الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لصوص الزمن ..

سيمون خوري

2017 / 5 / 16
الادب والفن


لصوص الزمن ؟!
سيمون خوري :
لا أدري من قائل هذه العبارة الرائعة أو أين قراتها
" .. يالها من حماقة أن تخشى ضياع حياتك، دون أن تشعر بشئ اتجاه تبديد دقائقها وساعاتها .."
تخطيت قليلاً عتبة السبعين ، بيد أني أدركت متأخراً قيمة الزمن . ربما لأننا نحن جيل الأربعينيات والخمسينيات ، لم ندرك أن الوقت هو العمر كله .وهو اغلى ما نملك بصفة شخصية ، بإعتباره هو الحياة .
كنا صغاراً نلهث لكي نصبح كباراً ، لم تكن لدينا آلعاب إليكترونية ، ولا " أيرون مان " ولا " باربي " من الثياب القديمة التي فقدت الحياة ، صنعنا كرة لعب ، نتأرجح على أغصان شجر الزيتون والجوز . ونتعارك وسط المقابر، حيث تتحول الصلبان والشواهد الى دريئة .وأغلب الظن ان ذلك كان يسعد موتى الماضي . نلاحق القطط والصراصير الطيارة ، ونراهن بعضنا على " حبة راحة " الحلوة أو على بذر المشمش .ومن عود صغير صنعن البنات ، صغيرتهن . هذه " عائشة " وتلك " ماريا " وكانت ضحكاتنا تعزف موسيقى وأفكار ، يتعذر صياغتها في الفاظ . وكثير من الالفاظ الراهنة لاتحمل لنا الآن ، ذات المعنى كما كانت في الماضي . حتى الشتائم ، كانت تحمل في طياتها ابتسامة ومحبة على وزن " يبعتلو حمى " و" العين التي تضربو " .
وفي اليوم التالي ، على مقاعد الدراسة يتهاسم المعلمون بموعد التظاهرة ضد الإحتلال والإستعمار . ونحن الصغار في مقدمة الصفوف نهتف " يلعن رب الإستعمار" وليسقط " واحد من فوق " وبسبب الضجيج والصراخ لم نستطيع تمييز الكلمة .. لكن لاحقاً عرفنا أن المقصود هو " أرثر بلفور " وزير الخارجية البريطاني الذي منح المنظمة الصهيونية وعدا بأرض فلسطين مقابل إستثماراتهم في المملكة المتحدة نتيجة أزمتها الإقتصادية حينذاك .
مثل الجميع عشنا على الكلمات ، والخطب الرنانة الجوفاء التي لم تستطع فتح كوة صغيرة في جدار الغباء السياسي انذاك لكافة حكام المنطقة واحزابها . تلك الخطب المتكررة مثل صوت ألة التنبية في السيارات القديمة . مجرد " زعيق " .أعتقد أنه نتيجة تكرار تلك الخطابات السياسية والعقائدية . إصيبت جملتنا العصبية وكافة مراكز الإستشعار لدينا بالعطب . ادت الى إنعدام أو الى إضمحلال الإستقلال العقلي ، وتنامي عقلية التواكل على الغير. وسيطرة عقلية " هز الرأس " ربما عبارة " مواء " قريبة الى حد ما من الواقع القائم وما زالت تحتفظ براهنيتها .
تكسرت وتبددت احلام الحرية والتحرر ، وحافظت كافة الدكاكين السياسية على رفوفها ما لديها من خطب ومقولات جاهزة . وربما لأننا لم نستطيع تغيير افكارنا السياسية والعقائدية القديمة ... رواحت المنطقة في ذات المربع . وأولئك الذين لا يستطيعون تغيير أفكارهم القديمة ، لا يستطيعون تغيير اي شئ . فما بالك بمجتمعات تحاول اللحاق بالماضي . وتقدم له حقوقاً ليست له . إنها أشبة بكلب ينبح على خياله في مرآة ثم يدور خلفها باحثا على ذيله . قلائل فقط من الأصدقاء الذين أدركوا أنه عندما تكون في صف الأغلبية ، فقد حان وقت التغيير . والتحرر من القطيع . من اؤلئك الذين يبحثون عن وسيلة لحشر الزمن في اربع وعشرين ساعة من الخطب الجوفاء . سنبقى نحمل راية اليسار الإنساني ، دون تعصب ولا مواقف مسبقة.
منذ ايام حضر احد احفادي لزيارتي لم يتجاوز عمره الخمس سنوات ، أهداني إبتسامته الجميلة . قال :
سألته المعلمة من أين أنت ؟
أجاب : فلسطيني يوناني ..
هكذا ستون عاماً ونحن فلسطيني سوري وجزائري وفلسطيني يمني وفلسطيني امريكي إنها الدياسبورا
والأن سوري ألماني وسوري أمريكي وسوري كندي وبلغاري ..الخ
وأيضاً عراقي نرويجي ودانماركي ...الخ
وكردي تركي و وعراقي وسوري والماني وبريطاني وسويدي..الخ
ويمني وصومالي ومصري وليبي وسوداني ... دياسبورا بالجملة .
مهاجرون .. مجرد ناس عاديين دون ملابس أنيقة ..ولا سلوك استعراضي . نحاول اللحاق بالزمن . من أجل مصلحة ومستقبل أبناءنا والبشرية معاً . لا نبحث عن الماضي ، بل نتعقب المستقبل . نتمنى أن يكون مستقبلا جميلاً .
أتدري من الذي إخترع لفظة " الغد " ؟! حسناً ...أكثر ما أخشاه على هذه الأجيال، هم لصوص الزمن . ما فوق العولمة القاتلة عندما يصبح الإنسان الحاضر أشبه بالإنسان الآلي . انها جرس الإنذار الأخير قبل إضمحلال الإنسان ، وتحولة الى مسخ كافكوي.
بالنسبة لي سارحل مطمئنأً لأني تداركت مؤخراً ما فاتني من زمن . إنها محبة الآخر ، وموسيقى " التيبت " وتأمل أمنا الطبيعة .
سيمون خوري أثينا 15 / 5 / 17








