الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حكمة الجدة !!
لينا صلاح الدين
كاتبة
(Lena Saladin)
2017 / 7 / 20
الادب والفن
خلال بحثي التأريخي في الوجود و الإنسان، تمر علي الكثير من العبارات التي كتبها مفكرون وأدباء ، تحولت عباراتهم إلى حكم وأقوال مأثورة يتم تداولها بشكل متواصل يوميا لدرجة إقترابها من المقدس. الطريف أنني عندما أستنبىء عن فحوى كثير من هذه الحكم أجد بأنها لا تتجاوز كونها جمل إنشائية ، وأنها ليست بذلك العمق الذي يدفعني للقول بأن الإتيان بمثل هذه العبارات كان في حاجة إلى تفلسف !! فكثير منها يمكن للجدة الأمية أن تقولها لأحفادها. مثل مقولة باييف: الذهب يعزي المرأة، أو مقوله هيجل: الفن هو الروح، أو حكمه شيشرون : بيت بلا كتب جسد بلا روح،أو حكمه فولتير: الشهره حمل ثقيل، أو مقوله مصطفى محمود لا تعالج الحمى ببرشام البرد ولا تصلي سنه وتستنى ثواب الفرض، أو مقوله شيكسبير : أكون أو لا أكون. صدقا لا أرى ما هو المستحدث في أقوال كهذه تخلو من أي استطراف !! وعلى الرغم من إحتواء هذه الجمل على معلومات صحيحة على الأغلب، لكنها ليست إعجازا لغويا أو حدثا إستباقيا حتى يتم تقديسها بهذا الشكل المريب !!
عندما إفتتح شيكسبير مسرحيته هاملت بجملة أكون أو لا أكون ، فإن كل من قرأ المسرحية يدرك ببساطة أن المقولة تعبر عما كان يجوب في ذهن هاملت الذي كان يفكر في الإنتقام لمقتل والده، فأخذ المسألة كتحدي. لكن الغموض النسبي الذي في المقولة دفع الكثيرين لمنحها تأويلات بعيدة. فحوروا فكرة الإنتقام البسيطة هذه إلى قضية وجودية فلسفية، قضية صراع داخل الذات وفي أوصال النومينون. فتم بذلك إحاطة هذه المقولة بهالة وقدسية أكثر مما تستحق بكثير.
لنتفحص حكمة مشهورة مثل حكمة جورج أورويل التي مفادها "عليك أن تملك الوعي الكافي لتصل لمرحلة اللاوعي، ثم اللاوعي الكافي كي تنسى هذه العملية". سنجد أن هذه الحكمة في الحقيقة تخلو من أي دلالة منطقية ؛ وصول الإنسان إلى مرحلة من اللاوعي تعني وصوله إلى مرحلة عدم القدرة على إعطاء دلالات ومعاني للأشياء التي من حوله ، وما هو بديهي أن الإنسان كلما إزداد علما كلما إزداد وعيا ، وكلما إزداد وعيا كلما إزداد تعمقا فيما وراء الواقع وليس ما صوره لنا جورج بأنه سيزداد عجزا عن تحليل الواقع نفسه.
لننتقل إلى حكمة مشهورة أخرى هي حكمة الفيلسوف جان جاك روسو 《المرأة كائن طويل الشعر قصير التفكير》بغض النظر عن التعميم الذي في المقولة، وبغض النظر عن الإحترام المفتقد فيها والذي لا يتماشى مع مكانة هذا الفيلسوف، والذي يعد تجاوزا أخلاقيا وإطاحة بالذوق العام. فإن المعلومة المذكورة في المقولة ليس لها سند علمي حتى يتم تداولها بين الناس وكأنها مسلمة علمية من غير قراءة نقدية لها!! ما دعمه العلم هو إختلاف نمطية التفكير بين الجنسين ولكنه لم يعط الأفضلية لأي منهما. أما إذا إبتعدنا عن الجانب العلمي وتعمقنا في الجانب الأدبي للمقولة فسنجد أن رجلا أميا مستلقيا على الطريق يمكن أن يأتي بمثل هذه المقولة عندما تمر أمامه عشيقته التي أطاحت بقلبه.
لتدرك عزيزي القارىء أنني لست هنا بصدد إنكار ما قدمه هؤلاء لنا، إنما دعواي أننا يجب قبل كل شيء ألا نتعامل معهم بغلو، ولندرك أن ما صنع منهم مفكرين في الأساس هو كونهم أعطوا نظريات من سبقوهم من مفكرين حجمها الحقيقي حتى تداركوا فجواتها وأعادوا ترميمها، وها قد حان دورنا لكي نرمم فجوات هؤلاء كذلك، ومن هنا أخذ العلم صفه(التراكمي). وأن الغلو والإنسياق العاطفي في التعامل معهم، إنما يعتبر في حد ذاته نقضا لرسالتهم التي تستدعينا لإستخدام المنطق.
إنني رغم كرهي الهستيري لشيء يسمى تأريخ، إلا أنني قد تعلمت منه شيئا .. تعلمت منه أن إنتاج المعرفة لكي يتم ذكره في التأريخ لا بد وأن يتبعه تسويق لتلكم الإنتاجيات، فمن تناقلهم التأريخ ليس شرطا أنهم أفضل المفكرين الذين شهدتهم البشرية ولكن حتما كان لهم نصيب من ذاك التسويق. وتبقى الحكمة في النهاية مجرد تنظير يستند إلى تجارب شخصية، ولكنها ليست حقيقة علمية. فقبل أن تقوم بإقتباس حكمة فقط لأن كاتبها معروف، تأكد أولا أن تلك الحكمة لم تقلها لك مسبقا (جدتك الأمية !!!).
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فودكاست الميادين| مع الممثل والكاتب والمخرج اللبناني رودني ح
.. كسرة أدهم الشاعر بعد ما فقد أعز أصحابه?? #مليحة
.. أدهم الشاعر يودع زمايله الشهداء في حادث هجوم معبر السلوم الب
.. بعد إيقافه قرر يتفرغ للتمثيل كزبرة يدخل عالم التمثيل بفيلم
.. حديث السوشال | الفنانة -نجوى كرم- تثير الجدل برؤيتها المسيح