الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة العشائرية الموقَّرة

ابراهيم محمود

2006 / 1 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


-1-
وأنا أتحدث في سياق الدلالات التي يفجرها العنوان السابق أعلاه، فإن أقصى ما أريد التوقف عنده، والمناقشة أو المساءلة حوله، هو كيف يمكن أن تكون الدولة، كمفهوم مجتمعي دولة فعلاً، عمادها المؤسسات، وعلامتها الفارقة وجود أنظمة وقوانين يحتكم إليها الجميع، بغض النظر عن انتمائهم الطائفي، أو المذهبي، أو العشيري، أوالطبقي... الخ.
وبالترادف، فإن أهم ما أريد التنويه إليه، هو أنني لا أريد تجييش وعي دولتياً، ضد كل ما يسمى بالعشيرة، ومن يتفيأ في ظلها، ومحاولة إقصائه، وإنما هو تطهيره من كل رابط عشائري، إذا أراد دولة مؤسساتية، ومجتمعاً تقدره منتمياً إليها، ومأخوذاً به أهميةً، بحسب دوره القيمي فيها.
ونتيجة، فإن أكثر ما يحرك أفكاري، هو كيف يمكن التفكير في الدولة، بصفتها دولة، وليس كراكوزاً، تتعمد فئوياً، وتتزيا عشائرياً، وتقسم الأيمان المغلظة في أداء مهام مجتمعية قانونياً زوراً.
لا أريد لأحد، لأي كان، أن يتحرى فظ القول، غليظه، فيما أعنيه، باعتباري محارب عشيرة، هكذا بإطلاق، إنني أحارب مفهوم العشائرية الموسوم هنا:الدواء الناجع لبناء مجتمع متصدع منذ إعلان بنائه، أحارب إدخال حصان طروادة العشائري، إلى داخل (مدينتنا)، بدعوى تمدينها، دون النظر في الداخل الناسف من هامة عقاله، إلى أخمص (جاروخه) الفولكلوري المجيَّر.
أتحدث عن هذا الوفد العشائري الكردي المنتقى بإرادة سلطوية حديثاً مجدداً، تحت زعم إيجاد حلول لمشاكل خاصة بالكرد، والجلوس إلى الرئيس، لهذا الغرض، ومخاطر هذا الإجراء، وكيف أن ذلك ، يري أي دولة عشائرية موقرة، تتجلى أمام النظر، مع طابع المفارقة الصارخ، في الذين اختاروهم، أو وزنوهم، أو عمَّدوهم سلطوياً، برعاية أمنياترية معلومة، والبلبلة التي يمكن أن تسببها ممارسة لا( وطنية) لا( قومية) من هذا النوع، تضاف إلى جمهرة البلبلات الأخرى الكثيرة راهناً، باعتبارها أكثر من دق الاسفين بين الكرد أنفسهم، الكرد وسواهم من أطياف المجتمع السوري : عربياً وسريانياً وأرمنياً وجركسياً، ولا أظن أن عرابي ( الحافلة) العشائرية، في سباق مسافاتهم الطويلة والدائرية نسبياً، بمتجاهلي الانعكاسات الخطيرة لما يقام به.
-2-
أي رهان تعتمده الدولة، بعد مسيرة( جريرة) ستة عقود زمنية، من البحث عن مرتكزات بناء دولة وطنية، ومجتمع يستوعب الأصوات جميعاً؟ فتكون الدولة سوريا: الجميع، وليس الدولة: الجمهورية العربية السورية البعثية الأمنية الافتئاتية للجميع، بمن فيهم العروبيين البعثيين أنفسهم؟
ثمة دلالة على نظام معكوس، هو نظام الاخفاقات المتتالية، نظام اللانظام، في الدفع بالدولة خارج سكتها الحديدية : المؤسساتية الوطيدة، لأن لا كابتن القطارالسلطوي، ولا مساعديه، ولا الذين يدققون في المستقبل، بمعنيين بركاب القطار: المجتمع، كما تؤكد الوقائع.
إن قراءة ما يعيشه ( معذّبو الأرض)، بحسب التعبيرالساخن جداً لـ" فرانز فانون"، تكشف عن انقلاب السلطة في هويتها المجتمعية المزعومة على نفسها، على حقيقتها المتداولة، عن المتاجرين بالقومية ولحم الجماهيرالذي أنتَن من كثرة الاستعمال في ثلاجة الوعود الصدئة.
-3-
ماذا يعني أن تكون العشيرة العطاء القيمي، والغطاء الخيمي، ضمان أمني النفسي والمجتمعي؟
أما كان أجدى بالدولة، عبر رموزها، من متعهدي العشائرية المسواقة، وكما كتبت عن ذلك، قبل أكثر من سنة، في ( الذخيرة في محاسن أهل العشيرة)، في أن تفتح مزاداً علنياً لمن يستثمر العشيرة، ويرسخ الأمان العشائري، فيكون رمز العشيرة، البديل الحزبي، وحوله معتمرو العقال والشماخ أو الكوفية والعقال والجلباب ( نص كم معكوساً)، لتوفير الاقتصاد الوطني، ويتحول المواطنون، بعد وعود سرابية، إلى فرسان عشيرة، بعد إخضاعهم لدورة تدريبية مكثفة، لتجويد لغة الانتماء العشائرية، وتعميق ما كان متداولاً، ونصب خيم طوابقية، بمعونة مهرتنا من مهندسي السياسة العشائرية، طالما أنهم قادرون على ماهم سائرون فيه، بعكس مسار التاريخ.
-4-
ماالذي سيثارلـ( وجهاء) المجتمع: المجترع الكردي، في الجلسة التاريخية؟
التركيز على أن الوعود( الغودوية) قادمة، بخصوص تجنيس من لم يتجنس كردياً، وأنه سينال شرف الانتماء إلى حظيرة المواطنة العروبية، وسينخرط في السلك العسكري حارساً للبوابة الجنوبية، الشمالية...الخ؟ وهذا أقصى ما يتمناه، وليس التركيز على معرفة سبب المماطلة في عدم إيجاد الحلول، وسبب الهروب من المشكلة، وسبب التهرب من مشروع بناء الدولة الفعلية، وعدم تحديد الكرد بما هو كمي أو ورقي، وإنما فيما هو تاريخي وقومي وانساني؟
ومن هم هؤلاء الذين بوسعهم، أن يتحدثوا عن كل ذلك، وهل حقاً تمت دعوتهم لهذا الغرض، أم لتوسيع نطاق فسيفساءالعشيرة، على مستوى الوطن اللاوطن، والتأكيد من خلالهم أن سوريا بخير، وأن الكرد بخير، ومع الدولة ومن يمثلها، كما يؤكد ذلك ممثلوهم المنتقون، وبالدم الكردي المراق من قبل السلطة كثيراً، خارج سجونها وداخلها، والآن في سبيلها، وليخسأ- هنا، المغرضون الكرد، من ممثلي الأحزاب الكردية المتحاملة على الدولة المسالمة، والسلطة المسالمة، وكل الذين يقفون معهم: كرداً وعرباً وغيرهم؟ وكل ذلك سيزيد في هيبة الدولة، وإرهاب الأعداء بالجملة، كما كان جيش صلاح الدين العربي رسمياً، الكردي ديماغوجياً، العدو في حالات أخرى، ذات يوم، ولن يعود في وسع أي كان قول النقيض؟؟؟
سيكون هذا اليوم تاريخياً، للذين يدخلون في حومة/ حوزة الضوء الرئاسية، وربما يكون في وسع كل منهم، أن يحصل على صورة جماعية، وأخرى فردية، لهذه المباركة، وتعليقهما معاً في مكان بارز، في بيته، والحديث عن اللقاء التاريخي داخل القصر. ماذا يريد الكرد أكثر من ذلك؟؟؟؟
-5-
لا أتحدث تهكماً، وإنما من حدة المفارقة، وصعوبة معاينتها، لهول الملموس فيها، ولهذا، أرى أن تناول هذا البعد الكارثي، وتبيان مخاطره، من مهام كل مثقف أو كاتب، أو مسؤول، عن وطن يجري تركيبه كاريكاتيرياً: العربي والسرياني والأرمني والجركسي والكردي، وحتى ذلك الأمني الذي يتحرك نبض وطنية ما في جسده، بوسعه مكاشفة المنهار من وراء الستارأو دونه.
-6-
حتى الأمس القريب، وعندما كان عبدالحليم خدام،خداماً لمايريد داخل السلطة ولنفسه، أحد قباطنة السياسة السورية، كان يلقَّب هنا وهناك، بـ( وزير العشائر العراقية)، من خلال اتصالاته المستمرة برموز عشائرمعروفة عراقياً وولائياً لصدام خصوصاً، وبعد خروجه المستفز، يبدوأن اللقب استحوذ على اهتمام المسؤولين الكبار في عربة السلطة، وأثار لعابهم، تلك التي تقدح عجلاتها شرراً قوموياً، حيث الرصيد الوطني فقد غوايته، وأشرفت الدولة على نهاية المتبقي من رصيدها القيمي ذاك، وإلا ما معنى كل هذا الاحتفاء بما يجري عشائرياً؟ وأي هوية هذه التي يحملها كل منا، أو تحميلنا بها؟ أي رعب مواطنة نعيشه هنا.
-7-
ما أريد التركيز عليه أخيراً ، وليس آخراً، هو:
تقتضي مصلحتي الانسانية، في أن أضع ما هو قومي خاص بي، في خدمة الانسانية تلك، طالما أن هذه، لا تعدم قيمة قوميتي، بقدر ما تستوعبها، وتقدرها مع سواها، بالدرجة المعنوية والفعلية ذاتها، ولهذا يكون الانساني داخلي أكثر ضرورة للأخذ به.
تقتضي مصلحتي القومية، حيث أنتمي إليها، وهي الكردية في الصميم، في أن أتخلى عن كل ما هو جماعي ، بأي صيغة كانت، ما دام الانتماء القومي يعزز قيمه المثلى داخلي، أكثر مما هو جماعي ضيق، ولهذا يكون تخليَّ عن الجماعي، أكثر نجاعة قيمة، وضرورة أخلاقية.
تقتضي مصلحتي الجماعية، في أن أسخّر في خدمتها، كامل قواي العائلية، حيث تكون المصلحة هذه، قادرة على تلبية احتياجاتي العائلية ، مثلها من الاحتياجات العائلية الأخرى لسواي.
تقتضي مصلحتي العائلية، في أن أكون متجاوباً معها، إذا أدركت أنها بذلك ترفع من شأني، مثل بقية أفرادها، وهنا ما أُحَيلى الانخراط في سياق الفعل العائلي.
لكنني، ومن خلال ما تقدم، سأكون الخصم ما حييت، لكل ما هو عائلي، إذا تبدى ضحية الأكبر منه، والجماعي، إذا تجلى مأخوذاً بسلطة متزعم لـه، والقومي، إذا انبرى مضحياً بمفهومه، والانساني إذا تراءى جلاد القومي فيَّ.
نعم، ومن خلال ما كتبت حتى الآن ، وما سأكتبه لاحقاً، أنا إنساني، عندما يكون لقوميتي موقع، مجتمعيٌّ، عندما يكون لانتمائي الفردي محل من الإعراب القيمي، عائلي حيث تكون حقوقي الفردية مصانة، وما عدا ذلك، فلأكن ذئب البراري الموسوم رمزياً، أفضل من أكون الثعلب المذموم، أو سواه، ممن يتجرد مما هو قيمي اجتماعي ووجدانياً، ويتميز به.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: حماس تمارس إبادة جماعية ورفضت جميع المقترحات المتعل


.. الدكتور مصطفى البرغوثي: ما حدث في غزة كشف عورة النظام العالم




.. الزعيم كيم يشرف على مناورة تحاكي -هجوماً نووياً مضاداً-


.. إيطاليا تعتزم توظيف عمال مهاجرين من كوت ديفوار وإثيوبيا ولبن




.. مشاهد جديدة وثقتها كاميرات المراقبة للحظة وقوع زلزال تايوان