الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تمثيل التأوُّل.. في قصيدة العصبي بو شعيب.

جعفر كمال
شاعر وقاص وناقد

(تôôèô‏ ؤôéôم)

2017 / 7 / 27
الادب والفن


إضاءة:
من خلال تواصلنا المكثف مع الأداء المتثمل في شاعرية عصبي بو شعيب، الذي يستحق منا النظر في الفروق الكيفية المتباينة بين مقاييس الذكاء، وحاصلها القادر على أن يستوفي جدل النقد فيما نتقصاه من استدلال معنوي يحكم نفسية المعاصرة، ولعمري إنَّ مراتب الخيال التوليدي عنده يُؤتى بها من وحي منطوق مركزية النواحي البنائية، المعيون في انفتاح الصورة الحسيَّة المتضمنة موحى الاستجابة النفسية المنسابة من لدن حالتها المعنوية، بتأثير النمط الواقعي الذي اقتضى أن يكون سعيه مقترناً بالصياغة المعرفية المحركة لجوابات أدائه الفني، أزاء تثوير الطاقة الوجدانية المتفاعلة في الذات الشاعرة، وكأنه وضع لها نمطا يتفق وجذور الشعر الأندلسي، مع فارق اختلاف أجناس أدوات تحرك الألفاظ الناطقة في تدوير اللازمة من حيث وارد رموزها ودلالاتها، بوصفها تحقق تنوعا وتحديا كبيرا مع ما هو مطروح من شعر في المنطقة العربية، وما شاكل ذلك من تحدٍ في الكفاءة التي مَدَها الشاعر بالعرفانية المُختَبرة، على مستوى قوَّة الابتكار والخَلْق في الصورة النفسية الذكية، كما عبر عن هذا.. الفريد بينيه " 1875 - 1911 " وهو الأسلوب الذي يقوم على الربط بين "الذكاء والمثيرات الحسية*".
وفي هذا التمثيل تبنى الشاعر أسلوبية الإيقاع والرشاقة المعنوية المتعلقة بتنوع الطرائف التي تلتزم في أصولها وغايتها من حيث تحرير المعاني من الشوائب والإبهام والتصدعات اللغوية والنحوية، فكان الخيال هو المراد الحقيقي المفضل في صورة بو شعيب الشعرية، وهذا يبدو معلوما للقارئ بعد أن سيقت حبكة شاعريته بواسطة مؤثرات تأريخية بدت لي واضحة عند شاب مثقف يسعى إلى تحقيق مكانة يسمو بها الوعي لكي تتميّز في مكانتها البديعية، ليكون المستوى الثقافي مأخوذا بالعلم على الوجه المضئ في الصورة الشعرية المركبة، وهي التقنية الكلاسيكية التي ساقت الشاعر إلى آليات تنويرية، أشاعت حاصل خلاَّق على مستوى المقدار العيني المؤثر في فاعلية الخيال المركب في بلورة أدواته كونهُ محاطا بالوعي التقني، إلى جانب فصاحة ونقاء الصيغ المتاحة، التي تقوم على ترتيب جناس الصورة الصوتية، ولهذا يمكن أن نجزم حقا أن شاعرية بو شعيب تجنبت التبعثر الذي أصبح السمة الغالبة في عموم شعرنا العربي المعاصر، حيث ترتفع الشكوى من تأثيرها على جمالية الحداثة، وخاصة في شعر الشباب من الجنسين.
ميزات جنوسية الشاعرية:
إذا اعتبرنا أن الشعرية بولادتها الأولى خيالٌ شَرِهٌ ميَّزه التشبيه والتمثيل، فمنه ما يُشبعُ ويروي التلقي، ومنه كلام ضمآن للفنية الحسية، وهذا يعني أنَّ المنظور الأول يكون فيه الشاعر أكثره وعياً يلامس مبدأ يتحكم بإنتاج المعلوم* عند البعض، مع أني اغمض عينيَّ ولا أحاكي المعلوم، بل اتجه دوما اتجاهاً حسياً نحو المجهول وهو: "رأي خاص بي". حيث يقدم علم النفس المعرفي عند د. محمد طه قوله حول الاتجاهات التمثيلية للشاعر" "ما كانت ولن تكون إلاّ برسم*" الشاعر لحالاته الشعرية المثيرة للجدل كما نجدها في الشعر الأوروبي عند جوتيه في شبابه، كذلك الحال ينطبق على إدجار آلان بو، ولويس أراغون، حيث كان شعر هؤلاء يزخر بالعذرية وتداعيات الذات المتحولة المدمجة فنيا مع الخيال الرومانسي، بمتعة تحرك التفاعل حد الانسجام في القراءة، وهذا يعني بالتأكيد ابتعاد هؤلاء عن القصيدة النظرية، تلك التي أمعن فيها المتنبي بالعربية معتمدا على ثقافته الخاصة بتاثير المعرفة الولادة عنده، التي تميَّز بها بين اقرانه، متحديا بها خصومه بخاصة شاعر التحولات الذهنية أبا فراس الحمداني، الذي لا يقل شأنا عن المتنبي، بل نجده متفوقاً عليه في قصائد كثيرة كونه كائنا مرهف الإنسانية. كذلك اشتغل طاغور بالهندية على التوجه النظري ذاته عند المتنبي، مع أن تأويل الواقع المفعم بالخيال عند الأمة الهندية هو نفساني بامتياز، من خلال اعتقادهم في الخرافة بالجنيات أو المخلوقات الساحرة التي ترعب الفرد عند ظهورها من العالم المظلم، لذا فطاغور فهم الواقع باحساس يمعن في التناغم والانسجام، وجعله يتحرك وفقا لمنطق قصيدته بواقعها الخيالي وتطعيمها بمعتقده المجازي النظري، حيث نجد طاغور وقد انسلخ عن مجتمعه متجها نحو الموسوعة الفكرية التي متع بها مُحَيّا شاعريته، فأصبح أكثره منظرا في قصيدته، لأنه حاكى المجتمعية من حيث تأثير الحركة النفسانية الباطنة بأثر الطاقة النسبية، التي انعكست على الحدسي والنفسي، باعتماده على نبوغ ميزانه الخاص في تجريد الواقع من ايماناته المؤولة للمفاهيم الشاذة، بعد أن جعل من الأضداد تعد ملمحا نفسيا تلقح جماليات المزج بين الصورة الصوتية وبين الأنا العارفة، متجاوزا المفاهيم التي كانت سائدة أنذاك. كما فعل أرسطو بانقلابه على أساتذته.
لذا ومن أجل المغايرة ظهرت مجموعة من الشعراء الشباب العرب ممن متعوا شعرهم ميزات اتصفت حيويتها كما لو إنها تخط مداد خصوبة الذوق والعفاف، ووفقاً لمنح الصورة الشعرية المُحدثة طاقتها المعنوية، نجدهم وقد ضمنوا ذاكرة أعمالهم الفنية بالمجاز التصويري، المفسر السري لحالة منطقة التأوَّل العقلاني الحاصل في الايمان الذاتي أولا، ومن ثم إقناع المتلقي فيما يطلبه من جدوى في معايشة النص ومدى تأثيره عليه، وهذ المناضلة النفسية تستفز حيوية الإرادة وانتاج الطاقة بسخاء معرفي من أجل مسيرة المفاضلة النوعية، كما لو نظرنا إلى حقيقة مجئ الصباح بوقته، والغروب بوقته، دون أن يكون بينك وبينهما حجاب، وهذا المنظور ينسحب على العامة في ذات التلقي، لذا فنحن وبالنظر إلى تفريقنا بين النظرية كجوهر نفساني، والرومانسية كملحمة شعورية عند أمرئ القيس، وعمر بن أبي ربيعة، وقيس بن الملوح على سبيل المثال، نكون على مستوى هذا التحليل مبتعدين عن الغرائبي التحريري بصيغته الوظيفية التقويضية، ومن شعراء المعاصرة الذين تمتعوا بالموهبة الحيوية نعاين الشاعر المغربي العصبي بو شعيب الذي سدد خطاه بأن يرفد المكتبة العربية بمجموعة شعرية، سوف تحيي موسوعة القراءة نحو الشاعرية الأكثر مقبولية، وفيها تتحقق رغبات المتلقي الحاصلة في توازن الصورة الدالة بأثر ميزتها الفنية والنظمية، وأثرها في مدارج الكمال وهي تطرح نظامها المعيون بنجاح.
التراث الفكري عند شعيب:
شهد القرن الحادي والعشرون بالأخص العقد الحالي بدءا من عامنا هذا 2017 بالحساب التقريبي انتشارا في سرعة الأفكار المتداخلة والمتدرجة في بنيتها الشعرية، بوصفها نهضة تثقافية شيدتها الحريات.. كحرية الرأي وحرية النشر، لقد كنا من قبل نميز بين المبدعين من خلال أساليبهم حين نطالع نصوصهم الإبداعية فلكل منهم أسلوبه وان خفيت عنا أسماؤهم. ان أي نص جديد نعرف من أبدعه، وإن لم يكن هناك اسم الشاعر واضحا على النص فأصبحنا الآن لا نعرف القائلين من نصوصهم لتشابهها في الشكل والمضمون، خاصة في حالات العنصر النسوي، حيث جاءت النصوص متشابهة من حيث اللون والشكل والمضمون، إلاّ أن بعض الشعراء على بعد مسافة من تطورات المعرفة أشتغلوا باستقلالية، منحتهم المنتج الأدبي نهضة اتسمت هويتها الفكرية بخصائص أمتعت النص بخصائص عبرت عن استقلاليتها، وقد تجسدت شاعرية عصبي بو شعيب بعد أنْ وجدناه وقد اشتغل على مناطق حساسة جدا في المضمون البنيوي بحالته النظمية المجردة بمصفاة الوجدان العاطفي، موحيا للموهبة أن تجنح نحو مرئيات قصيدته الناجحة في أسلوبها بواسطة مقام شاعريته الأكثر نضجا وحساً، وبهذه الميزة المتطورة فنيا ونفسيا أثاب نصه مسيرة حققت للشعر المغربي طفرة موفقة في موازين المركب في القصيدة الرجالية، بعد أن استمرت الشاعرية النسوية متفوقة بمسافة واسعة على الشاعرية الذكورية في المغرب، ولهذا فنحن معشر النقاد لا يمكن أن نفهم الشعر إلاّ من خلال الثقافة التي تطلقها إرادة الشاعر في خلق بنية فنية يذوب فيها المستحيل، لأن الشعر لا يتحرك طبقا لرغباتنا وامانينا، بل يمضي مؤثرا بنا عبر منطقه الخاص من حيث قوانينه الداخلية التي تؤسس لنصاب مفتتح أمل يشد القارئ إلى دائرته الذكية التي تأخذ من المتخيل النوعي حصة كبيرة، وهذا مما يزيد من التعلق اليومي تواصلاً بالنصوص التي تجذب ولا تطرد، سعيا وراء خصوبة اللغة والنحو والمجاز الخيالي الذي يُحسن من تراكيب الحواس بالمنظومة الفكرية التي تحرك الاحساس بالاتجاه الذي يؤاخي النص العجيب بالمتلقي.
الخيال كما ينبغي:
تعددت المقاربات الثقافية في قصيدة العصبي بو شعيب بالممارسة المنتجة للمعنى على أكمل وجه، والتي شكلت على مدار ظهوره وحتى اليوم تفاعلا حياً مع الإنتاج الإبداعي، حيث نجده وقد وظف الذات الشاعرة بحالتها النفسية ومصدرها المؤثر بواسطة علم الأنثروبولوجي، ونسميها القيمة المثالية التي عززت من مستوى: Anthropologyوجعله يعمل معاً باطنيا مع الذات المبدعة على استحضار البنى المضمنة بنسيج يرسم ويبني المعاني بمنحوت جامح في الخيال، وهو في الوقت ذاته يكون موحيا جناسيا مُبتَكرا للصورة المركبة، التي تحاكي سلطة الشفرات الفنية المعنية بالكشف عن الظواهر العلاجية في مفهوم القوة المدركة للحس الظاهر، وتعني العلاقة بين الرؤى التقنية وأسلوبية التقطيع، وبين الباطن وهو حالة قدرية تجمع الأحاسيس المتباينة تبعا بما يشير إلى معاينة الدلالة على تنوعها واختلافها، وهذه التقنية المتباينة بحداثيتها شكلت وعيا يحاكي المبتغى النقدي، خاصة في قصيدته الكلاسيكية الثقافية، على نطاق يبرز القيم الإنسانية التي تستنطق الصور الحسيّة في مستواها المعرفي وفي معناها اللفظي، بعد أن حقق النص عنده حالته القصوى، ليكون موضوعا قابلا للإدراك، والتأويل، والتحليل، والمعاينة الجدية، من مقبول القوة الموضوعية الجاذبة لسياقات تحرر وظيفة تبسط ثقافته الشعرية، بأدوات تختلف برموزها المؤهلة لقيام محاكاة ذكية تستخرج الصور المعنوية من صمتها وتبسطها أمام الذات القارئة والمؤولة من خلال مشاركة المفاهيم والأفكار بواسطة طاقتها الداخلية، دون التفريط أو المساس في اشتراطات الجمال المرتبط ارتباطا وعيويا باداء مناخ بلاغة الألفاظ، وبهذا يكون الشاعر قد قدم لنا عبر وسائله الفنية في قصيدة التفعيلة مدخلا مجددا أساسياً في تحديث مقاييس الجملة المركزة على تكثيف البنى التعبيرية الناعمة.
ملكات الذكاء:
تعكس آراء عصبي بو شعيب مبادئية التنوير المعاصر بجنسيه :
الأول: الشعر الكلاسيكي من حيث التماسك الواضح في بنيته الأفقية من رؤية أخذت تعالق منطوقها الدلالي بواسطة الفصل والوصل والمشابهة المهتمة بالمضامين الباطنة.
والثاني: قصيدة التفعيلة التوليدية في بنيتها ذات العمود الواحد المتصلة بالمتتاليات المتأملة باضاءات تماسك الشكل، ومذاق مكانية البوح.
وكلا السياقين تمثل برسم الصوّر الداخلية المتساوية في مقارنة تحولات الوعي، المصاغ من واقع العفوية المؤسسة لبدء منظور النسبة النفسية المتشابهة بذاتها المعنوية المعبرة عن الرؤية التوليدية الأقرب إلى الملامح الصادقة، وهي ما ينشدها الشاعر في حال رسمه للصورة المبينة للاعتقاد الذي تطلقه مساحته، من رؤية تقارب مفاهيم التأثيرات الفكرية، التي تعالج سلطة كل جنسٍ على حده في سياق الحبكة والابتكار، ومن جهة أخرى أختلاف الجنسين في فن بنية التقطيع، بعد أن أضاف الشاعر عزماً للأفكار الحيوية، وبهذا فهو يُحسد على تأملات قيَّمة العليا المختصة بالوعي في مجال خبرته الخاصة، تلك التي بانت لها نكهة مستنبطة من مجتمعه المحيط به، حيث جماليات تبيان الوقائع بتراكيبها البصرية التصويرية، وتلك الموضوعات وجدناها وقد اكتسبت شهرة على مستوى معاينات القارئ لنصوصه المكتنزة حيويتها بالعلوم اللغوية، وتمثيلاتها المجازية بحالاتها القصوى، المختصة بالخبرة الممكنة التي تشتمل على دلالة تؤكد بلاغة النحو الذي يقوم على أساس ترابط الصرف بجوازاته الفصيحة، وهذا شأنه في خصوصيات البديع اللفظي، المرتبط جوازا بميزان البيان الصوتي النظمي، الذي تتفاخر به الشاعرية الأكثر مقبولية بما يتحقق من مفاهيم الناظر القارئ على أساس معيون اختلاف ثقافته.
الخاتمة:
لابد من القول أن بو شعيب في مجموعته الشعرية الأولى " عبرتُ الغيمات " قد لاقح بين المجاز الدلالي، والتأوُّل الواقعي، بعد أنْ رتب اجتهادة بخصوصيته الشعرية في كلياتها وجزئياتها، فجاء صدى الصورة الشعرية عنده يُمتع السمع صوتا شعريا صادقاً يبث النغم بصور تطرب المتلقي وهو يتلقى البوح الرشيق بعفوية هادئة تشتغل على النظر بوازع حوار يستدل به على المناضرة الباطنة المنسجمة كوحدة ذات نسيج لا ينفصل بعضه عن البعض الآخر، بعد أن جعل من الإيقاعية الحسية مفتاحا للتحريض على التفعيل التالي:
- في حالته الأولى سهل المأتَى حيث يشكل مأخذا متأملا للوصل حتى يبان التشبيه من المقصود ببديهية السماع.
- أمّا في حالته الثانية أي التأوّل: يكون النص أشبه بالمقاد نحو استخراج مفاهيمه ومعانيه بمشقة تكشف عن المفهوم العام للمعاني.
نأمل أن يستمر الشاعر العصبي بو شعيب على هذا المداد التنوعي بجمالية احكامه وصورته الفقهية الدالة على متانة وتناسق وتلاقح الوحدة العضوية عنده.
مصدر:
ألفريد بينيه: أنظر كتاب مقياس لمفهوم العمر العقلي.
د. محمد طه: أنظر كتاب الخروج هم النص.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق