الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جبرييل غارسيا مركيز....مرة أخرى

فاتح الخطيب

2017 / 5 / 16
الادب والفن


لقد عثرت مؤخرا على كتاب لم يسبق لي أن قرأته لمركيز, والذي هو عبارة عن عدد من خطب القاها في أماكن مختلفة من العالم. عنوانه " لم اَت لألقي خطابا", وهو جملة مقتبسة من خطاب قديم القاها مركيز لوداع زملائه في حفل التخرج من مدرسة (زيباكويرا) العليا, وذلك في عام 1944 حيث كان عمره انذاك سبعة عشرة عاما, لينتهي الكتاب بالخطاب الذي كتبه عام 2007 لالقائه أمام اكاديميات اللغة بحضور ملكة وملك اسبانيا في الذكرى الثمانين لولادة هذا الروائي الكبير......
وفي الحقيقة أن خطبة له بعنوان (كيف بدأت الكتابة), والتي القاها في كاراكاس, فنزويلا 3 أيار 1970 هي التي لفتت انتباهي, أنقل لكم هنا الجزء الذي شدني بها كما وردت.

" سأخبركم, مثلا, بالفكرة التي تجول في رأسي منذ عدة سنوات, وأشك في أنها قد اغتنت بصورة كافية. سأرويها الاَن, وعندما أكتبها, لا أدري متى, ستجدونها بكل تأكيد مختلفة تماما, وستتمكنون من ملاحظة الطريقة التي تطورت بها.
تخيلوا قرية صغيرة, تعيش فيها سيدة مسنة مع ابنين اثنين, ابن في السابعة عشرة, وابنة أصغر في الرابعة عشرة. إنها تقدم وجبة الفطور لابنيها, ويلاحظان في وجهها ملامح قلق شديد. يسألها الابنان عما أصابها. فتجيبهما "لا أدري, ولكنني استيقظت بفكرة أن شيئاَ خطيراً جداً سيحدث في هذه القرية ".
يضحك الابنان منها, يقولان إنها هواجس عجوز, أمور تنقضي. يذهب الابن ليلعب البلياردو, وفي اللحظة التي يوشك فيها على توجيه ضربة كارامبولا- التي يصيب فيها اللاعب أكثر من كرة واحدة- شديدة البساطة, يقول له الخصم:"أراهنك ببيزو أنك لن تستطيع ذلك". يضحك الجميع. ويضحك هو أيضا. ويوجه ضربة الكارامبولا ولا يفلح فيها. يدفع بيزو ويسألونه:"ما الذي أصابك, فقد كانت كارامبولا سهلة جداً؟". ويقول:"صحيح, ولكنني ما زلت قلقاً من شيء قالته لي أمي هذا الصباح عن أمر خطر سيحدث في هذه القرية". يضحك الجميع منه, والذي كسب البيزو يعود إلى بيته, ويجد أمه ومعها ابنة عم أو حفيدة أو أي قريبة أخرى. فيقول سعيدا بالبيزو "كسبت هذا البيزو من داماسو بأسهل طريقة, لأنه أحمق". "ولماذا هو أحمق؟". فيقول لها: "لم يستطع إصابة كارامبولا سهلة جداً لأنه مضطرب بسبب قلق استيقظت به أمه اليوم بفكرة أن شيئاً خطيراً جداً سيحدث في هذه القرية".
عندئذ تقول له أمه: "لا تسخر من هواجس المسنين, لأنها تتحقق أحياناً". تسمعه القريبة الحاضرة, وتذهب لشراء لحم. تقول للجزار: "أعطني رطل لحم", وبينما هو يقطع اللحم, تضيف قائلة: " من الأفضل أن تعطيني رطلين اثنين لأنهم يقولون إن شيئاً خطيرا سيحدث, ومن الخير أن نكون مستعدين". يبيعها الجزار اللحم وعندما تأتي سيدة أخرى لتشتري رطل لحم, يقول لها: "خذي رطلين لأن الناس يأتون إلى هنا قائلين إن شيئاً خطيراً سيحدث, وهم يستعدون ويشترون مؤناً".
وتجيبه العجوز عندئذ: "لدي أبناء كثيرون, اسمع, من الأفضل أن تعطيني أربعة أرطال". تأخذ أربعة أرطال. وكيلا أطيل القصة أكثر, أقول إن الجزار يبيع اللحم كله خلال نصف ساعة, ويذبح بقرة اخرى, ويبيعها كلها, وتأخذ الإشاعة بالانتشار. وتأتي لحظة يكون جميع من في القرية بانتظار حدوث شيء. تشل النشاطات كلها. وفجأة, في الساعة الثانية بعد الظهر, يشتد الحر كالعادة. فيقول أحدهم: " هل لاحظت شدة هذا الحر؟". أجل, ولكن الحر شديد على الدوام في هذه القرية". الحر شديد إلى حد أنها قرية يرقع جميع الموسيقيين فيها اًلاتهم الموسيقية بالقطران ولا يعزفون إلا في الظل لأنهم إذا عزفوا عليها تحت الشمس ستسقط منهم مفككة."ومع ذلك -يقول أحدهم- لم يحدث قط أن كان الحر بهذه الشدة في مثل هذا الوقت". "بلى, ولكن ليس بهذه الشدة التي عليها الحر الاًن". وفي القرية المقفرة, في الساحة المقفرة, يحظ فجأة عصفور, وينتشر الخبر: "يوجد عصفور في الساحة". ويأتي الجميع مذعورين لرؤية العصفور.
"لكن العصافيرتحط دوماً هنا أيها السادة". "أجل, ولكن ليس في مثل هذه الساعة". وتصل لحظة من التوتر الشديد يكون معها جميع أهالي القرية متلهفين بقنوط للمغادرة دون أن تكون لديهم الشجاعة لفعل ذلك. فيصرخ أحدهم: "أنا رجل وافر الرجولة, وسوف أرحل". يوضب أثاثه, وأبناءه, وبهائمه, ويحشر كل شيء في عربة ويجتاز بها الشارع المركزي حيث القرية البائسة كلها تراه. وتأتي لحظة يقولون فيها: "إذا كان هذا قد تجرأ على الذهاب, فسوف نذهب نحن أيضا". ويبدأ هجر القرية بكل معنى الكلمة. تحمل الأمتعة, والبهائم, وكل شيء. ويقول أحد اًخر من الذين يغادرون القرية: "عسى ألا تقع المصيبة على كل ما بقي من بيتنا", وعندئذ يحرق بيته, ويحرق اخرون بيوتاً أخرى. يهربون بذعر رهيب وحقيقي, كما لو أنه هروب من حرب, وبينهم تمضي السيدة صاحبة النبوءة وهي تقول: "لقد قلت لهم إن شيئاً خطيراً سوف يحدث فقالوا إنني مجنونة".
انتهى الاقتباس.....
ولا زالت الهواجس مستمرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما