الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الناس تَتْبَعُ الشعر ولَا تتْبَعُ وَلَا تتَّبِعُ الشعراء
هشام حمدي
2017 / 5 / 27العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إذا كانت رؤية أفلاطون إلى الفن ومنه الشعر، في كتابه العاشر من مؤلفه {الجمهورية}، قائمة على المحاكاة بمعنى أن الشاعر مثل المصور يحاكي ويقلد طبيعة ظواهر الأشياء دون فهمها، وهو بهذا يتصل بظواهر الأشياء الخادعة للحواس لذلك طرد الشعراء من مدينته الفاضلة لأنهم أقل درجة من الفلاسفة الذين يتصلون بعالم المثل والحقيقة. وأما أرسطو فقد نجح في إعادة جوهر معنى المحاكاة بإدخاله جميع الإبداعات الفنية والأدبية والتشكيلية مثل الرقص والنحت وأضاف لها الشعر والموسيقى، كشكل من أشكال المحاكاة والتقليد والمحاكاة هنا بعيدة عن عالم المثل "الذي لا وجود له" وإنما للطبيعة مباشرة، ليستنتج بأن المحاكاة بعيدة عن الحقيقة بدرجة واحدة. ليقول لنا بأن مواقف وسلوك وأقوال وأفعال وانفعال الشاعر ينبغي أن تكون مشابهة للحياة وليست صورة فوتوغرافية منها أي أن يحاكي المظهر والجوهر في أوجه الحياة كما هي أو كما كانت أو كما ينبغي أن تكون.
الفيلسوف ابن رشد وفي كتابه {تفسير ما بعد الطبيعة} قال في حق الشعراء «وهم الذين قوتهم الخيالية غالبة على القوة الفكرية» هذه الرؤية الرشدية التي تقول بأن الشعر يقوم أساسا على خيال الشاعر بمعنى أن قوته الخيالية تتصدر وتتسيد قوته النظرية، فالشعر هنا مصدره عنصر نفسي يبدع الصور الخيالية الغنية بالصور الحسية وبعيدة كل البعد عن الصور الفكرية والعقلية، ولا علاقة لها بالصور في شقها الأخلاقي خيرا أو شرا وهي بريئة من الخيال، ويقول قدامة بن جعفر في كتابه {نقد الشعر} بأن الشاعر ملزم فقط إذا شعر في أي معنى كان من الرفعة والضَعَة، والرفث والنزاهة، والبذخ والقناعة، والمدح والذم، وغير ذلك من المعاني والقيم الأخلاقية الفاضلة المحمودة أو المبتذلة الذميمة التي يمليها على الشاعر وجدانه. وقد أدلى الأصمعي بدلوه فقال إن الشعر لا يقوى إلا في باب الشر فإذا دخل في الخير لَانَ، فيما الأحوص بأن الشعر ما هو إلا حكمة من مؤلف لمنطق حق أو لمنطق باطل.
القراء يَتْبَعُون الشعر وَلا يَتَّبِعُونَ الشعراء، فهل رأيتم أناسا اتبعوا امرؤ القيس وأبي العتاهية والأخطل والأصمعي وأبي نواس والمتنبي بل وهل كان لحسان بن ثابت مريدين ومعجبين ومتابعين ومتتبعين والذي كان يستخدم سلاح الشعر في دفاعه عن سيد الأخلاق النبي محمد (صلعم) بشعره مؤيدا بالروح القدس وهو جبريل كما جاء في الحديث المرفوع رقم 3839 ( حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ أَنَّهُ، سَمِعَ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ : " اهْجُهُمْ أَوْ هَاجِهِمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ "، وَزَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ اهْجُ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ مَعَكَ).
الشعر مثل ماء البحر، كلما شربت منه قراءة وتفاعلا وانفعالا كلما زاد عطشك له، مع اعتذاري لتحوير مقولة الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور، منكر للجمال ونكير للشعر من يستحضر ويستدل بسورة الشعراء وتحديدا الآيات ليقتطعها من سياقها العام { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226)} فبعض المفسرين المتنورين يقول بأن بعض الفقهاء وأشباه العلماء هم الشعراء لأنهم يُشْعِرُونَ الأمة بالباطل لذلك هم يُتٌبَعُون ويزيد هؤلاء المفسرين بأنهم في كل واد يهيمون أي أنهم في كل طائفة مذهبية وفي كل تيار فقهي يذهبون، إن لكم في الشعر حياة يا أولي العقول لعلكم تستشعرون، فالشعر موهبة وَهِبَةُ ربانية للمسافرين من وفي دواخل ذواتهم أو للراحلين بحثا عن الآخر فيهم أو للمتأملين في سحر ملكوت الله الواسع. إنه سفر ذاتي ممتع حين تكتبه وتقرأه وتسمعه، إنه نظم وكلام روحاني جميل غير ملوث بجرثومة الواقع الأليم. إنه طريق السالكين نحو حب الإنسان أي إنسان والعابرين نحو عشق البيان والسكينة والاطمئنان.
أخيرا، الشاعر مصطلح عظيم، نبي كريم، خلقه الله للإنسانية هاديا إلى الحب والجمال والحرية، فالشعراء لَا يَتْبَعُهُمُ وَلَا يَتَّبِعُهُمُ أحد لكن بعض الفقهاء والخطباء وأشباه العلماء يَتْبَعُهُمُ وَيَتَّبِعُهُمُ الغاوون.
الإنسانية هي الحل
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. من أحد رؤوس الكفر إلى أهم الصحابة.. من هو الصحابى الذى دخل ا
.. الملكة كاميلا تنوب عن زوجها في القداس السنوي بكاتدرائية ووست
.. تسجيل صوتي لقائد حماس العسكري يدعو الشعوب العربية والإسلامية
.. حزب مودي يواصل التضييق على المسلمين ويغلق مدرسة إسلامية بولا
.. الشريعة والحياة في رمضان| مسائل فقهية في الزكاة والصدقات