الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي مستقبل سياسي للأسلاميين في سورية ؟

فراس سعد

2006 / 2 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا يمكن تصور مستقبل الأسلاميين السوريين – الأخوان المسلمون تحديداً- بمعزل عن تصور مستقبل سائر القوى السياسية السورية , فالسلطة تغلق ابواب العمل السياسي على كافة الحركات و الاحزاب المعارضة شيوعية و ليبرالية و قومية كما تمنع كافة اشكال العمل الاجتماعي و الثقافي الحر دون تدخلها المباشر و الفج , فالوضع السياسي و السلطوي في سورية مزيج من نظام علماني شكلي يعيش تحت عباءة الديكتاتورية و حكم ..الحزب الواحد مع هامش بسيطة في جبهة وطنية تقدمية تابعة للحزب الواحد الحاكم و فئة صغيرة تحكم عبر الأجهزة و تغييب الصحافة و الأعلام تمكنت من تجفيف سورية من الحراك السياسي و هي ماتزال تعمل لتحسين الوضع الأقتصادي و لو شكلياً مع تنامي انتشار الفقر ليشمل نصف السكان تقريباً .
لا يمكن تصور مستقبل الأسلاميين السوريين في الحكم وفقاً للتجربة التركية التي استوعبت الأسلاميين في العباءة العلمانية الليبرالية العريقة في تركيا و عمرها أكثر من قرن تقريباً , لغياب أبسط أشكال حرية المشاركة السياسية , كما لا يمكن للأسلاميين السوريين الوصول إلى الحكم و تحويل سورية لدولة أسلامية وفق النموذج الأيراني أو السعودي لأن سورية ذات تعدد طائفي واضح و ليست مثل أيران صافية مذهبياً , أو السعودية التي تغيب طائفة كبيرة من مكوناتها عن الحياة الأقتصادية و السياسية , كما أنها ليست مثل شرق فلسطين ( الضفة الغربية ) واقعة تحت الأحتلال , و ليست التركيبة السورية تسمح بنظام يتلاءم مع الأسلاميين كما في الأردن لأن مرجعية الفئة الحاكمة تتناقض مع مرجعية الأسلاميين و حتماً سورية ليست مثل لبنان الذي يحكمه التوازن الطائفي الوطني و هو عريق في الليبرالية و الديمقراطية و في تكوين و تشكيل فريد من نوعه تسوده الحريات المدنية و السياسية و الأعلامية , وكان مركزاً للأشعاع الفكري نحو محيطه و العالم العربي كله , و نموذج و رسالة تعايش للعالم.
فإذا لم يكن للاسلاميين السوريين مستقبلاً في الحكم فهل يكون لهم مستقبل في المشاركة في الحكم , و هنا نأتي إلى الممكنات و نتساءل هل يمكن أن يتم تركيب نظام سوري مع الأسلاميين كما هو الحال في العراق و لسورية مع العراق أوجه شبه اجتماعية و سياسية فكلاهما متعددة طائفياً , و كلاهما حكمه نظام حزبي و أمني مغلق و كلاهما حكمته فئة صغيرة ... مع ذلك الوضع السوري مختلف عن الوضع العراقي الناشىء لأن قوة دولية و عالمية قرّرت و وجّهت سير الأحداث فيه , بينما سورية تبدو بعيدة عن تدخل دولي عسكري أو سياسي , ومن الصعب تصوّر سورية تتحول إلى نظام أسلاموي كما العراق , لم يبق سوى النموذج المصري و هو في اعتتقادنا أقرب النماذج الممكنة لدخول الأسلاميين في النظام السياسي السوري الحالي عبر البوابة البرلمانية و تشكيلهم كتلة في البرلمان السوري , فطبيعة النظام المصري تتقارب نفسياً مع طبيعة الحكم السوري , و هناك ما يشبه تؤمة نفسية و سياسية بين حكام البلدين تاريخياً , فما يحصل في مصر يؤثر تلقائياً في الحكم السوري و العكس , إذاً هل نتوقع حصول انتخابات برلمانية في سورية تسمح بوصول الأسلاميين إلى البرلمان بكامل قواهم أو بما يقرب من قوة وجودهم في الشارع السوري .
يبدو هذا هو السيناريو الأكثر امكانية للتحقق في سورية على الأقل لأسباب تتعلق بالتوازنات الأقليمية المرسومة من القوى الكبرى , فلا يمكن للأمريكان السماح بدولة أسلامية في سورية لأنها ستكون على حدود أسرائيل و لو قال قائل أن حزب الله موجود على حدود اسرائيل الشمالية و أن حماس دخلت و الجهاد سيدخل مستقبلاً النظام السياسي الفلسطيني على حدود اسرائيل الشرقية و في غزة , و اسرائيل نفسها تتغاضى إلى حدّ ما عن الحركة الأسلامية العربية داخلها ( أراضي 48 ) , , نجيبه أن هذه منظمات اسلامية و هي لن تستطيع الوصول إلى تحقيق دولة أو دويلات أسلامية , هذا من ناحية و من ناحية أخرى إن القوى الكبرى لن تسمح بقيام دولة أسلامية في سورية إلا إذا قامت دولة أسلامية في العراق , في هذه الحال تدفع القوى الكبرى الحكمين الأسلاميين إلى صراع سني سوري - شيعي عراقي كما كان الحال بين بعث العراق و بعث سورية فيستمر الخط الأحمر الدولي الذي يمنع أي تقارب حقيقي بين النظامين و البلدين .
أما العراق فيبدو أنه ذاهب إلى دولة التوازن الطائفي وفق النموذج اللبناني , دولة ذات طابع ديني ربما , لقوة الأسلاميين في البرلمان .
لا نعتقد أن دولة أسلامية في سورية ممكنة التحقيق لعدم وجود موافقة اقليمية عليها ( اسرائيل ) و بالتأكيد هكذا دولة لا تناسب القوى الكبرى , و لأن طبيعة التكوين السوري الأجتماعي و النفسي الأيديولوجي لا يمكن أن يدفع باتجاه دولة اسلامية مهما كانت المظاهر و الظواهر الأجتماعية السورية المتدينة قوية .
لا شك أن الممكن الوحيد للأسلاميين السوريين لمقاربة السلطة هو المشاركة في انتخابات برلمانية يصلوا عبرها إلى البرلمان , و هناك يمكنهم أن يعملوا جدياً في ملف أساسي هو مكافحة الفساد و كبح التسيّب الأخلاقي و البطالة و سائر الملفات ذات الطابع الأجتماعي , أكثر من ذلك ليس باستطاعة الأسلاميين السوريين الحصول عليه و السلطة لن يكون بمقدورها أن تقدم أكثر من ذلك , بل إن انتخابات برلمانية حرة أمر مشكوك في حصولها في سورية في ظل الأوضاع الحالية و بسبب التكوين الحالي للسلطة و آلايات تفكيرها المتخلفة و الأنانية اللهم إلا اعترفت الدولة السورية بالأسلاميين و منحتهم الفرصة القانونية لتكوين أحزاب سياسية و هو مستحيل إلا بضغط او موافقة دولية اقليمية .... فالأسلاميون السوريون تحديداً الأخوان المسلمون غير معترف بهم حتى الآن بالرغم من الوساطات التي أجراها النظام للتفاوض معهم و هم مازالوا ملاحقين و معرضين للأعدام و الأعتقال و قياداتهم خارج البلاد و ليس لهم تنظيم مسلّح أو سياسي داخل البلاد و التعامل مع الأخوان لدى السلطة مازال خطاً أحمراً- اعتقال علي العبدالله في منتدى الأتاسي على خلفية قراءته رسالة من البيانوني – و لا ننسى القانون رقم 49 لعام 1980 الذي يعاقب كل منتم لجماعة الأخوان المسلمين بالأعدام حتى لو كانوا أطفالاً – بحسب نزار نيوف –
و الأسلاميون السوريون – الأخوان – ليسوا مثل اسلاميي العراق الذين مارسوا العمل المسلح – الأحزاب الشيعية- ضد صدام منذ عقدين بدعم ايراني و القسم الثاني منهم انتقل من البعث الى الزرقاوي بدعم دول عربية, كما ان اخوان سورية ليسوا حتما مثل اخوان مصر التي تعترف بهم الدولة و النظام و سمحت لهم بدخول البرلمان بضغط امريكي كما انهم ليسوا مثل اخوان الاردن العاملين تحت عباءة النظام و ليسوا مثل اخوان الضفة الغربية و القطاع الذين يمارسون نضالاً تحررياً لاستعادة الأرض .
إن طبيعة المجتمع السوري المتأثرة بأوضاع نصف القرن الأخير من الحكم الشمولي و الأستبدادي و بحكم المافيات و العصبيات الصغرى ما قبل الوطنية يميل إلى أحادية الأختيار , فهو إما يقبل الأسلاميين بشكل كامل أو يرفضهم بشكل تام و بهذا فما على الأ خوان المسلمين سوى إعادة أقلمة أنفسهم مع هذا الوضع النفسي الأجتماعي المستجد بحيث يتجاوزوا مفاعيل القانون رقم 49 لعام 1980 فيغيروا مثلاً أسم حزبهم كما فعلب الأخوان المسلمون في تركيا بقيادة أربكان , و يتم تغيير بنيتها و وسائلها كما فعل الأخوان المسلمون السوريون فعلاً عبر عملية تغيير داخلية واسعة النطاق بقيادة البيانوني و عبر مشروع مبادئهم " سورية المستقبل " الذي اعلنوا فيه تحولهم الى الديمقراطية و قبولهم بالدولة المدنية و احترامهم للآخر و نبذهم للعنف و قبول حرية الاعتقاد و ممارسة الاعتقادات الدينية و عدم سعيهم للدولة الاسلامية على الاقل بصيغتها السياسية الفجّة كما يطرحها مثلاً حزب التحريرالاسلامي في سورية , مع ذلك لم تحرك السلطة ساكناً باتجاه الاعلان عن قبولها بالأخوان المسلمين او على الاقل باعلانها عن الترحيب بالتحولات الديمقراطية التي اعلنوا عنها . ربما لو كان الاخوان مازال تنظيماً مسلحاً يملك قوة عسكرية لربما اعلن النظام عن قبوله التفاوض العلني معهم و لقبل دخولهم المعترك السياسي السوري مقابل تسليم اسلحتهم مثلاً و رفضهم للعمل المسلح ؟
إن استمرار النظام برفضه لليد التي يمدها الأخوان المسلمون سيدفعهم للعودة عن تحولاتهم و لربما عادوا إلى العمل المسلح و العمل السري , و للنظام سوابق يذكرها الجميع , فلقد كان منع الأحزاب الأسلامية من العمل العلني السبب لدفع الشبيبة السورية لمزيد من التدين و الاتجاه شيئاً فشيئاً من الأعتدال إلى المحافظة إلى التطرف -80 بالمئة من المتدينين السوريين محافظين مقابل 20 بالمئة معتدلين بحسب النائب الاسلامي محمد حبش و 30 بالمئة من السوريين يواظبون على صلاة الجمعة اليوم مقابل 10 بالمئة من الأيرانيين في عهد خاتمي –
هذا يعني شيئاً واحداً : إن الأستمرار برفض الاخوان المسلمين و الحركات الاسلامية المعتدلة و الحفاظ على القانون 49 سيقوي نزعة العنف و التسلّح عند عموم الاسلاميين و المتدبنين السوريين و كذلك لدى الاجنحة المتشددة في تلك الاحزاب و الحركات , و هذا آخر ما تريده الولايات المتحدة لأسباب يدركها الجميع .
إن سكون المجتمع السوري و صمته يطمئن حكام سورية و من حولهم منظريهم و متملقيهم الأحياء – الأموات لكنه يرعب القوى الكبرى التي تريد بكافة الوسائل الممكنة أخراج هذا المجتمع عن صمته و سكونه بطريقة مدروسة متحكّم بها كيلا ينفجر في وقت و طريقة لا يمكن لأحد أن يتحكم بها , و أمريكا التي دخلت العراق ليس للتحكم ببتروله فحسب و لكن للتحكم بأخراج ممكنات الشارع و المجتمع العراقي المكبوتة لأربعة عقود و لو أن هذا الأخراج تحول إلى أنفجار اسلامي عنفي و سلمي سياسي فهي ستفعل ذلك بسورية أياً كانت النتائج مباشرة أو بالواسطة لكن مستفيدة من التجربة العراقية , و النتائج ليست مهمة بقدر ما أن المهم هو التحكم بأخراجها بهدوء إلى العلن كما في النموذج المصري و الفلسطيني أي بآلية ديمقراطية تضمن مصالح الجميع بحسب حجم قوة كل طرف داخلي سوري و خارجي أقليمي و دولي ربما؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53


.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن




.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص