الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية الجزيرتين

السيد نصر الدين السيد

2017 / 6 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


تمهيد
شهدت اربعينات القرن الماضي ميلاد آلة جديدة هي "الكمبيوتر". آلة تضخم من قدرات الإنسان العقلية لا العضلية ويمكنها تنفيذ ما يوكل لها من أعمال بدون تدخل مباشر من الإنسان. فهي قادرة على اجراء الحسابات بسرعة فائقة وعلى خزن واسترجاع كميات هائلة من البيانات. وبالطبع كان أول المستفيدين من قدرات هذه الآلة هم العسكريون الذين كانت جيوشهم تخوض حربا شرسة مع جيش المانيا النازية. فقد مكنتهم هذه الآلة فك الشفرة التي كان الجيش الألماني يستخدمها وساعدتهم على اجراء الحسابات المعقدة المتعلقة بمسارات المقذوفات.

ودفعت هذه النجاحات كيانات الاعمال الى التفكير في استخدام الكمبيوتر لتحقيق ثلاثة اهداف هي: رفع كفاءة الأداء، وزيادة الإنتاجية، وتحسين مستوى ما تقدمه من خدمات. وفي غمرة الحماس لهذه التكنولوجيا الواعدة تم تنفيذ العديد من المنظومات المرتكزة على الكمبيوتر مثل منظومات معالجة البيانات ومنظومات معلو مات الإدارة ومنظومات دعم القرار. وعلى الرغم من استخدام مطورو هذه المنظومات لأحدث نظم الكمبيوتر وللبرمجيات المتاحة فإن نتيجة تنفيذها لم تكن مرضية. ولقد دفع فشل هذه المنظومات في تحقيق اهدفها المطورون الى إعادة النظر في المقاربة التي يتبنوها. وكانت المقاربة التي تبنوها هي "المقاربة التكنولوجية" Technical Approach. وتقوم هذه المقاربة على فرض مؤداه ان بناء منظومة تستخدم الكمبيوتر وبرمجياته في تحليل ما يتم جمعه من بيانات واستخلاص صورة واقعية لأداء الكيان لابد وان يسهم في تحقيق الأهداف الثلاثة التي سبق ذكرها.

وتساءل المطورون عن سر هذا الإخفاق فهم يستخدمون أحدث المنتجات التكنولوجية وتعتمد تحليلاتهم على علوم منضبطة مثل بحوث العمليات. وكانت الإجابة هي ان سبب فشل منظوماتهم هو اغفالهم الدور الذي يلعبه العنصر البشري أو "المكون الاجتماعي" لمنظومة المعلومات! و"المكون الاجتماعي" هو كافة العاملين في المؤسسة بمختلف درجاتهم وما يمتلكونه من معرفة وما يتمتعون به من مهارات هذا بالإضافة الى منظومة القيم السائدة ونظام الحوافز والهيكل التنظيمي. وكانت النتيجة ظهور مقاربة جديدة لبناء منظومات المعلومات وهي "المقاربة الاجتماعية التكنولوجية" Socio-Technical Approach. وهي المقاربة التي تأخذ في اعتبارها كلا من "المكون التكنولوجي" (الكمبيوتر وبرمجياته وشبكات الاتصالات) و"المكون الاجتماعي" هذا بالإضافة الى علاقات التأثير المتبادلة بينهما.

وكان الدرس المستفاد هو ان التعرف على خصائص المكون (او السياق) الاجتماعي وتفهم متطلباته هو شرط لازم لنجاح أي منظومة أو لإيجاد ودوام الحل الأمثل لمشكلة ما. او بعبارة اخري ان التكنولوجيا وحدها فقط غير كافية لإنجاح منظومة المعلومات.
حكاية الجزيرتين
ولا يقتصر استخدام "المقاربة الاجتماعية التكنولوجية"، التي عرضنا لها في القسم السابق، على تطوير نظم المعلومات بل يمكن استخدامها في البحث عن حلول للمشاكل المعقدة أو عن إجابات للأسئلة المركبة. وسنحاول في هذا القسم استخدامها في قضية "تبعية الجزيرتين" وذلك بعد تعديل طفيف في مفهوم المكون الاجتماعي.

والجزيرتين هما جزيرتان صغيرتان هما جزيرتي تيران (80 كم²) وصنافير (33 كم²) اللتان تقعان على مدخل خليج العقبة في موقع حاكم. اما التعديل فهو يتعلق بإعادة تعريف المكون الاجتماعي بانه يشمل كافة "المعنيين بالأمر" Stakeholders. والمعني بالأمر هو أي شخص أو مجموعة أشخاص أو منظمة يمكن ان تتأثر بالقرارات المتعلقة بشأن هاتين الجزيرتين. وقائمة المعنيين بالأمر في حالتنا هذه تشمل المواطنين المصريين كأفراد وكافة الأحزاب والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني المصرية وذلك على سبيل المثال لا الحصر. هذا بالإضافة الدول المطلة على الخليج والكيانات الدولية الأخرى.

وكانت المسألة المتعلقة بهاتين الجزيرتين والتي شغلت الرأي العام المصري ولا زالت هي عن تبعيتهم. وهي المسألة التي اعتقد انها ستظل تشغله بالرغم من موافقة البرلمان المصري على اعتبارهما سعوديتان وتصديق الرئاسة على قرار البرلمان. وازاء مسألة التبعية هذه انقسم الرأي الى فريقين. الفريق الأول يرى انهما سعوديتان وهو في ذلك يستند الى قواعد ترسيم الحدود البحرية، أي انه يعطي للجانب الفني (التكنولوجي) الوزن الأكبر، وينحاز الى عدد محدود من المعنيين بالأمر. اما الفريق الآخر فيرى انهما مصريتان بقوة "الأمر الواقع" de facto. وهو الامر الواقع الذي خلقه تواجد القوات المسلحة المصرية على ارض الجزيرتين منذ أواخر اربعينات القرن العشرين، ووثقته وثائق الأمم المتحدة. فعلى سبيل المثال البند 133 من نص محضر جلسة الأمم المتحدة المنعقدة في 15 فبراير عام 1954 والذي حاء فيه أن مصر اتفقت مع السعودية على احتلال الجزيرتين وأنهما يمثلان جزء لا يتجزأ من الأراضي المصرية (*).

ونختم مقالنا بما اخبرتنا به "المقاربة الاجتماعية التكنولوجية" وخلاصته ان التكنولوجيا وحدها فقط لا تضمن دوام الحلول!

(*)http://www.un.org/es/comun/docs/index.asp?symbol=S/PV.659&Lang=E








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????


.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي




.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي


.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت




.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث