الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة على الذات

نغم المسلماني

2017 / 5 / 23
الادب والفن


تزاحمت خطى المارة على طريقٍ تمازج هوائه بتراتيل تنبئ بخطب جلل، فما أوثق النقش على اللحد؛ وما أشد القلوب وهي تعصب عينيها عما غدا من رؤى الأحباب.
ما تلك الأصوات التي قصمت ظهر الصمت؟ هل فارقتُ جسدي وحلقتُ في عالم آخر هو أقرب للرفعة؟ أم تراني أقف على طريق الجنة الموعودة؟
كلا.. لم أمت بعد، فما زلتُ أسمع تلك الألحان تنشدها حناجر القلوب، وأتحسس تلك الخيبة التي سرت في جسدي كما السم الزعاف، وكل ذاك التخاذل الذي شد أوصالي إليه مانعا إياها مرافقة من حسنوا الرفقة من الأنبياء والصديقين والصالحين، وكأنها ثورة من الحواس قد ثارت لتوقظ حممي، ثم ابتعد ذلك الهتاف عن مرافئ سمعي " نحن انصار الحسين " وبدأ يخفت شيئا فشيئا حتى تلاشى، ورتل الأبطال لم يبق منه سوى خيالات عسكرية خلف الهواء الذي يقف بتحية إجلال بين الأرض والسماء ويشتعل لهبا من فتيل الواجب.
رحلوا على مرأى بصري وخلفوني دونهم أحمل عبء انكساراتي، عار علي، فذريعة الأهل والأبناء شماعة كانت أولى بجاري " أبا محمد " لو أراد تعليق ثياب تقاعسه عليها، فهو يملك كل دواعي التخاذل، زوجة وخمس بنات وأم طاعنة في السن هزيلة القوى وليس من ولد يشد عضده ويحمل عنه ثقل أيامه، ورغم ذلك رايته للتو يسابق الريح ولا ينظر خوفا من أحداقٍ قد تهزم إصراره.
طأطأت راسي خجلا! فأوهام الأسباب لا تليق بي، فأنا أبن كرب وبلاء، وربيب العشق الحسيني، أنا قطرة من جود العباس وحرف من شجاعة الحر الرياحي.
لم أحتمل مرارة الذل، قل لي بربك، هل يحتمل الذل؟! إذن سأركض الآن مسرعا الى داري؛ ابحث بين ملابسي التي جهزتها لمثل هذا؛ عن نقود ادخرتها ليوم فاقتي.
ها هي زوجتي، رأتني بتلك الثورة العارمة على الذات، فسارعت تسألني عما أبحث؟! شددت على يديها بقوة وأجبتها:
ـــ أنني سألتحق الى جبهة القتال مع أبناء مدينتي، ومن اجل ذلك، ابحث عن ما ادخرته من نقود كي اشتري بها بدلة عسكرية وسلاح.
أوصيتها برعاية الأولاد، وأن تقوي عزيمتها تأهبا لما ستتجرعه بعدي لأنني لن أتوانى عن هدف أصبح محفورا بذاكرتي، كنت أتكلم بسرعة لأسابق اللحظات، فالوقت يمر دون سريعا.
أما زوجتي، وبكامل هدوءها، أخرجت ما تملك من نقود في حقيبتها وأعطها لي قائلة:
ـــ وأنا أوصيك بقراءة سورة الكرسي كي تكون حرزك الأمين، ولا تخف من الموت فلك حياة أخرى خير وأبقى، أما بالنسبة لأطفالك، فلا تقلق عليهم أبدا، فهم وأنا في عين الله التي لا تأخذها سنة ولا نوم.
تفرست وجهها بنظرات الاستغراب، فلم أعهدها بهذه القوة، عندها بادرتني بالإجابة عن سؤال قرأته في ملامح وجهي الذي لا يحترف الكذب.
ـــ نعم، أذهب... فأنا الآن أنظر إليك بعين الزوجة الخائفة من فكرة فقدانك بل أنظر بمرآة الزمن لسيدتي زينب عليها السلام وهي تودع أخوتها وحُماتها، فما أنا من سيدتي زينب ومن أنت من الحسين عليهما السلام، وإلا؛ ما الفائدة من عبارة رددناها كثيرا بلسان الولاية " يا ليتنا كنا معكم "... أذهب.. فأنا لن أمنعك من نصرة الحق وتأدية الواجب، فقد حان وقت الاختبار، وكل منا سيأخذ دوره.

لم اشرد كثيرا بعباراتها سوى أنها أعطتني أسبابا أخرى تدفعني بزخمها صوب الطف الجديد، فمضيت بأبهى حُلة من ثيابي العسكرية وسلاحي الذي اتقد بقوة زندي وفتيل بسالتي، ولم تهرب الهتافات من مرمى سمعي، وروحي لم تهدأ منذ صحوة جهادها حتى لفظت آخر الأنفاس وهي تردد عبارة أغاظت الأعداء" لبيك يا حسين... لبيك يا حسين ".
أنا الشهيد حسين حسن عباس، نثرت جلنار روحي في مدينة تكريت في 21 حزيران 2015 بعد ثورة من الانتصارات، ومن حيث أنا الآن، ما أروع رائحة الفردوس؟ وما أجمل حسن الخاتمة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا