الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دكاكين الفتوى .. المسخرة !

فريدة النقاش

2017 / 7 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قضية للمناقشة: دكاكين الفتوى .. المسخرة !


لم يجد الكتاب والمعلقون السياسيون بدا من التعامل مع حكاية أكشاك الفتوى بمحطات المترو بالسخرية المريرة ، فهو إجراء يبعث على الضحك ، ولكنه ضحك كالبكاء، وكما قال أحدهم ” إنها كوميديا النفاق الديني ” . وتتواصل التعليقات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي ، بينما يحتفى من يسمون أنفسهم برجال الدين بالنصر الذي حققوه على العلمانيين ودعاة الدولة المدنية ، فقد تلقت هذه الدولة أو مشروعها على الأقل لطمة أخرى موجعة . وأصبح تجديد الفكر الديني ، وفي قول آخر الثورة الدينية غريبا على الأدبيات المتداولة رغم التشدق به كثيراً.

وأدرج الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية هذا الإجراء الشاذ الذي هو من ابتكاره في إطار مواجهة الإرهاب الذي لا يجوز أن نحصرها في الجهود الأمنية فقط ، بل لابد من المواجهة الفكرية ، وتصحيح الأفكار المغلوطة ، والتفسيرات الخاطئة للنصوص القرآنية والنبوية التي تستخدم أحيانا لاستباحة القتل والتفجير ، وتدمير مقدرات الوطن” .

وهذا كلام جميل ، ولا يختلف عليه عاقلان ، ولكن ما أوسع الفجوة بين هذا الكلام الجميل والواقع الفعلي حيث تمخض الجبل ليلد فأرا كما يقال . إذا أن أكشاك الفتوى هي مظهر قبيح من مظاهر العودة إلى الوراء وإهدار قيم العقلانية والتفكير الحر والنقدي التي من المفترض أن تبنى الدولة المدنية على أساسها منها لتكون هي لب الثورة الدينية .

وتقف المؤسسات الدينية كافة لهذه الدولة المدنية بالمرصاد ، ولمن لا يتذكر ما جرى من ممارسات ومناورات في لجنة إعداد الدستور ، نذكره بأن مندوب الأزهر خاض معركة يمكن وصفها بالشرسة ضد النص على مدنية الدولة في مصر إلى أن جرى التوصل إلى نص هزيل يقول إن مصر حكومتها مدنية بينما ينص الدستور على دين الدولة ويجعل من الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ، ويقصر التعريف للديانات على الأديان السماوية الثلاثة .

ومن يتابع المواد التي يجرى تدريسها فيما يقارب التسعة آلاف مدرسة ومعهد أزهري على امتداد الجمهورية سوف يدرك فداحة الكارثة التي تصيب الأجيال الجديدة خاصة من أبناء الفقراء الذين لا يستطيعون الوصول إلى التعليم العام ، وهذا التعليم العام وإن كان أفضل قليلا إلا أن مناهجه لاتزال محشوة بدورها بالخرافات ، وإذا كان الطلاب المسيحيون ممنوعين من الالتحاق بالمدارس والمعاهد والكليات الأزهرية بسبب ديانتهم وهو ما يهدر مبدأ المواطنة ، فإن الطلاب المسيحيين في المدارس العامة يتلقون حصة الدين بمفردهم ، ويخرجون من الفصول كأنهم منبوذون ، وفي كل الحالات فإن الفكرى النقدي محرم على الطلاب .

لايزال الصراع بين الحداثة والقدامة مشتعلا كما كان وأكثر ومازال بعض الساسة والمفكرين يرون الحداثة ، مجرد إنجازات مادية طرق وكباري ومصانع ، بينما يضرب الفكر الخرافي ، ومبادئ السمع والطاعة قلب المجتمع ، ويتغلغل في شرايينه ، وليست أكشاك الفتوى إلا مؤسسات لترسيخ هذا الفكر كأداة في الصراع الذي كان مخفيا وخرج إلى العلن بين المؤسسة الدينية الرسمية والسلفيين الذي يحظون بتدليل الدولة لهم كعادتها في التلاعب بالصراعات .

ويتبارى الطرفان أي المؤسسة الدينية الرسمية والسلفيون في الانتقام من الحداثة ، وهم يخشون منها خوفا على المصالح الهائلة التي يتوفرون عليها عبر التجارة بالدين ، واحتراف الإفتاء ، والعمل كأدوات للحكم ضمن مخطط ترويض الجماهير التي يفرقها الإفقار المتزايد في البؤس نتيجة السياسات الاقتصادية والاجتماعية المنحازة لكبار الاغنياء .

وهكذا نجحت كل الجماعات المتسترة بالدين ، ورغم الصراعات فيما بينها في تديين المجال العام ، وخطت بأكشاكها خطوة جبارة على هذا الطريق حتى أصبح معيارا من معايير اختيار القيادات في إحدى المحافظات هو ممارسة المتقدم للوظيفة للعبادات من عدمه ، وأصبحت مؤسسات إعلامية مؤثرة أبواقا للإفتاء ، وتراجعت مفاهيم وقيم الخطأ والصواب لصالح الحرام والحلال ، وأصبحت الزكاة بديلا ضمنيا للضرائب العامة .

ورغم الانكشاف الفاضح للأدوار التي تلعبها الوهابية في تغذية الإرهاب الذي يجتاح المنطقة ، ويضرب في قلب مصر ، فلا يزال نقد الوهابية شبه محرم إلا في أوساط المثقفين والمتخصصين لأن السلطة المصرية تتطلع لجذب استثمارات من الدول التي صدرت الفكر الوهابي ومولت جماعات الإرهاب باسم الدين لمحاربة الشيوعية تارة ، ومحاربة القومية تارة أخرى .

ولأن أكشاك الفتوى تشكل ماهو أقرب إلى الفضيحة ، فضلا عن أنها تهدر مبدأ المواطنة على طول الخط لأن المسيحيين المصريين غير مخاطبين بها ، وكذلك هم البهائيون والشيعة الذين تجرى محاربتهم ، لأن الأمر كذلك فإن المثقفين والكتاب الذين انتقدوا هذا الإجراء عليهم أن ينظموا تحركا جماعيا لإغلاق ما تم إنشاؤه فعلا من دكاكين الفتوى ، والوقوف ضد امتداد الإجراء لأماكن أخرى ، جنبا إلى جنب الشروع في مناقشة الملف من كل زواياه بشجاعة وحكمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفكر الديني
فاخر فاخر ( 2017 / 7 / 30 - 12:56 )
لا ينجح في مقاومة الفكر الديني سوى التنمية المادية وليس الفكر المادي
والتنمية المادية باتت مستحيلة بعد انهيار العوالم الثلاث

اخر الافلام

.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53