الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قشور المستعمرة السعيدة

جهاد الرنتيسي

2017 / 6 / 18
الادب والفن


توغل اجنحة ثقافة "المستعمرة السعيدة" في تكريس "ادب المراوحة" بين مجافاة عمق الظواهر، نزعة البقاء على الهوامش، فقدان الرغبة في تجاوز القشور، ومحاولة التفنن في اخفاء العقم المزمن لسلطة معزولة عن شعبها.
ظهر كساح الانشاء العاجز عن توصيف حالة اوتلبية حاجة الذائقة واضحا في شهادات الروائيين العرب الذين زاروا "المستعمرة السعيدة" للمشاركة في ملتقى الرواية الذي نظمته وزارة ثقافتها.
تحاول الروائية سميحة خريس ايجاد فوارق بين دخول الاراضي الفلسطينية عبر معاهدة السلام الاردنية ـ الاسرائيلية والدخول من بوابة اتفاق اوسلو فالفسحة التي اتيحت لها بعد المعاهدة كانت مريرة فيها اهانة للروح وكسر للنفس لا سيما وانها محكومة بترخيص من المحتل فيما تتميز البوابة الثانية عن الاولى في انها نتاج خضوع للشوق والخجل من طول تأخر.
فات خريس غياب الاختلاف الجوهري بين الدخولين اللذين يخضعان للشرط الاسرائيلي، وقد يكون الدخول بناء على ما اتاحته المعاهدة اقل "كسرا" للنفس ولو من الناحية الشكلية، ففي هذه الحالة تتعامل دولة الاحتلال مع مواطن في دولة جارة، وفق التعبيرات البروتوكولية المستخدمة، وفي حالة المستعمرة السعيدة يمنح التصريح الاسرائيلي عبر سلطة لها دور خدمي لا يتجاوز البعد الامني، وبذلك يكمن الفارق الاهم في قوة الدفع الشعاراتي التي ورثتها السلطة عن زمن الرجال والبنادق ـ الذي لا تنتمي اليه باي حال من الاحوال ـ وتستخدمها في التهويش الموسمي لاخفاء غياب مشروعها الوطني الذي كان وتجميل دورها، وعند محاولة البحث عن سياق زمني للمعاهدة والاتفاق نصل الى ان الاولى جاءت نتيجة للثاني.
بقدر اكبر من الفجاجة تتمادى شهادة ابراهيم فرغلي في توصيف الحالة حيث يشير الى رؤيته رام الله "كمكان تم تخليصه من فم الاسد حتى لو لم تكن السيادة كاملة" دون ان يكلف نفسه عناء ملاحظة التضارب بين فعل التخليص من فم الاسد وبقاء خضوع المكان للجيش المحتل الذي يظهر واضحا في قدرة "الاسد" الاسرائيلي على الوصول الى اي مكان في المدينة التي تم تخليصها منه ومصادرة ما يشاء من اراضيها واعتقال ابنائها دون عراقيل تذكر.
شهادة محمود الريماوي كانت اكثر ذكاء ووضوحا وقدرة على الالتفاف بتركيزها على المعبر لتجنب الغوص في عوالم العلاقة الملتبسة بين المجتمع الفلسطيني الخاضع لسلطة "المستعمرة السعيدة" والجهة المفترض ان تتولى ادارة اموره .
يشير الريماوي الى تخلي الاسرائيليين عن التزامهم بالتفاوض وفق اتفاق اوسلو حول قضايا الوضع النهائي ومنها الحدود والمعابر حيث "رأوا ان استمرار الوضع على ما هو عليه قبل الاتفاق افضل لهم" وينتهي بكيل الشتائم للاحتلال تمهيدا لعبور سلس نحو محاولة اظهار سلطة المستعمرة السعيدة باعتبارها رافعة لانتزاع الحقوق وليست ذراعا امنية للاحتلال.
قد تكون شهادة حجي جابر الاكثر وضوحا وشفافية وهي تعترف ضمنيا بان عذابات اهل البلاد واوجاعهم كانت خارج مدار رؤية زوار المستعمرة السعيدة حيث كان يصغي لـ "اصوات" الفلسطينيين ونبرتهم التي تخص المكان وتحدد معالمه وليس ما يقولونه.
النزعات الاستشراقية كانت واضحة في عدد من شهادات بعض زوار المستعمرة السعيدة الذين مروا في الاراضي الفلسطينية باعتبارهم سياحا وليسوا مبدعين يبحثون في ما وراء الظواهر او اسقطوا من مخزون مخيلاتهم وتعاملوا مع ما اسقطوه باعتباره الصورة والجوهر.
من ناحيته يتقصى خالد عويس في شهادته الاقرب الى التهويمات الروح الخرافية في الاشياء وتجرد المادة من خواصها لا سيما وانه يرى نفسه في رحلة عبر الزمان والمكان الخالدين.
يأخذ الاستشراق شكلا اخر في شهادة مها حسن وهي تصف رحلتها بين المستعمرة السعيدة ومورليه، وتؤشر الى ذاكرتها المحملة بشعور بطل البير كامو في روايته الغريب، وتلقي نظرة عابرة على الفلسطيني الذي يمكن اختصاره بكمية من الزعتر وفنجان يحمل عبارة لمحمود درويش، بعد تلاشي ابناء البلاد بين سلاح الاحتلال وحواجزه .
تتضح اسقاطات الخيال بشكل اكبر في شهادتي الحبيب السالمي الذي حاول استعادة رحلات حج المغاربة الى القدس وانتهى الى تأمل الوجوه الطفولية لجنود الاحتلال وهو يقترب منهم للمرة الاولى وتفسير عدوانية المجندة الاسرائيلية التي ضايقته على المعبر بحاجتها للجنس وليس ارث العداء مع الشعب الفلسطيني وتعليمات سلطات الاحتلال بالتشدد مع القادمين.
لم يتوقف السالمي وخريس عند تبرير الزيارة كما فعل الريماوي ففي شهادتيهما ترويج واضح للتخلي عن ما وصفته الثانية بالارتباك وسلبية ترك الزيتون وحيدا وما اعتبره الاول في شهادتيه الموزعتين على صحيفتين ترددا في التعرف على معاناة الفلسطينيين.
تلتقي شهادات الروائيين من زوار المستعمرة السعيدة عند الاكتفاء بقشورها الهشة والزهد في الاقتراب من تفاصيل واقع يتجاوز نمطية وانشائية وصف الوقوف على الحواجز الى ما هو اعمق بكثير الامر الذي يمكن اعادته الى حالة من الارتهان الذهني بدت واضحة في التعبير عن الخطاب التقليدي للسلطة الذي يدور حول التمييز بين التطبيع وزيارة السجين.
كان حريا بالروائيين العرب توسيع دائرة الرؤية والتفكير الاعمق بالمفاهيم التي قبلوها عن ظهر قلب رغم فجاجتها لان اسهابهم في الحديث عن السجن الكبير لا يعفيهم من سرد ما يفترض سماعه عن السجون الاصغر والاكثر قسوة على السجناء والملاحقات التي تتم على ارضية التنسيق الامني مع السجان الامر الذي يلحظه رجل الشارع في تفاصيل حياته اليومية ولا تحتاج معرفته غير اسئلة عابرة بعيدا عن عيون مرافقين نجحوا في تحويل المثقف الذي ينفد وينقد الى سائح مسكون برغبة الانبهار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ


.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ




.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني


.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق




.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع