الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في - أنا سرب القطا -(1) للشاعرة حياة الشمري

كامل حسن الدليمي

2017 / 6 / 30
الادب والفن


سلسلة شعراء مهرجان الإسكندرية الدولي الثاني
قراءة في " أنا سرب القطا "(1) للشاعرة حياة الشمري
ضمن شعراء مهرجان الإسكندرية الدولي للشعر العربي الثاني التقيت الشاعرة حياة الشمري التي كتبت بمختلف الأساليب الشعرية فمثلما لها "قصيدة العمود" وفق تقنينات الخليل كذلك كتبت النص النثري وفق قواعد النصوص النثرية التي تتطلب من الناثر" الأخيلة ، الخزين اللفظي ، الإحساس المرهف ، الأسلوب ...) فضلا عن الإحاطة بعلم الأصوات ليتمكن الناثر من تقييم كل صوت ونسجه بالشكل الذي يؤمن انسجام المفردات في النص الواحد .
حياة الشمري في " سرب القطا" امتلكت الجرأة في رصد مشاعر المرأة والكشف التفصيلي عما يعتمل في نفسها بمعنى اشتغلت في فضاء المسكوت عنه زمنا طويلا في الشعر النسوي فالمرأة كانت تكتب المراثي وترتجز في الحرب وتكتب في مختلف الأغراض ألا التغزل بالرجل باستثناء حالات نادرة في التاريخ الأدبي أمثال عنان ومن سرن على منهجها وهن بالتأكيد ندرة ، وجاء هذا بناءً على ما يفرضه العرف السائد وقبل الاستشهاد بنماذج من المتن علينا أولا التفريق بين ما هو منظوم وما هو منثور عند فقهاء المصطلحات الأدبية ليتبين لنا الحد الفاصل بين هذا وذاك :
يقول ابن خلدون :"إن المنثور يباين المنظوم ويخالفه لأن كل واحد منهما يشكل جنسا أو فنا مستقلا بذاته" (2) ومن هذا القول نستطيع القول : إن المنظوم و المنثور فنان تسمو قيمتهما، ويعلو شأنهما حسب ابن خلدون بشرط الإجادة. وهذه الإجادة هي ثمرة علم سماه ابن خلدون ب(علم الأدب)؛ وتبعا لذلك فالشاعر والكاتب لا يجيدان إلا إذا كانا ملمين بذلك العلم، وهذا التصنيف يضع المنظوم بصف واحد مع المنثور باشتراط بلوغ الإرب من كل منهما .فيما يقول إسحاق بن إبراهيم في "البرهان" "فأما المنثور فليس يخلو من أن يكون خطابة، أو ترسلا، أو احتجاجا، أو حديثا، ولكل واحد من هذه الوجوه موضع يستعمل فيه"(3)
وهنا قسم ابن إسحاق أغراض وأوجه النثر دون أن يحدد صفة معينة للنثر أو جودته.ومن المعلوم أن كثيرا من القدامى أولوا الكلام عناية خاصة، تعريفا وتقييما؛ يقول أبو هلال العسكري: «الكلام أيدك الله، يحسن بسلاسته، وسهولته، ونصاعته، وتخير لفظه، وإصابة معناه، وجودة مطالعه، ولين مقاطعه، واستواء تقاسيمه، وتعادل أطرافه...(4)
إن الكلام، بهذا المفهوم، يمكن أن ينطبق على الشعر، كما يمكن أن ينسحب على النثر؛ غير أن جودته لا تكتمل إلا إذا جمعت بين جمال اللفظ والمعنى والأسلوب والإيقاع والبناء.
وبهذه الإشارة السريعة لفني الكلام العربي نخلص إلى حقيقة أن البلاغة والبيان في الشعر كما هي في النثر ألا أن الفارق بينهما التزام القواعد الخاصة بكل فن من فنون الكلام وقسميه المذكورين ( منظوم ، منثور) .
وفي النص النثري وفقا لما ذكرنا من أقوال العرب محددات وقواعد بموجبها تتم المفاضلة بين نص وآخر كما نتلمس ذلك في نصوص مجموعة الشمري التي بين أيدينا فهي التزمت القواعد مع توغلها بعيدا في شؤون حاول العرف السائد أبعاد المرأة عنها بينما أباحت للرجل تعاطيها تقول الشاعرة الشمري في نص خرق بعض الشيء الخطوط الحمراء الوهمية أصلا :
دعنا ندفيء الثلج
دعنا للهفة نتدفق
فالتماع العيون بانتظارنا ...ص14
هي دعوة حضور واستحضار تجسدت فيها الجرأة وعبرت من خلالها الخطوط الوهمية التي تحاول ان تكبح رغبة الأنثى للرجل وأوقفت ذلك على الرجل فقط وهو نوع من انواع السلب المعنوي للمشاعر فما يصلح للرجل لا يصلح للمرأة مع العلم أن المشاعر واحدة ، عليه نستطيع القول أن الحرية في التعاطي مع اللفظ دون قيود سمح للشاعرة إدراك المعنى بأقل ما يمكن من الألفاظ ولكن بأسلوب ذكي اختصر الكثير من المسافات .
وفي نص آخر يحمل ذات السمات تقول:
على قسمات الثلج البلوري
يتمايل فستاني الأسود
يحاصرني عطرك
يشتعل ، فيذوب الثلج
... انفرطت حبات السندس في صحنك !...ص20
ينفتح المقطع أعلاه على عدة تأويلات ولكن نتعاط مع أقربها وهي وصف للحظة اللقاء بينها وبينه مع الإشارة إلى أن اللون الأسود قد اشتغل على معنى " الحزن " ودلّ على الحرمان والمعاناة ومع ذلك فهي دعوة لعبور الحدود الوهمية بين المرأة والرجل وبالتالي فقد شكل المقطع الأخير "عنصر إدهاش" فهي راغبة لان تنفرط حبات السندس في صحنه الأمر الذي يجعل المتلقي في عالم التخيل لتلك اللحظة .
وما دام أن النص النثري له قيمة شعورية وجمالية من خلال ما مر من أقوال العرب ، إذن يمكن القول ان هذا المقطع خرج عن إطار النثرية واكتسب خصوصية الشعر؛ لما له من قيم، وهذا ما نجده في معظم نصوص هذه المجموعة، حيث اكتسبت المفردة شعرية ذات قيمة فنيّة وجمالية، فضلا عن تخطي العثرات السائدة في طريق الشعر النسوي اذا صح التعبير فقد تجاوزت الشمري هذه العقد وانفتحت على فضاء اكثر سعة وحرية.
وفي رأيي أن ذلك هو الفارق الوحيد بين النص النثري والنص الشعري، القيمة المحققة منه سواء أكانت جمالية أم شعورية، وخصوصية اللفظة وما لها من دلالات متعددة في سياقات مختلفة ( فستاني الأسود) لماذا اللون الأسود في دلالات الألوان نتلمس ذلك وكما اشرنا هو تعبير عن الحرمان.
وتظهر جماليات المفردة في سياقاتها، أن االشاعرة حملّتها أبعادًا مختلفة، صفات جديدة، متألقة، تجعلها أكثر بهاءً وكأنها في نصٍ شعري موزون، ومن ذلك قولها
الوقت ضحى/ والشمس على جسدي تجوس / اعشق ثوبي الفائر على مجساتك... ص45:

هي عاشقة إلى حد الاكتواء فرغم أن الوقت ضحى الا ان الشمس تكوي وهي دلالالة على اشتعال الرغبة والشوق للحبيب.
وفي رأيي ان الشمري نجحت بتوظيف الطبيعة في نصوصها النثرية؛ لكي تضفي عليها الصفات الحيوية، وتمنح النص الحركة والحيوية والحياة الدائمة بدلاً من الثبات والجمود، ولهذا كلّه جاء الحبيب بصورة مغايرة للسائد وهذا ما يجعل من النص النثري ناطق من خلال تعاقب الصور والنفاذ إلى ما وراء الطبيعة وليس من خلال عرضها واستعراضها، فجاءت نصوصها في قوالب ذات قيمة شعورية برّاقة، حيث تقول: " أراقص جسدي /اخط ملامحك /فتهتز في أم الروح دغدغة تدندن في الوريد "ص50
ومن خلال هذه الإطلالة السريعة نستطيع القول إن جماليات النص النثري عند حياة الشمري قد تجسدت في شعرية الصورة والتناص والكتابة بالجسد والتصريح في الرغبات دون الإضمار والترميز مما شكل خطوطا متعامدة من الإيحاءات القريبة إلى فهم المتلقي فالمفردة اقترنت بشيء من الغموض الذي سرعان ما يفضي إلى الكشف الذي لا يخفى على القارئ الحاذق وبمعنى آخر اتخذت الشمري أسلوبا وسطيا في إيصال الفكرة وكأنها تخاطب الذكورة متحدية أن الصورة الشعرية في المتخيل ألذكوري هي ذاتها عند الأنثى.
إن قراءة نصوص الشمري من الداخل تتطلب إمكانات توفر أدواة الكشف ن ولا جدوى أن يؤل النص تأويلا ظاهريا الأمر الذي قد يفقده معناه إذا ما عرفنا أن الشمري تتمتع بخزين لفظي جيد وثقافة ووعي تمكنت من خلال كل ذلك النفاذ إلى عوالم ظلت زمنا حكرا على الرجل فاشتغلت في مناطق شبه محرمة وحققت تميزا في البوح الشعري من خلال النصوص المكثفة والصور الجميل .
الهوامس :
------------------------------------------------
1- حياة الشمري ،انا وسرب القطا، ط1، بيروت ،العارف للمطبوعات ،2015.
2- مقدمة ابن خلدون، تحقيق: درويش الجويدي، المكتبة العصرية صيدا ـ بيروت، 1425 هـ ـ 2005 م
3- البرهان في وجوه البيان: أبو الحسين إسحاق بن إبراهيم بن سليمان بن وهب الكاتب،
تقديم وتحقيق: حفني محمد شرف، مكتبة الشباب القاهرة، الطبعة الأولى 1969،
4- كتاب الصناعتين (الكتابة والشعر): أبو هلال الحسن العسكري، تحقيق: مفيد قميحة، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1401 هـ ـ 1981 م،.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024


.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-




.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى