الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التمظهر الديمقراطي

وئام قشوط

2017 / 7 / 26
مواضيع وابحاث سياسية



تبدو العقلية العربية مندهشة مرهقة للتحايل على فهم ماهية الديمقراطية. تلك الكلمة مصدر قلق وريبة، بل هي غريم يهدّد أمنهم واستقرارهم. انتقى سكان المتوسط من العرب خاصية استعارة الديمقراطية حسب احتياجاتهم لإرضاء الغرب، وهم يقدمون الأعذار المعهودة بكونهم مجتمعات ذات خصوصية، والديمقراطية بمفهومها الأصيل لا تتماشى ومعتقداتهم وأعرافهم وتقاليدهم، وبالتالي سعيهم الدؤوب للتمظهر الديمقراطي.
يمكن تعريف التمظهر الديمقراطي وتلخيصه بأنه : استعاره ظاهرية تنكرية للأدوات الديمقراطية كوسيلة ميكافلية بحثة تنتفى عنها مبادئ القيم الديمقراطية ،تستخدمها الحركات اليمينية المؤدلجة الهشة فى بداياتها ،بغرض الوصول للسلطه. وتتنكر لاحقاً منها وتكفرها فى مراحل متقدمه من تحكمها بزمام السلطة مصائر الشعوب بمظهر استبدادي ديكتاتوري ديني كان او عسكري .
إن تاريخ المتوسط حافل بالحضارات المتوافدة، بينما التطور والتغيير سمة أساسية بالمتوسط حيث مراكز التجّار هذه على طول سواحله. مياه المتوسط لم تكن مياهاً مالحة تسهّل عملية انتقال السفن، بل هي مياه معرفية ثرية أمواجها تضرب ضفاف أوروبا وآسيا وإفريقيا لتحظى بلون ثلاثي... تلك هي جغرافيا وجودنا.
الجغرافيا وامتدادها الإقليمي تسبق السياسات وتسبق الديانات وتسبق سيكولوجية الشعوب وميلهم الثقافي، وبذلك نحن شعوب متوسطية قبل أن نكون عرباً وأوروبيين وآسيويين ومسيحيين مسلمين.
شهد متوسطنا التجارب الديمقراطية منذ وقت مبكر، يعود ذلك لدولة المدينة في أثينا. منذ العام 508 حتى العام 267 قبل الميلاد تنوعت شعوب المتوسط بلغاتها المتعددة حتى أضحت اللغة عائقاً، ولم يبق اليوم سوى لغة الموج والماء وأنظمة الحكم المتباينة.

يتبلور هذا التمظهر الديمقراطي في تأسيس المسميات والمؤسسات المفرّغة من وظيفتها وتوظيف الأدوات الديمقراطية، وبذلك تنتقي الأحزاب المؤدلجة دون غيرها، والانتخابات وسيلة جيدة للسلطة واحترام نتائجها، إذا ما تناغمت وتطلاعات برامجها التى تزيد من الانتكاس الحضاري والفكري؛ ينتقي من الديمقراطية الشكل الصوري للمجالس النيابية والسلطات الثلاث التي غالباً ما تكون متداخلة من حيث الاختصاص، وتتحايل على المجتمع الدولي بالتوقيع على المعاهدات والاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان، وتتحفظ على أغلب المواد الجوهرية التي تعنى حقاً بحفظ الحقوق مبررة ذلك بتعارضها وتشريعات الدول ولوائحها القانونية والتشريعات السماوية، لنصل بذلك إلى القبول الممتنع والتهرب من إلزامية التطبيق يمنح الدول العربية صفة العبث وعدم التعاون مع الدول الأعضاء لتحقيق مقاصد وأهداف الأمم المتحدة التي تعمل أغلب الدول الوظيفية البسيطة على إفشال برامجها بإبداء تعاون مشروط يكرس من جهل مواطنيها.
من الممكن رصد ذلك على سبيل المثال من خلال التوقيع على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، أو معاهدة سيدوا، فأغلب الدول العربية أبدت تحفظها على المادة 16 وذلك فيما يتعلق بمنح المرأة الجنسية لأطفالها، وفيما يخص تنظيم الأسرة والزواج. وأصبحت تلك التجزئة لتمظهر المرأة مجرد ملصق دعائي في خطاباتهم السياسية لكن عند التنفيذ... ذلك ببساطة غير ممكن، وغير مسموح به، ويتمثل هذا التمظهر في شعارات إشراك ودعم المرأة من خلال وزارتين (غالباً 15‎ %‎ من المقاعد النيابية).
لا يخفى علينا أن المنظومة الفكرية السائدة لا تقبل بحرية الرأي والفكر ولا تؤمن بحقوق المرأة، وخاصة السياسية، وحقها بتقلد المناصب السيادية. لكن عند الحديث عن ترشح النساء لمنصب رئيسة للدولة أو زعيمة حزب فإن ذلك يبدو أمراً غير مقبول، بل ولربما مدعاة للسخرية، ويراه البعض دعابة لطيفة، وآخرون سيدعمون ترشحها ويعملون على فشلها لتأكيد عدم أهلية السيدات لمنصب إدارة شؤون الدولة.
الدساتير في أغلب دول المتوسط لا تعارض مشاركة المرأة السياسية من الناحية التشريعية، لكن بواقع الحال ذلك بعيد التطبيق، وعندما تعلو الأصوات النسائية مطالبة بنظام الحصة (الكوتا) نجد مطالبة خجولة بحقوقهن بالمواطنة. ذلك نتاج الوعي المجتمعي لمكانة المرأة مقارنة بالرجل، ولم أتعجب كثيراً من سماع صديقتي الحقوقية وهى تحدثني عن تجربتها الأخيرة ضمن حملة "بـ30 نبدأ"، المقامة في طرابلس ليبيا، وعن تفكير زميلاتها بالدونية والتلقين السلبي من قبل الأحزاب اللواتي ينتمين إليها، فقد عارضن بشدة مقترح المطالبة بكوتا نسائية بنسبة 50% من المقاعد النيابية في إشارة منهم بأن ذلك يعد مساواة كاملة مع الرجل، وكلمة إقصاء المرأة في المشاركة السياسية هي عبارة تدعو لاستفزاز الرجال. على الرغم من تدريبهم المستمر بالدول الأورومتوسطية إلا أنهم يتحصلون على التدريب الديمقراطي ويمارسون التمظهر الديموقراطي.
يشير تناول مواضيع المواطنة، وخاصة الحق في الترشح بعاطفية، إلى أنه يتم بقصور ذهني، فالاستخفاف بالحقوق يبدو راسخاً في عدم شعورهم بالمسؤولية وفي عدم موضوعيتهم وجديتهم. الأمر الذي يشرع أبواب الاستبداد، التماهي والصمت، هى موافقة ضمنيّة، وبذلك لن تحظى المرأة بحصتها من شمس الديمقراطية بل تم استغلالها والتمظهر بها أيضاً.
لقد وجدت فكرة التمظهر رواجاً كبيراً عقب ربيع الثروات العربية، فالتيار الإسلامي الرديكالي كان حينذاك يتمتع بشعبوية واسعة، لكنه الآن لا يجد طريقاً له خلال الانتخابات القادمة في كل المنطقة. لقد باتت استراتيجيات الاحتيال السلطوي الميكيافلي مكشوفة وواضحة.
ولكن علينا أن لا نكون متفائلين جداً، وأن نعي اتجاهات المرحلة. ما سيحدث هو تقليص انتشارهم ونفودهم نتاجَ سياساتهم الخاطئة، لكنهم لن يتوقفوا عن التمظهر إلا بتنامي تيار مدني ليبرالي يمثل دوره الصحيح ضمن آليات ديمقراطية حقيقة.
الديمقراطية لا تُهجَّن. بالثقافات والعادات لونها واضح ومذهبها الليبيرالية
الصحراء لايمكنها التهام المتوسط بل فيضان مياه المتوسط المعرفية هي من ستزور الصحراء وتمنحها الحياة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة