الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
طفولة الطين
أحمد صبحي النبعوني
2017 / 7 / 17سيرة ذاتية
طفولة الطين
كان بيتنا وكل البيوت المجاورة له من الطين ... الطين كان محور حياتنا اليومية بكل تفاصيلها الصغيرة . تلك البيوت الملاصقة لبعضها كانت أقرب ما تكون إلى غابة من الطين ...أو مخلوقات طينية تشرب ماء الأمطار لتغدو ناعمة ولينة وهادئة ....كان يتألف من صالون كبير له باب كبير بأتجاه الجنوب تدخل منه الشمس إلى مجلس العائلة فتشعر بالدفء وهو يتسرب إلى جسدك في أيام الشتاء الباردة حيث السماء صافية والشمس مشرقة لكن رياح شمالية شديدة البرودة وجافة تجعلك تهرب منها لتحتمي في داخل البيت . وأربعة غرف أبوابها جميعا مفتوحة على هذا الصالون ...وها هي عشرات السنوات مرت ... ومازالت رائحة الطين ولونه مع رحلة الذكريات والدموع لا تفارق ذاكرتي إنها مطبوعة في جوف أحلامنا الماضية والحاضرة... ديمومة من الطين كانت حياتنا ... حتى رائحة أجسادنا و أنفاسنا كانت بنكهة الطين ... ولهذا البيت أرض واسعة أمامه أستطيع ان أسميها ملاعب الصبا ... كوخ للحمام في زاوية الحوش تطير الحمام منه باتجاه السطح وتعود أو تطير في السماء العالية ترفرف بأجنحتها فيطير قلب ذاك الصبي معها بفرح وحبور...شجرة توت كبيرة وشجرة رمان وتين وأرض واسعة صالحة لممارسة هواياتي المتعددة كزراعة البصل اليابس المصاب بالعفن الذي كان ترميه والدتي من بصل مونة البيت .... والذي كنت أتقن زراعته ببراعة متناهية نتيجة لتجارب متعددة ... مرة أزرعه على شكل خطوط مستقيمة ومرة على شكل دائري وهكذا ... وأنتظر بلهفة كيف ومتى ينمو حتى أفتخر بموسم زراعتي أمام أفراد العائلة التي كانت تحتاج إلى أذن مني قبل أن تقوم بقطف اي بصلة منه ... فهو ملكي الشخصي فأنا الذي حرثت الأرض وزرعته وسقيته وانتظرت حتى ينمو في فصل الربيع ... موسم الوجبات في وقت العصر والتي كانت تسمى ( بالعصرونية )وفي الغالب كانت عبارة عن قطعة من الخبز مدهونة بدبس البندورة التي تحتاج إلى وريقات البصل الأخضر لتصبح ألذ وأشهى ..
وفي أيامنا هذه أفكر بالأطفال بماذا يلعبون وهم محتجزون في شقة صغيرة من الأسمنت .. كيف يراقبون الطبيعة ماذا تعلموا منها ... هل لهم مغامرات وتجارب شخصية مثلنا نحن الجيل الذي عاصر الأصالة والحداثة معا ... هل أجسام اطفالنا قوية ؟ هل تشبعت أجسادهم من أشعة الشمس ورائحة التراب عندما تهطل الأمطار فوقه لتعجن ذكريات الطفولة ويصنع منها تماثيل من الطين ما زالت تغني حياتنا البسيطة التي نتذكرها بكل تفاصيلها الصغيرة الممتعة .
أ.ص.ا
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الاحتلال الإسرائيلي يغلف عدوانه على غزة بأردية توراتية
.. بالأرقام.. كلفة قوات الاحتياط بالجيش الإسرائيلي منذ بدء الحر
.. تزوجتا من شخص واحد.. زفاف أشهر توأم ملتصق من جندي أميركي ساب
.. لحظة اقتحام القوات الإسرائيلية بلدة المغيّر شمال شرق رام الل
.. نساء يتعرضن للكمات في الوجه من شخص مجهول أثناء سيرهن في شوار