الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على صفيح ملتقى رواية المستعمرة السعيدة

جهاد الرنتيسي

2017 / 5 / 19
الادب والفن


في متاهة العلاقات "الزبائنية" و "الذيلية" التي طفت على سطح "ملتقى فلسطين الاول للرواية العربية" الذي نظمته وزارة ثقافة السلطة الفلسطينية ما يغري بالاقتراب من مناخات المقاربات والمقارنات ويكفي لاثارة رغبة البحث عن العقد التي تعترض حضورا اكثر سوية لفلسطين وقضيتها في فوضى المشهد الثقافي العربي.
قد يكون استياء روائيين عرب محسوبين تقليديا على اذرع ثقافة "المستعمرة السعيدة" وخاب املهم في مشاركة المشاركين بالتطبيل لـ"السلطة المعجزة" الاكثر دلالة وسط زوبعة الضجيج التي امتد صداها الى عواصم عربية تابع مثقفوها الحدث بحذر تحكم بعضه منظومة حسابات ومصالح ضيقة تنحسر امامها اسئلة الثقافة وحساسية دورها المفترض.
تتيح المتابعة المتأنية التقاط عدة اشارات من خلال تعبيرات الاستياء التي جرى تداولها في مقاهي المثقفين ووجدت طريقها الى وسائل التواصل الاجتماعي ومن بين هذه الاشارات تعامل مثقفين عرب مع سماسرة ثقافة "المستعمرة السعيدة" الذين يحلون في العواصم محملين بالدعوات والوعود باعتبارهم نموذجا للفلسطيني وتحول هذا النموذج في بعض الاحيان الى بؤرة استدرار لاسقاطات نفسية تضيف تشوهات الى ما تلحقه وظيفة السلطة بصورة شعبها في مخيلات قاصرة عن فهم التحولات وتعيق في الوقت ذاته تعميق فهم روائيين عرب لآليات وضوابط تخضع لها العلاقة الزبائنية التي تربطهم مع اجنحة الثقافة الرسمية الفلسطينية ومن بين هذه الضوابط ضيق افق القائمين على الاجنحة وحسابات مصالحهم الذاتية واستعدادهم لخذلان مستخدميهم "بفتح الدال" وربما تصفية الحسابات معهم اذا اقتضت الاهواء والتوافقات الداخلية.
محاولة توظيف قدوم الروائيين الى المستعمرة السعيدة في تلميع دور سلطتها وخطابها السياسي كانت اكثر كاريكاتورية من سجالات مقاهي المثقفين العرب المسكونة بفتات هنا وآخر هناك.
خلال اندفاعهم لتلبية حاجة المستعمرة السعيدة لنفخ اعلامي يخفي هزالها اظهر روائيون عرب شاركوا في الملتقى فجاجة في معرفة وفهم ما كان عليه و آل اليه الحراك الثقافي الفلسطيني وعمق حضور الفلسطينيين وقضيتهم في المشهد الثقافي العربي ليظهر الفلسطينيون في بعض الاحيان حالة ثقافية معزولة عن عمق ثقافتهم الأم وفي احيان اخرى بدت قضيتهم اكتشافا جديدا في اسئلة الثقافة العربية والاهم من هذا وذاك تجاهل بعض الروائيين لثورة الاتصالات التي لم تترك مجالا للعزلة التي جاءوا من بلادهم وعبروا المعابر لانهائها وكان بامكان هؤلاء تجاوز العثرة التي اوقعهم فيها مضيفهم وهو يحملهم ما لا يمكن لمثقف حقيقي حمله لو التفتوا الى غنى تجربة فلسطينيي الداخل الذين استطاعوا تحدي الاسرلة رغم نكبتهم وتنكر ابناء جلدتهم واحتفظوا بهويتهم العربية وقدموا مع دروس المقاومة قامات ورموز ثقافية اثرت وعي الذات وفهم العلاقة بين الانا والاخر الاسرائيلي.
السطحية والارتباك وحالة اللاتوازن بين الظاهر والباطن كانت اكثر وضوحا في لغة بعض الروائيين البروتوكولية ومنطقهم الاقرب لمحاولة تبرير القدوم الى المستعمرة السعيدة والمشاركة في ملتقاها ففي بعض الاحيان كان لافتا للنظر ان الخطاب المجامل الذي نقلته الكاميرا يتضارب مع ما قيل في جلسات خاصة ووجد طريقه الى مواقع التواصل الاجتماعي وعلق عليه جمهور من المتابعين.
محاولة التبرؤ من شبهة التطبيع الملتبسة كانت حاضرة ايضا في رسائل الروائيين المتلفزة لتردف منطق السلطة الساعية لارتداء جلد اكبر من مقاسها ورافق هذه المحاولة صدى اعلامي باهت ـ في مقالات نشرتها صحف عربية ـ ظهر افتعاله واضحا وهو يضفى معنى بطوليا على معاندة دعوات رفض التعامل مع الاحتلال الاسرائيلي المفترض ان تندرج في اطار الموقف وحرية التعبير مما يوحي بالحرص على اقحام التعامل مع الاحتلال الاسرائيلي ومنحه شيئا من القداسة بدلا من المطالبة باعطاء حرية الزيارة للراغبين بها واحترام رغبة رافضيها.
مفارقات اداء المستعمرة السعيدة وضيوفها الروائيين وزبائنها المحبطين من خذلان اجنحتها الثقافية تحيل الى محاولة تفسير غرائبية الظاهرة ببعض الاستعادات وقراءة الكامن في مراحل سابقة على ضوء المدخلات اللاحقة .
قبل ظهور المستعمرة السعيدة على الخارطة السياسية كان المبدع العربي جزء اصيلا من نسيج التجربة الفلسطينية ياتي الى الاردن ولبنان ليلتحق بقواعد ومكاتب الفصائل ويعيش الحالة بكل تفاصيلها بحثا عن تحقيق معادلة الانسجام الحميمي بين الانسان وقيمه او بناء علاقة بين الفكرة والممارسة .
كانت عدالة قضية الفلسطينيين ونقاء فكرة الثورة التي اخفقوا في تجسيدها كافيتان لتعميد اجيال من المؤمنين بالحرية ورفض الظلم في بحر من العطاء وبروز اسماء محجوب عمر وغالب هلسا ونزيه ابو نضال والياس خوري وقيس الزبيدي وامتداد الدائرة الى جان جينيه وفانيسيا ريدغريف ومن خلال نتاجات هؤلاء وغيرهم امتلك معنى الاشتباك مع المشروع الصهيوني وجوهره العنصري حضورا كونيا عابرا للمحيطات .
الفارق بين الحالتين الراهنة والسابقة لا يعني ان الصورة كانت مثالية قبل تآكل دور المثقف العضوي في الحياة العربية وانتهاء الحالة التي وصفها هلسا بانها "القلب المسلح" للثورة العربية وتحول "السياحة الثقافية" في المستعمرة السعيدة الى انجاز نوعي لكن الامر لا يخلو مما يستحق الاشارة اليه باعتباره علامات مضيئة تحاول السلطة اطفاءها والتخلص من بقايا سلالاتها لتبرير مشروعها .
نماذج مثل غسان كنفاني وماجد ابو شرار كانت تستر التشوهات وتخفي بشاعة النتوءات ـ التي يمثلها نموذج مثقف السلطة في منظمة التحرير الذي انتقل لاحقا الى المستعمرة السعيدة ـ وتجتهد في فتح فضاءات العلاقة مع حركة الابداع العربي والعالمي وتشتبك اذا اقتضت ضرورات انتزاع حق التعبير عن الراي وحماية المختلفين مع رأس السلطة السياسية .
بفضل حالة الخصوبة والتعددية التي وفرها وجود هؤلاء وامثالهم في الحياة السياسية والثقافية الفلسطينية اتسعت هوامش حرية التعبير والتفاعل مع حيوية المشهد الثقافي العربي والعالمي.
التباين الذي تعكسه هذه الجزئية يكشف ما عجز الروائيون العرب عن رؤيته في المستعمرة السعيدة حيث يخشى دعي الثقافة التعبير عن رأيه خوفا من اغضاب الدائرة الضيقة وما يترتب على هذا الغضب من فقدان الراتب الشهري ويصعب عليه الانفتاح على خطاب ثقافي لايستطيع استيعاب تعدديته التي تصطدم باسقف مبالغ في انخفاضها.
يمكن التقاط مظاهر هذه الحالة بسهولة لو كلف المطبلون من الروائيين العرب انفسهم قراءة البعد البروتوكولي في تضامن قادة الفصائل الفلسطينية التي كانت مقاومة يوما ما مع شعبهم والذي يأخذ في اقصى حالاته الجلوس في خيمة اعتصام او الوقوف بضع دقائق قرب دوار المنارة وسط المستعمرة السعيدة.
وهناك مظاهر اكثر صخبا يصعب على المعني تجاهلها بينها دفاع اجنحة ثقافة المستعمرة السعيدة عن مصادرة رواية عباد يحي والتكتم على التواطؤ مع اغتيال مثقف عضوي مثل باسل الاعرج الذي اعادت ملابسات وظروف قتله اجواء الشبهات التي احاطت بالتفجير الذي انهى حياة ابو شرار في روما وكاتم الصوت الذي حرم الفلسطينيين من رؤية عذاباتهم في رسومات ناجي العلي .
بعض جوهر هذه التحولات الذي لم يدركه زوار المستعمرة السعيدة يكمن في حقيقة مغادرة القيادة الفلسطينية حالة التحرر الوطني على مراحل ـ بين شواهدها تمرد مثقفين مثل ناجي علوش والياس شوفاني ـ لتنتهي ذراعا امنيا للاحتلال تراوح نخب فلسطينية في تشبيهه بين شريط انطوان لحد وحكومة فيشي ويتوقف البعض عند ما قاله "الفلاح" وسائق الـ "كرين" نمر صالح حين وصف حركته فتح بالجسم المشبوه المخترق بشباب وطني واستكماله الصورة بعد عقود بنبوءة الفلسطيني الذي يحمل حقيبة "السامسونايت" لتسويق الاسرائيلي في المنطقة.
كان بامكان الروائيين المشاركين في الملتقى تجنب المساس بعصب الخلط بين رافعة فكرة الحرية واداة تطويع العقل العربي لو توقفوا عند اسباب اعتذار روائيين عن الحضور واستياء الذين احبطهم الاستخفاف والتجاهل او اكتفوا بجلسات الملتقى و تجنبوا الدخول في متاهة توظيفات اذرع ثقافة المستعمرة السعيدة لمشاركاتهم وبحثوا عن ما وراء الظواهر وجذور الازمات لانضاج رؤاهم وادركوا ان مهمة الروائي رصد التحولات والنفاد الى اعماقها قبل التعبير عنها وليس الرقص على ايقاع الادوات المستخدمة في امتصاص اثارها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اللحظات الأخيرة قبل وفاة الفنان صلاح السعدني من أمام منزله..


.. وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما




.. سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز.. ما الرواية الإيرانية؟


.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما




.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى