الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المواجهة المؤجلة ومصير المشروع الامريكي

كاظم محمد

2006 / 1 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


مع اقتراب الاستحقاقات الداخلية الامريكية من تواريخها المعروفة ، ولمحاولة كسب المزيد من التأييد والدعم لسياسة الادارة الامريكية الخارجية ، بعد فشلها في العراق وتعمق مأزقها السياسي والعسكري ، وتأثير ذلك على دعم الناخب الامريكي لسياسة الجمهوريين ، تكرس هذه الادارة جهدها السياسي العلني والسري الى المواقع الاقليمية في منطقتنا ، والتي تتميز بالتقارب والتشابك والتشاكس في بعض قراءاتها لمجمل التغيرات والتداعيات التي احدثها الغزو الامريكي للعراق وطبيعة اهدافه السياسية والعسكرية .

لا يغيب عن الكثيرين ان المشروع الامريكي للمنطقة ، والذي أُعد له منذ سنوات ، ارتكز بشكل اساسي على النجاح في العراق ، ليس بتغيير النظام فقط ، بل وفي تحويله الى نقطة انطلاق للتغيير المقبل في دول الجوار الاقليمي وخاصة سوريا وايران ، حيث يصبح احتواء لبنان وتشكيله تحصيل حاصل ، وبذا يُمهد الطريق لسياج من الانظمة الموالية ، التي ستُيسر وبكل اريحية ظهور مشروع الشرق الاوسط الكبير والذي تُدمج فيه انظمة الحكم العربية الاخرى والانظمة الصديقة والحليفة لواشنطن في المنطقة ، لتحقق الادارة الامريكية وطغمتها الحاكمة اهدافها الاستراتيجية بالسيطرة السياسية المطلقة على مصدر الطاقة العالمي والتحكم فيه اقتصاديآ وسياسيآ بما يخدم مصالحها المستقبلية في المواجهة مع دول ناهضة باتجاه القطبية العالمية ، وبنفس الوقت تضمن فيه الأمن الاستراتيجي لأسرائيل وتسوية (الحالة الفلسطينية) كما سماها بعض المتطرفين الاسرائليين بما يتماشى وارادة صقور اليمين الصهيوني .

لم تكن حسابات وتوقعات طغمة الحرب في واشنطن تتماهى مع واقع الحال العراقي فغرزت عجلات الاحتلال في وحل ارضه ، وتعثرت وتغيرت خططه التكتيكية العسكرية والسياسية ، بفعل المقاومة العراقية ، واصبحت دلائل مأزق المحتلين من الخسائر البشرية والمعدات العسكرية وتعثر عمليته السياسية بمحطاتها المختلفة ، علامات بارزة في مسيرة الاحتلال وواقعه ، يضاف لها غض الطرف الاجباري على تمدد النفوذ الايراني داخل العراق والذي اتخذ اشكالآ متعددة .
ان تحول ايران من موقع جغرافي قابل للتغير في الحسابات الامريكية بعد احتلال العراق ، الى احدى ادوات الكبح والتقييد لانطلاقة المشروع الامريكي ، اضافة الى استخدام ايران للورقة العراقية في صراعها مع الولايات المتحدة في ميدان المنظمة الدولية للطاقة النووية ، يعقد من المهمة الامريكية ويعمق من تداعيات حساباتها الخاطئة .

لقد نجحت السياسة الايرانية في الاستفادة القصوى من احتلال افغانستان ، وهيأت وعبأت جميع مستلزمات النفوذ والتأثير الايراني في العراق ، فكان الضوء الاخضر لأذرعها العراقية من الاحزاب الطائفية في التنسيق والتعاون مع الامريكان في احتلال العراق ، وكذا كان تجيير اصول بعض المرجعيات الشيعية لحساب مصالحها باستغلال العامل المذهبي ، والذي ساهم في تكريس نفوذها السياسي والمخابراتي والأيحاء بجعل ايام الجنود الامريكان في العراق عصيبة وسوداء اذا ما ارادت ايران ، و بتقديراتٍ محسوبة ، تتعلق بطبيعة الصراع والنوايا الامريكية وميادين المواجهة السياسية الدولية .

ان الادارة الامريكية تواجه تعقيدآ متشعبآ في العراق ، اساسه خطل حساباتها السياسية والعسكرية ، فهي إذ تواجه مقاومةً عنيفة ومنظمة وواسعة في مناطقٍ بعينها وتتسع في مناطق اخرى ، جعلتها تسعى للتفاوض مع بعض اطرافها ، تمعن في الوقت نفسه بدك المدن والبلدات وتمارس الاساليب الوحشية في القتل والترويع وهي لا تدرك ان ذلك يزيد من حجم القوى التي تناهض الاحتلال ويوسع بيئة المقاومة والمقاومين ويوفر القناعات المتزايدة بالكفاح الشعبي لطرد الاحتلال ، ومن جهة اخرى ، تحاول ادارة الاحتلال حسر النفوذ الايراني ، بعد ان غضت الطرف عنه ، وتطويق امتداته دون اثارة حساسية الاحزاب الطائفية ، التي تعاونت معها والمرتبطة بوشائج قوية مع ايران .
لذلك كانت ولاتزال الرغبة الامريكية حثيثة ، بغطاء عربي او اسلامي تحت اي شعار ، ودفع وتشجيع بعض الاطراف( السنية المفزوعة والتي تماها خطابها السياسي مع الخطاب السائد ) من المطالبة بتواجد عسكري عربي ليتناغم مع الضغط الامريكي على بعض الانظمة العربية ، لتستطيع من خلاله ادارة الاحتلال بعث رسالة قوية لايران ، بان مواجهتها في العراق ستكون عربية وليست امريكية ، وبالتالي تفقدها ورقة لعب مهمة تناور بها ايران في صراعها مع الولايات المتحدة ، وهذا ما يفسح المجال امام تأمين اعادة انتشار منظم لوحداتٍ عسكرية ضخمة ، يضمن اعادتها الى قواعدها ارتياحا داخليا امريكيآ ويخفف من الاحتقان الداخلي للأدارة الامريكية ، ويساعد في تمكين بوش بأعلان النصر في غزوته العراقية .

ان الضغط والطرق الامريكي الذي اشتد مؤخرآ والذي دفع بعض الاطراف الاوربية لتتناغم معه ، بأتجاه سورية بشكل خاص ولبنان بشكل اساسي ، لجهة هز وتفكيك التحالف السياسي السوري الايراني ، ومحاولة حشر وعزل حزب الله اللبناني واجباره على تقديم التنازلات المطلوبة ، يؤكد ان الادارة الامريكية اصبحت في عجلة من امرها تحت ضغط وضعها الداخلي وتحت تداعيات مأزقها العراقي ، لجهة تحقيق وتكريس حكومة ونظامآ سياسيا في لبنان يصبح خنجرآ في الخاصرة السورية ، يساهم في تمرير مخططات الاطاحة بنظامها ، ويعمل على نزع سلاح المقاومة وتحجيم حزب الله واحتواء التيارات والقوى المناهضة للاجندة الامريكية في لبنان.

لذلك اصبحت السفارة الامريكية في بيروت (غرفة عمليات) لأدارة الصراع وفرض الأملاءات السياسية وتفكيك التحالفات اللبنانية واعادة صياغتها ، والتشجيع على عزل وزراء امل وحزب الله لتمضي حكومة السنيورة في ما اتخذته وما تنوي اتخاذه بما يتوافق مع الأملاءات الاميركية والبريطانية والتي حملها وزير الخارجية سترو الى بعض الاطراف اللبنانية وكذلك مساعد وزيرة الخارجية الامريكية ديفيد وولش ، التي تناغمت مع هذا الرقص السياسي الهستيري ، لتبدل من مواقفها ولتلمح وبجرأة خجولة الى اعتبار سلاح المقاومة هو سلاح مليشيا ينطبق عليه القرار 1559 والى تهديدها بتدويل القضية اللبنانية برمتها .

ان الهجوم السياسي المشترك بزيارة الرئيس الايراني لسورية وتاكيد المشتركات السياسية في النظر للواقع الاقليمي ، ثم تأكيد خطاب الاسد مؤخرا في مؤتمر المحامين العرب على الثوابت السورية ، يتوافق مع الخطاب الذي القاه الامين العام لحزب الله في 22-1-2006 والذي شن فيه هجومآ على بعض القوى اللبنانية المتوافقة والمتناغمة مع الاجندة الامريكية ، وضمنه تحذيرآ واضحآ لهذه القوى ومن يقف خلفها ، كما ان تصريحات مفتي لبنان ومواقف بعض الشخصيات والقوى الاخرى بدأت بخلق الرد الشعبي لمحاولات فرض الاجندة الامريكية على لبنان .

ان هذا التوافق الاستراتيجي بين ايران وسورية وحزب الله في لبنان هو حاجز واقي ضد محاولة الانفراد الامريكي بهذه المواقع الجغرافية التي تقاوم فرض الشروط والتبعية ، وهذا ما استدعى هجومآ تكتيكيآ مشتركآ ، يحقق تقدمآ معنويآ وسياسيآ لهذه الجبهة الاقليمية ، والذي سيعزز مواقفها التصادمية مع الادارة الامريكية ، الساعية وراء نصر سياسي واضح ومتميز يخدم مشروعها ويخرجها من حالة الاحتقان الداخلي في مواجهة استحقاقاتٍ انتخابية قادمة ، ويدفع بموقفها المأزوم في العراق الى موقعٍ افضل في مواجهة متطلباته السياسية والعسكرية .

بما ان ايران دخلت بشكل واسع على مسرح الاحداث العراقية منذ غزو العراق واحتلاله ، وبما انها استغلت واستفادت من هذا الدخول ، وتستمر في في لعب الورقة العراقية الى حين ، فأنها في نفس الوقت تواجه خطرآ استراتيجيآ وجديآ في صراعها مع الولايات المتحدة بوجود الجيوش الامريكية على حدودها ، وبوجود اوراق امريكية اخرى لم تلعب بعد خاصة استخدام منظمة مجاهدي خلق في العراق ، بعد ما امنت الادارة الامريكية لهذه المنظمة بقاء تواجدها في العراق ومنعت المساس بها من قبل احزاب وجماعات ايران في العراق ، وكذلك الورقة الكردية وورقة الاحواز ، ونعتقد ان التفجيرات الاخيرة وصلت رسائلها الى طهران .

من الصعب حاليآ القول ، ان امام هذا الصراع افاق للتسوية والتهدئة القريبة ، خاصة وان الادارة الامريكية تعمل على محاصرة النفوذ الايراني في العراق ، وتقليم تحالفاته الاقليمية في المنطقة واسقاطها .
لذلك فالبرغم من نجاح ايران في استخدام الورقة العراقية لحد الان ، بالاعتماد على احزابها ونفوذها داخل العراق ، فأن حساباتها تبقى قاصرة ، خاصة وان الواقع العراقي ، السياسي والشعبي متغير ، وعملية الغربلة والفرز واعادة الاصطفاف ، نتاج يومي للخريطة السياسية المتحركة وللمزاج الشعبي المتحول بتعاضم ضد الاحتلال والمتعاونين معه من الاحزاب الطائفية والانفصالية ، وعليه فأن البناء على اساس ان (القرار الشيعي) العراقي مضمون ايرانيآ هو تبسيط للواقع الاجتماعي العراقي ، وهو خطأ مزدوج يقع فيه اصحاب القرار الايراني ، أن حلفاء ايران من الاحزاب والجماعات يمكن ان يصبحوا على (الحياد) ويستبدلوا الولاء ، وهذا ليس بغريب اذا وضعوا امام احد الخيارين عندما يحين وقت الاشتباك المباشرمع ايران .

لذلك فأن تصحيح السياسة الايرانية من العراق وتغيير مواقفها الفعلية من اعتبار العراق ورقة للمساومة والمناورة ، وانهاء تدخلها ونفوذها لصالح دعم القوى الشعبية الفاعلة الرافضة لمشروع الاحتلال ومخططات ادارته الامريكية ، سيسرع في تعميق المأزق الامريكي ويوفر عنصراساس من عناصر هزيمة هذا المشروع استراتيجيآ ، في اعادة تكريس الوحدة الوطنية بين اطياف اساسية من الشعب العراقي ، بعد ان اسرت بعض الاطراف الطائفية والانتهازية والمدعومة من بعض مراكز القوى الايرانية (الراية الشيعية) وعملت بخطابها السياسي وممارساتها السلطوية والمدعومة امريكيآ على اشعال الصراعات الطائفية وضرب النسيج الوطني وخلق حالة من التفتت والانقسام ، خدمة لمصالحها الفئوية ومصالح بعض القاصرين في نظرتهم السياسية والاستراتيجية في طهران .
ان قبر مشروع الاحتلال وادارته الامريكية ومخططاتها ، والحاق الهزيمة التأريخية بها ، يستدعي من بعض القوى الاقليمية المشمولة به ، اعادة النظر في مواقفها وسياساتها تجاه المشروع الوطني العراقي المناهض للاحتلال ، ويستدعي من البعض الاخر انهاء حالة التردد وتقديم ما يلزم لتقريب يوم الخلاص لشعب العراق ، وفي خلاصه من الاحتلال ، خلاصكم مما يرسم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية توقف رجلاً هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإير


.. نتنياهو يرفع صوته ضد وزيرة الخارجية الألمانية




.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط