت السوريين، حتى بعض المؤيدين والصامتين بدت عليهم إمارات السرور.
أما في ريف حلب الشمالي والغربي ينتظر الجميع مزيداً من الطلعات الجوية التركية لتقصير يد حزب العمال الكردستاني. في الوقت الذي كان يعتبر فيه هذا الأخير أن كل الطائرات التي تحوم في سماء سوريا هي ملكاً له. الروس والنظام وأمريكا، كلها تعمل لخدمة مصالحه ضمن دوامة مكافحة الإرهاب. إلى أن جاءت لحظة الفاجعة، وبدت الأمور تسير في اتجاه آخر.
لهذا السبب يعاني الكرد اليوم انقساماً داخلياً حاداً حيال تلك الطائرات التي زلزلت طغيان العمال الكردستاني الذي عاث فساداً في المناطق الكردية. اعتقل وقتل وشرد مئات الألوف من الكرد والعرب نتيجة سياساته المأجورة.
لذا يحاول الكردستاني استيعاب اللعبة. تارة يطالب بالحظر الجوي وتارة أخرى يلوم أصدقاءه من الروس والأمريكان على وقوفهم مكتوفي الأيدي . لكن أكثر ما يغيظه هو شماتة الكرد أنفسهم بهِ. نتيجة أفعاله المشينة، يرمي بالتهم يميناً وشمالاً. يخون ويرغي ويزبد. غير مدرك أن الشعوب عندما تكتشف دجل نظمها وساستها ترفع رأسها وتنظر نحو السماء بحثاً عن الخلاص.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024