الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في مجموعة الشاعرة حسيبه صنديد – تونس

كامل حسن الدليمي

2017 / 6 / 30
الادب والفن


سلسلة شعراء مهرجان الإسكندرية الثاني للشعر العربي
قراءة في مجموعة الشاعرة حسيبه صنديد – تونس
كامل حسن الدليمي
ضمن شعراء الإسكندرية حضرت الشاعرة التونسية حسيبة صنديد بقوة وقرأت ما يبشر بأن الشعر العربي النسوي يسير بالاتجاه الصحيح وأن حركة نشيطة في المغرب العربي لإخراج المرأة الشاعرة من قيد العرف السائد .
وإذا كان الشعر موهبة يحظى بعض الأشخاص من الرجال فإن هذه الموهبة ربما كانت عصية على الأنثى بسبب القمع الاجتماعي الذي تقع تحت طائلته المرأة العربية وعندما تظهر الشاعرة في عالمنا تجد نفسها محاطة بعيون الرقباء المتعددين لها ( منعا وترهيبا وتحديدا ) ليس من حقها ألا أن ترثي كالخنساء أو ترتجز في الحرب أو الفخر بعشيرتها وأهلها ، أعراف بالية وأجواء محبطة عبر العصور قائمة على أساس القمع والاضطهاد ، ولكن هناك من تأخذ على عاتقها النهوض بالمسؤولية متحملة كل المخاطر لتشق لها طريق وسط هذا السيل الجارف من المحذورات .
تذكرني الشاعرة حسيبة بشاعرات من المغرب العربي تركن خلفهن منجرا إبداعيا كبيرا وتعرضن لهجمات نقدية حاولت تعطيل مشاريعهن الأدبية الشاعرة المغربية وفاء العمراني، و مليكة العاصمي بنت مدينة مراكش الكبيرة، والشاعرة والرسامة وداد بنموسى والشاعرة سعاد الطود وغيرهن، حملن هم المرأة وخضن بذات الوقت في معترك التجريب الشعري فعملن جاهدات على ترك بصمات واضحة على الشعر النسوي .
وتونس وعائشة المؤدب ، سيده عشتار بن علي وهي ممن أثرن الانتباء وشغلن الأوساط الشعرية وكم جاء في وصفها شاعرة وامرأة لا تشبه النساء .. تعيش بواقع وقلبها يتسع لهموم الآخر .. أحيانا تخرج عن النص .. جريئة في كتاباتها .. وربما تلجا إلى المشاكسة .. وتكمن لذة ومتعة قصائدها بالبوح ولا تخضع لرقيب حبرها الذي ينساب كالماء الرقراق على الورق من دون تردد .. فرضت حضورها على الساحة التونسية الثقافية كواحدة من ابرز شاعرات تونس .. مؤثرة في النفس وتشد المتلقي بإلقائها بصوت شاعرة متمكنة وواثقة من نفسها .
وشاعرتنا حسيبة هي علامة فارقة آخري في تاريخ الشعر التونسي إذ تمكنت الشاعرة أولا من أدواتها فهي أتقنت بحور الخليل والنظم عليها ولا تخلو نصوصها من التجريب .
ما يلفت الانتباه لشعرها أنها تحررت من بعض القيود وعبرت عما يعتلج في نفسها دون التوقف عند الخطوط الوهمية التي رسمها العرف وهي بالتأكيد لا علاقة لها بالأدب مطلقا .
ومن الملاحظ على قصائد الشاعرة حسيبة أنها طرقت معظم الأغراض الشعرية وكتبت في الذاتي والموضوعي وتلك مهمة الشاعر بكل الأحوال، في السياسة وفي علم الاجتماع وفي التربية والتعليم وفي شؤون بقيت ردحا من الزمن حكرا على الرجل وأقصد هنا الغزل الذي نادرا ما تجد الشاعرة تتغزل بالرجل وتعبر عن مشاعرها بحرية كما يفعل ذلك الرجل .
تقول الشاعرة :
يا أيها الفارس الوضاء في خلدي
نار تغالبني ألقيتني فيها
ما ذنب قلبي إذا ما العين قد عشقت
بدر السماء الذي للنار يرميها
لا يطفئ اللهب المسعور في كبدي
إلا وصال ووصل الروح محييها ص37
ليس لمؤول لهذه الأبيات ألا أن يذهب بها إلى غرض الغزل الشفيف الذي شكل نداءات للفارس المتخيل وهذا بحد ذاته جرأة كانت الشاعرة تحذره ( في خلدي) يشير إلى أنها لا تعرف هذا الفارس إلا في المخيلة والتعبير عن المشاعر بصدق يجعل التلقي للنص أيسر بالتأكيد بل يوسع من دائرة المتلقين وهذا ما تمكنت الشاعرة من تحقيقه في هذه الأبيات ، على أني أصر على حقيقة أن الرجل يتمنى أن يدرك مشاعر المرأة وهو في لهف للاطلاع عليها ألا انه يتوقف عند العرف السائد ولا يبيح هذا الصدق .
وهنا يجدر أن اقول : ان أكثر المشاعر ألماً في الظهور هي مشاعر الود والحب والهوى وعلى الرغم من قسوة هذه المشاعر وألمها فقد اخترقت الشاعرة حسيبه حاجز الألم لتنفس عن نفسها المتعطشة لهذا الود والحب والعشق فهي لا تحتمل الصمت فتبقى حبيسة في بواطنها ملتهبة فأصبحت هذه المشاعر قصائد وأبياتاً شعرية .( لا يطفئ اللهب المسعور في كبدي ) هي جرأة في التعبير عن الحالة التي تعيشها وتلك محاورة للنص بتفصيلاته الدقيقة بصرف النظر عن مقصدية القول خصوصا أن محاكمة المفردة معجميا توضح جليا المقصد .
