الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات التّشريعية الفرنسية: هل فرنسا مقبلة على تغيّرات جوهريّة؟

لطفي الهمامي
كاتب

2017 / 6 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


الانتخابات التّشريعية الفرنسية:
هل فرنسا مقبلة على تغيّرات جوهريّة؟
أعلنت نتيجة الانتخابات التشريعية الفرنسية في دورتها الأولى يوم 11 جوان الجاري، وكانت نتائجها الأولية والتي سوف يتم حسمها بشكل نهائي يوم الأحد القادم خلال الدور الثاني، لصالح الائتلاف الرئاسي بقيادة ايمانيال مكرون بنسبة 32,3 بالمائة وهو ما يؤهله لحيازة أكثر من 400 مقعد بالبرلمان من العدد الجملي البالغ 577. فيما سوف تتوزع بقية المقاعد على الجمهوريين اللذين احتلوا المرتبة الثانية وعلى كل من الحزب الاشتراكي وحزب فرنس انسوميز بقيادة ميلوشون وبعض القوى الأخرى و منها الجبهة الوطنية اليمينية بمقاعد محدودة جدا. انه انقلاب شبه كلى للمشهد السياسي الفرنسي، الذي أطاح بالقوى الرئيسية وهما كل من الحزب الاشتراكي واليمين اللبرالي المتمثل في حزب الجمهوريين. لكن في نفس الوقت لم تشهد الانتخابات التشريعية الفرنسية سابقا ضعف للمشاركة من قبل المنتخبين مثل هذه الانتخابات، فالعزوف عن التوجه إلى مكاتب الاقتراع بلغ 51,29 بالمائة من العدد الجملي للمرسمين بالقائمات الانتخابية.
تغييرات شكلية في ظل استمرار للتوجه اللبرالي العدواني
منذ إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية لصالح ماكرون، انطلقت ماكينة الدعاية الإعلامية ومؤسسات سبر الآراء والنخب المعروفة بقلب "الفيسة" وما أكثرهم في فرنسا، إلى ترديد بشكل جماعي لفكرة مركزية وهي ضرورة تمكين ماكرون من الأغلبية المريحة بالبرلمان حتى يتمكن من القيام بالإصلاحات الضرورية، مقابل ذلك الهجوم أو تغييب كلى لكافة القوى التي يمكن أن تحوز على موقع مؤثر بالبرلمان. كما اعتمدت الدعاية على خطة رفع شعارات دون أية محتويات مثل الإصلاحات الجذرية وتنقية الحياة السياسية ونهاية الأحزاب التقليدية وخاصة فكرة، أن ماكرون يحمل مشروع ،لا يساري ولا يميني. إذا ما دققنا في هذه المصطلحات فإننا لا نجد ما يقابلها من محتويات، مثلا شعار الإصلاحات ألكبري وإذا ما أردنا معرفتها فإننا لا نجد أي مشروع مطروح ما عدى الشعار العام والذي من كثرة الإعلان عنه والحديث في وسائل الإعلام عن الإصلاحات دون تدقيقها بات أمرا بديهيا، وكأن الأمر قد حسم من خلال رفع تلك الشعارات. انه أمر مدروس بدقة والغاية الأولى منه تمرير الانتخابات التشريعية وكسبها، عبر خلق مناخ عام لدى المنتخب.لقد تمكن مكرون من خلق رأي عام لصالحه من خلال تلك الشعارات، كما تمكن من تغيير موازين القوى عبر الضبابية في طرح المواضيع ولعل أبرزها موضوع قوانين الشغل التي تشغل الرأي العام الفرنسي. بات من الواضح أن القوى المالية الفرنسية الأكثر نفوذا وخاصة منها البنوك الفرنسية /الأوروبية وأصحاب النفوذ المالي الأكثر عولمة ومخافة من تهديدها من قبل راس المال الوطني قد غيرت من اختياراتها تحسبا لأي انفلات في ظل استمرار الحزب الاشتراكي أو حزب الجمهوريين، لأنهم يعدون إلى سياسية أروبية ودولية جديدة بقيادات سياسية جديدة قانونها الأساسي المرونة والسرعة في تلافي الأزمات والقدرة على تجاوز اللحظة الراهنة المتميزة بتململ اجتماعي حقيقي وميلاد ذهنية مغايرة لما كانت عليه خلال السنوات الماضية. امتصاص الغضب وإشاعة فكرة التغييرات الكبرى هي عنوان المرحلة. مع مكرون استبدل حزب المناضلين والديمقراطية الداخلية والهياكل الحزبية والدعاية والبرنامج إلى رؤية أخرى تم ترجمتها نسبيا لدى الأحزاب اللبرالية الأوروبية أساسا ولدى الأمريكان ولكن مع مكرون اتخذت شكلها الأدق ويتمثل ذلك في العناصر التالية. أولا، القول بان الأحزاب التقليدية ذاهبة نحو الاندثار وإشاعة فكرة أنها متكلسة وعديمة الجدوى سواء كانت يسارية أو يمينية.ثانيا، تجاوز تقسيم الأحزاب بين يميني ويساري وإعلان مستقبل لا يمين ولا يسار وإنما هي في ذات الوقت يمين ويسار لأنها اقدر منهم بأخذها من كل طرف أحسن ما لديه. رابعا، يكون راس الحزب حاملا لمشروع اعد من قبل مؤسسات مختصة في دراسة حاجيات المجتمع وبلورة ذلك المشروع في شعارات كبرى خالية من تفاصيل بدعوى أنها سوف تكون نتيجة لحوار ديمقراطي.أما هياكل الحزب ومؤسساته فتكون من عناصر خالصة الأجر أي أنها تشتغل بمقابل وكل عنصر لديه مهام محددة بما فيها التوزيع الميداني لذلك انتشر بمداخل المترو وبالأسواق أشخاص بمميزات خاصة ويوزعون ورقات دعائية لمكرون. انه الحزب الجديد الذي يمكن تغييره إلى حزب أخر خلال يوم واحد لأنه متكون من موظفين، ويعود القرار فيه إلى شخص أو مجموعة ضيقة حتى تكون النجاعة والسرعة متحققة.
انهزام الحزبين الكبيرين
أما القوى السياسية الأخرى والتي لم تتمكن من خلق مناخ لصالحها رغم قوتها المالية والإعلامية وهي الحزب الاشتراكي وحزب الجمهوريين،فان ذلك يعود أساسا لحكمها الطويل دون أن تنفّذ ادعاءاتها الانتخابية ،إضافة إلى انتشار فسادها في إدارة الدولة وعجزها عن تطوير المجتمع وتقديم إجابات هامة حول الصعوبات الاقتصادية والمجتمعية الفرنسية. لقد فقد الفرنسيون الثقة في اكبر حزبين أو عائلتين تاريخيا سيطرى على كامل المشهد الاقتصادي والمالي والسياسي والإداري. أما الجبهة الوطنية فهي من جهتها لم تسلم من الهجوم الكاسح ضدها على أساس أنها يمينية متطرفة وعنصرية وهي في الحقيقة تم تصفيتها من خلال الهجوم الإعلامي وإشاعة الخوف منها لكونها تهدد اليمين الليبرالي بشقوقه المختلفة سواء من الجمهوريين أو من اللبراليين، لذلك فان إمكانية التقارب بينها وبين تلك القوى خلال الأزمات أو خلال تهديد حقيقي من قبل اليسار المتجذر فإنهم لن يترددوا عن فعل ذلك، فطبيعتهم واحدة.
ثمة سؤال من الضروري طرحه بعد الانتخابات التشريعية الفرنسية وهو ما الفرق بين رؤية ماكرون ومشروعه والحزب الاشتراكي وحزب الجمهوريين اليميني اللبرالي؟ . من الواضح أن الخلاف بينهم يهم طريقة الحكم والجوانب الشكلية لتسيير المؤسسات، والخلاف بينهم يهم ضبط الأولويات في السياسة الاقتصادية الداخلية والأوروبية وكذلك اختلافهم الطفيف في السياسة الخارجية، ولكن يتفقون تمام الاتفاق في طبيعة المجتمع والبنية الاقتصادية والقيم اللبرالية الفر دانية. لذلك لن يحقق ماكرون تغييرات جذرية وإنما سوف يكتفي ببعض الإصلاحات ذات الطابع الشكلي على الحكم. كما أن سياسته لن تكون سوى تعميق الشرخ الاجتماعي صلب المجتمع الفرنسي والهجوم على مكاسبه الاجتماعية وبالأخص في مجال قانون الشغل الذي يعبر عن نتيجة لصراع اجتماعي دام لمدة سنوات بين راس المال من جهة والعمال بنقاباتهم من جهة ثانية. فانقلاب موازين القوى ضد الأحزاب الحاكمة لصالح مكرون لا يعنى كما يدعيه مروجي مقولة انتهاء الأحزاب على الشاكلة التقليدية ونهاية برامجها ذات الطابع الإيديولوجي لان ماكرون ذاته يمثل تعبيره إيديولوجية بامتياز وهي اللبرالية الأكثر تبعية لراس المال كما هو عليه في عصرنا الحالي.
يسار راديكالي مشتت
لقد تمكن اليسار المتجذر لجون ليك ميلونشون من إمكانية دخوله للبرلمان، وإمكانية تكوينه لكتلة برلمانية مستقلة وهو ما سوف يؤكده أو ينفيه الدور الثاني، وإذا ما تمكن من ذلك فانه سوف يكون القوة السياسية الثالثة. ما يمكن ملاحظته في هذا الخصوص أن قوى اليسار المتجذر أو الراديكالي لا تزال متشرذمة ومتفرقة وهو ما اضعف حضوضها سواء خلال الانتخابات الرئاسية أو خلال الانتخابات التشريعية، فتجاوز ذلك يمكن أن يؤهلها للعب دور هام في الحياة السياسية الفرنسية.
أهم ما يمكن ملاحظته،من خلال الانتخابات الأخيرة هو دور التلفزة في صناعة الرأي العام وقدرتها على توجيهه الوجهة التي يتم إقرارها من خلف الستار، أي من قبل هيئة التحرير، أي من قبل أصحاب القنوات الخاصة ذات التأثير السحري, وفلسفة ذلك تعود بكل بساطة إلى المال والأعمال، ولا علاقة لها بالبرامج والمصلحة العامة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور الغندور ترقص لتفادي سو?ال هشام حداد ????


.. قادة تونس والجزائر وليبيا يتفقون على العمل معا لمكافحة مخاطر




.. بعد قرن.. إعادة إحياء التراث الأولمبي الفرنسي • فرانس 24


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضرباته على أرجاء قطاع غزة ويوقع مزيدا




.. سوناك: المملكة المتحدة أكبر قوة عسكرية في أوروبا وثاني أكبر