الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شريف باشا باق ويتمدد ..!!!

محمد حبش كنو

2017 / 6 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


محمد شريف باشا .. هكذا كان إسمه .. رجل نحيف بشارب خفيف يعتلي شفته العليا يرتدي طربوشا عثمانيا ويمتطي فرسا مزركشا يجوب بها قرى كوباني ومعه ثلة صغيرة من الحراس يرافقونه وهم يتأبطون بنادق عثمانية ثقيلة .

كانت وظيفة شريف باشا هي جمع الرجال و إرسالهم كمجندين إلى الجيش التركي الذي كان يحارب كحليف للجيش الألماني ضد الروس وقوات الحلفاء الغربيين وكان البسطاء من كل البلاد التي تقع تحت هيمنة السلطنة العثمانية وقودا لحرب الكبار وقتها وهي الحرب التي سميت بالحرب العالمية الأولى .

لم تكن ريح الشمال الباردة هي وحدها ما تزعج تلك القرى الطينية بل كان هناك محمد شريف باشا أيضا وهو من أكراد تركيا و خبير بالمناطق والعشائر الكردية ويعرف من أين يجلب الرجال للحرب ولذلك كان يجوب القرى ويجمع ما شاء من الرجال ليسوقهم كالقطيع نحو حتفهم في بلاد بعيدة ربما كانت في صقيع روسيا أو حر قناة السويس التي حاولو اختراقها ضد الإنكليز فيما عرف وقتها بعمليات سفربرلك .

بين عامي 1915 و 1916 حدثت اتفاقية سايكس بيكو وتم تقسيم إرث الدولة العثمانية وترسيم الحدود بين سوريا وتركيا الحالية وتم اختيار خط السكة الحديدية كخط فاصل وانقسسمت المناطق الكردية إلى شطرين شمال السكة الحديدية وجنوبها ولكن شريف باشا رغم تقسيم المناطق ظل يأتي إلى جنوب السكة ليجند شباب القرى مستغلا سذاجة الناس وبساطتهم وعدم معرفتهم أن هذا الطرف لم يعد له علاقة بالطرف الآخر وأنه لا يجوز قانونيا أن يخدمو في جيش الدولة التركية وكانت حدود شريف باشا هي صرين الحالية وكانت تسمى وقتها قزاي جتلغ ولم يكن يخترقها لوجود قبائل عنزة العربية في الطرف الآخر وكان يخشى التوغل نحوهم .

يحكي كبار السن الكثير من القصص عن تلك الأيام ويروي أهلنا عن عم جدي كيف أن شريف باشا ساقه هو ورفاقه إلى حدود روسيا ودخلو في حرب لا يعرفون فيها العدو من الصديق و حسب بحثي في الوثائق التاريخية فقد توصلت إلى أنها ربما تكون الحملة التي أرسلها أنور باشا قائد الجيش الثالث التركي إلى روسيا وباءت بهزيمة كبرى في معركة ساري قاميش و حسب الوثائق العثمانية فقد قتل فيها إثنان و ثلاثون ألف جندي وجرح خمسون ألفا وأسر خمسة عشر ألف جندي وتاه الآلاف في البراري والجبال بين الثلوج ومات أغلبهم من الجوع وكان جلهم ممن جمعهم الأتراك عنوة من بلاد الشام والمستعمرات العثمانية .

كان عم جدي أحد التائهين ويروي أنه طوال طريق عودته مشيا على الأقدام كان ينام بين الجثث الممتدة على مدى الأفق وكان يقول دائما بأن من ملاحظاته أن الحيوانات المفترسة التي كانت تأتي لتأكل بقايا الجثث لم تكن تقترب ممن بقيت فيه بقايا روح وما زالت فيه الحركة وأن الحيوانات كانت تهرب بعيدا عن الجرحى ولعل تلك الضواري المفترسة كانت أرحم ممن ساقهم إلى تلك الحروب وتركهم جرحى يأنون حتى الموت في الوديان والقفار لينتهو طعاما للضباع .

وصل عم جدي بعد شهور إلى قريته كرمرار في كوباني منهك الحال لكن شريف باشا لم يكن قد توقف عن جمع الرجال وعاد ليجمع عددا لا بأس به ويأخذهم إلى سجن مدينة سروج ليسوقهم بعد ذلك إلى مكان مجهول .

كان جد أبي مسلم كنو هذه المرة بين المساقين وقرر الهرب مع بعض الرجال في السجن حين أيقن بأنه ميت في كل الأحوال لما سمعه من العائدين و استطاعت النساء إدخال مناجل الحصاد إلى السجن تحت مناسف البرغل ليحدث الرجال ثقبا في جدار السجن المبني من الحجارة و الطوب المصنوع من الطين والتبن واستطاعو الهرب حتى وصلو إلى قراهم آمنين .

استشاط شريف باشا غضبا وأقسم أن يجمع كل من تطاله يده هذه المرة فأتى متبخترا يلوح الغبار من خلف حوافر حصانه ويتطاير الشرر من عينيه وكأنه لا يرتوي إلا بدماء أبناء تلك القرى البائسة .

خلف إحدى التلال إختبأ له هذه المرة رجل من قرية شيران يدعى علي تيتي وأقسم أن لا يتركه حيا وحين اقترب شريف باشا قنصه علي تيتي فجاءت الرصاصة في رأسه وتفجرت جمجمته جراء ذلك ووقع من صهوة حصانه على الأرض مضرجا بدمائه .

مات شريف باشا بجسده لكنه ومنذ ذلك الحين يأتي بأشكال متعددة من الشمال تارة يأخذ أوامره من الباب العالي وتارة من الباب الدمشقي و أخيرا من باب العم سام القادم بعد مئة عام من خلف البحار والمحيطات تاركا كل أبطال ورجال الأرض ليجند من جديد أبناء تلك القرى في حرب عالمية جديدة مثل الحرب العالمية الأولى هم وقود لها من جديد .

في الثمانينات جاء شريف باشا جديد .. فقط كان الإسم والشوارب مختلفين لكنه ظل يخرج أبناء الناس من المدارس والجامعات ويسوقهم إلى الشمال خلف السكة الحديدية حيث يختفون في الجبال .

علم العم سام أن هذه البلاد بلا صاحب وأنها الدجاجة التي تبيض المقاتلين عبر التاريخ و لكنه خشي من وجود طبقة وسطى متعلمة ومنفتحة فأزاحها عن طريقه وشرد تلك الطبقة في أصقاع الدنيا ليستفرد هو ووكلاؤه بالطبقة الدنيا ويسوق أبنائهم إلى جبهات مفتوحة كبازار مفتوح للموت حتى أنه في بعض الأحيان تحتاج القذارة السياسية إلى عداد مفتوح للشهداء كما حدثت في معارك غرب الفرات ليقول العم سام للمعترضين من حلفائه العرب والأتراك نحن محرجون أمام هذه الكمية من الدماء ولا نستطيع إرجاعهم إلى شرق الفرات .

اليوم يجب أن يستفيد الجميع من هذه البلاد التي لا صاحب لها وأذكر هنا قصة شاب يافع ساقه شريف باشا الجديد إلى معارك منبج وهو لم يحمل السلاح في حياته فأصيب فور وصوله للجبهة فتم نقله إلى تركيا لترجع جثته إلى أهله مخيطة من كل جانب فقد أخذو ما شاؤو من أعضائه ليبيعوها إلى أباطرة المال والطبقة المخملية التي تحكم العالم وهكذا استفاد الجميع فقد أكمل شريف باشا مهمته و عبأ العم سام عداد موتاه وأخذت تركيا ما شاءت من أعضائه فالرزق وفير ويسع الجميع .

اليوم غير البارحة فكل شيئ مباح والضرع يجب أن تنشف تماما لذلك لن تكون زوادة بالمقاتلين فقط بل يجب أن تنهب كل ممتلكاتهم وتحرق أشجارهم وتجز رقاب أطفالهم في ليل بهيم ويشرد نصف أهلها على أرصفة الدول ويحبس الباقون في الداخل مذمومين مدحورين لا ماء ولا كهرباء ولا أبسط وسائل العيش ثم يبصق في وجوههم إن فتحو أفواههم أو لم يفتحو فهل نحتاج إلى علي تيتي جديد ..؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية