الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رهاب الاختلاف وسلوكيات الاستقواء

محمد طه حسين
أكاديمي وكاتب

(Mohammad Taha Hussein)

2017 / 7 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


رُهاب الأختلاف وسلوكيات الأستقواء
محمد طه حسين
صلاح الأنسان هو في حيازته الوراثية للأستعدادات التي أِذ أستُغِلّت وهُيِّئت لها الأرضيات تؤهله الى كائن يستخدم آليات التفكير للتكيف والأنسجام في العالم الذي خُلق من أثر تحولاته وتغييراته البيوجغرافية والبيوكيميكية والبيوفيزيكية والمساهمة كلّ هذه في النهاية في تثبيت نسبي لنوعيته. بات دهوراً ليست بالقليلة كان الفرد الأنساني ضحية الوهن الجسدي وقلّة القدرة على مواجهة الصعاب التي تأتيه من البيئات المحيطة، محدودية القوة التي بحوزته كفرد لم تمكنه بمفرده أجتياز المخاطر المتتالية والمتلاحقة سواءً من الحيوانات المفترسة والأقوى أو من الظواهر الطبيعية والمناخية أو من التحولات الجيولوجية.
سرعان ما كشفت له الطبيعة المستوى البدائي لأيجاد آليات التكيف مع الحياة، حيث آلية تكوين المجموعات(كلانات) الصغيرة وذلك ميلاً منها للتكاتف والأستقواء بعضها ببعض بغية حصولها على نسبة من الضمان والقوة كي تتعاضد خلف بعضها وذلك لمواجهة الأخطار المميتة المتنوعة. تحولت آليات المواجهة والأحتماء وفق الشروط الحياتية للمجموعة من الجغرافية والميثولوجية والدينية والأجتماعية والأقتصادية والمناخية و.....الخ، الى أن وصلت الى أرقى شكل من أشكال الحماية وهو الدولة القومية التي هي ظاهرة حداثوية ظهرت أيضاً لأبراز اللون العرقي والأصل القومي خشية أنصهارهم ضمن المجموعات الأقوى والأكثر قدرة على السيطرة والبقاء، وهي الأئمن نسبياً بين الموديلات التعايشية. وليست هذه الظاهرة الحديثة برّ الأمان والأيقون الأمثل الفاضل الذي يشعرنا بجنات عدن، فالمواجهات تنتقل الى دائرات أوسع ضمن التمترسات والتقولبات الجديدة، المتمثلة في الصراعات الدولية وكذلك في التخندقات الداخلية للجهات المتصارعة على السلطة لا على تنمية العقول وفق عقلانية التغيير.
كلّ هذه التحولات كانت تتغذى ولازالت على رُهاب الخوف من الآخر المختلف، الآخر الذي لا ينتمي الى دائرته الجمعية المتشكلة مرّة على أساس طغيان اللون العرقي أو القومي ضمن اللون الكلّي للأطار الجمعي، أو طغيان اللون الديني أو المذهبي على باقي المستويات الأخرى من اللون. فالتقولب الفردي ضمن هوية الجماعة تُشعره بنوع من الأمان النفسي على حساب ضياع الهوية الفردانية والذات الأصيلة.
رُهاب الأختلاف ليس ألّا عُصاب وبقايا سلوك حيوانية لكائنات أقلّ رُقيّاً أنتقلت تدريجياً من الحيوان الأب الى الأنسان الأبن وذلك طيلة فترات التحول والتغييرات النوعية التي صاحبت الأحياء الى الآن، هذا مع علمنا بأن الأنواع وتحولاتها أرتسمت أنماطها على الأساس المادي وليس للتنشئة البشرية والثقافة ثقل على هذا المسار التطوري عند أصحاب النظرية، ولكن هناك نظريات حديثة وربما الكلاسيكية بعضها تؤيد عضوية العلاقة بين البيئة والوراثة وأمكانية أنتقال وتبادل صفاتهما لبعضهما البعض تحت تأثير التفاعل البيونفسي والبيوكيميكي والبوفيزيكي الذي من المحتمل تنميط الفرد البشري بتفاعلهما.
الفعل التكيفي هو ناتج عمليات التفاعل بين مكونات المحيط البيئي من الأحياء والجماد، التفاعل لا يقف بين الكائن الحي والمحيط فقط، فالطبيعة بمكوناتها المختلفة تتكيف في داخلها عضوياً وهذا يؤثر جدلياً على خلق أنماط وأنواع سلوكية عند الأفراد على أختلاف فرديتهم، وعند الجماعات على أختلاف أنتماءاتهم. أذن التفاعل تبادلي التأثير بين المحيط والكائنات الحية وبين المكونات الاساسية للمحيط على وجه العموم.
هنا لست بصدد التعمق في نظرية التطور والأرتقاء الدارويني، بقدر ما أنوي الوقوف عند هذا الأطار من الفهم وأحاول أن أتحقق في أحتمالية الهيمنة التطورية على بقاء الواهن من الافراد والجماعات البشرية واهناً والقوي قوياً، حيث أن القوة كمنتج بشري تلعب دوراً حاسما في تصفية الأمور والنزاعات وتحسمها وفق المنظور الأرتقائي الا وهو البقاء للأقوى والاصلح.
كل بيئة تغرس في أفرادها البشرية استعدادات متنوعة للتعامل معها وتجبرهم على أختيار آليات للتكيف والموائمة سواءً على مستوى الأفراد فرداً فرداً، أو الجماعات على أختلاف أشكالهم وثقافاتهم. تنتخب الطبيعة وفق هذا المنظور ستراتيجيات وآليات مختلفة لكائناتها الموجودة عليها، والفرد البشري ليس خارجاً عن هذا التأثير فالدراسات الأنثروبولوجية والأثنولوجية والأركيولوجية والسوسيولوجية و.....الخ أثبتت صحة ودقة التأثير الطبيعي والبيئي على الأفراد والجماعات وتصنيفهم في أجناس وبعد ذلك ضمن هويات تختلف بعضها عن البعض الآخر.
هذا التأثير لن يبقى حتمياً عند البشر، كونه تنمو لديه بفعل عمليات التفاعل من التكيف والتلائم استعدادات مغروسة وراثياً على شريطه الجيني وتتحول الى قدرات عقلية من الكلام والتفكير والتخيل والتنبؤ والحدس و....الخ والقدرات هذه مرتبطة بمستويات مختلفة من التفاعل، أن كانت نشطة تتحول المعادلة لصالح الفاعل البشري وأن كانت خاملة يبقى الفرد تحت رحمة ضربات الطبيعة وأختياراتها.
أنا لم أستبعد وجود أرتباط تأسيسي بين المنهج الظاهراتي في تفسير الأحداث والسلوك البشري، والمنظور التطوري الأرتقائي الدارويني، فالتطورية أستشرفت الأحداث وراقبت مفاصلها بدقة وأعطت لسلطة الطبيعة سيطرة على الكائنات منها البشرية وأختارت لهم ستراتيجيات التكيف وآلياتها. أذن للمكان قوة مؤسسة على الكائن البشري يختلف تأثيرها من بقعة لبقعة ومن جغرافية الى جغرافية، ولكن الفرد أذا ظل مستجيباً سلبياً وأنعكاسياً مع الطبيعة ولم يتحول الى الصراع معها كآلية مبنية على تفتيق الأستعداد العقلي سيبقى غير مدركاً لما سينعكس المكان أو الجغرافيا على ذهنيته ويهيئ له زاوية النظر كي يترائى معطيات المكان كما تظهر وكما ستقع على حواس الفرد.
المكان عند داروين له سلطة الأنتخاب حيث يضع على الكائن تغييرات محسوسة بمرور الزمن، بمعنى أن مكاناً معيناً لا ينعكس أشعاعاته وتأثيره على فرد معين طيلة وجوده في هذا المكان، فأن فعل ذلك سيبقى الفرد البشري الى نهاية التأريخ على نفس الشكل والجوهر. الزمن والذي يقاس بالحركة الأنسانية والنشاط العقلي والجسدي هو البعد الآخر المهم في أظهار التحول والتغيير على سلوكيات وعقليات الأفراد، وهذا ما تؤكد عليه الظاهراتية حيث الوجود عندها يتجلى فيما سيحدث ويتظاهر للفرد المدرك، الأحداث والظاهرات كما يدركها الأفراد من خلال تمظهراتها من حين لآخر.
هنا أريد أن اشير ثانيةً الى الأختلاف والرهاب الناشئ من سوء فهم وأدراك الأفراد والجماعات الدوغماطيين، فالأختلاف حقيقة ملتصقة بالوجود والحياة، لن تجد شيئين على نفس الشاكلة والجوهر ولو كانا ضمن نفس النوع والجنس، فالمكان بفعل أستمرارية التحولات الكيميكية والفيزيكية لن يبقى ثابتاً ولهذا يضع تأثيره بمرور الوقت على من هو يعتبر من مكوناته ومعطياته، ومن التأثير الزمني هذا تنمو الثقافة وتتحول النظام الأجتماعي من حالة الى أخرى.
من لم يشعر الأختلاف ولم يؤسس مخيلته على هذه الحقيقة ولا يدركها فأن عقله سطحيٌ بقى على بدائيته في علاقته الطفولية سواءً بالمكان أو بالزمان. حقيقة الأختلاف تكمن في قبولها، انبثق الأختلاف في طبيعة الكون والحياة، قوة الحياة هي في بواطن الأختلاف أولاً وفي تمظهراتها ثانياً.
ما لم تؤسس المؤسسات بيننا وعلى أمتداد المعمورة لثقافة الأختلاف سيبقى الرهاب من الآخر متجذراً في النفوس وتتجذر بأستمرار من أثر سلوكيات البارونات وأباطرة المماثلة والشمولية.
ما لم تؤسس لهذه الثقافة الأنسانية الراقية لن نتمتع بالحياة ولا نجد لها معنى ولو غادرنا الأرض ولجئنا الى الكواكب الأخرى، فاللحظات الحياتية لا تشبه بعضها وهي منسجمة ضمن نظام متحول دايناميكي لا يقبل الثبات نهائياً.
أذن في الأختلاف قوة، الأختلاف يوحدنا والمختلفون يتبادلون ما يرونه هم أنفسهم، أما المتماثلون بماذا يتجادلون ويتفاعلون؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س