الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بعد انهيار ….. المشروع الاشتراكي ….( الأخير) ...؟؟

علي الأسدي

2017 / 7 / 19
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



في فترة تصاعد الثورة المضادة ضد النظام الاشتراكي في الفترة 1985 - 1990 عقدت ندوة فكرية سياسية في الولايات المتحدة في الفترة 12 – 14 من شهر اكتوبر من عام 1990 حول موضوع " مستقبل الاشتراكية ". نظمت الندوة بجهد مشترك من جانب المجلة الشهرية الماركسية وكلية هنترللماركسية في مدينة نيويورك يرأس تحرير المجلة البروفيسور بول سويزي 1910 – 2004. وفي عام 1950 تعرضت للتحقيق ادارة تحريرالمجلة اعتقل بنتيجتها رئيس التحرير وعددا من محرريها أبان موجة ملاحقة المثقفين التقدميين بتهمة الشيوعية فيما عرف حينها بحمى المكارثية ، لكن المجلة عاودت نشاطها كمنبرفكري ماركسي تحت اشراف ومساهمة ذات الاساتذة الجامعيين المسؤلين عن تحريرها. .
.
لقد حضر الندوة 450 مندوبا لمنظمات سياسية يسارية وأحزاب شيوعية غالبيتها مثلت التيار الاصلاحي عدا حزيي جنوب افريقيا وكوبا .قد استهل المناقشة البروفيسور بول سويزي رئيس تحرير المجلة بتوجيه السؤال : هل الاشتراكية والماركسية فشلتا...؟

فأجاب : " لا , الماركسية ما تزال صحيحة وهي ما تزال المفسر الأفضل المتاح ، لكنها لم تفسر كيف تتجاوز التحدي. المشكلة مع المحاولات الاشتراكية السابقة أنها حصلت في دول أقل تطورا
وفي مناخ عالمي غير ملائم " . لكن البروفسور سويزي توقف عند هذا ولم يوضح ماهية المناخ العالمي غير الملائم وكذلك فعل المتحدثون الآخرون عدا واحدا سنعود لما قاله فيما بعد. م.

كان ذلك في عام 1990عندها لم تكتمل خيوط المؤامرة بعد ، لكن كان واضحا ان النظام السياسي السوفيتي بدأ في التفتت بنفس الوقت الذي بدأت فيه أكبرعمليات نهب وتهريب لممتلكات الدولة في التاريخ الحديث. فبينما كانت المؤامرات السياسية لنقل وتوزيع السلطات الجديدة في نظام ما بعد الاشتراكية كان ممثلوا الشركات الغربية ومصارفها الكبرى يوقعون عقود شراء الصناعات والمؤسسات الاشتراكية بابخس الاثمان. وبموازاة عمليات بيع الممتلكات كانت عمليات تهريب ما أمكن من الاحتياطي الذهبي والنقد الاجنبي من البنك المركزي السوفيتي الى الخارج وايداعها في حسابات خاصة بالاتفاق مع ادارة بنوك غربية ضمنت لاصحابها حقوق الاقامة واالحماية ضد محاكمتهم من قبل دولتهم واستعادة الثروات التي سرقوها فيما لو قررت ذلك مستقبلا . وبحسب علمي ان رئيس جمهورية روسيا حينها يلتسن كان ضالعا بعمليات النهب وأنه أخذ تعهدا من الرئيس الحالي فلاديمير بوتين قبل أن يكلفه برئاسة الحكومة حينها بعدم ملاحقة أفراد عائلته الذين غادروا البلاد الى أوستراليا في وقت سابق بصحبة ثروة تقدر ببلايين الدولارات.

اليوم تكون قد مرت 73 عاما على قيام اول دولة اشتراكية عام 1917 ومنذ ذلك الحين بدأت محاولات افشالها من قبل الدول الرأسمالية وهو ما قصده ولم يوضحه البروفيسور بول سويزي بالمناخ العالمي غير الملائم. وخلال تلك الفترة ايضا تم افشال كافة محاولات قيام دول اشتراكية في اي مكان في العالم. ولم يتوقفوا عند هذا بل قاموا بمنع أو اسقاط أي حكومات وطنية ذات قيم اشتراكية في دول العالم الثالث حتى لا تكون مثالا يحتذى من قبل دول أخرى ونحن شهود على الحصار الاقتصادي والسياسي المفروض على جمهورية كوبا منذ قيامها عام 1959 .ت .

نجاح النظام الراسمالي العالمي والرجعية المحلية في تحقيق الانتصار على النظام الاشتراكي لم يتم في يوم وليلة بل استغرق عقودا من الجهود المدروسة والمنظمة ركزخلالها على نشر البلبلة السياسية وعدم اليقينية الفكرية بالماركسية والاشتراكية داخل القيادات السياسة للاحزاب الشيوعية والعمالية في البلدان الاشتراكية السابقة وشعوبها ومنظماتها الاجتماعية بما فيها اتحادات نقابات العمال وجماهيرها. اقترن ذلك بسياسة اعلامية مكثفة ومستمرة ساهم بها جيش من الاعلاميين والمنظريين الفكريين الذين وضع تحت تصرفهم آلاف الصحف و مئات القنوات الاذاعية المسموعة والمرئية تنشرسمومها على مدار الساعة لمدة 24 ساعة في اليوم.

كما جندت للمهمات ذاتها منظمات تنشط داخل البلدان الاشتراكية تحت عناوين انسانية وديمقراطية. كل ذلك كان أدلة دامغة بأن الاشتراكية لم تفشل ، بل افشلت ، وان الماركسية ما زالت نظرية الطبقة العاملة وسلاحها لتحطيم النظام الرأسمالي والبناء على أنقاضه دولتهم الاشتراكية القادمة. الاعلام البرجوازي يروج الاكاذيب بان ما حصل كان لابد أن يحصل بسبب عدم كفاءة الماركسية كنظرية هادية لتطبيق الاشتراكية. ومع كل الأسف والحزن أن الكثير من المثقفين التقدميين والجماهير الشعبية الواسعة قد وقعت ضحية لتلك الحملة الاعلامية المفبركة ضد الاشتراكية ودولها السابقة.ة.

السياسات الداخلية الاجتماعية والاقتصادية التي نفذتها السلطات الاشتراكية عبر سنين وجودها كانت في غالبيتها سليمة وصحيحة وحققت نجاحات هامة في مناحي كثيرة من الحياة ارتفع بنتيجتها مستوى حياة المجتمع الاشتراكي. الاقتصاديون الموضوعيون في الغرب غير المتحييزين للأوساط الرجعية الحاقدة تحدثوا عن نجاحات الاشتراكية واخفاقاتها بحيادية بينما تجاهلت ذلك كلية وسائل اعلامهم المعادية للاشتراكية.ة.
.
ومن الموضوعية اعادة التذكير بحقائق لم تؤخذ بالاعتبارمن قبل الماركسيين تجاهلا أو سهوا أو بسبب عدم إحاطتهم بواقع ما كان يواجه عمليات بناء الاشتراكية في دولها السابقة حيث كانت هناك أخفاقات في تنفيذ سياسة البناء الاشتراكي بسبب حداثة التجربة الاشتراكية. فالاقتصاد الاشتراكي حديث الوجود كما نعلم نحن الاقتصاديون حيث لم تكن له نظرياته وعلومه التطبيقية عند بدء البناء الاشتراكي. لقد كان الكثير من المثقفين الماركسيين بين قادة ثورة أوكتوبرعام 1917 لكن كان ينقصهم الكثير من المتخصصين في العلوم الاقتصادية ، كما لم تكن للاقتصاد الاشتراكي كتبه وتحليلاته فالتأليف والنشر كان محدودا وبدأ بالانتشار خلال بناء الاشتراكية وليس قبلها والحال نفسه مع اساتذة الاقتصاد والتخطيط الاقتصادي. اما التخطيط الاقتصادي الذي شكل حجر الزاوية في البناء الاشتراكي فقد بدأ بتجارب تخطيطية ، لأنه لم تكن له اقسامه العلمية وتفرعاته المتخصصة في الجامعات كما هو الحال مع الاقتصاد الراسمالي. ه.

وقد تطلب التأليف في مجال الاقتصاد الاشتراكي والتخطيط الاقتصادي عقودا قبل ان تكون له اقسامه العلمية في الكليات والجامعات ، ان كل ذلك خضع لامتحانات صعبة واخفاقات في التطبيق العملي وما نتج عن ذلك من خسائر مادية وخيبات أمل دفع ثمنها غاليا السياسيون في تلك المرحلة من البناء الاشتراكي. اما التخطيط الزراعي فكان ميدانا لتجارب مريرة ما زالت موضوعا للدعاية المضادة ضد الاشتراكية وقادتها حتى اليوم التي حملت قيادة ستالين حينها مباشرة لأن الحكومة السوفيتية في عهده كانت أول من بادر الى أدخال اسلوب التخطيط في ميدان انتاج الغلال
.
البروفيسور بول سويزي في تقديمه المتحدث الاخير في الندوة المشار اليها في السطور السابقة قال : ينبغي على الاشتراكيين توجيه الاهتمام لمستقبل الرأسمالية عندما يبحثون مستقبل الاشتراكية. فهناك اتجاه في المعتقد يقلل من المصاعب التي تواجه الراسمالية حاليا. فالراسمالية ربحت الحرب الباردة وتمكنت من الاطاحة بالاشتراكية في الاتحاد السوفيتي واوربا الشرقية التي لم تكن اشتراكية مع ذلك اذ كانوا في الواقع قد بدئوا ببنائها. الرأسمالية من الناحية الأخرى ليست في احسن حال وفي حال أسوء في العالم الثالث.

الولايات المتحدة وهي البلد الأقوى هي في بداية مرحلة من مراحل الركود الاقتصادي وهو مؤشر على ان الأحوال ستكون أسوء في السنين المقبلة. اي شخص يتصور انه على معرفة بما يجري داخل الرأسمالية من خلال الكتابات المنشورة من قبل الاقتصاديين البرجوازيين وعلم الاجتماع هم ببساطة يخدعون أنفسهم. الطريق الوحيد لمعرفة ما يجري هو العودة الى التحليل الماركسي الذي له تاريخ طويل في التعامل مع مشاكل الاحتكار الراسمالي والامبريالية. مثل تلك التحليلات استندت حول فكرة الرأسمالية الناضجة ( أعلى مراحلها) التي تمر بحالة من الركود المتزايد وتضييق فرص الأرباح وهذا ما قاد الى الاحتكار والانفجار المالي وعولمة الاقتصاد. ان الذي لا يفهم ما يجري حاليا في عالم النظام الراسمالي فانه سيواجه مختلف أشكال التشوش السياسي والفكري ( انتهت مداخلة سويزي).ي.

وفي المداخلة التي اداها استاذ علم الاجتماع الأمريكي البروفيسور مانينغ مارابل ذكر فيها ان انهيار الاشتراكية أدى الى هيمنة راسمالية المحافظين الأرثودوكس الذين أعلنوا الانتصار وموت الماركسية والاشتراكية. لقد ادى هذا بعدد من الاشتراكيين الى التراجع الى ما قبل الماركسية ونفي حقيقة ان الصراع الطبقي يقرر العلاقات الاجتماعية. ففقدان الوزن الذي كان يحتله الاتحاد السوفيتي ضد الغرب كان له اثره البالغ على العالم الثالث. لقد جعل هذا الفقدان من السهل على الشركات متعددة الجنسية ان تهيمن وتستغل وتحول حركة عدم الانحياز الى حركة لا معنى ولا دور لها. وتحول الحركات الاجتماعية في الدول الاشتراكية السابقة الى حركات رجعية ما تلبث ان تنقلب على النظام الحالي لعدم انسجامها معه. وعلى أثر قمع حركة الطبقة العاملة في الولايات المتحدة تساءل الاستاذ مانينغ : هل الماركسة ما تزال أداة تحليلية رصينة للوضع السياسي – الاجتماعي الحالي؟
فأجاب : نعم ماتزال. فكفاح الطبقة العاملة ما يزال ضروريا كاداة لمواجهة الاستغلال والانقسام الطبقي وعدم المساواة وهو ما يزال في اعماق المجتمع الأمريكي. نحن شهود على بداية فصل جديد حيث تدخل الولايات المتحدة أزمة يخوضها الأغنياء ضد أكثرية المجتمع.. اما فيما يخص شعوب العالم الثالث فان اختفاء الاتحاد السوفيتي كداعم للدول النامية التي اعتمدت على دعمه اقتصاديا وسياسيا لم يعد موجودا. اليوم لا تجد دول العام الثالث من يدعمها وعليها ان تعتمد على نفسها أو تتعاون مع بعضها البعض. فالعالم بعد زوال الاتحاد السوفيتي اصبح في ليلة وضحاها غير العالم في وجوده. لقد توجت الولايات المتحدة نفسها سيدة العالم وعندما باشرت بفرض مشيئتها على دول العالم صغيرها وكبيرها كممتلكات كولينيالية فعلى الأخيرة قبول الواقع الجديد والاصغاء للشرطي الجديد الذي يتصرف منذ ذلك الوقت " كثعلب في حظيرة للدجاج ". ج.

وأنهى البروفيسور مانينغ مداخلته قائلا : الديمقراطية لا تعني فقط الحقوق السياسية ، انها تعني تغيير النظام الاقتصادي السائد لضمان حصول المحرومين على حقهم في العمل والسكن والرعاية الصحية والتعليم واساسيات الحياة المعيشية. الدروس المستخلصة من التاريخ تعلمنا بأن تحقيق الاشتراكية لاينتهي باطاحة السلطة البرجوازية بثورة أو بانقلاب فرغم أهمية هذا الانجاز هناك ماهو أكثر اهمية وصعوبة وهو الوصول الى الأهداف التي من اجلها قامت السلطة الاشتراكية وعليها يعتمد مستقبل الاشتراكية في العالم.
علي الأسدي
: لمزيد من الاطلاع يراجع
*- WikipediA- The Free Encyclopedia , Labour and Communist Parties Meeting in Athens , Greece 1998
**- Mike Morris The Future of Socialism Michigan State University,Transformation 14 , 1991
***- Paul Sweezy , The Commetment of Intellectual, Monthly Review , An Independent Socialist Magazine..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا