الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأُنثى المَفقُودة (1) : « الإنسَان و الإنسَانيّة »

الياس ديلمي

2017 / 5 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يُعتَبر هذا المقال تَوطِئَةً لسلسلة مِن المقالات التّي تَسبَح في فُلْكٍ واحدٍ ، و هو البحث عن الأُنثى المفقُودة ، ذلك المَخلُوق الذي قال فيه الشّاعر أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ الرَّحَبِيُّ :
هِيَ الضِّـلْعُ الْعَوْجَـــــاءُ لَيْسَتْ تُقِيمُهَا أَلا إِنَّ تَقْوِيمَ الضُّلــُوعِ انْكِسَــارُهَا
إِنْ يَجْمَـــعْنَ ضَعْفًا وَاقْتِدَارًا عَلَى الْفَتَى أَلَيْسَ عَجِيبًا ضَعْفُهَا وَاقْتِدَارُهَا
فردّت الكاتِبة السُعودية ( ندى ناصر الغامدي ) على البيتين الشِعريين في روايتها مذكرات ضِلع أعوج قائلةً : أحدهم كسرني ليُقيم اعوجاجي ، والآخر حاول أن يجمعني بكلماتٍ صمغيّة ، لم تجفّ حتى الآن !!
فقديماً كانت البشرية تعيشُ حالة جفافٍ فظيعٍ ، أدّى بالبشر الهمجيين الى رواية عطشِهم بسفكِ دماء بعضِهم البعض ، و بقُوا على حالِهم ذلك طَوال حِقَبٍ زمنية طويلة بين تعطُّشٍ للدّماء و بين سَفكِها لرَويِ عطَشِهم و سَقي صحراء توحُشِّهم ، الى أن هَطلت أمطارُ التعقُّل و الوعي بِوَفرةٍ كبيرةٍ مُكوِّنَةً أنهاراً و وِدياناً أصبَحت مع مُرُور الزمن بِحـاراً تُسّمى ( الانسَانية ) ، و بعد حدُوث تِلك الطّفرة الطّبيعية تحوّل ذلك البشري الهمجِيّ المُتعطِّش للدِّماء و الإفسَاد الى إنسانٍ مُتعطِّشٍ للشُرب من المعرفَة و السّفَر في بحار الانسانية بحثاً عن الرُقيّ الحضاري و السُمُو الأخلاقي ، لكنّ ذلك الإنسان و أثناء رحلاتِه الكثيرة في بِحار الانسانية ، و بَعد أن تعرّضَت سفينة منظُومته المعرفية للخَرق غَـرِق و غَرقَت معهُ سَفينتُه ، و في خِضّم تلك الخسارة الفادِحة ضَاعت الأُنثى في متاهات ذلك الإنسان ، فلَم يُعرف سبب ضَياعِها ، هل فُقدانها نَتج عن تِيهٍ سَهواً دُون رجعَة أم اختِطافٍ عمداً دُون عودة !؟
بَعد هذا السّرد الوجيز وجدنا أنّا ذكرنا عِدّة ألفاظٍ ، ظاهِرُها معلومٌ جليٌّ و باطِنها مجهولٌ ضبابيٌّ هي ( أنثى ، إنسان و إنسانية ) ، و كي لا نتُوه نحن أيضاً ارتأينا تَرك اللفظ الأوّل جانباً اننظُر فيه في مقالٍ آخر ، و نُركِّز مع اللفظين المنحُوتين مِن جِذر لسانيٍّ واحدٍ انسان / انسانية .
و حتّى نقُوم بضبط المفاهيم و الوُقُوف على المعاني الدّقيقة لهذا الموضُوع بِشكل مِنهجيٍ علينا أوّلاً أن نَعقِل الألفاظ في مَعاقِلِها ، و نُرتِّب الأفكار ثُم نَجعلَها مُتسلسلةً مترابطة و بَسِيطة و كذلك مُبسَّطَة ، لهذا وجبَ علينا و بدقّة شَرحٍ وافٍ و كافٍ لمُصطلحي ( الانسان و الانسانية ) حتّى نفهم السّرد الرمزي الذي بُدِأ بِه هذا المقال ، و نُمهِّد لفتح الأبواب التّي مِن خلالها نَكشِف عن كُلّ ما هو مطمُوسٍ و ننبُش كذلك عن كُلّ ما هو مقبُورٍ .
الانسان مِن المنظُور الفلسفي هو حيوان ناطق و كذلك مُواطِن للمدينة حسَب أرسطُو ، أمّا أفلاطون فقد كان يُقيم حداً بين الإنسان والأشياء الخارجيّة للتمكن من تجريده عن مواقفه الملموسة ، لكنّ مِن المنظُور العِلمي فالإنسان هو كائن بشري حيّ مِن الثدييات ، ينتقل على قدمين ، و هو الكائن الوحيد المُتبقي من الإنسان العاقل ( الهومو / الأناس ) ، و يَجدر التّنويه الى أنَّ المَقصَد مِن لفظة ( الانسان ) هو الذّكر و الأُنثى على حدٍّ سواء ، فالذّكر إنسان و الأُنثى إنسان .
الإنسانية بِشكلٍ عامّ هي عبارة عن مجموعة من وجهات النظر الفلسفية والأخلاقية التي تركز على قيمة الإنسان فرداً كان أم جماعة بالاعتماد على الاستدلال والتفكير ، و تمّ استخدام هذا المصطلح ( Humanism ) أول مرّة مِن طرف عالم اللغة و المؤرخ الألماني ( جورج فويت ) ، و هي اشتقاقٌ لمُصطلح ( Human / الانسـان ) ، و وِفق هذا و قبل أن نَذهب الى التّعريف الدّيني للإنسان ، يَجب أن نلفِت القارئ الى أصل الاشتقاق الذي أوردناه و هي مُفردة (Man ) التّي يُشير معناها أحياناً الى الإنسان و أحياناً أخرى الى الرجُل ، و هذا ما يجعل أبواب العبث تُفتَح علينا و تَجعلنا غرقى في أوحال اللّغو ، مِمّ يَجعلنا نعجَز على ضبط المفاهيِم و تأسيسها بِشكل متين و رصين .
للمنظور الدّيني رأيٌ آخر بشأن لفظة ( إنسان ) أوقَعَه فيما وقَع فيه المنظور اللغوي الإنجليزي ، فالتّصّور الدّيني اليهودي لنصُوصه المقدَّسَة أنّ ( آدم ) هو اسم رجلٍ و هو أول مخلوق بشري يتواجَد في كوكب الأرض ، و يُوافِقُه في ذلك التّصور الدّيني المسيحي ، فيَجعلان مِن الانسان و الرّجل مُفردتين مُترادفتين تَكاد تكون مُتطابقتين ، مِمّ يَخلق عدّة اختلالات و تناقضات تتعارض مع العقل و العِلم ، كما أنّ التّصور الدّيني الاسلامي يَكاد هو الآخر يَقع فيمَ وقعت فيه التّصورات الدّينية الابراهيمية الأُخرى بسبب التضارب الحاصِل في النُصوص المُقدّسَة التّي يعتمد عليه ( النصوص القرآنية / الأحاديث النبوية + التّفاسير ) ، فهُناك نُصُوص تعتبر أنّ الانسان هو عبارة عن ذكرٍ و أنثى ، و هناك نصوص أخرى تعتبر أن الانسان الذي سجدت له الملائكة و استقبل الوحي هو المخلوق الذّكري المُسمّى آدم ، و دُون الخوض في نِقاش التصورات الدينية الثلاثة التّي سنتطرَّق اليها في مقالات قادمة حتّى لا يتشعّب الطّرح ، نذهب بسُرعةٍ الى طرح بعض التّساؤُلات و الاستفسارات التّي خرَجنا بها في هذا المَقال :
هل الأُنثى انسان أم انسَانة ؟
اذا اعتبرت اللّغة الانسان عبارة عن رجُلٍ فما محلّ إعراب الأنثى مِن ذلك ؟
اذا نظرت التّصورات الدّينية الى الانسان بصِفته رجلاً اسمُه آدم قام بتلقي الوحي الالهي بمُفردِه ، فلمّ غابَت الأُنثى عن مُجريات الأحداث ؟
ما الغاية مِن تغييب الأُنثى عن منظُومة الانسان ؟
و كيف ستنظُر الانسانية الى الأُنثى بما أنّ هذه الأخيرة غائبة عن السّاحة الدّينية و الفلسفية تماماً ؟
سيَرى القارئ أنّ المقال قد خَتَم نفسَه بنهايات ضبابية تَقوم بالتّشويش على ما استقبَلَه مِن أفكار ، و لكنّه إن أمعن النظر بشكل عميق سيَرى في تلك النهايات الاستفسارية علامات يَقتّصُ مِن خلالها أثر الأنـثى المفقُودة .
و للحديث بقيّة ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تابعونا في برنامج معالم مع سلطان المرواني واكتشفوا الجوانب ا


.. #shorts -21- Baqarah




.. #shorts - 22- Baqarah


.. #shorts -23- Baqarah




.. #shorts -24-Baqarah