الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يصلح الرمز الديني موضوعاً للسخرية؟

ابراهيم محمود

2006 / 2 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يبدو أن الرسوم الكاريكاتيرية التي نشرتها المجلة الدانماركية( جيلاندز بوست) في 30-1-2006، جاءت كالقشة التي قصمت ظهر البعير، وفي هذا الوقت بالذات، ومنذ سنوات عدة، حيث ثمة من يلاحظ، أن صراعاً متعدد المستويات، يمثله أولو أمر معينون، في العالم المكون من قيم تستند إلى أديان وثقافات مختلفة، ويوجهونه ، بحيث يتعمق أكثر فأكثر، كما لو أنه يدور حقاً، بين ما هو ديني محض: اسلامي خصوصاً، وما هو دنيوي زائل وحتى علماني مزعوم، ومتحامل كثيراً على الأول، هو الغرب.
الرسوم، في جوهرها، تعبير عن تصور وثقافة مختلفين، عما هو متداول في العالم الاسلامي، الذي لا يمكن النظر إليه، وكأنه كتلة واحدة، من جهة الاختلاف بين الأنظمة المتنوعة، وشعوبها، رغم أن الاسلام واحد ديناً، حيث ثمة ممارسة حرية في التعبير، دون التدقيق في حدود هذه الحرية، وأين يكون منتهاها، أو الموقف منها، خصوصاً في الآن الراهن، إثر تطور الميديولوجيا العابرة للحدود.
السؤال الذي يمكن طرحه، ليس: هل سخرت الرسوم تلك، حقاً من رسول الاسلام، وأرادت النيل منه، ومن المسمين عامة؟ وثمة ملايين المسلمين، يعيشون في المجتمعات الأخرى: الأوربية والأمريكية وغيرها، وهم على تماس مباشر بأبناء المجتمعات تلك، وبنسب متفاوتة، وكأنها أرادت أن تمارس دور الزيت المصبوب على النار، كأنها تريد حرباً كونية ضروساً، وفق منطق الثنائية المعروف: إما الغرب وإما الاسلام، ليكون الغرب الآيل إلى الفناء، وما إذا كان سيحل به ذلك الفناء، والاسلام الذي يمتلك الدنيا والآخرة، وحيث تبدو المحصلة الافتراضية، في السياق، موجهة وفق سياسات اسلامية، وليس غربية، وبما يتناسب ورموز مجتمعاتها، طالما أن الصراع يشتد، والمواجهة بين رموز السلطة في المجتمعات المحكومة بالاسلام، و( مواطنيها) تتوتر وتتعمق، وإن ما جرى يشكل لبن العصفور لهؤلاء، للدفع بـ( شعوبهم) خارج مناطق التوتر التي لهم دور كبير فيها، وإنما هو : هل حقاً مورست السخرية من عامة المسلمين، أم عبَّرت عن تصورات لها صلة بمن رسمها حصراً، وليس بمن نشرها قبل كل شيء؟ وفي ظل المساعي المبذولة لمحاصرة الإرهاب، الذي بات كائناً خرافياً، وهو حقيقة تاريخية، وارتبط بالاسلام السياسي المتشدد أكثر، وانعكس على الاسلام والمسلمين معاً، طالما أن وراء عملية النشر، كل ردود الأفعال الصاخبة والعنيفة، خصوصاً، وأن التقدير الإيماني لملايين المسلمين المؤلفة، لا يمكن عرضها في مشرحة المساءلة، من باب التشكيك فيها، كما تؤكد أحداث التاريخ، بقدر ما يتطلب الوضع النظر في حدود الإيمان، وكيفية تحركه ، وتحريكه، والذهنية المحركة له.
ثمة مئات، بل ربما آلاف النصوص والرسوم، التي تدخل في هذا المجال، على مر التاريخ، وفي العصر الحديث بصورة خاصة، كما عرفتنا بها تلك المؤلفات التي تناولت الاستشراق، وما يسمى بـ( الصراع) بين الشرق الاسلامي في الكثير منه، وهو متجاوزه طبعاً، والغرب العلماني، والمسيحاني الـ(صليبي)، وهو بدوره أكثر وساعة مفهوم من ذلك. يكفي أن ينظر المرء في
( الكوميديا الإلهية) لـ" دانتي"، وفي كتاب ( الجحيم)، وكيف أنه، ومن خلال الذهنية الكثيرة الرواج، حتى بداية عصر النهضة، وفيما بعد، وفي حقل الحروب الرمزية الدينية، ومستتبعاتها فيما بعد، وضع رسول الاسلام، في الدرجة التاسعة من الجحيم، وتعرض لهذا الموقف أدوار سعيد، في كتابه المعروف ( الاستشراق)، إنه العداء الذي لا يُقاوَم ، بالسهولة المتصورة، وإنما يوضع في حيّزه التاريخي، وكذلك في المنطقة التي لا يعتب فيها كل منتم إلى دين، أو مذهب، من ينتمي إلى الطرف الآخر، كون المواجهة والصراع على القيم المتنافسة، والشغالة بالرموز المضادة، وحمولتها المعرفية الضاغطة، ولأن الدين يتم تحريكه، من خلال رموزه، حيث يكون الأكثر تجلياً، هو الأكثر تمثيلاً له، وبالتالي الأكثر تذكيراً به، وتعرضاً له، مع فارق أن ما حدث، يأتي في سياق التاريخ العقائدي الملتهب، ووفق تصورين، على أكثر من صعيد:
اعتقاد الكثيرين في الغرب، بوصفه الغرب العلماني الملحد، دون نسيان مسيحانيته الصليبية
( وأقول: المسيحانية، بالمعنى الايديولوجي المتداول، كون المسيحية في المنطوق الشرقي، ذات نسب شرقي من جهة، وذات حسب اسلامي، كما ذُكر في القرآن، من جهة أخرى)، لتذكير ابلعلاقة التضادية بينهما.
اعتقاد الكثيرين أكثر في الشرق الاسلامي في محموله القيمي، بوصفه الشرق الاسلامي، على طول الخط، ومن خلال بؤر التوتر والمخيفة طبعاً، في أفعانستان والعراق قبل غيرهما، والتعبير الجسدي الانفجاري والصاعق الحاصل، في مواجهة المعتبرين ليسوا بمسلمين فعلياً، ولا يمثلون الاسلام، من جهة التوصيف الإيماني الموجهة، عبر جماعات مختلفة أسماء، واحدة هدفاً.
ولعل توسع ساحة المواجهة، تبدَّى من خلال نشر الرسوم في دول مختلفة( النرويج، فرنسا، اسبانيا، ألمانيا)، والحبل على الجرار، ويعني ذلك، أن تحولاً نوعياً في العلاقة سيحدث في المواجهة المستعرة، ليكون نشر الرسوم تلك، نوعاً من نزع مسمار الأمان في القنبلة الموقوتة، وثمة من يريد هذا الانفجار، ليظل أكثر قابلية للبقاء السلبي، وليس أماناً.
لا يؤثر موقفي في مجريات ومستجدات الحاصل، ما إذا قلت، أنا مع أو ضد ما يجري، بقدر ما أعبر عن انهمامي بالحافات الحادة الخطرة، التي تُبنى عليها المواقف المتشددة، ويتم تعريض أمن الملايين للسقوط في هوة خلافات مميتة، والتنازعات التي تزيد طين الخلاف العالمي بلة، رغم أنني متحفظ إزاء أنشطة كهذه، بسبب تداعياتها ومضاعفاتها السلبية المرعبة.
بوسع الانسانية، ومن خلال العالم أجمع، أن تكون أكثر رباطة جأش، وتفهم مواقف، عندما تتبادل مؤثرات القيم المختلفة، وكأنها مشتركة، ليكون الحوار الضمني أكثر نجاعة، مع وجود قدر كاف من الثقة المتبادلة، لأن العالم بصيغته المركبة والملحوظة، يهدد الأطراف كافة، وطوبى لمن يمارس ضبط نفسه اكثر من سواه، لتكون انسانيته أكثر.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah