الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدكتورة لطيفة النجار والمنزل النظيف تجريب علمي في عالم الطفولة قراءة في كتاب التدريبات - المنزل النظيف -

كامل حسن الدليمي

2017 / 6 / 7
الادب والفن


الدكتورة لطيفة النجار والمنزل النظيف تجريب علمي في عالم الطفولة
قراءة في كتاب التدريبات " المنزل النظيف "
كان لجان جاك روسو قصب السبق في محاكاة عالم الطفل ، فقد أخذ كتاب " أميل " وهو أول كتاب يختص بالطفل صدى واسعا في أرجاء العالم ورغم صدوره باللغة الفرنسية ألا انه أحدث ثورة في هذا المجال ، وهو يتحدث عن تربية الطفل وطبيعته، وجاءت بعده عدة كتب أخرى نسجت على منواله .
ثم بدأ الكتّاب يؤلفون قصصاً خاصة بالأطفال والفتيان ذات أهداف محددة مثل اكتساب المعارف وتعلم شؤون الحياة والمعيشة وتبني السلوك الحسن، واعترف بحق الطفل بالمطالعة الترويحية.وبذلك أصبح الأدب تربوياً وتعليمياً خلقياً وتعليمياً مدنياً. واختلط الأدب بالمطالعة الموجّهة نحو اكتساب المعارف والمعلومات ونحو إعداد المواطن الصالح.
وهذا يشير إلى حقيقة أن الأمة التي لا تهتم بهذه الشريحة تربويا وسلوكيا وتلتفت لتوعيتها فإنها عاجزة تماما عن صناعة جيل صالح يرفع من شأنها في المستقبل ، وبعبارة أخرى الذي يتعلمه الطفل من مُثل وأخلاق وما يسلكه في حياته اليومية ينعكس فيما بعد على حياة المجتمع برمته انطلاقا من مقولة " طفل اليوم قائد المستقبل "
وفي نظرة يسيرة لتاريخ أدب الطفل في العالمين الأوربي والعربي نجد أن أول كتاب للصغار طبع في عام 1484 على يد وليام كاكستون(1) وكان ذلك الكتاب «خرافات إيسوب». ثم تلته كتيبات أخرى في الأغاني أو في وصف الألعاب التي تجري في الحفلات أو في «الألواح» التي تضمّ الأبجدية والأرقام والصلوات. ولكن ذلك كله لم يكن في نطاق أدب الأطفال: لا من حيث الغرض ولا من حيث البنية(1).
ثم جاء أشهر الكتب المخصصة للأطفال، في أوروبا في القرن السابع عشر، وهو «العالم المصور» الذي وضعه جان آموس كومنيوس Jean Amos Comenius"" المربي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- وليم كاكستون (ولد على الأرجح في 1422 - توفي على الأرجح في 1491) أحد رواد الطباعة في العالم وهو أول من أدخل الطباعة إلى إنجلترا ، بدأ حياته العملية تاجراً في الحرير ، ثم راح يصنع الحرير بنفسه ويكسب مالاً وفيراً أتاح له القيام بالأسفار .وفي أثناء تجواله رأى مطبعة في كولونيا الألمانية أذهلته ، فتعلم كاكستون صناعة الطباعة في كولون بألمانيا . وفكّر في الفائدة التي يمكن أن تجنيها منها بلاده ، ثم عاد إلى بلاده عام 1476م لينشئ له مطبعة في وستمنستز بلندن ،ينظر : سمير شيخاني ، صانعوا التاريخ ، ص10
للمزيد ينظر :علي الحديدي، الأدب وبناء الإنسان، جامعة ليبيا، 1973، ص:230.
للمزيد ينظر:هيفاء شرايحة، أدب الأطفال ومكتباتهم، ط2، المطبعة الوطنية ومكتبتها، عمان،
التشيكوسلوفاكي الإنساني، في عام 1657. ولكن الكتاب كان تعليمياً.وظهرت في القرن السابع عشر نفسه بعض الكتب الموجّهة للصغار، إلا أنها كانت تلحّ على التربية الخلقية والدينية.أما بدء العصر الذهبي لأدب الأطفال فكان في القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر حين دخل الميدان كبار المؤلفين في فرنسا وإنكلترا وألمانية وإيطالية والولايات المتحدة الأمريكية.وما إن حلّ القرن العشرون حتى كان في وسع الصغار أن يطوفوا العالم، ويجوبوا البحار، ويحلّقوا في الفضاء، بفضل وسائل الإعلام الحديثة وما تخصهم به.
ولعل أول ظهور لأدب الطفل في العالم العربي عموما في عام 1930م في الدوريات العربية وفي عناوين المقالات، وهذا لا ينفي وجود أدب الطفل قبل ذلك؛ ولكنه كان فقيرًا جدًا ويقتصر فقط على الأغراض التعليمية البحتة. وميلاد هذا الجنس الأدبي مر بعدة مراحل: الترجمة والاقتباس ثم الدعوة النظرية فالتجريب الفني ثم التأصيل. دعا أحمد شوقي في مقدمة ديوانه "الشوقيات" عام 1898م، ولا نريد الاستغراق في استعراض تاريخ أدب الطفل قدر تعلق الأمر بما نحن يصدده وهو كتاب تعليمي فريد في صياغاته ومتميز في مادته العلمية يشكل ودون مبالغة نقطة انطلاق نحو " علمية تدريب الطفل " والتدرج معه بأسلوب محبب ويسير وصولا الى :
1- تنمية روح الاكتشاف لدى الطفل .
2- تحفيز ذاكرة الطفل للتخيل والتفكير المنتج .
3- ترسيخ مفاهيم تربوية تسهم في بلورة اهتمامات الطفل ومعرفة رغباته
4- تعديل سلوك الطفل وتوجيهه بعلمية نحو الابداع والابتكار
5- الحفاظ على هوية الطفل من خلال لفت انتباهه نحو لغته وابراز جمالياتها
وأهداف نفسية وسلوكية كبيرة أخرى تسهم في بناء جيل بلا عقد من خلال اختيارات موفقة للدكتورة لطيفة استثمرت من خلالها "النص الشعري التوجيهي " بشقيه المباشر وغير المباشر للشاعر العربي العراقي " محمد جواد كاظم " الذي تمكن من ولوج عالم الطفولة من خلال أعماله الشعرية والقصصية في مختلف أرجاء الوطن العربي مصطفاً مع جيل من أدباء الوطن العربي كرسوا جهودهم للارتقاء بالطفولة بمحاولات منها ما اضمحل بمرور الزمن ومنها ما كتب لها النجاح في إطار، وعلى رأس هؤلاء رفاعة الطهطاوي الذي ترجم الكثير من الأعمال الخاصة بالطفل من الفرنسية إلى العربية ، واحمد شوقي الذي حمل الثقافة العربية الإسلامية والتي جعلت منه إنسانًا ميّالاً إلى حب المعرفة والتجديد. وبذلك توجه صوب أدب الأطفال الذي يحتاجه الوطن العربي إلى جانب احتياجاته في ضروب الحياة الأخرى من فكرية وعلمية وثقافية وغيرها. فبدأ ممارسة الكتابة للأطفال، إذ قال: "وجربت خاطري في نظم الحكايات على أسلوب لافونتين الشهير. وفي هذه المجموعة القصصية التي صدرت عام 1898"(1)
كما ظهر في بقية اقطار الوطن العربي رموز أدبية كتبوا للطفل ففي لبنان " كارمن معلوف" في سوريا ظهر " عادل ابو شنب وسليم بركات وسليمان العيسى ثم ظهر احمد سالم ابو عرقوب في الأردن وفي العراق كانت محاولات للشاعرين الزهاوي والرصافي اما الكويت فتجربة الشاعر عبدالقادر عقيل وفي السعودية اسحاق يعقوب وعبده خال وهكذا فان الجيل الاول أسس لادب الطفل متأثرا بالادب الغربي كسمة عامة .
ألا ان الأجيال اللاحقة التفتت الى ضرورة النهل من التراث والموروث العربي الاسلامي واستثماره وتوظيفه لخدمة ادب الطفل فأنتجت الاعمال الادبية شعرا وقصة مستعينة بالتراث ولا نريد استعراض تلك التجارب ولا استعراض الاسماء قدر التركيز على التجارب التي انطلقت من قاعدة علمية غير متأثرة باي مدرسة اجنبية ومنها تجربة الدكتورة النجار في كتابها " التدريبات " المبني على أساس ما انتجه الشاعر محمد كاظم ورسومات الرسامة العربية منى يقظان والذي يلفت النظر في هذا الكتاب البناء التدرجي في إيصال الفكرة للطفل وبخطوات محسوبة بدقة متناهية وهو دليل على موسوعية النجار وإحاطتها برغبات الطفل العربي وكيفية استدراجه للقيم العليا وبالتالي تحقيق الأهداف التى وضعت هذا البحث من اجلها وليس بإمكاننا بهذه العجالة الإحاطة بكل هذه الأهداف لكننا سنشير الى الأبعاد اللغوية التي عملت الدكتورة النجار على إبرازها فهي ركزت على :
أولا : المجال الصوتي للمفردة : وعمليات درسة الأصوات اللغوية، من حيث مخارجها وصفاتها وكيفيَّة صدورها هو فرع من فروع علم اللغة.وهو أحد أهم ركائز فهم اللغة وبالتالي فان النطق الصحيح للمفردة بالنسبة للطفل هو بمثابة حجر الزاوية للوصول الى بقية مجالات اللغة . اذ مهدت الدكتورة النجار في مقدمة كتابها بقولها " يقصد بالوعي الصوتي الوعي بأصوات اللغة وكيف تجتمع هذه الأصوات لتشكل المفردة العربية "(1) .
هنا تجدر الإشارة على أن الدكتورة قد ذهبت الى علم الصيغ والذي يختص في الدراسات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- حمد شوقي، الشوقيات، مقدمات أعمال، مجلة فصول، المجلد الثاني، القاهرة، 1983.وكذلك أحمد شوقي، الشوقيات، مقدمة محمد سعيد العريان، الجزء الأول، بدون تاريخ،ص3
1- د. لطيفة النجار ،كتاب التدريبات ،المنزل النظيف ،قصائد محمد كاظم جواد ،ط1 ، دار العالم العربي للنشر والتوزيع ،دبي ، الامارات العربية المتحدة ،2016، مقدمة الكتاب .


التحليلية للغة بجانب الكلمة من حيث بناءها ، ومن حيث التغيرات التي تصيب صيغ الكلمات فتحدث معنى صرفيا ، وبالتالي فالعمل تقصد الوحدات الصرفية .
ثم اشتغلت على اصغر وحدة صوتية في اللغة هي التي عنتها الدكتورة بدراستها وهو الحرف ومدى العلاقة بين صوت وآخر في تركيب المفردة الواحدة ساعية لتعليمها للأطفال بهدف تحبيب اللغة من جهة وتعديل النطق من جهة أخرى وهذا النوع من التدريبات الصوتية لو قدم وفقا للتعليمات الواردة في الشروح الداخلية لحظي باهتمام الصغار بالتأكيد .
ثانيا : المستوى الدلالي ( التغير الدلالي للمفردة الواحدة ) : فالتغير الدلالي ظاهرة طبيعية نجدها في مباحث المجاز، إذ تنتقل العلامة اللغوية من مجال دلالي معين إلى مجال دلالي آخر، و قد تتخلف الدلالة الأساسية للكلمة فاسحة مكانها لدلالة سياقية أو لقيمة تعبيرية أو أسلوبية فمفردة ( يمامة – حمامة ) (1)،من الناحية المعجمية هو أسماء للحمامة ذلك الطائر المعروف ، أما في علم اللغة فهو من الترادف اللغوي بمعنى وقوع الاسمين على معنى واحد (2)، وبذلك تغدو الكلمة ذات مفهوم أساسي جديد ويستمر التطور الدلالي في حركة تتميز بالبطء والخفاء. ويتغير المعنى وينزاح المفهوم ليحل مكانه مفهوم آخر، إننا نسمي الأشياء ونغير المعنى لأن إحدى المشتركات الثانوية ليس لها قيمة تعبيرية، أو قيمة اجتماعية فتنزلق الكلمة الدلالية تدريجياً إلى المعنى الأساسي وتحل محلها فيتطور المعنى.
وثمة التفاتة علمية أخرى وجهت بها الدكتورة النجار وهي متابعة المفردة اللغوية ودلالاتها في متون المعاجم مثلما وجهت المعلم في أن يردد المفردات وفقا لمعانيها والتركيز على مخارج الحروف والوقفات الصوتية مثال (أرنب ، ضفدع ،قمر ،هلال ...) ص20
وبناءاً على ماتقدم نقول أن كتاب التدريبات ( المنزل النظيف ) للدكتورة لطيفة النجار والشاعر محمد كاظم جواد والرسامة منى يقظان قد قدم :
1- أسلوبا جديدا في تنشئة الطفل وتدريبه لغويا وفق منهج علمي وبمراحل متسلسلة لا تنفر المتعلم من خلال عنصر التشويق والدهشة التي تضمنتها النصوص الشعرية بطريقة القص الشعري ، وهذا ما عرف به الشاعر محمد كاظم جواد مستوى أطفال العرب الذين التقاهم فعلا في مداسهم في معظم الدول العربية أو الذين اقتنوا منجزه الشعري أو القصصي من الدور التي تولت طباعته وتوزيعه .
2- حملت تدريبات الدكتورة النجار رؤية علمية لم يسبقها بها أحد اذ وضفت النص الشعري مدعما باللوحات المعبرة عن فحوى الموضوع في تطوير الامكانات اللغوية لدى الصغار وتجاوز التعقيد في توصيل الدرس اللغوي لهم .
3- أسهمت الدكتورة النجار في بلورة أفكار سلوكية مستقاة من النص الشعري ومعبر عنها في متون اللوحات التي رسمتها أنامل الرسامة المبدعة منى .
4- لأول مرة في أدب الأطفال يتم وضع تدريبات بالمستوى العلمي المدروس والمضمون النتائج وعلي أن أشير هنا إلى أن هذا المنهج يجب أن يعمم على جميع أطفال العرب في المشرق والمغرب اذا كانت النوايا صادقة في البحث عن جيل توحده اللغة ويبني للجمال والخير.
ولسنا في هذه القراءة الموجزة اليسيرة ان ندعي تغطية لتفصيلات الكتاب التدريبي والتجريبي المتفرد الذي اسهم به ثلاثة من مبدعي عالمنا العربي وهم الدكتورة لطيفة النجار من خلال وضعها لاسس تدريب علمي منهجي يتخطى الكثير من المناهج المطبقة في تعليم الاطفال ، والشاعر الكبير محمد كاظم جواد الذي سعى جاهدا من خلال مسيرته الطويلة في مجال الكتابة للطفل ان يرسخ القيم الإنسانية النبيلة والعربية معا وحقق بذلك الجهد منجزا متميزا على مستوى الوطن العربي ، والرسامة المبهرة الرائعة منى يقظان التي تمكنت من الوصول الى قلوب الأطفال ، وتجدر الاشارة ان المبدعين المذكورين من اقطار عربية مختلفة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا