الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العمل المنزلي والعبودية المقننة.

كريم اعا

2017 / 7 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


يكفي أن تستمع لذكرين يتحدثان عن العمل المنزلي لتستشف كيف ينظر المجتمع الذكوري لهذا الأخير وكيف يعتبره تخصصا نسائيا صرفيا، وعملا غير ذي قيمة. لكن قراءة في القوانين التي تصدر عن دولة الملاك تؤكد بما لا يدع مجالا للشك ما تعانيه الطبقة العاملة عموما، والنساء منها بشكل خاص من استغلال واضطهاد، وعدم اعتراف بما تقدمه من خدمات عليها يتوقف كامل بنيان النظام الاجتماعي.
فتحقير العمل المنزلي حين يتخذ طابعا مؤسسيا ويصبح مجازا بمنطوق قوانين يتم التطبيل والتهليل لها يجعلنا ندرك أننا نعيش في نظام لا يؤمن بكرامة الإنسان وبضرورة تمتيعه بحقوقه الأساسية كاملة.
إن قراءة في القانون المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6493 بتاريخ 22 غشت 2016، تجعلنا نجزم أن الطبقة العاملة ستظل مضطهدة ما دامت غير موحدة وغير واعية بمصالحها الطبقية وبتضليل وتعتيم أعدائها.
مدبجو القانون المذكور، ومن حيث لا يدرون أبانوا عن ذكورية مقيتة إذ تحدثوا عن العاملة المنزلية قبل العامل المنزلي وهو ما لا أثر له في باقي النصوص كمدونة الشغل المشؤومة التي تتحدث عن الأجراء بصفة عامة، إلا في بعض الاستثناءات. وأكاد أجزم أنه لو تحدث القانون في مادته الثانية عن المهام الثلاث الأولى الواردة فيه فقط، لما تم ذكر العامل المنزلي بين سطوره. هو استمرار لحرب ظلامية تستهدف النساء وإبقائهن تحت سيطرة الفكر العبودي المقيت لأن تحرر النساء الفكري شرط أساسي لتحرر الطبقة العاملة.
أول ما يكرسه القانون المذكور هو الاستغلال البشع للطبقة العاملة عبر حديثه عن عقود عمل محددة وغير محددة في مادته الثالثة، وما يعنيه ذلك من فتح المجال أمام المشغل/السيد لممارسة سلطويته على العامل/العبد. وهذا أسلوب دأب الرأسماليون على اتباعه لتشتيت الطبقة العاملة ومنعها من الاستقرار والتوحد والقوة.
لقد تم ضرب حق الاستقرار في مجالات عدة ليسهل تكسير النضالات والتعسف على الطبقة العاملة وحرمانها من حقوقها وعلى رأسها الحق في التنظيم والإضراب.
نحن نرى كل يوم حال الشغيلة في وحدات كبرى تشغل أعدادا كبيرة من الأفراد، وكيف يتم الاعتداء عليها وحرمانها حتى من الحقوق البئيسة المتضمنة في قوانين دولة الملاك، فكيف سيكون حال العمال المنزليين الفرادى إزاء أسياد يعتبرونهم في الغالب من الحالات خدما وحشما؟
تشير المادة السابعة إلى أنه "يمنع تسخير العاملة أو العامل المنزلي لأداء الشغل قهرا أو جبرا". ألا يعتبر التشغيل بعقد محدد قهرا؟ أليس تشغيله بأجر بئيس جبرا مضاعفا؟ أليس النظر إليه باستخفاف ودونية أكبر عنف؟ ضحك على الذقون حين تتغاضى عن الظروف المعيشية البئيسة التي تدفع هؤلاء للقبول بهذه الأعمال التي ينظر إليها بحقارة ولا احترام.
وهاهو النص يعترف بما نقول ويؤكده. فهو في مادته الحادية عشرة يشير ضمنا للخلفية الاجتماعية لهؤلاء عند حديثه عن استفادتهم من برامج محو الأمية والتربية غير النظامية. إن دولة الملاك تستثمر في الجهل والبؤس لأنها تدرك أن التعليم تنوير وتحققه سيجر عليها ويلات الشعب.
العمال المنزليون ضحايا التعليم الطبقي خزان لخدمة السادة في البيوت والاعتناء بالحديقة وسيارات المحظوظين.
المادة الثانية عشرة تظهر أننا إزاء عقلية إقطاعية تضع السلامة والصحة قبل الكرامة. أوليست الأخيرة سابقة على الأوليين وشرط تحققهما كاملتين. هي عقلية الخبز والجسد قبل الحرية والأنفة والاعتزاز بالنفس.
لقد حدد النص مدة العمل في الأشغال المنزلية في ثمانية وأربعين ساعة في الأسبوع، مع يوم راحة أسبوعية لا تقل عن أربعة وعشرين ساعة متصلة. أي أن العامل سيشتغل نظريا بمعدل ثماني ساعات يوميا. وهنا نتساءل كيف لعامل يشتغل في منزل أن يحتسب هذه الساعات المحددة ويفرض على مشغله احترامها، خصوصا إذا كان مقيما عند مشغله؟ واقع الحال يثبت أن هؤلاء العمال عبيد جدد عند أسياد يعيشون بيننا.
عند حديث النص عن العمل والعطل في الباب الثالث نلاحظ ورود عبارات تراضي أو اتفاق الطرفين إحدى عشرة مرة في ما يتعلق بحقوق العمال فقط. وهكذا تصير الأخيرة معرضة للتجاوز بعبارة "باتفاق الطرفين"، ونحن نعلم جيدا عدم توازن العلاقة بين الأخيرين.
يتم الالتفاف حول ما قدمه النص بعبارات عامة وتحمل الكثير من الغبن والإذلال للطرف المقهور والمجوع والملزم ببيع قوة عمله بثمن بخس.
تناول النص لأجرة العمال المنزليين يجعلنا نتأكد مرة أخرى مدى الدونية التي ينظر إليها للعمل المنزلي. فإذا كان الحد الأدنى للأجر، والذي بالمناسبة تشتكي البرجوازية من رفعه بنسب مخجلة، لا يسمح للعامل بالعيش بكرامة وفي ظروف تمكنه من الإحساس بإنسانيته، فإن هذا الحد يعكس الغبن الذي يطال الطبقة العاملة في مختلف مواقعها، والغبن المضاعف الذي يطال قطاعات بعينها والنساء أينما حللن وارتحلن للعمل.
الحد الأدنى للأجر يكرس التفاوت بين قطاع الصناعة والتجارة والخدمات الحرة الذي يبلغ الأخير فيه 2586.84 درهما (حسب الموقع الإلكتروني ل CNNS)، والقطاع الفلاحي حيث يبلغ 1812.98 درهما، وعمال البيوت الذين لا يجب أن يقل أجرهم عن 60% من الحد الأدنى في القطاع الأول، أي أن الحد الأدنى للأجر يجب ألا يقل عن 1552.10 درهما بمعدل 8.08 درهما للساعة.
كيف يمكن لفرد يتلقى هذا الفتات أن يعيش في عالم سمته تزايد الأسعار وتراجع جميع الخدمات الاجتماعية؟ أليس هذا الأجر حكما على هؤلاء بعيش عبودية الأسياد طوال قدرتهم على العمل؟ أليست هذه التشريعات والقوانين تعبيرا صارخا عن دولة الملاك والأسياد؟
وها هو النص يتحدث عن الفصل ويفصل في التعويض الناتج عنه، دون أن ينبس ببنت شفة عن موجباته ولا دوافعه ولا أسبابه.
سيضطر السيد لدفع مبلغ 776.64 درهما عن كل سنة أو جزء من السنة من الشغل الفعلي خلال الخمس سنوات الأولى، ومبلغ 1163.52 درهما خلال السنة السادسة إلى السنة العاشرة، ومبلغ 1551.36 درهما خلال السنة الحادية عشرة إلى السنة الخامسة عشرة، وأخيرا مبلغ 1939.20 درهما بعد السنة الخامسة عشرة.
يمكن أن تشتغل لما يزيد عن خمسة عشرة سنة وتتعرض للفصل حين تصبح غير قادر على أداء فروض العبودية والذل لأسيادك.
لاحظوا سخاء مشرعي دولة الملاك. بعد خمسة عشرة سنة من السخرة سيتحصل العامل المفصول على مبلغ 17457.60 درهما.
على من يضحك هؤلاء!!!! يا للعار!!! يا للعار!!!
سيتم احتساب هذه المكتسبات العظيمة ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ والذي حدد في انصرام أجل سنة ابتداء من تاريخ نشر النصوص اللازمة لتطبيقه التام بالجريدة الرسمية. "سير ضيم" كما يقول المثل الشعبي.
المثير للشفقة أن مشرعي دولة الملاك وبدون حياء يشرعون لتشغيل الأطفال تحت مسميات إعطاء فترة انتقالية مدتها خمس سنوات، ويمكن أن تصبح أطول عندما تم ربطها بصدور القوانين التنظيمية في المادة سبعة وعشرين، لمن يشغل "أشخاصا تتراوح أعمارهم بين ستة عشرة وثمانية عشرة سنة".
بدل البحث عن القضاء على الظروف الاجتماعية التي تدفع الأطفال لدخول عالم العبودية والعمل على القضاء عليها نجد مشرعي دولة الملاك تدبج القوانين وتنتج التعبيرات الإنشائية لتكريس عمالة الأطفال وبؤس الطبقة العاملة.
إن المادة عشرين تفتح الباب أمام الاقتطاع من الأجر وتتيح للسيد إمكانية اقتطاع أكثر من أجر يوم عمل في حال التغيب بدون ترخيص عندما أقحمت عبارة "الاتفاق بين الطرفين".
الطبقة العاملة مطالبة بالنضال من أجل توفير حقوق مادية وديمقراطية تضمن لها الكرامة وتحفظ لها إنسانيتها، وبالعمل من أجل إعادة الاعتبار لكل أنواع العمل وفي مقدمتها العمل المنزلي، وعدم ربطه بالنساء، وهو ما لن يتحقق إلا بفرو تنظيمها والعمل على إنجاز مهام الثورة الوطنية، الديمقراطية والشعبية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هو بنك الأهداف الإيرانية التي قد تستهدفها إسرائيل في ردها


.. السيول تجتاح مطار دبي الدولي




.. قائد القوات البرية الإيرانية: نحن في ذروة الاستعداد وقد فرضن


.. قبل قضية حبيبة الشماع.. تفاصيل تعرض إعلامية مصرية للاختطاف ع




.. -العربية- ترصد شهادات عائلات تحاول التأقلم في ظل النزوح القس