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الكريم سيمون خوري المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2017 / 5 / 16 - 14:04 )
تحية طيبة...شكراً على طلتكم هذه التي تعني انك تطمئئنا...لكم العافية و راحة البال
لا اعرف هل يتوالم التالي مع الموضوع...شعرت بذلك فقررت ان اقدمه هنا

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=312208

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=312522
...........................
انها بالمحكية العراقية اعرف انك تفهمها و تحبها ايضاً
........
السلام و الامان و الراحة و الهناء لك و للعائلة الكريمة


2 - تحية لك
سيمون خوري ( 2017 / 5 / 16 - 15:27 )
تحية لك اخي عبد الرضا دائما انت في الصفوف الامامية ومن الحالات التي اعتز بهم بالنسبة لي اللهجة العراقية هي واحدة من اللهجات المحببة خاصة عندما تتحدث او تنطق بها انثى عندها تشعر كم هي هذه اللهجة مميزة وجميلة وخاصة الاغاني الشعبية


3 - فلسطيني يوناني
عبله عبدالرحمن ( 2017 / 5 / 16 - 22:44 )
تحياتي استاذي المبدع سيمون خوري
شكرا لكلماتك الجميلة التي تشبه قلبك وجمال الطبيعة
أحببت ان ابدا من فلسطينية حفيدك الباقية بقاء عدالة القضية الفلسطينية
الحزن يمتد بفضل الخطب الرنانة التي تتلون مع الزمن فيتجدد الكذب ونخسر ما تبقى من امل على صخرة الحزن العربي
امنيات بدوام الصحة والعافية
دامت صحتك ودام ابداعك


4 - لصوص الزمن
شاكر شكور ( 2017 / 5 / 16 - 23:37 )
اجمل عبارة ختمتَ بها مقالتك استاذ سيمون هي العبارة التي قلت فيها (إنكَ تداركت مؤخراً ما فاتك من زمن . إنها محبة الآخر) ، نعم محبة الآخر تستطيع املاء فراغ العمر كله فيما لو نشأنا على هذا المبدأ في حياتنا ، لقد وضع السيد المسيح مبادئ للإنسان لكي يعيش بسلام وطمأنينة كأقواله الخالدة (تحب قريبك مثل نفسك ، وإن احببتم الذين يحبونكم فأي فضل لكم) ، ولكن غالبيتنا لم يتذّوق من هذا الغذاء المجاني لكي يملأ حياته بالمحبة والسلام ، فحين تقترب نهاية حصة الإنسان في استنشاق الهواء حينها لا يكفيه الوقت لتعويض ما فاته او لتصحيح اخطاؤه فيبقى عنده خزين المحبة للآخر دون استخدام ، وهنا اتكلم بشكل عام ولا اقصد شخص معين ، فلأجل ماذا يصر الإنسان على خوض امواج البحار ومقاتلة طواحين الهواء هل لكي يستنتج ويبرهن في الآخر بأن محبة الآخر هي سر الحياة ؟ اما ما يخص لصوص الزمن ، فالضحية الأولى للصوص الزمن هو المهاجر رب الأسرة وزوجته الذي لن يستطيع اللحاق بالزمن مهما عمل فيرضى ان يأكله الزمن وأن يكون حطب للوحش الرأسمالي مضحيا من اجل ان لا تنطفي شمعة اولاده ، تحياتي استاذ سيمون


5 - أحسنت
جهاد نصره ( 2017 / 5 / 17 - 06:36 )
اطلالة ناضجة في زمن نخب لا تعرف النضوج
تستحق التحية


6 - تحية لكم
سيمون خوري ( 2017 / 5 / 17 - 08:52 )
اختي العزيزة عبلة المحترمة واخي شاكر شكور واخي جهاد نصرة واخرين تحية لك وشكرا على مروركم وفعلا اتمنى ان تملئ محبة الاخر قلوبنا على رأي أخي شاكر عندها لن تبقى ثمة حروب بلهاء ويتوقف سفك الدماء . تجية للجميع

اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في