الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهجرة الجبرية واعادة ترسيم المجتمع العربي من جديد

مازن مرسول محمد

2017 / 7 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الهجرة الجبرية واعادة ترسيم المجتمع العربي من جديد
د. مازن مرسول محمد
تختلف مؤشرات الهجرة البشرية من فترة زمنية لاخرى بحسب الظروف والازمات التي تمر بها المجتمعات ووفقا لمقاصد وغايات البشر ، اذ قد يهاجر الانسان من بلده لاخر لعدة اسباب ، منها ما يكون جبري وهو الذي بصدد الاشارة له وفقا للظروف والمراحل الصعبة التي يمر بها ، وقد يكون لاغراض منها طلب الرزق او تحصيل واستكمال المعرفة او للتطبيب وتغيير الأحوال وأسباب متفرقة ، وعلى هذه الشاكلة استمر الانسان بالتنقل بين المجتمعات ، الا ان الهجرة وترك البلاد بصورة مرعبة بسبب ما يمر به من ظروف استثنائية ، بمرور الوقت قد يشكل علامة استفهام لما سيؤول اليه حال هذا البلد بفقدان مرتكزات بناءه الا وهي الانسان بحد ذاته .
يمر المجتمع العربي اليوم بفترة عصيبة جدا على مقدراته وبناه وحاضره ومستقبله تمثلت بنزوح الكثير من ابناءه خارجه وتركه وفقا لما مر به خلال السنوات المنصرمة من ثورات انتجت عدة حروب ومشكلات سياسية وعسكرية جديدة في المنطقة وما آلت اليه الامور من تغيير ملامح صور عدد من البلدان بشكل اثر على اسسها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فاصبحت هناك رغبة بل جدية واضطرار للهجرة بحثا عن ملاذات آمنة ممكن ان توفر ابسط مقومات العيش لافراد هذه البلدان التي دخلت دائرة التغيير وحمى الحرب التي استنزفت كل مقدراتها .
على الطرف الاخر خارج المجتمع العربي كانت الوجهة بتزايد لكثير من افراد هذا المجتمع للمجتمعات الاوروبية والغربية وحلم العيش في فردوس الحياة ، لما يتوافر هناك من بيئة افضل وفقا لما يحدث بها ومؤشرات العيش فيها واستحقاق الحياة البشرية ، فلم يشمل الامر هاجس الهجرة لابناء البلدان التي دخلت حمى الاضطراب فحسب ، وانما العدوى انتقلت لتشمل ابناء المجتمعات الاخرى التي تميزت باستقرارها نوعا ما ، على ان لا ننسى ان الهجرة نحو اوروبا والغرب ليست وليدة اللحظة وقد هاجر الكثير من ابناء المجتمع العربي وقد فعلوا ذلك وما زالوا ، الا ان تكون المسالة بهذا الحجم وبهذه الصورة فذلك يتطلب الوقوف على المآلات التي ستؤول اليها بلدانهم بعد كل هذا الاقتلاع من الجذور .
ان الشعور بالاغتراب في بلد تحيا به قد يدفعك ذلك للبحث عن توافق في بلدان اخرى قد تلبي طموحاتك العديدة ، ان ما يمكن ان يؤشر من بعد كل هذه الفورة المحمومة للهجرة وترك البلاد العربية على الاكثر ، هو القلق بشكل جدي على مستقبل البلدان التي تركها أبناؤها ، فمن المعروف ان الامم تبنى بسواعد أبناؤها بعقولهم وطاقاتهم لتصبح موازية لبلدان التطور والتنمية والتقدم ، لكن عندمت تطرد هذه البلدان كل طاقاتها ، فمن الذي سيؤسس لقادة تقود المجتمع ، ومن الذي يبني ويعمل ويخطط ويواجه المشكلات ، وبخاصة ان الكثير من القوة المهاجرة هي من الكفاءات والطاقات الشبابية القادرة على العمل والانتاج ، وبالمقابل ستشكل هذه الموجة تعزيزا لطاقات الكثير من البلدان المهاجر لها ، وخصوصا العقول التي ممكن ان تنفع البلاد التي تقطن بها .
اننا كمجتمع عربي امام انسلاخ بشري كارثي وانسحاب ملموس قد ترجمته هذه الهجرات وكذلك الطموح بالهجرة في أية وقت وترك البلاد . اننا نعيش استنزافا كبيرا للطاقة البشرية التي قد تم اقصاؤها عمدا وجبرا بسبب حروب ومخاضات المنطقة وما حصدته من ارواح وطموح العيش في بيئة مناسبة وخسارة البلدان لكل افرادها . فما هو مصير بلداننا وقد دق جرس الخراب بفقدانها لاسباب تقدمها وتطورها ؟
نعم خرابها وذلك ليس بمبالغة ، فاستتنزاف الطاقة مستمر بإستمرار تردي الظروف وانحدارها وبالذات ما فعلته الخارطة السياسية في المنطقة العربية من اعادة قولبة للحياة من جديد ، حياة لا ترقى للعيش الانساني بابسط معانيه وتعزز بذلك النظرة الدونية التي ينظرها الكثير من العرب لانفسهم قبالة المجتمعات الاخرى ، فهل فعلا اصبحنا شعوبا طاردة لافرادها وبيئات غير ملائمة للعيش البشري ، ولما كان الامر بهذه الصورة هل ستتآكل هذه المجتمعات في طريقها للزوال ، بفقدانها لاسس قوتها وتقدمها وما يمكن ان تقوم به لإثبات الذات والبقاء للتنافس المحموم في عجلة الحياة البشرية ؟
بعد تغير مخيلات الكثير من افراد المجتمع العربي بهذا الاتجاه وتشبعها بلا جدوى هذا الجزء من العالم للعيش به ، فذلك بحد ذاته انتكاسة كبيرة لمجتمعاتنا ، وحتى لا تكون الامور بهذه السوداوية الفظيعة ، فيمكن القول ان تغيير الخارطة السياسية تغييرا يخدم معه الفرد العربي مما يؤثر على باقي قطاعات المجتمع من توفير بيئة مناسبة للعيش ، ممكن ان يثبت جذور ابناء هذا المجتمع ويصبح مجتمعا غير طاردا لابنائه وانما يعمل على بناء ذاته وذواتهم بالعمل معا ، لذا فالامر كفيل بالأنظمة العربية وما يمكن ان تحققه من سبيل لحياة أفضل للفرد العربي لتثبيت اسسه دون الانسلاخ عن المجتمع ، والا سيفوت الاوان ونخسر كل ما تم بناءه من تاسيس وحضارات شغلت العالم ردحا من الزمن . قد يكون ذلك إشارات انذار تلوح بالأفق لما سيؤول اليه مصيرنا ان بقي الامر على ما هو عليه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن