الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعلام العربي - إكلينيكية الانتظار -

طلال سيف
كاتب و روائي. عضو اتحاد كتاب مصر.

(Talal Seif)

2017 / 7 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


حينما يتنافى الاصطلاح مع الإجراء مع اللغوي من مصدره ، فيعد هذا مقدمات مرَّضية للعلم أو الفن الذي نحن بصدد الوقوف عليه . لا شك أن هناك حالة من الهوس الفضائي فى العقدين الأخيرين ، مع نهايات القرن العشرين و بديات الواحد و العشرين . بعدما كانت المحطات التليفزيونية الأرضية مملوكة للحكومات ،ومن ثم جاء عالم الفضائيات مقرونا بالعولمة ، كي يدوي بصرخات الحرية ، استنادا إلى المواثيق الصحافية العالمية و الحريات التي أقرتها الأمم المتحدة . هذه الصرخة العربية استندت فى أساسها المعرفي على تعريف الإعلام كما جاء عند بن منظور بمفهومه اللغوي " الإخبار " ثم المفهوم الاصطلاحي الذي تعدد عند الخبراء مثل لازويل و إبراهيم إمام و غيرهما من المنظرين ، الذين تناولوا الإعلام من الباب الضيق و كأنهم المسيح حينما قال لصاحبه : إذا أردت أن تنفذ فأنفذ من الثقب الضيق . ذلك الباب المؤدي للإنسانية المنتظرة ، فتعريفات مثل تعريفات لازويل و إمام لم تكن مُرضية لأصحاب رأس المال و السلطة ، لكون تلك التعريفات بنائية آملة فى تكوين العقل الإنساني متماشيا مع الإصدارات الحديثة لوسائل الإعلام التي تتطور بشكل مذهل . فهناك تقارب مدهش بين التعريفين الأمريكي اللازويلي و المصري الإمامي فى كون الإعلام هو تقديم المعلومات إلى المتلقي بحيث يمكنه التأكد من صحتها . ذلك التقارب الذي يحترم عقلية المتلقي أيا كان و يخلق له فضاءً رحبا من البحث و النشاط العقلي و الذهني. لذا كان هذا التعريف وما يشبهه و يدور فى فلكه لابد و أن يقبر تماما . فقد كان من المناسب لعصر العولمة و تزاوج رأس المال و السلطة فى البحث داخل أرشيف التعريفات الاصطلاحية لاقتناص ما يتماها و الرغبة فى السيطرة على وسائل الإعلام ، لخطورة تلك الوسائل فى تكوين و تشكيل و تحريك الرأي العام ومن ثم الجماهير ميدانيا كما ظهر جليا فى مرحلة ما يسمى بالربيع العربي . بيد أن القائمين على تلك المنظومة تجاوزا أرسطو فى مقولته الشهيرة " ليس مهما أن يكون كلامي صحيحا . المهم أن يكون كلامي صادقا " إلى رؤية جوزيف جوبلز الشهيرة و التي يعرفها الجميع " أعطني إعلاما بلا ضمير . أعطيك شعبا بلا وعي " فأدرك القناصون اصطلاح أوتوجروت الألماني و الذي تحث فيه عن الإعلام فى صورته المرضية لوجدان و عقل الجماهير . حيث أن الإعلام عند أوتوجروت : التعبير الموضوعي لعقلية الجماهير و ميولها و اتجاهاتها فى ذات الوقت . ذلك التعريف الذي يشبه مدرسة شيكاغو فى الاقتصاد و عبر عنها الثعلب الراحل رمزي زكي فى كتابه الليبرالية المتوحشة ، التي اقتنصت مقولة آدم سميث فى الاقتصاد : دعه يعمل . دعه يمر فى تجاهل كامل للنموذج الكنزي الذي يأخذ البعد الاجتماعي للاقتصاديات الحرة فى الاعتبار، فكان نتاج هذا الاقتناص ميلاد مدرسة شيكاغو لإعادة تدوير رأس المال بالحروب و السيطرة الناعمة بتزاوج رأس المال و السلطة لخدمة مصالح كل من ينتمي إلى هذه المدرسة ، فلم تكن هناك قوة ناعمة أكثر تأثيرا من عالم الفضائيات لتعليب وعي الجماهير و إقناعها برؤية هذا التوحش على أساس أنه النموذج الأفضل . كان اقتناص تعريف أوتوجروت الوحيد الذي يتماها مع قناعات تلك المدرسة ، لكون تعريفه يجعل من الإعلام مادة رخيصة تسير خلف رغبات و شهوات المتلقي كمخدر ضروري لزراعة اصطلاحات جديدة تتماشى مع هذا السعار الامبريالي الاستعماري الجديد . للأسف الشديد دارت الفضائيات العربية منذ نشأتها فى هذا الفلك ، فأصبحت وسائل هدامة أكثر من كونها محطات بنائية ولا سيما أن العرب جميعهم تجاهلوا وضع مشروع نهضوي لمواجهة المستقبل فوقعوا جميعا فى مأزق التراشق الإعلامي و التخديم السلطوي ، يمتلكون ظنا يكاد يشبه الحقيقة بأن هذا الوضع سيستمر ، وسيحققون مكاسب مستدامة من هذا النمط الإعلامي الرخيص ، حتى بدأت مواقع التواصل الاجتماعي فى إثبات وجودها كبديل إعلامي بدأه النخبة ، ثم ما لبث أن أصبح البديل الشعبي للإعلام الموجه . فأصبحت وجهات نظر غير المتخصصين محل أنظار رواد هذه المواقع . لم تدرك الحكومات العربية ، أن النموذج الأوتوجروتي و الجوبلزي ، سيخرج عليهما النخبة و الجماهير معا ، فى طرح بدائل لعالم التليفزيون الذي أصبح مسار سخرية رواد هذا العالم الفسيح ، مما أفقد التليفزيون جماهيريته العريضة ، فلم يعد التصدي لتعليب الوعي محل رفض سالب . بل تجاوز لطرح بدائل مصورة " فيديو " مرفق معه مقالات و تحريرات تكشف زيف هذا التعليب الممنهج . ناهيك عن المنشورات المختصرة و التغريدات التي تشبه القنابل سريعة الانتشار ، مما يبشر بانتهاء عالم التليفزيون العربي ، إذا ما استمر على هذا النهج دون احترام لعقلية الجماهير التي أصبحت أكثر انفتاحا على عالم المعرفة بحلول العصر الرقمي . فالإعلام العربي فى تلك المرحلة التي نعيشها مات إكلينيكيا لكنه فى انتظار من يعلن الوفاة . فرفقا بالعقول








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت