الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مناقشة في الداروينية والطب ونشوء الإنسان

رياض عبد

2017 / 7 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الداروينية والطب ونشوء الإنسان مناقشة في
(محاضرة ألقيت في المنتدى العراقي في لندن في 29.06.2017)
د رياض عبد

المواضيع التي سوف أتكلم عنها خلال محاضرتي هي ما يلي ولكن قد لا يكون بهذا التسلسل:
أولاً سوف أعطي نبذة قصيرة عن تشارلز دارون مكتشف نظرية التطور
ثانياَ سوف أتكلم بإختصار عن ما نعرفه عن نشوء الإنسان بما فيه فصيلة البشر الحالية
ثالثاً سوف أعطي نبذة قصيرة عن تبعات التاريخ الطبيعي لنشوء الإنسان من وجهة نظر الطبية
رابعاً سوف أناقش بعض تبعات الداروينية على الإيمان بخلق الإنسان والأيمان بكمال الخليقة.

في ال158 سنة الماضية منذ نشر كتاب أصل الأنواع لشارلز داروين أصبحت نظريته (التطور بواسطة الإنتخاب الطبيعي) الأساس الذي تستند اليه كافة العلوم الحياتية. أي أن من المسلم به من قبل علماء العلوم الحياتية هو أن كافة الكائنات الحية التي تسكن كوكبنا قد نشأت وتطورت بفعل عوامل طبيعية عبر مئات الملايين من السنين. وأن كافة أشكال الكائنات الحية من أبسطها (ذوات الخلية الواحدة) الى أعقد الكائنات المتعددة الخلايا لها جميعاً أصل مشترك من كائنات أبسط وأن نشوء كافة أصناف الأحياء بما فيه الإنسان الذي Great Apes ينتمي الى فصيلة البرايميت وبالذات الى ال
والتي تضم إضافة الى الإنسان نوعين من الشمبانزي إضافة الى الغوريلا قد نشأت عبر ملايين عديدة من السنين من خلال عملية الإنتخاب الطبيعي كما هي حال كافة الكائنات الحية الأخرى.


ومن المهم أن أوضح هنا هو أن في حين أن الداروينية تعطي تفسيراً علمياً ممتازاً لنشوء وتطور الأنواع (التي تشمل كافة الكائنات الحية) فإنها لا تفسر كيفية نشوء الحياة في بداياتها قبل حوالي الثلاث مليارات ونصف المليار سنة. وهناك نظريات متعددة حول هذه الظاهرة الفريدة والتي أدت الى تحول جزيئات من مواد عضوية الى جزيئات لها القابلية على التكاثر التلقائي وهذه الجزيئات المعقدة القابلة للتكاثر هي التي شكلت النواة الأولى لكافة أشكال الكائنات الحية التي نراها اليوم.
و قد يستغرب البعض عندما يكتشفون أن كتاب أصل الأنواع الذي أصدره تشارلز داروين سنة 1859 لم يذكر فيه ولو كلمة واحدة عن أصل الإنسان. فقد كان داروين يمتاز بالهدوء وتجنب الأضواء والشهرة. لذا فإنه على الرغم من تبلور الرؤية لديه حول نظرية التطور حوالى سنة 1838 فإنه ظل يؤجل النشر خوفاً من ردة فعل قوى المجتمع المحافظة خصوصاً أنه كان ذو مكانة إجتماعية مرموقة كرجل علم من الطبقة الميسورة. كذلك كان حريصاً على عدم تعكير العلاقة مع زوجته التي إستمرت على إيمانها وتدينها لسنين طويلة بعد زواجها من داروين. والطريف أنه يقال بإن داروين بعد أن تخلى عن إيمانه بشكل كامل (ولاحظ أنه كان في باكورة شبابه ينوي بإن يصبح قسيساً قبل أن تأخذ حياته مجرى آخراً بعد رحلته البحرية على متن سفينة البيكل) يقال أنه إستمر في مرافقة زوجته وأطفاله كل يوم أحد الى الكنيسة ولكنه كان يودعهم عند مدخلها ويذهب الى حال سبيله.
ومن الجدير بالذكر أن ذهاب داروين في رحلة البيكل الشهيرة حصلت عن طريق الصدفة المحضة. فالقبطان وإسمه فتزروي كان مكلفاً من قبل إدارة البحرية البريطانية بإن يستكشف الخطوط الساحلية لإمريكا الجنوبية لغرض رسم خرائط دقيقة لتلك المناطق وكان يبحث عن رفيق له للرحلة من طبقته أو مستواه الثقافي فتبرع داروين لإداء هذا الدور. و هذه المصادفة أدت الى ثورة علمية في علوم الحياة لا زالت أصداؤها ترن الى يومنا هذا. والرحلة دامت 5 سنوات من سنة 1831 لغاية 36. زارت البعثة خلالها عدداً كبيراً من البلدان وعدداً كبيراً من الجزر النائية في المحيط الهادي والتي كانت الكثير منها غير مسكونة. وجذب إنتباه دارون أن بعض فصائل الطيور تختلف في بعض صفاتها كشكل المنقار بإختلاف البيئة التي تعيش فيها والتي غالباً ما تكون جزيرة صغيرة. ولاحظ أن بعض هذه الجزر فيها فصائل من الطيور خاصة بها ولا توجد في أي مكان آخر في العالم. فسأل نفسه سؤالاً مهماً وهو :هل من المعقول أن الإله قد خلق فصيلاً مختلفاً من هذه الطيور في كل من هذه الجزر النائية على حدة؟ وتوصل الى قناعة بإن هذه الفصائل من الطيور والحيوانات قد نشأت من أصول مشتركة وتطورت الى شكلها الحالي بفعل عوامل طبيعية لا علاقة لها البتة بأي تدخل إلهي أو غيره.
وعلى الرغم من تردد داروين في نشر أفكاره الذي دام أكثر من 20 سنة فإنه أطلع بعض المقربين منه على أفكاره حول تطور ونشوء الأنواع وعلى الرغم من أنه لاقى ترحيباً وتشجيعاً منهم فإنه بقي على موقفه من عدم النشر. لكنه أجبر على تغيير موقفه سنة 1858 عندما أرسل له عالم بايولوجي آخر كان يجمع العينات في مجاهل جنوب شرق آسيا ورقة علمية تقدم نظرية للتطور بواسطة الإنتخاب الطبيعي مشابهة لنظريته إسمه ألفريد راسل ولاس وذلك خوفاً من إن يأخذ والاس السبق في هذا الإكتشاف. فقرر داروين عندئذ أن يقدم ورقتين الى جمعية لاينيوس التي تعني بدراسات العلوم الحياتية في لندن واحدة بإسمه والثانية هي دراسة والاس. والورقتان قرئتا من قبل أحد زملاء داروين ولم يقرأها هو بنفسه (وهذه صفة سوف يلاحظها من يدرس سيرة داروين وهي أن محاضراته غالباً ما كان يلقيها غيره). والمثير للإنتباه هو أن الورقتين لم يكن لهما صدى يذكر بعد إلقاء المحاضرات ويبدو أن الحضور لم يعوا أهمية ما سمعوه.
وفي السنة التالية أي 1859 نشر داروين كتابه الشهير (أصل الأنواع) الذي تناول بشكل تفصيلي عدد من الكائنات ولاقى الكتاب الذي يعتبر أهم كتاب في تأريخ علوم الأحياء على الإطلاق إستقبالاً منقطع النظير حيث نفذت أول طبعة له في اليوم الأول (تبعتها حوالي 20 طبعة في حياته) . وقد أفرد داروين فصلاً كاملاً للحمام وكيفية إنتقال الصفات من جيل الى آخر بواسطة الإنتخاب الإصطناعي والذي إعتبره داروين هو نوع من الإنتخاب الطبيعي الموجه. ولكن كما ذكرت لم يذكر نشوء الإنسان ولو بكلمة. ولم يصدر داروين كتابه الضخم عن نشوء الإنسان الا بعد 12 سنة من الطبعة الأولى من أصل الأنواع أي سنة 1871. ولم يكن داروين قد جمع من الأدلة على نشوء الإنسان من القرود الا القليل جداً مقارنة بما كان قد جمعه عن الكائنات الأخرى. فالأدلة من المتحجرات على وجود فصائل من البرايميت التي تربطنا بقرود أفريقيا لم تكن قد أكتشفت بعد ولكن داروين كان مقتنعاً بأن المؤشرات تدل على هذا الإتجاه ولذلك قرر بأن يبوح بإفكاره علانية وكان عمره آنذاك 62 عاماً. وعلى الرغم من أن داروين لم يكن يعلم بعلم الجينات أو الأحماض النووية ولا بكيفية إنتقال الصفات من جيل الى جيل وكذلك لم يكن له علم بسلسلة الفصائل البشرية وما قبل البشرية التي تربط الإنسان بصنف البرايميت فإن من المذهل حقاً أنه تمكن من الوصول الى إستنتاجات أثبتت الدراسات المستفيضة خلال ال145 سنة الماضية صحتها (مع بعض الإستثناءات القليلة وغير الجوهرية).


ومصطلح الحلقة المفقودة والتي تشير الى الفصائل التي تربط الإنسان بالقرود يعود الى زمن داروين ولا زال يردده بعض غير المطلعين (الذين يؤمنون بقصة الخليقة التوراتية وآدم وحواء الخ...) والحقيقة أنه لم يعد هناك حلقات مفقودة تذكر. فهناك الآن نوعان من الأدلة التي تثبت إنحدارنا من القرود وهي: الأدلة من الحفريات التي أدت الى إكتشاف عدد كبير من الفصائل البشرية وما قبل البشرية البدائية والتي عاشت قبل ملايين السنين وثم إنقرضت والنوع الآخر من الأدلة هي من دراسة الجينات والأحماض النووية للإنسان وفصائل البرايميت الأخرى (الشمبانزي والبونوبو والغوريلا). والأدلة من هذين الإتجاهين المستقلين قد أثبتا بما لا يقبل الشك أن الإنسان قد بدأ نشوأه في أفريقيا قبل حوالي ال7 ملايين سنة وأن أقرب سلالة غير بشرية الينا هي الشمبانزي والتي نشترك معها بما يقارب %98 من الجينات. كذلك فإن فصيلتنا البشرية الحالية (هومو سابينس) هي في الحقيقة حديثة ولا يتجاوز عمرها 300-200ألف سنة تمكنا خلالها من الخروج من أفريقيا (قبل حوالي 60000-80000 سنة) والإنتشار في كافة قارات الكرة الأرضية.
والمنطقة التي نشأ فيها الإنسان هي منطقة شرق أفريقيا والتي في يومنا هذا تتشكل من أجزاء من الصومال وإثيوبيا وتانزانيا وكينيا و جنوب أفريقيا. وقد تمكن الباحثون من العثور على عدد كبير من بقايا الهياكل العظمية لعدد من الأصناف البشرية وغير البشرية من خلال التنقيبات حتى تكونت لدينا صورة متكاملة عما حصل في فترة ال7 ملايين سنة منذ إفتراق السلالة البشرية عن سلالة الشمبانزي.
والملاحظ من خلال هذه الدراسات أن هناك عدد من العوامل المفصلية في نشوء الإنسان التي تميزه عن باقي البرايميت وكذلك بقية اللبائن سوف أذكر بشيء من التفصيل إثنين منها. وفي البداية أود أن أوضح بأن بعض الفرضيات التي سوف أناقشها هي ليست مثبتة ولكنها الفرضيات الأكثر رواجاً عند علماء الأنثربولوجيا البيولوجية في الوقت الحاضر وهناك كم جيد من الأدلة التي تدعم هذه الفرضيات. والعاملان اللذان سوف أشير لهما هما: أولاً المشي على ساقين والعامل الآخر هو نمو الدماغ البشري بشكل يتجاوز بكثير ما هو عليه في بقية اللبائن. وسوف أبين كيف أن هذين العاملين كان ولا يزال لهما دور مهم في تكوين الطبيعة البشرية.
من الضروري هنا أن أوضح بأن النشوء والتطور بالإنتخاب الطبيعي هي ليست عملية مبرمجة وهي ليست موجهة من أحد بل هي تبدأ بعملية عشوائية تعتمد على الأخطاء الوراثية في نسخ الجينات والتي يصادف أن تنتج هذه الأخطاء صفات مفيدة لحاملها (لاحظ أن أغلب الأخطاء تعود بالضرر على حاملها) والنتيجة هي أن الجينات التي تنتج الصفات المفيدة لها القدرة على الإنتشار أكثر من غيرها وهنا يأتي دور الإنتخاب الطبيعي. لذا فالإنتخاب الطبيعي على العكس من نظريات الخلق تلعب فيها عامل الصدفة دوراً كبيراً وكذلك الصفات التي ينتجها الإنتخاب الطبيعي هي صفات من الممكن أن تتضمن أخطاء في التصميم قد تؤدي الى حالات مرضية أو حتى الى الوفاة في بعض الأوقات . فعملية الإنتخاب الطبيعي غير قادرة على إنتاج تصاميم تتميز بالكمال وذلك لكون أن الصفات هي في حالة تغير ومنافسة مستمرة ونتيجة هذا هو أن أي من الصفات الجسمية أو العقلية هي عبارة عن توازن وتصارع بين هذه الجينات والصفات. ومن الضروري التشديد بإن التطور أو التغير بالإنتخاب الطبيعي يحدث فقط من خلال عملية بطيئة تحدث بخطوات صغيرة وتحتاج الى عدد كبير من الأجيال لكي يكون لها أثر ملموس ولذا في الحالة البشرية لايمكن مشاهدتها بشكل مباشر (ولكن من الممكن مشاهدة الإنتخاب الطبيعي في الكائنات سريعة الإنقسام كالبكتريا وغيرها).
ومن الجدير بالذكر أن دراسة المتحجرات بينت أن %99 من أصناف الكائنات الحية التي نشأت على الكرة الأرضية قد إنقرضت بالكامل ولم يعد لها وجود وإن الغالبية الساحقة من الكائنات الحية التي تنشأ في بيئتها الأصلية تموت دون أن تسنح لها الفرصة لكي تترك وراءها ذرية. أي بمعنى آخر أن %99 من أنواع الكائنات الحية كانت بمثابة تجارب فاشلة وأن الكثير من الكائنات من الأنواع غير المنقرضة هي كذلك تفشل في التكاثر في بيئتها الأصلية (وهذا ما نعنيه بالإنتخاب الطبيعي). وأدعوكم أن تتأملوا معنى هذا السيناريو الذي هو في الحقيقة سيناريو الحياة كما إكتشفه العلم الا وهو أنه لا وجود في الحقيقة لأي كمال في بايولوجيا الكائنات الحية وما هو موجود هو عبارة عن تجارب متكررة لتصاميم متغيرة ومتعددة بعضها يفشل ويضمحل وينقرض بسرعة والبعض الآخر ينجح ويستمر لفترات قد تطول ولكن في النهاية مصير كافة الكائنات (بما فيه الإنسان) هو الإنقراض وذلك لأسباب طبيعية بحتة كتغير البيئة أو الفشل في التنافس مع أنواع جديدة من الكائنات أو ما شابه. وهذا السيناريو يعطي صورة مغايرة تماماً لقصة الخليقة التوراتية أو القرآنية و التي يقوم فيها إله كلي القدرة بخلق كائنات حية تتسم بصفات الكمال الأبدي.
ونعود الى قصة نشوء الإنسان. فالأدلة الجيولوجية تشير بأن قبل حوالي 7 ملايين سنة حصل تغيير مناخي في العالم أدى الى إنحسار كبير للغابات في شرق أفريقيا وإنفتحت نتيجة ذلك مساحات شاسعة من السهول التي تنمو فيها الحشائش وتعرف هذه البيئة الجديدة بالسافانا. لذا إنفتحت الفرصة أمام أسلافنا الى المغادرة التدريجية للسكن في الغابات وبالأخص في الأشجار والإنتقال الى السافانا والإستفادة من الموارد التي توفرها هذه البيئة الجديدة. وهنا نأتي الى موضوعة المشي على ساقين والتي هي ظاهرة نادرة الوجود في اللبائن . حيث كان أسلافنا البرايميت متكيفين على تسلق الأشجار وعند المشي على الأرض المنبسطة كانوا يمشون على أطرافهم الأربعة. لكن طبيعة السافانا بحشائشها العالية شكلت بيئة خطرة على أسلافنا الذين كانوا يمشون على أربعة أطراف حيث ليس بإمكانهم رؤية المخاطر. كذلك كان اللحم يشكل جزءاً صغيراً جداً من غذاء أسلافنا البرايميت قبل مغادرتهم الغابات (ولازال الحال كذلك عند الشمبانزي اليوم). ولكن إختلف الحال إختلافاً جوهرياً عند إنتقالهم الى السافانا حيث أرتفعت نسبة السعرات الحرارية من المصادر الحيوانية وذلك من خلال الإقتات في البداية على بقايا ما تتركه الحيوانات المفترسة وبعد ذلك من خلال عمليات الصيد التي غالباً ما تحتاج الى جهد جماعي منظم.
فما هي تبعات المشي على ساقين إذن؟ سوف أذكر هنا بايجاز شديد بعض من أهم هذه التبعات.
من المؤكد أن المشي على ساقين كان له أثر هائل في تطور ونشوء الإنسان الحديث وذلك بفعل تحرير الأطراف العليا من وظيفة المشي مما فسح المجال لتطور اليدين لصنع الأدوات التي برع الإنسان في صنعها وكذلك في إستعمال الذراع للرمي بدرجة من القوة والدقة ليس لها مثيل لدى أي كائن آخر (وهي حركة يعجز عنها صنوف البرايميت الأخرى مما أعطى الإنسان قدرة هائلة على التنافس والهيمنة). و هناك فوائد كثيرة أخرى للمشي على ساقين لا مجال هنا للدخول في تفاصيلها. ولكن لكون أن الهيكل العظمي البشري ينحدر من أصول كانت تمشي على الأطراف الأربعة فإن هناك بعض النتائج السلبية من عملية تحوير العمود الفقري والحوض والورك والركبة الى أعضاء تصلح للمشي على ساقين (أي التحوير من تصميمها الأصلي للمشي على الأطراف الأربعة). كذلك فإن المشي على ساقين كان له دور كبير في تحديد إتساع الحوض و الذي هو كذلك قناة الولادة عند المرأة. فلكي تستطيع المرأة أن تمشي بتوازن وخصوصاً أن تستطيع الركض (والذي كان له أهمية كبرى في البيئة التي نشأ فيها الإنسان) فإنه ينبغي على قناة الولادة أن تتضيق. في حين أن هذا التحديد لاينطبق على الكائنات التي تمشي على أطرافها الأربعة. وفي الحقيقة فإن الأسباب التي أدت بأسلافنا الى المشي على ساقين غير معروفة بشكل يقيني لكن الذي نعرفه هو أن نشوء المشي على ساقين كان له فوائد متعددة أدت الى إستمرار هذه الصفة في السلالات البشرية وما قبل البشرية وقد تحقق ذلك قبل أكثر من 4 ملايين سنة.
وهنا نأتي الى الخاصية الأخرى التي تميز الإنسان عن بقية البرايميت واللبائن عموماً وهي حجم الدماغ. فقد بدأ دماغ الإنسان ينمو بشكل كبير خلال حقبة تزيد على 3 ملايين سنة حتى وصل حجم الدماغ البشري الى حوالي ثلاثة أضعاف ما هو عليه في الشمبانزي وسبع أضعاف ما هو عليه في اللبائن عموماً (وهذا بعد الأخذ بنظر الإعتبار حجم جسم الإنسان مقارنة بالكائنات الأخرى). وبالطبع فإن حجم الدماغ يحدد حجم الرأس و زيادة حجم الرأس عند الوليد يحتاج الى قناة ولادة أوسع لكن لاحظ أن قناة الولادة قد صغرت بفعل المشي على ساقين!!
وهنا نواجه عشوائية الإنتخاب الطبيعي الذي يسبب تغييرات في جسم الإنسان لها آثار معاكسة أحدهما للآخر بشكل غير منطقي أو حتى بشكل مجنون تماماً! فمن الواضح هنا أن ليس هناك أي مخطط أو مصمم بل فقط صراع لقوى الطبيعة حيث بعض الصفات تلاقي نجاحاً أكثر من غيرها بغض النظر عما إذا كان ذلك يتعارض مع صفات أخرى.
لقد ذكرت بعض الأسباب المفترضة التي أدت الى نشوء المشي على ساقين ولكن مالذي أدى الى تضخم الدماغ البشرى الى الشكل الذي نراه اليوم؟ الآراء هنا تتعارض ولكن هناك إفتراض شائع ومقنع الى حد كبير بأن المحفز الأساسي للنمو الهائل للدماغ البشري يرجع الى إزدياد عدد الأفراد في الجماعة البشرية في السافانا وما رافقها من تعقد للعلاقات بين أفراد هذه الجماعات وهنك عوامل أخرى مهمة لعل أهمها هو إزدياد إعتماد الإنسان على (أو الثقافة التراكمية). cumulative culture ال
والسبب في توسع عدد الجماعة البشرية يكمن في تحسين إمكانية الجماعة الدفاع عن نفسها من مخاطر الحيوانات المفترسة أو الإعتداء عليها من قبل جماعات بشرية معادية. وكما أشرت آنفاَ فإن الإنسان يزيد وزن دماغه بأكثر من7 مرات عن معدل وزن الدماغ عند اللبائن مقارنة بوزن جسمه. في حين ان أدمغة القطط والكلاب مثلاً تقع عند المعدل للبائن لوزن الدماغ مقارنة مع وزن الجسم.





فما الحل الذي توصل اليه الإنتخاب الطبيعي لتمكين الجنين البشري بدماغه الكبير من المرور من خلال قناة الولادة المتضيق؟ الحل هو أن يولد الجنين البشري خديجاً أي قبل أوانه بكثير مقارنة بباقي اللبائن. يعني لو ولد الجنين البشري بنفس إمكانيات جنين الغزال أو الخروف أو الحصان والذي يستطيع الوقوف على قدميه خلال دقائق من الولادة وخلال نصف ساعة من الولادة يبدأ بالركض مع القطيع فإنه ينبغي أن يستمر الحمل البشري لحوالي 3-4 سنوات! وهذا مثال على الحلول التوازنية وغير المثالية التي تنتجها عملية الإنتخاب الطبيعي. كنتيجة لهذا فأن الطفل البشري يحتاج الى عناية كلية لفترة طويلة بعد الولادة وكذلك يحتاج الى دعم الوالدين والى أفراد العائلة الموسعة لفترة أطول من أي من اللبائن المعروفة. كذلك فإن حالة الإتكال الكلي للطفل على الأم قد أدى الى نشوء سايكولوجية متميزة لدى الأطفال يبدأ عندما يكون عمر الطفل بضعة شهور و يعرف بالإرتباط العاطفي وغالباً ما يكون هذا مع الأم وهي رابطة عاطفية غاية في الأهمية والتي ساعدت الطفل البشري على تجنب الأخطار وذلك بالبقاء مع الذين يثق بهم وبتجنب الغرباء. وقد كتب في هذا الطبيب النفساني البريطاني الشهير جون باولبي نظريته في الإرتباط العاطفي وكيف أن عدم تكوين هكذا إرتباط من الممكن أن يؤدي الى مشاكل نفسية وعاطفية خطيرة أو إضطرابات في الشخصية لدى الفرد قد تدوم مدى الحياة.
كذلك من التبعات الأخرى لولادة الطفل خديجاً كما رأينا هو حاجة الأم الى من يعينها على العناية به ويوفر لها الغذاء وغيره وهذه في الحقيقة حالة فريدة لا وجود لها عند بقية اللبائن (ولكنها موجودة بأشكال مشابهة الى حد ما عند بعض الطيور). ومن هنا نشأت الخاصية البشرية في نشوء علاقات طويلة المدى بين الجنسين قد تستمر سنين أو حتى مدى الحياة والتي تشكل الأساس البايولوجي النفسي للزواج. والزواج هو الآخر ظاهرة إنسانية موجودة في كافة المجتمعات البشرية وإن إختلفت في تفاصيلها بين مجتمع وآخر وأصلها يرجع الى أنه لم يكن بإمكان المرأة في المجتمع البشري البدائي أن توفر لوحدها العناية والحماية اللازمة للمولود الجديد دون مساعدة مادية من الزوج (غالباً ما تكون بتوفير الغذاء والحماية من المخاطر).
ولكن قبل أن أدخل في هذه التفاصيل أعتقد أن من المهم أن أشير هنا الى بعض الفوارق المهمة بين النظرة التطورية الداروينية الى الطبيعة البشرية و التكوين البايولوجي للإنسان وبين النظرة الغيبية الدينية لأصل هذه الكائنات والصفات. فالنظرة التي تؤمن بالخلق الإلهي لا يمكن لها أن تطرح الفرضيات أو التساؤلات على مسببات صفات البشر أو الكائنات الحية الأخرى وذلك لكون الجواب على كافة التساؤلات هو الجواب نفسه في كافة الأحوال الا وهو أنها مشيئة الخالق. وهذا الجواب هو تفسير الكمال والخطأ والتصميم الجيد والسيء على حد سواء. أي بمعنى آخر يصبح طرح أي سؤال من هذا القبيل هو عبارة عن مضيعة للوقت لا طائل من تحته فالمؤمن بالخلق يؤمن كذلك بإن من غير الممكن معرفة ما في عقل الإله عند خلقه للكائنات وإعطائها صفات معينة لذلك لا معنى من طرح هكذا سؤال. لذا هناك مساحات شاسعة من علوم البايولوجيا هي مغلقة تماماً أمام المؤمنين بالخلق الإلهي وهم لا يجرأون على وطئها لئلا يتهمون بالكفر والتساؤل في شؤون الخلق الذي هو من المحرمات في بعض الأديان وخصوصاً الإسلام. وعلى العكس من هذا فإن إحدى أهم مصادر قوة الطريقة الداروينية في التفكير البايولوجي هو إفتراض أن كافة الكائنات وكافة الصفات التركيبية والوظيفية والسلوكية (بضمنها السايكولوجية) قد نشأت بفعل الإنتخاب الطبيعي إضافة الى عوامل طبيعية أخرى وأن من الممكن إكتشاف ودراسة الظروف الطبيعية التي أدت الى نجاح وتكاثر صفات معينة وفشل أخرى. وهذا في الحقيقة هو جوهر دراسة البايولوجيا أي العلوم الحياتية بشكل عام. فعلى العكس مما يتصوره البعض فأن علوم الأحياء لا تقتصر على عملية وصف لما هو موجود من كائنات حية في عالمنا اليوم (وهي نظرة سكونية غير متكاملة لطبيعة الحياة) بل هي كذلك محاولة لفهم القوى الديناميكية المتغيرة بشكل مستمر والتي أدت الى فشل الملايين من الكائنات و إنقراضها والى نجاح كائنات أخرى وتكاثرها. وهذا السؤال لا يمكن الحصول على أي إجابة عليه الا بإتباع النظرة الداروينية. وهنا من الممكن أن نتفهم المقولة الشهيرة لثيودور دوبجانسكي العالم البايولوجي المعروف في النصف الأول من القرن العشرين بإن لا يمكن فهم أي شيء في علوم الأحياء من دون الإعتماد على الداروينية. فكيف لنا أن نتساءل مثلاً عن المسببات لكثرة جين معين من الجينات البشرية (وهذا مرادف لصفات بشرية معينة) في مجموعة بشرية وندرة الجين نفسه في مجموعة أخرى دون الأخذ بالإعتبار عوامل بايولوجية كالإنتخاب الطبيعي؟ وبإختصار فبدون النظرة الداروينية تصبح دراسة العلوم الحياتية لا تعدو أن تكون وصفاً لما نشاهده في لحظة ما دون أي إمكانية لفهم الديناميكية التي تحرك المنظومة الاحيائية. والأهم من هذا كله هو عدم إمكانية التفكير بالإفتراضات العلمية ومن ثم دراستها وأما دحضها أو إثباتها وذلك لكون هذه الإفتراضات نابعة من فرضية النشوء العشوائي للصفات ومن ثم نجاح وإنتشار بعضها بواسطة الإنتخاب الطبيعي دون الحاجة الى إله خالق وهذا ما يعتبره بعض المؤمنين غير جائز. وقد لخص العالم نيكولاس تنبرغن الحائز على جائزة نوبل في البيولوجيا في 1973 أهمية الداروينية في فهم أي ظاهرة حياتية عندما إقترح بإنه ينبغي على أي باحث أن يأخذ بعين الإعتبار 4 أنواع من المسببات لفهم أية ظاهرة بايولوجية. والمسببات هي أولاً الوظيفة التي يؤديها التركيب أو العضو للكائن (في السلالات الماضية وفي الوقت الحاضر) ثانياَ المراحل التكوينية للتركيب أو العضو أثناء حياة الكائن ثالثاً المراحل التطورية التي صاحبت تكوين التركيب في السلالات الماضية وكذلك في الكائنات الأخرى الشبيهة ورابعاً فهم كيفية عمل التركيب أو العضو (فسلجة وكيمياء وغيرها). والواضح أن دراسة هذه المسببات الأربعة (وتعرف بأسئلة تنبرغن الأربعة) لايمكن فهمها وسبر أغوارها دون فهم الداروينية.
وأعود إذن الى موضوعنا وهو التبعات السايكولوجية والإجتماعية للمشي على ساقين. فالسافانا فيها أنواع متعددة من الحيوانات المجترة الصالحة للقنص والتي من الممكن أن توفر سعرات غذائية من الصعب الحصول عليها في الغابات الكثة التي عاش فيها أسلاف البشر قبل ذلك ولكن في نفس الوقت تكثر في السافانا الحيوانات المفترسة التي تشكل خطراً مميتا على أي كائن ومن ضمنه الإنسان البدائي. لذا فإن الإنتخاب الطبيعي وجد حلولاً لهذه التحديات تتمثل في التغيير التدريجي للهيكل العظمي البشري وهذا التطور تضمن تغييراً في شكل العمود الفقري ليكون أكثر إنتصاباً وتغييراً في شكل وتركيب الأقدام لتكون أقل قدرة على مسك الأغصان وأكثر تكيفاً على تحمل ثقل الجسم في الوقوف والمشي والركض وكذلك تغير طول وشكل الأطراف العليا وتركيب اليدين كما رأينا. و من الواضح أن الإنسان البدائي (أو حتى الإنسان الحديث) غير مؤهل بايولوجياً لمقارعة الحيوانات المفترسة بمخالبها وأنيابها القاتلة وقدراتها الهجومية الفائقة ولا حتى الحيوانات المجترة الضخمة التي تفوق قوتها العضلية قوة البشر بما لا يقاس. فكان الحل الذي وجده الإنتخاب الطبيعي هو في زيادة عدد الجماعة البشرية و تطور القدرة على التنسيق فيما بينهم للعمل الذكي كفريق متلاحم. ولكي يتحقق هذا كان لابد من تطور هائل في قدرات الإنسان العقلية والتي أدت الى إزدياد حجم دماغ الإنسان كما شاهدنا.
فمع أن الإنسان ليس الكائن الوحيد الذي يصنع الأدوات (فقد أثبتت الدراسات أن الشمبانزي وكذلك أنواع أخرى من الحيوانات لها القدرة على صنع أدوات بدائية) فإن الإنسان قد طور هذه القابلية الى مستوى غير مسبوق عند أي من الكائنات الأخرى. وقد إستغرق تطور قدرات الأنسان على صنع الأدوات عدة ملايين من السنين.
وبظهور صنف الهومو سابينس وهو صنف البشر الذي ينتمي إليه كافة البشر اليوم بدأت تتكاثر أصناف الأدوات المصنوعة. ولإسباب غير مفهومة جيداً فقد حصل إزدياد إنفجاري لأنواع وتصاميم الأدوات التي صنعها أسلافنا في 40-60 الف سنة الأخيرة. ويعتقد الكثير من الباحثين أن هذا التغير في القدرة العقلية قد حصل ليس بفعل إزدياد حجم الدماغ (إذ ليس هناك دليل على زيادة حجم الدماغ في هذه الفترة) بل هو نتيجة لتغييرات في الإرتباطات العصبية داخل الدماغ والتي أنتجت القدرة على الكلام (والذي له أساس بايولوجي أكيد) وقد أدى هذا الى تضاعف القدرة على التفكير والتنسيق مع الآخرين وقد أدى هذا بدوره الى ظهور مواهب إبداعية لم يكن لها وجود في الإصناف البشرية التي سبقتها (على سبيل المثال الأعمال الفنية الخلابة في كهوف فرنسا والتي تعود الى قبل أكثر من 35000 سنة والتي تعتبر من أقدم الأعمال الفنية في العالم).
لذا فإن هناك علاقة عضوية بين المشي على ساقين وولادة الأنسان خديجا ونشوء القدرة على الإرتباط العاطفي الطويل المدى (في البداية مع الأم ومن ثم مع الغير) وبين هذا وبين إستعداد الرجل لتقديم الدعم والرعاية الى المرأة التي تنجب له الأطفال. وهذه السيكولوجية البشرية تختلف إختلافاً جوهرياً عن بقية البرايميت واللبائن حيث الذكر أما لايعير الأنثى وأولادها أي إهتمام فيما عدا المجامعة الجنسية (كما هو الحال لدى الشمبانزي و البونوبو) أو ينحصر إهتمام الذكر على منع أي ذكر آخر من التقرب من حريمه (كما هو الحال عند الغوريلا) ولكن دون أن يعير الإناث أو الأطفال إهتمام خاص.
و كما رأينا فإن إزدياد عدد أفراد الجماعة البشرية الذي أشرت اليه أنتج شبكة من العلاقات الإحتماعية غاية في التعقيد ولهذا فإن أجزاء كبيرة من الدماغ البشري أصبح لها وظيفة تحليل وفهم البيئة الاجتماعية والمساعدة على تحديد السلوك آخذاً بالإعتبار تبعات أي فعل على الآخرين والتعامل مع ردود أفعالهم. والملاحظ أن الإنسان الطبيعي له قدرة فائقة على التعامل مع بيئته الاجتماعية بتعقيداتها وتشابكاتها بشكل سلس ودون صعوبة تذكر في معظم الأحوال وهذه إحدى الصفات التي تميز الإنسان عن باقي الكائنات. ويعتبر الكثير من الباحثين أن أجزاء الدماغ البشري التي لها وظيفة التعامل مع البيئة الاجتماعية هي بمثابة "دماغ إجتماعي". ومن الممكن ملاحظة ما يحدث عند حدوث خلل في تكوين الدماغ الاجتماعي كما هو الحال عند المصابين بالتوحد الذين يجدون صعوبة هائلة في التعامل مع أبسط العلاقات الاجتماعية. كذلك الحال عند المصابين بالشيزوفرينيا حيث غالباً ما يجدون صعوبة كبيرة في تكوين العلاقات وفي التعامل مع الآخرين. لذا فإن تطور ونشوء الدماغ الاجتماعي البشري هو جانب مهم وجوهري في نشوء الإنسان والذي يرجع أصله كذلك الى المشي على ساقين.

وسوف أذكر الآن بعض الأمثلة على عدم كمالية تصميم جسم الإنسان.
لكن بداية أود أن أطرح سؤالاً مهماً وهو: لماذا يحتاج البشر الى مستشفيات والى خدمات صحية تستهلك أكثر من 10-20% من الناتج القومي في البلدان المتقدمة؟
أو بكلمات أخرى فأن المجتمعات الميسورة تنفق أكثر من عشر مدخولها القومي لإصلاح الأخطاء التصميمية لجسم الإنسان والتي يدعي البعض أن الله قد خلقها بصورته وأن تركيبة جسم الإنسان هي من علامات الإعجاز الإلهي. والسؤال هنا هو ما الذي يجعل جسم الإنسان معرض للأخطاء والأمراض والمشاكل الوظيفية بهذه الكثرة والتي تسبب الآلام والإعاقة والموت المبكر لأعداد هائلة من البشر؟ وأنا هنا أدعي أن هذه الحالة منافية بشكل واضح للكمال في خلق الإنسان. وسوف أذكر بضعة أمثلة من سوء التصميم في جسم الإنسان. وللتوضيح أنا لا أزعم أن تصميم جسم ودماغ الإنسان سيء برمته بالطبع ففيه الكثير من التصاميم التي هي في منتهى الروعة والتعقيد والواضح أن الغالبية العظمى من البشر يتمتعون بصحة جيدة خلال فترات طويلة من حياتهم وطبعاً بعكس ذلك كنا قد إنقرضنا منذ زمن بعيد. ولكن المفهوم الذي أود أن أنقده هنا هو إدعاء الكمال في التصميم. وهذه بعض الأمثلة:
اولاً عدم تناسب قناة الولادة مع حجم رأس الوليد وما يسببه ذلك من مضاعفات خطيرة. فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي تحتاج الأنثى فيه الى من يعينها في حالات الولادة. والولادة عند البشر هي من أخطر الولادات على حياة الأم والوليد مقارنة بكافة اللبائن ولا زالت هذه المخاطر واضحة للعيان في البلدان الفقيرة التي تفتقد الى الخدمات الصحية.

ثانياً شيوع الام الظهر ومشاكل الفقرات ومفاصل الورك والركبتين عند شريحة كبيرة من الناس من كلا الجنسين وبعض أسباب هذه المشاكل يعود الى تحوير الهيكل العظمي البشري من المشي على أربع الى المشي على ساقين.

ثالثا مشاكل أسنان العقل: أن فكي الإنسان حصل فيهما إنكماش خلال المليونين سنة الأخيرة وذلك بفعل إكتشاف النار وممارسة الطهي مما قلل حاجة الإنسان على المضغ. ولكن عدد الأسنان لم يتغير وبقيت على ما هو عليه في بقية البرايميت بحيث لم يعد هناك مجال كافي عند الكثيرين لنمو أسنان العقل مما قد يؤدي مشاكل خطيرة تحتاج الى تدخل جراحي.

رابعاً تصميم الشبكية مما يعرضها الى الإنفصال وفقدان البصر.

خامساً تصميم القصبة الهوائية في الإنسان و خطر الإختناق. فقد حصل إنخفاض في مستوى حنجرة الأنسان خلال المليونين سنة الأخيرة وذلك لتكوين حجرة صوتية تتألف من البلعوم والفم و تجويف الأنف مما يمكن الإنسان من إستخدام صوته في الكلام والغناء. ولكن الثمن الذي دفعه الإنسان هو أن أي سائل أو صلب يبلعه يمر من فوق القصبة الهوائية والذي من الممكن أن يعرضه الى خطر الإختناق. والإنسان على العكس من باقي البرايميت لا يستطيع التنفس والبلع في نفس الوقت بسبب هذا التصميم. وهذا يبين أن لكل صفة إيجابية ومفيدة جانبها السلبي وهذه قاعدة عامة في علم البايولوجيا التطوري.



سادساً إضطرابات جهاز المناعة مما يؤدي الى بهذا الجهاز الى محاربة أنسجة الجسم نفسها بدلاً من الدفاع عنها مما يسبب أمراض خطيرة.

سابعاً تخلخل في برمجة إنقسام الخلايا و خطر الأمراض السرطانية.

ثامناً تصميم الزائدة الدودية وخطر الإلتهاب.

تاسعاً التصميم الغريب للعصب الحنجري الراجع.
إن العصب الحنجري الراجع يخرج من العصب القحفي العاشر ويزود الحنجرة. ولكن الطريق الذي يتخذه هو طريق غاية في الغرابة. فالعصب العاشر يخرج من الدماغ و ينزل على طول الرقبة ويمر من جنب الحنجرة ثم يدخل منطقة الصدر ثم يخرج العصب الحنجري ويلتف حول القوس الأبهري ثم يصعد مرة أخرى على طول الرقبة لكي يصل الى الحنجرة. وهذا التصميم الغريب موجود في كافة اللبائن. وهذا يعني أنه في الزرافة هذا العصب في نزوله وصعوده في الرقبة يغطي مسافة أكثر من 4.5 م في حين كان من الممكن أن يتم ربط الحنجرة بعصب لا يتجاوز طوله بضعة سنتمترات. ويبدو أن سبب هذا التصميم الغريب هو أن اللبائن ورثت هذا العصب عن الأسماك التي ليس لها رقبة وأن الإنتخاب الطبيعي لم يجد ضرورة لتصحيح هذا التصميم.


وختاماً وبما أن الأدلة العلمية تشير بما لا يقبل الشك بالنشوء الطبيعي للإنسان وذلك بالإنتخاب الطبيعي على مدى ملايين السنين فمن المهم إذن للمختصين بدراسة وفهم تركيب وفسلجة جسم الإنسان أن يفهموا كذلك كيفية تطوره. فقد كشفت لنا الدراسات العلمية المستفيضة والتي قدمت نبذة موجزة عنها في هذه المحاضرة عن أن نشوء الإنسان حصل خلال ملايين من السنين وبشكل تدريجي وبفعل عوامل طبيعية بحتة بالإمكان دراستها وفهمها.
و لذا فأن فهم عملية تطور جسم ودماغ الإنسان سوف يساعد على فهم أعمق للأسباب التي تؤدي الى إضطراب وظائف الأجهزة والأعضاء وقد تساعد أيضاً في إكتشاف الحلول والعلاجات لها في المستقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد