الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقدمة ديوان - مكب اللامة - للزجال محمد الحبيب العسالي

نقوس المهدي

2017 / 7 / 23
الادب والفن


مقدمة ديوان " مكب اللامة " للزجال محمد الحبيب العسالي

"لكلام عسل والصوت شهدة"
الشيخ إسماعيل المراكشي

يشكل الزجل كقرين ورديف للمحكيات الشعبية، والمقول، والملحون، والموشح، والأمثال العامية، والأحجيات، والقصص، والألغاز، والخرافات، والخوارق، والممارسات، والعادات، والفولكلور، وأنماط عيش، والكلام المنظوم والشفهي المسجوع إحدى دعامات الذاكرة الشعبية وعنوان سماتها الحضارية وهي ترطن بعديد انتمائها القبلي ولغوها ولهجاتها وألسنها وكثافاتها وانزياحاتها وخصائصها الوظيفية، وجدية طروحاتها وفيض أحاسيسها ومشاعرها، واقترانه بالإنشاد والصوت والإيقاع والأداء الغنائي يتأتى من التفسير المعجمي للكلمة بحسب اللغويين، وعطفا على هذا نستل من كتاب "بلوغ الأمل في فن الزجل" لأبي بكر حجة الحموي قولته الشهيرة: "... وإنما سمي هذا الفن زجلا لأنه لا يلتذ به وتفهم مقاطع أوزانه حتى يغنى به ويصوت"، وذلك للتدليل على العلاقة الوطيدة بين الزجل والأداء الصوتي مما يطرب له العامة، وبهذا التوصيف يعتبر فن الزجل مرآة تعكس مظاهر الحياة قديمها وحديثها ومستقبلها، وضربا من ضروب القول الشعري، وأداة للتواصل والتطريب السماعي، ونوعا من العلامات المميزة للإنسان.

وما دمنا بصدد الحديث عن أصول الزجل وتطوره، فإننا لا ننسى التأكيد بان القصيدة الزجلية في أرض احمر، تنماز بفورة كبيرة كونها محصلة تاريخية ومرجعية لغوية وتراثية نظرا لما تزخر به المنطقة من تقاليد وموروثات، وتمثلات اجتماعية، وحكايات الجدات حول دفء الكوانين، وهدهدة الأمهات للأطفال، ومسامرات الرجال في المجالس، ومواويل الحصادين والرعاة في الحقول، وطرب الفرق الشعبية في الأرباض القصية، وأهازيج النساء في المناسبات من ثراء لغوي يمتح من قاع الريف الحمري، ويعتبر قاموسه الغزير والغني الأقدر بين صنوف التعبير على استيعاب هموم المجتمع، والنبع الصافي الذي تغترف منه الصور الشعرية والمضامين والمعاني والأخيلة والهموم من دون خيانة لقصدية الكلام ورسالته النبيلة، وليس غرورا أو تعاليا أو خرما في الذاكرة القول بملء الأفواه أيضا بأن "مدرسة احمر للزجل"، شأنها شان مدرسة الأمراء بالشماعية التي لعبت دورا رياديا في تلقين علوم الدين والرماية والفروسية، وظلت لعهود مديدة محجا لأبناء السلاطين والأعيان من كل مناحي البلاد، وقباب الصلحاء والزوايا وأسرارهم ويركاتهم، ومزارات الأولياء التي تقدر بأحجار القبيلة، تكاد أن تنفرد بين مناطق المغرب بثراء عطائها وتنوع وفرادة معجمها الذي يأتي في المنزلة بين العامي / العروبي والمعرب، وأصالة تجاربها ووفرة شعرائها، وعلو منسوب شاعريتها التي لا تزيد النفوس إلا بهاء وفرحا وانشراحا، وما قلناه عن الزجل ومهده ومعجمه ومراحل تطوره ومدرسته المائزة، نقوله أيضا وأيضا يقينا عن الذين ساهموا في صياغة قصيدته رسما وتنظيرا وتقعيدا، وأكدوا حضورهم الوازن حفاظا على الهوية الثقافية الوطنية والمحلية، وصونا للسمات الحضارية والجغرافية لدارجنا المغربي الأصيل من الاندثار والضياع والتهجين والتدجين، من طينة الشعراء إدريس بلعطار، والحاج محمد صبالا، وتوفيق الأبيض، ومحمد العسالي، وفاطمة القاسمي المعاشية الملقبة بالتونسية، ومليكة فتح الإسلام، مريم بن بحثة، وعبد الكريم اليانوس، والغالية كرم، واحمد دحمون، ومحمد مومني وغيرهم ممن يوقنون بوافر من الوثوقية وثبات في الرأي بأن القصيدة الزجلية مخاض عسير ومعاناة ونشوة ولادة، ونسغ جمالي يسري في أوصال الروح الشاعرة، وليست لهوا ولا هرقا للمداد على البياض.

وما دمنا بصدد الحديث عن طبيعة الزجل والأدب الشعبي ومصادره التاريخية بمنطقة احمر لا بد من التطرق للقاموس الذي يغترف منه الشاعر محمد الحبيب العسالي ألفاظه التي لم تتلوث بشوائب أهل الحضر، والوسط الاجتماعي الذي يستقي منه صوره الشعرية وتعبيراته المغرقة في بدويتها وبساطتها التي ترتبط بأصالة وبساطة أناس قبيلة احمر، وهم قوم لهم شرف الانتماء إلى حمير من اليمن السعيد، ويحرص اشد الحرص على أن تبقى مفرداته العتيقة ترجمانا لحال الناس، فريدة أصيلة وفية لطبيعة المنطقة، ومحافظة أمينة على سر أصالة وجمالية منطوقها، الذي يقع في المنزلة بين المنزلتين بين العامي والمعرب، والتي تشهد عليها قصائد الديوان السبع: فتيات السكات - سولو ولا تعولو - الحايط الكًايم - كيد الحروف - مكب اللامة - شياه الحال - سلطان القوافي، بعيدا عن أية عدوى خارجية لشعر الملحون والموشح ورهانات الحداثة التي تستهدف العديد من النصوص العامية المغربية.

كما لا أنسى في هذا المقام أن أزجي الشكر الجزيل للصديق المبدع محمد الحبيب العسالي على الثقة التي غمرني بها، وهو يوصيني رفقا بنصوص "مكب اللامة"، التي اعتبرها حصيلة عِشْرته الطويلة الأمد مع الكلمة الهادفة والرصينة، وصولة ضمن حركاته ونضالاته الإبداعية المكلوءة بوجع البصيرة، وحرقة الكلمة، وسطوة القلق الوجودي، وسعة الخيال، وطراوة الأحلام، ومرارة التضحية، مضمرا في دخيلته مشاريع عريضة من الكلام المباح ما يزال، واضعا نقاطا متتالية متجاورة أمام الحرف الأخير من الكلمة الأخيرة في السطر الأخير من الصفحة الأخيرة ليوحي بأن ما أشرق به صبح اليقين وتنفس بعد انتظار طويل ليس هو الأخير وإنما استهلالا لقصائد وبراول وإشراقات ورؤى ومايات لم تنكتب بعد...



المهدي نقوس
اليوسفية في 18/01/2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة


.. الفنان صابر الرباعي في لقاء سابق أحلم بتقديم حفلة في كل بلد




.. الفنانة السودانية هند الطاهر في ضيافة برنامج كافيه شو