الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصادرة حق الإضراب باسم الديمقراطية البرجوازية.

كريم اعا

2017 / 6 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


قراءة أولية في مشروع القانون المصادر لحق الإضراب.
"الانتهازية تتلخص بالضبط في انعدام المبادئ المحددة والثابتة ولو لحد ما".
يعتبر الإضراب داخل الوحدات الإنتاجية مظهرا أساسيا وأداة لا محيد عنها لنضال العمال الاقتصادي في محاولة منهم لتحسين ظروف عملهم في ظل نظام يقوم على اعتبار قوة العمل سلعة قابلة للتبادل.
وعلى امتداد عمر النظام الرأسمالي حاول المالكون لوسائل الإنتاج وبكل الطرق، تجريد العمال من سلاحهم هذا معتمدين أساليب ووسائل اختلفت أشكالها وحدتها حسب ميزان قوى الصراع الطبقي وحسب اختلاف اللحظات التاريخية.
فمن تجريم حق الإضراب إلى محاولة تكبيله، تبقى السمة البارزة هي التطلع الدائم للرأسماليين وأجهزة دولتهم نحو إقبار حق الإضراب حتى تصبح الطبقة العاملة البقرة الحلوب التي يخشون ثورتها ومعاركها البطولية. وفي هذا السياق يأتي الحديث في بلادنا عن مشروع قانون يحمل زورا وبهتانا شعار "القانون التنظيمي للإضراب".
إن المتتبع للوضع الدولي العام سيدرك أن تكالب الامبرياليين على حقوق العمال وسعي وكلائهم المحليين إلى توفير يد عاملة بدون آلية مواجهة لدى هذه الأخيرة، هو المحرك الجوهري لإصدار مثل هذه القوانين التي تهدد العمال وعموم الأجراء.
وسأحاول من خلال القراءة الأولية لهذا المشروع التصفوي تبيان نقطتين أساسيتين، أولاهما أشكال مواجهة المستغلين للطبقة العاملة ونضالاتها، وثانيهما الدور الطبقي الواضح لأجهزة الدولة كآلية لقمع العمال ومناصريهم.
1. الرأسماليون عدو طبقي للطبقة العاملة:
إن أول ما يثير الانتباه في هذا المشروع هو تسليمه بنظام الاستغلال والقهر، واعتباره شيئا طبيعيا يحرم الحديث عن الأسس الاجتماعية والسياسية التي أنتجته. وهذه محاولة من المستغلين لطمس معالم الصراع الطبقي وتناقضات التشكيلة الاجتماعية القائمة. فهم يحاولون إبقاء وعي العمال في حدود المطالب الخبزية والقطاعية حتى لا تمتلك النظرة السليمة والشاملة للصراع الذي تدور رحاه بين المالكين لوسائل الإنتاج والمجردين منها. وهنا يتضح بجلاء الخدمة التي يقدمها أصحاب النضال الاقتصادي الضيق وأبواقهم الدعائية للرأسماليين وخدامهم الأوفياء. ولعل المشروع في حديثه عن "تنازل الأجير عن ممارسة حق الإضراب" المقرون بإبرام اتفاقيات جماعية أو "التوصل إلى اتفاق حول مطالب معينة يفرض عدم خوض إضرابات حولها إلا بعد انصرام أجل سنة" يجعل عمالنا يدركون البعد الحقيقي لما يسمى الاتفاقيات الجماعية والحوارات المغشوشة التي تقترح لدن كل معركة بطولية من قبل مصاصي دمائهم. إنها مناورات لإحباط الهمم ووأد النضالات حتى لا تتطور وتتسيس، وزرع اليأس في صفوف الشغيلة، وترويضها بخطابات عن السلم الاجتماعي والتعايش بين الطبقات، بينما الواقع يعكس تزايد الفوارق الطبقية وتردي الأوضاع المعيشية لملايين الجماهير الشعبية.
لقد حمل إلينا المشروع صورة صريحة، وبدون مساحيق لمحاولات "المشغل" إفشال الإضرابات بصيغ مختلفة لعل أبرزها استعمال عمال جدد لتكسير المعارك البطولية، وأسهب في عرض أساليب أصحاب المصانع والمعامل للالتفاف حول تراث الطبقة العاملة. فنراه يتحدث عن إمكانية "تسليم المشغل للبضائع الجاهزة خلال الإضراب من قبل متطوعين من بين الأجراء غير المضربين داخل المؤسسة"، وعن "منع احتلال أماكن العمل" وعن " إمكانية إغلاق أبواب المصانع والوحدات الإنتاجية خوفا من تدميرها أو إتلافها". وهنا نتساءل عن فائدة الإضراب إن أمكن للمالك تسليم البضائع الجاهزة؟ وما الدرس الذي سيستفيده العمال إن لم يتم خوض النضال في أماكن العمل؟ وما التلاحم والتضامن العماليين إذن إن كان هناك غير المضربين "المتطوعين"؟ ولماذا يصرون على الحديث حول تخريب الوحدات الإنتاجية؟ أليست تلك محاولة لجر الطبقة العاملة إلى عصر بائد لم تكن قد تبلورت خلاله بعد معالم نضالهم الحقيقي ووعيهم السليم؟
إنه مصادرة لحق العمال في التعبير عن سخطهم، وفي استعراض قوة أشكالهم النضالية التي تجعلهم يدركون أن الإنتاج الرأسمالي متوقف على سواعدهم وعلى طاقاتهم الإبداعية. إنها حرب شرسة تحاول زرع الأوهام في صفوف العمال وتشتيت قوتهم عبر تشجيع ثقافة "حرية العمل" التي لا تعني في العمق سوى تكسير وحدة الصف العمالي وتكريس الثقافة البرجوازية التي تجعل من الأناينة والمصلحة الشخصية الضيقة رافعتها. وعبر إنتاج نصوص قانونية تبرر القمع واعتقال العمال كلما هددوا مصالح الرأسماليين.
2. الدولة جهاز للعنف الطبقي:
إن الإضافة النوعية التي حملها المشروع المذكور هي سحب الستار المزركش الذي طالما اختفت وراءه الإيديولوجية البرجوازية في محاولة منها لإخفاء حقيقة الدولة مأداة للعنف الطبقي ولممارسة السيطرة الطبقية.
فبناء على مواده تظهر أجهزة الدولة للوهلة الأولى كضامنة للصلح والتحكيم، غير أن تفكيك ما وراء الظاهر يجعلنا نجزم أن النيات الحسنة في ميدان الصراع الطبقي محكوم عليها بالفشل والإفلاس. فليس الحديث عن "الصلح والتحكيم" سوى محاولة لتأبيد أوهام التعايش والسلم الطبقيين، ولعرقلة تفجير الطبقة العاملة لمعاركها واحتجاجاتها.
إنه دليل على اصطفاف القانون ومؤسساته إلى جانب المستثمرين المستغلين، وعلى سعيه جعل المناضلين العماليين وجها لوجه مع آلة الدولة القمعية لدن حديثه عن "الاتفاقات الملزمة للطرفين". على أن حرمان العمال من احتلال أماكن عملهم يجعلهم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التظاهر في الشوارع أو الانزواء في المنازل أو مقرات مغلقة بعيدا عن ساحة النضال وترك أماكن العمل لمكسري الإضرابات وعموم الانتهازيين.
كما أن إقحام "عون قضائي" في معركة الإضراب دليل ساطع على دور الدولة كضامن لمصالح المالكين بالدرجة الأولى ورقابتها على حق العمال في خوض إضراباتهم حفاظا على حقوقهم المكتسبة والمطالبة بتحسين ظروف استغلالهم.
إلا أن ما يثير الانتباه هو الحديث عن الإضراب المشروع، مما يعني وجود آخر غير مشروع وجب تجريمه.
الأكيد أن كل إضراب يهدد مصالح الملاكين مصنف في خانة غير المشروع والمحرم. وبالتالي نفهم الترسانة التي صففت لقمع كل الأصوات الرافضة للانصياع والاستسلام. فغرامات عرقلة حرية العمل مثلا أكبر بكثير من غرامات الطرد والتمييز أو محاولات إفشال الإضراب.
كما أن إقحام السلطة المحلية والإدارات الأخرى ذات الصلة بالنضال العمالي الجاري دليل آخر ، يوقظ من لا يزال في ذهنه شك، حول الطابع الطبقي لأجهزة الدولة ودورها في المجتمع القائم.
إن إلزام العمال بالإخبار عن معاركهم خلال مدة لا تقل عن عشرة أيام، يجعلنا نقف ساخرين حول هذا الأسلوب الذي يرفض الاعتراف بأن قوة الإضرابات هي في ما تمثله من مفاجأة وآلية للضغط الآني قصد تحصين مكتسبات وانتزاع أخرى.
لقد ابتدع هذا المشروع اجتهادا لم تعرفه مدرسة النضال العمالي ألا وهو "توقيف الإضراب خلال مدة التفاوض". إنه العبث بعينه والاستخفاف بمطالب الطبقة العاملة وبقدرتها على زلزلة الأرض تحت أقدام مصاصي دمائها.
كما أقر المشروع ما سمي "بالخطأ الجسيم" مع ما نعرفه من سرعة فبركة الملفات والزج بكل من "تتأجج النار في صدورهم" في غياهب السجون.
عندما أقر المشروع بإمكانية منع الوزير الأول للإضراب، فقد أكد للعمال ما يمكن أن يشكله نضالهم وأشكالهم البطولية من خطر على النظام القائم برمته وليس على الرأسماليين كل في معمله أو مصنعه.
إنه اعتراف بالدور الريادي الذي يمكن أن تلعبه الطبقة العاملة في النضال القائم وبالقوة والمدى الذي يمكن أن تمثله هذه النضالات.
وهي دعوة لكل مناصري الطبقة العاملة لفرز طليعة هذه الأخيرة لأن "نضال البروليتاريا العفوي لا يصبح "نضالا طبقيا" حقا للبروليتاريا" إلا عندما توجهه هذه القاطرة وتحدد له الأفق السليم والتاريخي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة