الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في الجسد كأداة تعبير– يارا قاسم نموذجا ً.

نضال الربضي

2017 / 7 / 5
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


قراءة في الجسد كأداة تعبير– يارا قاسم نموذجا ً.


--------------------------------
يأتي على الإنسان يومٌ ترتجف فيه الأرض حتى تُصبح الجبال رمالا متطايرة
بعد أن كانت حجارة صماء تغمرُ كل شيء
فلا يعود للعالم أي ملامح
فلا شيء ينخفض ولا شيء يرتفع
-------------------------------
من مقدمة عرض "كثيبا مهيلا"، للفنانة الفلسطينية: يارا قاسم محاجنة، المعروض في مبنى كلية الفنون الجميلة، جامعة حيفا.

يتمثَّل الجسد الإنساني كمركز ٍ بؤري ٍّ أوحد للنشاطات الإنسانية: فعنه تصدر الأفكار، و في داخله تتولَّد المشاعر و تضَّرم، و بواسطته يأتي الفعل البشري، و عليه تحلُّ الأفعال البشرية أو الطبيعية. الانشغال بالجسد نتيجة ٌ حتمية؛ كونه الترجمة َ البيولوجية لماهية نوع: الإنسان العاقل، و بالتالي نقطة َ الدخول الوحيدة لفهم نوعنا. لكنَّه على أهميته العظمى من جهة ماهيته، لا يتلقَّى الاهتمام الكافي من جهة ِ توظيفه، بل و يُذهب إلى احتقارِه صراحة ً بأدلجة ِ النشئِ الصغير ابتداء ً على النظر إلى احتياجاته كـ: قذاراتٍ أو نجاسات ٍ أو امتحانات ٍ أو تجارب َ تستوجِبُ الصبر عليها و محاربتها و السعي لاجتثاثها، مرورا ً بما يكتسبُه المراهقون و من هم على أعتاب الرُشد من خطط ٍ و تدريبات ٍ روحية تكتسي بزخارف لفظية من كلمات ٍ مثل: النقاء أو الطهارة أو الثبات على الحق أو الانتصار للأخلاق أو الفوز بالجهاد الروحي، و ما تتسبَّبُ به من تعميق الوعي المشوه و الإدراك المَعيب للعلاقة ما بين أجسادهم و تلبية احتياجاتها الفطرية بطريقة حضارية و بين سلامة ِ صحَّتهم النفسية و توازنات ِ مشاعرهم الداخلية.

تختار ُ يارا قاسم أن تلقي الضوء على الجسد كـ: أرومة ٍ للفعل البشري و ثمرةٍ له في ذات الوقت، هذا الازدواجُ في وظيفة الجسد لا يعدوُ الترجمة َ الحرفية َ لماهيته البؤرية، لمركزيته السابقة لأي ِّ أدلجة، لمكانته التي لا يمكنُ تجاوُزها في أي ِّ نظام ٍ يرتكزُ على الواقع في تحديد شكل ِ علاقاته و استتباعاتها على كل المستويات. من المجتمع كأجساد تتلقى النساء الفعل على أجسادها، و تحمل ُ الأجساد ُ الأنثوية المفعول ُ بها الأجسادَ الذكورية َ الفاعلة، في رمزية ٍ عميقة تجلو استحقاقاتِ ذكورية الفعل، و ديمومة َ الألم المحفور ِ عميقا ً في الكيان الأنثوي المُتلقي، و العاجز ِ عن الدفاع، لكن ِ الفائق ِ في التعبير، و هو هنا: تعبير ٌ بصمت، فقط باستدامة ِ تدفُّق ِ الحياة في كيان الأنثى و بقدرتها على الاستمرار في الحياة. تعبِّر يارا عن عن هذا الاستمرار بفعل جر ِّ الأجساد، و عن الصمت: بفعل الاستمرار ِ السابق ِ نفسه، إنها تقدِّم الصمت و الاستمرار كوجهين لذات الألم في فعل واحد هو: جر الأجساد.

تتناثرُ الجُمل الخارجة ُ من فم الأنثى في عرض يارا قاسم كتمثيل ٍ لحالة: جيشانِ دافع، إنها هنا مُحرِّكُ الجرِّ و سببه، لكنها لا تصل في الحياة الواقعية للأنثى لمنزلة ِ صرخات احتجاج، إنما تبقى رافدا ً للصمت، أو وجها ً آخر له تراه هي لا سواها، وجها ً بصوت لكنه صامت، هذا التلاقي للنقيض مع النقيض، صمتا ً مع الكلام، و امتزاجُهُما معا ً، فالخروجُ بهوية ٍ واحدة ٍ هي: الصمتُ في حياة ٍ مُستدامة، يعكس ُ عُمق الألم السحيق عند الأنثى، الذي يقفُ نقيضا ً لـ ِ، و شاهدا ً على، الارتفاع ِ الشاهق لنقيض ٍ إنسانيٍّ هو: الحُلمُ بالحياة ِ السعيدة التي تتحقَّقُ فيها مُتطلبات ُ الجسد ِ الإنساني، و هو هنا في جندره الأنثوي المُتألم.

جريمة ُ انتهاك الأنثى، و عمق ألمها، و شبحُ الأحلام ِ الإنسانية ِ المشروعة بالسعادة، تتكاثفُ في تركيز ٍ بالغ في الجُمل ِ المُقتضبة التي تنطقها الأجساد. عمق ُ الألم هو ذاتُه عمق الصدمة حين يكونُ الفاعل المُتسبِّبُ في حفر هوَّة الألم ذات َ المسؤول ِ المؤتمن ِ على تشيدِ جبال السعادة، إننا هنا أمام َ حالة ِ نقيض ٍ ثالثة: هي حالة ُ فعل ِ نقض ِ الوظيفة، تحويل ِ الأدوار، إفساد ِ ماهية ِ المفروض، و انتهاك ِ المقدَّس الأنثوي، عبَّرت عنهم يارا بجمل ٍ تبقى في الذاكرة ِ للأبد: "أبوي ما اغتصبني أبوي ساعدني"، يقف فعل ُ الاغتصابُ نقيضا ً لفعل ِ المساعدة، شاهدا ً على فساد الفعل، انتهاء ِ الأمل، احتفار ِ وادٍ سحيق ٍ من الألم، و ارتباط ٍ أبدي للفاعل مع المفعول بها، في لوحة ٍ سريالية سوداء للنفس البشرية التي يجبُ عليها أن تُكمل الحياة، لكن باستحقاقات ِ قوَّة ِ فعل ِ الماضي، لا كما كان يجب باحلامٍ سعيدة صارت مُحطَّمة.

هذا الغوصُ الصاخب في صمت ِ الضحايا تطلبُـه فداحةُ الثمن ِ الذي تدفعُه الأنثى في نفسها، و يدفعُ إليِهُ غيابُ النموِّ النفسي الجمعي السليم للمجتمع ِ ككل، و الذي كأفراد ٍ مُجتمعين مستمرِّين في نشاطاتهم اليومية لن يستطيع َ أن يُفكِّكَ العلاقات المُتشعِّبة َ بين مُتبادلي الفعل فيه ثم يُعيد هندستها ليبنيها على أساس ٍ جديد إلَّا حين َ يتعرَّضُ لضوء ٍ ساطع ٍ على أشدِّ مناطقِه إعتاما ً بواسطة ٍ الضحايا أنفسهِن َّ أو بقوَّة ِ من يقدرُ على فهمهن َّ من نفس الجندر، لكي يصعد التشخيص ُ و الحلُّ من أعماق ٍ دُفنت فيها الصرخات، لكنَّها ما زالت ترتبط ُ بخيوط ٍ حيَّة مع الضحايا.

سحب ُ الجثث بالخيوط نبشٌ للماضي الذي يستحضرُ نفسهُ في الحاضر المُعاش و يلقي بظله على المستقبل، بصمت، إنه نبش ٌ فنِّي ٌ مرئي في عرض ٍ خاص، لأحمال ٍ غير مرئية ٍ واقعية في عرض ٍ حياتي ٍّ عام. إننا هُنا أمام المقدرة ِ الفائقة لما هو خاصُّ صادم على استنهاض ِ الحلول لنقيضِه العام ِّ المقبول المسكوت عنه، هي إذا ً حالة ٌ فريدة لنقيض ٍ يُرادُ له أن يُنتج َ نقيضه، لصمت ِ الأجساد المجرورة المارَّة بهدوء الذي يقصد ُ أن يُفجِّر صرخة َ الأنثى المقهورة بصخَب ٍ مجنون. إننا أمام َ عالم ِ الأنثى المُنتَهَكة التي ستصيغُ من انتهاكِها ثورتَها ضد الصمت هندسة ً جديدة و بُنىً مُستحدثة ً، للعلاقات ِ بين الأفراد، الأمرُ الذي سيؤدي بالضرورة لأشكال ٍ جديدة لأنماط التفاعلات تكون ُ الأنثى فيها صاحبة السيادة على نفسها و مُستقبلها، و تستطيع أن تكبرُ يدا ً بيد مع، و ندا ً لند لـ: الذكر، و هما الذان يشكِّلان في فضاء الفعل البشري جندرين مُتكاملين. مشهدُ صرخة ِ الألم عند يارا نبوءةُ عن تكاملِ الجندرين، بأداة ِ الجر ِّ و السحب الصامت، إنه كشف ٌ عن ممكن ٍ يتوقف ُ عنده ُ العرض، لكننا نجد ُ تمامهُ عند جبران خليل جبران في مشهدِ مختلف ٍ من حيث القصة و الحبكة و الرواية، هو مشهد التقاء مريم المجدلية بيسوع،،،

،،، في لحظة َ تفتُّحِ وعيها السعيد الذي صار حرَّاً، عندما تقول: " في ذلك اليوم، ذبح َ غروبُ عينيه الوحش الذي كان فيَّ، فصرت ُ امرأة، صرت ُ مريم، مريم المجدلية"،،،،

،،، بعد أن قال لها يسوع: "إن جميع الرجال ِ يُحبُّونك ِ لأجل ذواتهم، أما أنا فأحبُّك ِ لأجل ِ ذاتكِ"

يارا قاسم، الفنانة ُ الفلسطينية ُ الأصيلة، تحملُ إلينا حُلم َ كل ِّ أنثى، أن تكون محبوبة ً لأجل ِ ذاتها، أن تكونَ حُرَّة ً كفراشة، كنسر، كأنثى، دون خيوط، و دون أجساد ٍ تتعلَّق ُ بها، دون جر ِّ و سحب، مملوءةً بروح الخفَّة ِ عند نيتشه، تلك الروحُ التي تنفرُ من الثَّقل، لان الأنثى، الوجه الجندري الثاني للإنسان ِ الأعلى، لا يجب إلَّا أن تكون نفسها!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عزيزي نضال مساء الخير
قاسم حسن محاجنة ( 2017 / 7 / 5 - 20:38 )
وتحيات حارة
قرأتُ وسأعيد القراءة
سلمت يداك على هذه القراءة العميقة
سلامات يا صديقي


2 - الفن كاستنهاض لمكنونات النفس
نضال الربضي ( 2017 / 7 / 6 - 06:56 )
أحلى صباح لم يا صديقي الجميل!

في دقائق يستطيع الفنان أن يخاطب الوعي الجمعي لأمَّة ٍ كاملة، و يستنهض منه الآمال و يدفع بالعزائم إلى منطقة الوعي الشعوري، تمهيدا ً للفعل.

حضارات الأمم تعلِّمنا أن الفن جزء ٌ أصيل من الكيان النهضوي للبشرية، و أنه حيث لا فن لا حضارة.

حتى الإنسان الأول قبل أن يصل لأولى الحضارات على أعتاب الألف الرابعة أو الخامسة قبل الميلاد، كان عليه أن يمضي 100 ألف عام ٍ قبلها يتعلم، و يرسم في الكهوف، و يلوِّن، و يُشكِّل تماثيل معبودته الأم الكبرى في شتال حيوك، و أريحا.

الإنسان كائن فنَّان!

أعتز ُّ بك و بعائلتك الجميلة!


3 - احسنت
عبد الرضا حمد جاسم ( 2017 / 7 / 6 - 11:05 )
الاستاذ نضال الرياضي المحترم
لم اجد ابلغ من احسنت أضعها عنوان لهذا التعليق الراي
اجددها في متنه لأنك احسنت في التعمق و التوضيح و العرض والسيارات
شعرت و انا اقرا التحليل و التوضيح بانك تشعر بفرح و الم وقلق ورغبة بانتصار الشباب و الشابات
كانت مشاعرك واضحة و تفسيرك تحقيق
اكرر
احسنت
واكرر من مبارك التهنئة لآل محاجنة جميعهم في فعلتهم ذات التعبيرات
انت و انتم وهم لكم تمام العافية


4 - اعتذار
عبد الرضا حمد جاسم ( 2017 / 7 / 6 - 19:27 )
عزيزي نضال الرياضي
اعتذر عن بعض الغلط في التعليق السابق
حيث انا في السيار و على سواحل المتوسط
.دمتم بخير


5 - الاجازات تحيي القلوب
نضال الربضي ( 2017 / 7 / 6 - 20:49 )
العزيز الجميل عبد الرضا،

استمتع يا صديقي بالساحل و الشمس و الماء و الكؤؤس و ليمتلئ قلبك بالصفاء و تدفق الحياة مُترعا ً حتى الرضى!

أضع كل الأمل في الشباب، و أشعر بالألم عندما أرى معظمهم يمشون قطعانا ً مُغيَّيبة سطحية الوعي ساذجة الإدراك معدومة الرؤية مشحونة ً ضد الحياة و الحضارة، و عندما يخرج منهم من يصنع ُ مثل: يارا، أشعر أن أملي فيهم في موضعه، و أن ما نكتبه يؤثر و لو قليلا ً، و أن المستقبل سيكون فيه من يُغيِّر، تعود عندها في َّ الحياة!

دم بود ٍّ و استمتع بوقتك يا صديقي!!!!

اخر الافلام

.. وكالة تابعة للأمم المتحدة: عدم المساواة -تقتل النساء حرفيا-


.. الأمم المتحدة: مقتل نحو 10 آلاف امرأة في الحرب على غزة




.. ليوقع لها على قرض.. امرأة تصطحب جـ ـثـ ـة عمها إلى البنك


.. انطلاق أسبوع أفلام المرأة في الأردن




.. قصة صادمة.. امرأة تطلب قرضاً من البنك في البرازيل بجثة عمها