الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شهقة الموت السريري

عايدة نصرالله

2006 / 2 / 2
الادب والفن


داخل الكأس، سكنت عيون، كبيرة، صغيرة، لحمية، زرقاء، خضراء، عقيد وعميد، شاعر وزنديق، اختلطت الصور في مخيلتي. ولم أكن أرى سواه ذلك الرجل الذي حمل على رأسه غابة، وعلى جسده امتد بحر المدينة العتيقة، وفي عينه سكن صقر. رجل وفرته في زوادة أحلامي انتظرته قبل ولادتي.

كاس ثم لحقه كأس آخر.
تلاحقت الكؤوس.
تشوش شيء ما في ذلك المكان... ذلك المكان .... الضاج بالعيون، الشاج بموسيقى فقدت هويتها و بالرقص الهمجي الذي طغى علي دون أن ادري تحت جنح "لحن" لم أفقهه.

"أحتاج قهوة" قلت له
نزلنا الدرج
هناك رأيت امرأة ممدة على شايش مطبخ غريب. المرأة عرفتها. فستاني كان يشبه فستانها، نزيفها ، لهاثها، كل شيء فيها كان يشبهني. لكنها لم تكن أنا. امرأة أخرى تدلى فوقها فم مفتوح.
الفم المفتوح، كان مغارة.. كبير جدا.. بدا وكأنه بلع الغرفة.. فم فاغر كان أشبه بفوهة بركان يلهث حروفا وكلمات متلاحقة ، زعيقا، بعضها سمعته بوضوح وبعضه الآخر ابتلعه التيه. كلمات لم أكن قد سمعتها من قبل. لولا تلك الكلمات لكدت أن أصدق أني هي.
أحست المرأة أن جارزتها تود الارتفاع، لا شعوريا مدت يديها لتغطي عريها. عندما سمعت خطوات عابرة تمر من أمامها.

بعد ذلك، تلك المرأة مشت مع الفم الفاغر إلى غرفة أخرى.
المرأة تحت الفم الفاغر. وهو الفم..ما زال سائرا في جمله المتلاحقة طعنات لا تعرف لها اتجاه تغرس في روحي

"عاهرة، فاجرة، خائنة"
تلك الكلمات فقط هي من كانت تلطم أذني، من شدتها. تخيلتها صورة سريالية لامرأة وفم مفتوح. المرأة بدت كجثة، جلدها يسمع وعاجزة عن إتيان الأجوبة.
ترى بم يتهمها؟ سألت نفسي
"بالكلام" جاء الصوت

كانت كلماته تعضني.. وشعرت بأن شيئا ما قد أخذني إلى عالم من الخدر. ما الذي جرى فجأة؟ هل فقدت الإحساس بي؟
تلك المرأة الممددة على شايش كان أشبه بمائدة تشريح لجثة هامدة. وخلته يحمل سكيناً ويقتطع شرائح لحمها.. لكن لساني كان مشنوقا.
من تلك المرأة؟
شعرت بجسدي قد سافر لعالم هيولي.
هل أخذت مشروبا.. وصفة سحرية غريبة..
القرط يضايقني.. خلعته. الجارزة، حمالات الصدرية. غادرتني روحي.
هجمت عليه دون حب ودون كره . بحيادية تامة.
رأيت دموعه
لم أحتمل
"أحبكِ"
كادت الدموع تفر من عينيه.
انسرب داخلي فجأة شعور الأم التي ودت أن تمنح طفلها التهليلة الأخيرة
دموع ساخنة سقطت علي، ولهاثه الموجوع اتكأ علي.. حليب الأرض غمرني حتى الغرق. فمي كان مذعورا وثديي حائر وراقه الدخول في الموت الناعم. أذني المصدومة كفت عن الخجل. والفراش ترنح أمامي وتبلل بسكين الماء.


هو ذاته الرجل ذو الفم الفاغر
اختلطت الصورة

بعد ذلك الطقس الغرائبي
أحسست نبض قلبه يسكنني. لا لم أحبه هو..كان رجلا آخر وجد مسرباً داخل روحي.. الرجل الذي صرخت من تحته كان مستوراً وراء شبكة العين، جسده برونزي، شعره مبعثر، عيناه صقريتان، هو من أبحث عنه كل وقتي وزماني، هو من يسكن نصوصي، هناك في صحراء بعيدة أو على حافة بحر هائج، أو على فوهة بركان، المهم أن هذا الرجل الذي فح فوقي لم يكن رجلي.
ولهاثي الذي امتد إلى السماء كنجدة غريبة لم يكن له
"أحبك" قال الرجل الآخر
وأنا اسمع صداها من بعيد.
كان حلم كونته مخيلتي. لا.. لا.. لا يشبه ذلك الفم الفاغر.
أغمضت عيني لكي لا أتذكر تلك المرأة المُمدّدة على الشايش، ولكي ابتعد عن كلمات الفم الفاغر.. حاولت التركيز في رجلي الذي شكلته بريشتي ، ذلك الغجري الذي جسده شاطئ رملي .. وهناك حلقت.. لم أعد أشعر بكلمات الفم الفاغر..

عمر من الوهج مر وأنا أنادى ذلك الحلم، وهذا يصيح بدورة متلذذاً بعد أن نفض لوثات عقله.
"إذن لماذا فعلتيها؟
قال قلبي
ربما هو تشويش.
لأجل ذلك التشويش استمرأت العذاب، أم للدفاع عن لحظة الكشف؟

ربما.. وربما بسبب وجعه:
"أنا مسكون بالحزن" قال
قلت "سأرتقه"
"وهل رتقته"؟ قال الصوت
لا. لم ارتق حزنه، بل فتحت جرحي.
أصابني برد على فجأة ومياهي سكنت..وهو ارتعش بعينين بللتهما الهزيمة. جرحي تغمس بالدم تماما. وددت غفوة رحمة.
تلك المرأة على شايش المطبخ كانت سيدة الظل. سيدة الوجع مغلولة اللسان . ذات عيون مبللة.
وكنت قد بلغت مرتبة الإشراق فأمطرت، وكانت تلك امرأة أخرى دخلتني، أو هي أنا التي دخلتني. حورية منفيَّة كنت من الجنة فدخلتها بإرادتي ؛ ولكن قبل أن اشعر الرذاذ الأخير.. كانت تلك المرأة..فستانها أزرق كفستاني.. وجعها كوجعي، قد استفاقت.. فاستفقت لأراني والصوت يملأ أذني
"زانية"
"عاهرة"
فانتهت مدة إقامتي في ظلها حيث رأيتْ فيه إشارة إلى ضرورة عودتي إلى موطني، فارتفعت إلى السماء وحلقت في طريقي إلى المدى حيث رجل الصحراء ..البحر والغابات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع