الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوحيمة / قصة قصيرة

عبد المجيد طعام

2017 / 5 / 25
الادب والفن


بمجرد ما لاحت أمام عينيه الحادتين طلائع العربات المحملة بفواكه ،أنضجتها حرارة فصل ربيعي لا يستسيغ الاعتدال ،حتى شمر على ساعديه يكد و يجهد نفسه لأداء صلوات الفروض و النوافل ،أحيانا في الجماعة و أحيانا أخرى منفردا بالزاوية المظلمة للغرفة الوحيدة التي يتقاسمها مع والديه و إخوته الأربعة بحي "الريكار".
أثار انتباه القاطنين و بادلوه ابتسامات امتزج فيها الغبن بالأحلام الموؤودة… قال له فقيه المسجد المطل على مجاري الصرف الصحي :" يا حسن…ما تقوم به جيد احرص على متابعته و لكن ..لازلت صغيرا لا ترهق نفسك بقيام الليل…لا تنس .. قليل متواصل خير من كثير منقطع ! !"
بات حسن بسلوكه التعبدي لغزا في حي "الريكار" لم يطلع أحدا على مشروعه الذي يعتبر جزء من أحلامه التي أجلها الفقر إلى أجل غير مسمى …منذ ولادته انتبهت أمه إلى " التوحيمة" التي رسمها الله على صدره ، كانت كلما أتيحت لها الفرصة تعيد على جاراتها يوميات حملها و كيف أنها اشتهت "حب الملوك" لكن "قدور" المياوم لم يكن باستطاعته توفير الفاكهة الشهية الغالية و بقدر ما تألمت بقدر ما كانت تشعر بشيء من الافتخار .كانت تردد أمام مسامع حسن:" …على الأقل المرأة يجب أن تتوحم على الأشياء الجميلة الغالية…أنا لم أتوحم أبدا على الفاخر أو الصابون أو التراب…أبنائي الخمسة …كل واحد منهم رسم الله على جسده فاكهة شهية غالية الثمن.."
أدرك حسن جيدا معاناة أمه و عرف أنه يحمل على جسده حلمها المعدوم … كرزة واحدة كانت ستغير أشياء كثيرة ، ربما كانت ستغير العالم في عينيها.. ربما كانت ستغير الحياة بكاملها … لم يمل أبدا من النظر إلى حلم أمه يلمسه بيده ، يتذوق أصابعه لكنها كانت فاشلة على حمل مذاق " حب الملوك" إلى فمه…
بعد صلاة فجر يوم احتد فيه الحديث بين القاطنين على عزم السلطات هدم المسجد اقترب من الفقيه بعينين أجهدهما التعب فقال له:" سيدي الفقيه، لدي سؤال . " نظر إليه بعينين فضوليتين و اقترب بأذنيه من فمه منتظرا ما سيسمعه من حسن:" سيدي الفقيه أكون قد جمعت حسنات كثيرة ..أليس كذلك ؟…أصلي في الوقت ..أنهض للفجر و لا أنسى النوافل…أكيد أكون قد جمعت حسنات كثيرة ! "
استمع الفقيه بكثير من الاستغراب و قال :" نعم أكيد…و لكن العلم عند الله.." استعجل حسن طرح طلبه الملح فقال:" سيدي الفقيه …أريد أن أقايض الله." باستغراب قال له الفقيه:" كيف ؟ تقايض الله!…و في ماذا ؟ " علت وجه حسن ابتسامة خرجت من أحشائه و أجاب على الفور :" أريد أن أقايض بحسناتي كرزا أحمر! يأخذ الله مني كل حسناتي و يعطيني كرزا…لاشك أن كرز الله أجمل من كرز الإنسان…مقابل كل حسناتي أريد أن يمنحني الله سبع كرزات.. فقط "
أمام اندهاش الفقيه عرى حسن على جزء من صدره أظهر الكرزة الحمراء المرسومة عليه قص كل تفاصيل يوميات الوحم المتعبة التي مرت بها أمه و استرسل قائلا :" سيدي الفقيه…أريد سبع كرزات فقط…أوزعها على إخوتي الأربعة .. أمنح أمي واحدة و أبي واحدة …و أضع في فمي واحدة …ستفرح أمي كثيرا …لاشك أن الله سيقبل مني هذه المقايضة ؟ "
في صباح اليوم الموالي و بينما حسن يقترب من المسجد لصلاة الفجر و مقايضة الله لفت انتباهه ضجيج القاطنين و هم يحاولون منع جرافات المخزن من هدم المسجد.
من وجدة صباح مهرجان "حب الملوك"2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة