الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوح في جدليات - 24 – بعضُ خواطري -3

نضال الربضي

2017 / 7 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



بوح في جدليات - 24 – بعضُ خواطري -3


11
همس ٌ من بعض الجنون.
أين أرضي القديمة، أين وطني الذي ولدتُ فيه، أين وجوه الناس، أين يقيني؟
كل شئ ٍ تغير، هذا قانون الحياة، فالثبات هو الموت، لكن:
- لماذا التغير باتجاه الفناء؟
- لماذا يحمل هذا التغير ذوبان الهوية؟
- لماذا لم يقوي التغير بنيان الإنسان في وطني؟
- لماذا استهلك التغير إنسان وطني؟
- لماذا حلَّ مكان هويتنا خليط ٌ من هويَّات ٍ شتَّى؟
- لماذا صارت هويَّة الأردني غريبة ً في وطنه؟

التغير هو قانون الحياة، فالثبات هو الموت، لكن:
- لماذا كانت الحركة موتا ً لماهية ِ إنسان ِ وطني؟
- كيف َ غابت أصالةُ عشائرنا في بدائية ِ التفكير؟
- ما الذي جعل من السطحية في النظرة، و انعدام الرؤية سمتين مميزتين لنا؟
- هل البدائية و السطحية و انعدام الرؤية هن َّ ما كنَّا نسميه أصالة ً، و اختفت كنتيجة ٍ حتمية لإدراكنا العيب في عقولنا، و لوصولنا إلى مستويات أعلى في الوعي و التفكير، و لتعرضنا للتجارب المختلفة التي أنضجتنا؟
- أنحن ُ على وشك ِ طرح ِ هويتنا القديمة لاستبدال جديدةٍ أفضل َ بها؟! أم على وشك ِ العودةِ إليها؟ أم لا نعلمُ بعد!

لا يسأل القوي المُتمكِّن الراسخ المتين الماضي في طريق ٍ يختارُه و يعرفه و يرى في نهايته و في محطاته المختلفة أهدافه، هذه الأسئلة أبداً،،،

،،، إنما يسألها الضعيف المتشكِّكُ المُهتزُّ الهشُّ المُتذبذِبُ المتنقِّلُ في طُرقات ٍ شتَّى لا يعرفها بالكلِّية ِ أو بالجزئية ٍ، و في ضبابها: احتجابُ المحطَّات و النهاياتِ، و غيابُ الأهداف.

ربَّما حان وقتُ المغادرة، و النظر إلى الواقع من فوقه، بعين ِ طائرٍ؛ فعلى من يريدُ اجتياز المتاهة ِ أن يصعد َ فوق سورها ثم يرتقي َ إلى أعلى، إلى فوقِ ما يراه من جزء ٍ منها، ثم يصعد إلى الأعلى أكثر حتى يراها كُلَّها، ثم يمضي بخطٍّ مستقيم نحو النهاية، هكذا هو حل ُّ المتاهة، لا في دهاليزها لكن من فوقها.


12
التوازن و الإنسان.
عدوُّ الإنسان هو التوازن، لكن لا حياة َ للإنسان بدونه.
في التوازن حكمة تُنجي الأكثرية على حساب الأقلِّية.

بالتوازن تصدرُ الأوامر بتصفية ِ المعارض الشرس الذي يؤلِّب الناس، و يستثيرُ الغضب، و يُجنِّدُ الطاقات الشبابية، التي تندفع كسيل، تهدم، تخرب، تدمر، تأتي بالمُرتفع العالي إلى الحضيض، لا بنيان، لا إنسان، لا مؤسسات، لا حياة،،،

،،، لذلك حتى لا تحدث، تتم التصفية، يموتُ الإنسان، ليس لأنه معُارض أو ليس له حق الرأي، لكن لأنّ رأيه كان على وشك ِ أن يُشعل ورقة، تُشعلُ بدورها حريقاً،،،

،،، هل الغاية ُ نبيلة؟ نعم
لكن َّ الوسيلة َ قذرة، و البحثُ فيها مثير للغثيان، لا يقوى عليه سوى رجال ٌ و نساء ٌ من طراز ٍ مُتميِّز، سادة يفهمون ضرورة بقاء السادة، و تسيير السادة للعالم، و أهمية وجود السادة لضمان تماسك المجتمعات و استدامة الحياة في السلم و التناغم للمجموعات الكبيرة.

إذا ً من رحم الألم، القسوة، البشاعة، اللاإنسانية: تولد الرحمة و الجمال و الإنسانية.

هكذا نحن البشر: تناقضٌ يمشي على قدمين.

هل بُنيت أي حضارةٍ في التاريخ بالحبِّ و الرحمة و الاحترام و التناغم و التشارك و التصافي و الاعتراف بالعدالة و المساواة؟ نعم: فقط في أوهام المثالين و أمنيات العشاق و قصائد الشعراء و لذة الروايات، أما في الحقيقة فإن الحضارة َ تبنيها قسوة الإبداع و جُراءة التنفيذ و شذوذ الرؤيا و مناقضة المُتوقَّعات.


13
الرقم المشؤوم، هو عدد من حضروا العشاء الأخير للمسيح، كما تُروى قصَّتُهُ. حملـَـهُ يهوذا الإسخريوطي، بائعُ مُعلِّمه، و مُسلمُه لقوَّة ِ الاعتقال.

حتى هذا اليوم يخافون الرقم، يكرهونه، يتجنبون استخدامه.

بعض الفنادق يقفزُ رقمُ المصعد ِ على لوحة الأرقام من 12 إلى 14 مباشرةً، هكذا بكل ِ بساطة! أين 13؟ لا يوجد.

بعض الناس ممن يريدون إقامة َ وليمة ٍ أو دعوة ٍ لأصدقاء يُجبرُ (نفسُه تجبره، لا منطقيته تحكمه، عقله الخائف يُلزمه) أن يمدَّ الدعوة إلى شخص ٍ لم يكن ليناديه أصلا ً لولا أنه بدون ِ دعوته عدد ُ المدعوين سيكون 13، فحكمَ الشؤمُ بدعوة ِ المُستغنَى عنهُ ابتداءً، و المُلتَزَمُ به خوفاً.

لكن ألم نظلم يهوذا؟

ألم يعده المسيح بملكوت ِ السموات؟ بحضور ابن الإنسان على السحاب، مع الملائكة، لإقامة ِ دولة الحق والعدل، التي فيها يصير الصغيرُ كبيرا ً و كبيرُ هذا العالم صغيراً؟

ألم يغذِّي المسيح ُ في نفسه الأمل بالتغير، بقلب ِ الواقع، بحضورِ المفارِق الإلهي إلى المُفارَقِ البشري، بالتَّحوُّل ِ من القديم إلى الجديد، ثم لم يحدث من هذا شئ؟ بل قل: ألم يحدث العكسُ تماماً؟!

أليست خيانةُ يهوذا تعبيرا ً عن السُّخط، عن الغضب، عن رفض ِ الخديعة، عن اكتشاف ِ الكذبة، عن انقشاعِ الوهم، عن ذوبان ِ السراب، عن جلاء ِ الحقيقة أمام عيني الفهم و البصيرة؟

أليس َ قراره بتسليم معلمه إنهاء ً لتلك َ الكذبةِ أو الحلم أو الوهم الذي ما كان ليمكن أبدا ً أن يتحقَّق َ في عالم ٍ قائمٍ على جدلية الطبيعة البشرية مع طبيعة الموجودات الأخرى؟

ألم يكن قرارُهُ عنوانَ: استفاقتِه، يقظتِه، رفضِه للخدعة، نفورِهُ من الوهم، عودتِه: للأرض، للحقيقة، للواقع، لإملاءِ المنطق، لضرورة ِ التفاعل الحتمي مع ما يجد؟

أليس تسليمُه لمعلِّمه صوابا ً، إجراء ً وقائياً، احتواء ً صحِّيا ً للمرض، لكي لا تنتشر خدعته لمزيد ٍ من الحالمين الواهمين المهووسين َ باللامعقول؟

بلى، هو كلُّ هذا، و لقد كان - إن صَّحت الرواية ُ - محقَّا ً كل َّ الحقِّ في ذلك التسليم، لكنهم يسمُّون الحقيقة َ خيانة لأنها ضدَّ أوهام مثالياتهم.

و مع ذلك: انتشر ذلك الوهم، و ما زال يُخدِّر القلوب و المشاعر حتى اليوم.

ماذا نتعلم من هذا؟ الجواب:
- أن َّ سعادة الوهم ضرورة لسيادة السلام ِ و الوفاق ِ و استدامة ِ المجتمعات،
- و أن الناس لا تقوى على حمل الحقيقة، و لا على التماهي مع الواقع، و لا على التفاعل مع ضروراتها،
- و أن للحقيقة ِ رجالَها و نساءها الذين يفضلون صحراءها على جنَّاتِ الوهم.

يهوذا كان َ أكثرهم صدقاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ٌالوهم لذيذٌ
قاسم حسن محاجنة ( 2017 / 7 / 27 - 16:51 )
تحياتي واحييك على هذه الخواطر ..
ما لذة الحياة بدون وهم؟!
الوهم بتغير الحال الى أحسن حال ..
الوهم بسيادة العدالة ، الحرية والمُساواة ..
الوهم بمجتمع الكفاية ..
الوهم بالقضاء على الفقر ، الجهل والمرض ..
ووهمي الخاص بأن أربح الجائزة الكبرى في اللوتو ، رغم مرور اربعين عاما على هذا الوهم ..ههههههه
يومك سعيد


2 - اللوتو و الوهم
نضال الربضي ( 2017 / 7 / 28 - 13:10 )
العزيز الجميل قاسم،

اللوتو ممكن التحقُّق، الكثيرون يربحونه، و أتمنى أن تكون منهم يوما ً ما! هو أمل و حلم قابل للتحقيق،،،

أما الوهم فهو ضروري لاستمرار الحياة، لكنه غير ممكن التحقيق، و يكفينا أن نتأمل ما أوردتَه في تعليقك من أوهام لنتبين و نتقين من تلك الاستحالات.

خواطري تأملات في الحياة، أُسطِّرها كنوع من العلاج الذاتي كما تفضلت َ يوماً بتسطير مقال في هذا الشأن، ألهمني دافعا ً كنتُ أُحسُّهُ لكنك أجليته فعززتَه و صقلتَه و أعطيتَه الزخم،،،

،،، و رغبة ً مني في مشاركتها مع القراء الكرام الذين بلا شك لديهم ما يلتقي معها و ما يفارقها، و بالتالي ما يمكن أن يساهم لديهم بفائدة ما أو لذَّة ٍ أدبية إنسانية.

يبهجني حضورك الجميل.

اخر الافلام

.. كيف تتطور الأعضاء الجنسية؟ | صحتك بين يديك


.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-




.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا


.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف




.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا