الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شهادة وفاة

ماري مارديني

2017 / 6 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


شهادة وفاة

لا احب مراسيم الوداع و لا يعجبني الناس الذين يمثلون الحزن تمثيلا و يبكون تصنعا و يقولون عباراتا جاهزة كلاسيكية قد حفظوها بصما دون ان تكون صادرة من ضمائرهم و قلوبهم
من المعروف ان شدة المبالغة بالمشاعر هي دليل مناقض لما هي عليه بالحقيقة، فالبكاء المصطنع و الصراخ و العويل و الندب المبالغ به لدرجة مكشوفة التصنع هو ما يدعى بالدجل و النفاق و الكذب و التظاهر و التمثيل . و بالمقابل كم من دمعة واحدة صادقة لم يتمكن صاحبها من حبسها ابلغ بكثير من بحورا من الدموع ..و كم من الصمت و الوقار ابلغ بكثير من زيادة و تكرار النفاق و العبارات السطحية الهادفة للدعاية و التظاهر امام الناس بالحزن و اللوعة و فقدان السيطرة على النفس .فكم من غريب اصدق حزنا ربما من اخ لمتوفى … و كم من موقف و موقف يكشف مضمون الزيف بالحزن لتكون المبالغة بالتمثيل و التصنع بالحزن هي كمن يحاول ان يبعد عن نفسه شبهة فرحه بوفاة اخيه من خلال تلك المبالغة و ذلك التصنع المكشوف امام اسرة المتوفي و اولاد المتوفي و الناس
حدثتني سيدة و قالت لي " ضممت اولادي الحزانى و المصدومين برحيل والدهم الحاصل فجأة بسبب ما عانى و صمت و خبأ في قلبه من ظلم اخوته له .. ضممت الاولاد الذين كان حزنهم اكبر من ما كانوا قادرين على حمله و التعبير عنه و كاد الحزن يغرقهم و يغرقني ..فقد ضممتهم و زاد حزننا و صدمتنا عندما شاهدنا و لمسنا حقيقة تصنع اولئك الحالمين بشهادة وفاته منذ زمن و ازمان حيث طلبوا شهادة وفاته و هو ما زال في غرفة التبريد بعد !!!! و طلبوها ايضا بعد الدفن و طلبوها ايضا بعد ذلك و بعد ارسلو من يطلبها و و من تطلبها من الذين لم يأتو للتعزية اصلا لبيت المتوفي الا لطلب شهادة وفاته!!! فهل يطلب شقيق شهادة وفاة شقيقه و هو ما زال بعز الفاجعة !!!؟ انهم اشقاء المتوفي .. احدهم يدعي انه يريد من خلالها طلب فيزا للعلاج … و احدهم يريدها لآن اخيه يريد ان يطلب بها فيزا للعلاج و ثم يقول انه يريدها للذكرى ! اي علاج و اي ذكرى _ فمن يريد العلاج يقدم تقاريره الطبية اللازمة للمشافي ، و اما ذلك من يريد الذكرى اين كان خلال اكثر من 15 سنة مضت و هو يسكن مع اسرته بدولة حدودية تقريبا و كان اخيه المتوفي هو من ساعدهم للرحيل لها على حساب قوته اليومي و مصروف اسرته و مالهم الاساسي للعيش و لم يعيد شقيقه له كامل الدين الي الان .. لكن شهادة الوفاة هي غايتهم و ليس الاخ الذي احبهم و ظلموه و ما زالوا يفعلون
رحل و كانت شيمته التعامل مع الناس بالصدق و الامانة و المحبة و كان يعي ان الثروة ليست بجمع المال انما هي بمحبة الناس و الحفظ على الامانة و الاخلاص .. رحل من لا يعرف جشع اشقائه الى اين وصل .. و غدرهم له و لاسرته اين وصل حيث ان اشقائه اعتبروا ان اسرته و اولاده طرف ثاني ! و هم اي الاشقاء الطرف الاول ! فهل اسرة الاخ المتوفي و اولاده الذين ضحوا لاجل اعمامهم و ساعدوهم اثناء السلم و الفقر و اثناء الحرب و السفر اعداء بنظر اشقاء المتوفي !؟ان ذلك ليس غريبا من الذين ينكرون المساعدة و التضحية من اخيهم و الذين كانوا يضايقونه عبر الهاتف و يسببون له االازعاج و يصمت كي لا يفضخهم لانه خجل من تصرفاتهم .لكن عند وفاته بلغت سرعتهم لطلب شهادة وفاته اسرع من سرعة الضوء.فهل يريدون من شهادة وفاته ان تصبح منشورا عاما … و هل يعتقدون ان الناس لا تعرف لماذا يتم طلب شهادة الوفاة .. و لا سيما من مثل اولئك الاشقاء الماديين الذين لم يفكروا بمشاعر ابناء اخيهم و زوجته الذين على الرغم من كل ذلك استقبلوهم. لكن ليس غريبا على اشفاء المتوفي تلك التصرفات

تتابع السيدة كنا اسرة مؤلفة من اربعة اشخاص ، و كنا و مازلنا و سنبقى اسرة متحابة و لطيفة و ذات رابطة قوية و ناجحين و محبوبين و سمعتنا طيبة و نتسم بالخلق و الثقافة و حسن السيرة و العمل و القيم و تعاملنا مع الناس مشهود له من الغريب و القريب معا، نحن اسرة نعيش حياة طبيعية جميلة منظمة و صادقين مع انفسنا و مع الناس و هذه سماتنا التي نعتز بها ، نتقاسم الفرح و الحزن و نتقاسم كل ما لدينا من اشياء بمساواة و ضمير و محبة ..لكن كم هو قاسي و مجحف هو موقف اشقاء ك ايها الراحل... اكيد لم تتوقع موقفهم هذا منهم على الرغم من كل ما سبق و بدا منهم .. فرغم ان الجرح برحيلك ما زال جديد الا ان اشقائك طلبوا شهادة وفاتك و انت بغرفة التبريد لانهم يريدون ان يتجنوا على بقية حقوقك بكل وضوح و بلا مشاعر و لم يتمكنوا ان ينتظروا او ان يحسوا بما نحس نحن اسرتك الجميلة ، و اهمس لك ايها الراحل انه حتى باقة ورد لم يحضروا لك انما نحن احضرناها بأسمهم لك لانك لم تشأ ان تفضحهم يوما .. و اقول لك ايضا ان اصدقائك كانوا اخوة حقيقيين لك و لنا وكانوا و ما زالوا مخلصين و امينين و نثروا الورد عليك و حضروا العلم الذي تحبه لك كي يدفئك في رحلتك الى الابدية الى عالم الراحة و النور بينما اخوتك قالوا عنك و عني و عن اولادك اجانب مع ان اولادك يحملون جنسيتك التي تحبها و مع انهم مثلك عراقيين " هذا ما حدثتني به السيدة و هذا قصة من الواقع الحي و قد اخفيت اسماء الاشخاص المقصودين في القصة . و من المؤسف وجود مثل اولئك الاشقاء للمتوفي الطيب و ربما اذكر الاسماء في مقال لاحق اذا اقتضى الامر لما... لا
ماري مارديني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah


.. #shorts -75- Al-baqarah




.. #shorts -81- Al-baqarah