تعيدني ابيات الشاعرة حسيبة الى عصر ذهبي للشعر النسوي في بلاد الاندلس الى الشاعرة نزهون الغرناطية ، وهي من أهل المائة الخامسة وقد وصف د. مصطفى الشكعة شعرها (كان في سلوكها وشعرها نوع من التحلل والابتذال والفحش مما يشير إلى نفسية متحررة ماجنة لا تعرف الحياء الذي يستحب بالمرأة ويطلب منها بشدة) . واعتقد انها صراحة غير معهودة وجرأة غير مألوفة بخطابها ارتضتها روح العصر ، ومعطياته ، ذلك أن أكثر معطيات شعرها إنمّا هي مساجلات تحتاج إلى ردود وأقوال لا مبادرة فيها وفعل ألا أن الحقيقة تقال أن الاصوات بهذه الجرأة نادرة جدا وان محاولات بعض شاعراتنا الجليلات لم تتعد بعد الخطوط كما فعلت نزهون ولنأخذ مثالا من شعرها بقصد المقاربة والاستشهاد :
تقول الشاعرة نزهون :
لله درّ الليالي ما أُحيسنها
لو كنتَ حاضرتها وقد غلقّت
أبصرتَ شمسَ الضحى في ساعدي قمر
وما أحسَن منها ليلة الأحد
عينُ الرقيب فلم تنظرْ إلى أحد
بل ريمَ خازمةٍ في ساعد أسد
هذا تصريح وليس تلميح فإذا كانت شاعرات اليوم يلمحن للعلاقة مع الذكر فهذا يعني ان الطريق مازال محفوفا بالممنوع ،تقول الشاعرة حسيبه :
هل فؤادي فيك نار؟
أم خصام أم شجار؟
أم ترى ذكرى حبيب
ذبح القلب وسار
لا تبال يا فؤادي
فالبكا ذل وعار ص50
نعم هو تلميح وترميز وإشارات تحاول التوغل لعوالم أكثر قربا ولكن الحدود واضحة في هذا النص وقفت عند تساؤلات مشروعة اشتغلت على الخطوط الخارجية ولم الى صميم العلاقة بين الجنسين لاعتبارات اجتماعية وحسب .
والفارق واضح بين النصين (أبصرتَ شمسَ الضحى في ساعدي قمر ) هي خرقت الحواجز وعبرت واصفة بدقة متناهية لا تخفى على المتلقي بمعنى جسدت الحالة بدقة إلا ان شاعرتنا لم تتعد حدود الممنوع فاقصى ما قالت ( ذبح القلب وسار) وهذا يؤل لصور عديدة كلها تشتغل في العام فقد يكون وعد واخلف أو انه هجرها وهو ضمن إطار المسموح به .
وعلينا ان نعترف ان جمال الشعر ما حلق بعيدا في فضاء واسع منفتح لا قيود فيه خصوصا شعر المرأة في غرض الغزل فعملية الكشف عن مناطق معتمة مازال بعيد المنال وان من تعمد على خرق ذلك تتهم بالابتذال والرجل اذا تجاوز فهو من حقه ولا يطلق على شعره مبتذل هي ثقافة عرفية همجية تكيل بمكيال واحد ولا تنصف الكيل .
وهنا لابد من القول : ان المرأة الشاعرة اذا ما أرادت ان تسير في مسارات الغزل وتخط لنفسها مسارا فيه وجب عليها القفز على الأعراف والتقاليد ومغادرتها، وأن تكسر الحواجز فتفعل مثلما يفعل الشاعر الرجل.
ولنعود ثانية لمجموعة الست حسيبة لنسجل لها إمكانية في الكتابة في أشكال شعرية أخرى خرجت من خلالها عن قيود الوزن والقافية إلى شعر التفعيلة الذي يعد الابن الشرعي لقصيدة العمود ، ولكن بالإمكان ان إعادة نظر يسيرة لهذا النص سيعود إلى العمود كما فعل ذلك السياب في معظم نصوصه فهو كسر القيد ولكن شعره بقي محافظا طابعه الكلاسيكي وقد كتبت في هذا الرأي العديد من الدراسات وحررت السجالات حول مسألة حجم الخروج عن قصيدة الخليل وضوابطها تقول :
غائب وجهه في العام الجديد
غياب النبض في عمق الوريد
عبثا تبحث عنه
في ثنايا الوريد
في لهيب الوجد
في صفحة النهر البعيد ...ص52
لا ينطبق تعريف الشعر الحر على هذه القصيدة ولو اعيد قليلا النظر فيها لاتخذت الشكل العمودي اذا ما عرفنا ان الشعر الحر :هو الشعر الذي يتكوّن من شطر واحد، دون عجز، ذو تفعيلة واحدة، سمّي بالحرّ لأنّه تحرر من وحدة القافية والشكل، وللشاعر الحرية في تنويع التفعيلات والطول لكنّه يلتزم في القواعد العروضيّة كامل الالتزام، فإذا نظمت القصيدة على بحر معيّن تكون جميع أبياته على نفس البحر.
من هنا وبعد هذا الاستعراض اليسير لقصائد الشاعرة حسيبة صنديد من تونس الخضراء نقول : حركة الشعر النسوي في المغرب العربي عموما بخير وفي تونس الخضراء تحديدا هناك مجددات في أساليب الشعر ومنتجات ولهن حضور متميز كما كان حضور شاعرتنا في مهرجان الإسكندرية للشعر العربي 2017 م الذي أثبتت فيه الشاعرة صنديد بأن إسهامات المرأة تبشر بحركة شعرية رائدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ


.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ




.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني


.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق




.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع