الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب الحقيقة والوهم في الحركات الاسلامية المعاصرة

صالح أبو طويلة

2017 / 8 / 2
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يتناول المفكر المصري فؤاد زكريا في كتابه (الحقيقة والوهم في الحركات الاسلامية المعاصرة) والصادر عن دار الفكر للدراسات والنشر في القاهرة عام 1986 ؛ العديد من المقولات التي تطرحها التيارات الدينية في مصر في تلك الفترة وخصوصا الإخوان المسلمين والتيارات الجهادية، وأبرز مضامين خطاب تلك الحركات وملامح خطابها السياسي والإيديولوجي كالحاكمية وأسلمة المجتمع واضطهاد ثورة 23 يوليو لتلك التيارات.
يلقي المؤلف في معرض إجابته عن مآلات تجارب تطبيق الشريعة؛ الضوء على التجربة الايرانية والسودانية والسعودية والباكستانية في تطبيق الشريعة والمآلات التي وصلت اليها، وفي جميع المحاولات يناقش النتائج التي وصلت إليها تلك الدول بعد تبنيها لتطبيق الشريعة الإسلامية والتي تمثلت بأنظمة للحكم تبعد كل البعد عن الحرية والمساواة والعدالة وجميع القيم التي سعت إلى إقرارها كافة الأديان ودعا اليها الفلاسفة والمصلحون منذ أقدم العصور.
تطرح التيارات الدينية قضية عدم إتاحة الفرصة لتطبيق الشريعة الإسلامية وأن العديد من الإيديولوجيات تم تطبيقها في مصر على سبيل المثال (المرحلة الليبرالية في أواخر العهد الملكي)، والمرحلة الإشتراكية إبان حكم عبد الناصر، وتلك الأنماط والدعوات بحسب رؤية الإسلاميين فشلت في حل مشاكل الناس، ويتناسى الإسلاميون أن المرحلة الليبرالية كانت قصيرة ولا يمكن إصدار حكم على عدم صلاحيتها بهذه المنهجية المسطحة، إلى جانب الاشتراكية التي طبقت لبضعة سنوات فقط بدايات الستينيات، وبالتالي لا يمكن إصدار حكم علمي على فشل تلك التجارب، فيما يغض الإسلاميون الطرف عن تجارب معاصرة لأنظمة طبقت الشريعة وكانت النتائج وخيمة مثلما حصل في السودان إبان حكم النميري إلى جانب التجربة الإيرانية والسعودية والباكستانية ومحاولات أخرى هنا وهناك.
يعتقد الإسلاميون أنه بمجرد الإعلان عن تطبيق حكم الشريعة في بلد ستتغير الأوضاع بين عشية وضحاها ولا يدركون طبيعة التعقيدات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمعات المعاصرة، ويناقش زكريا العديد من الحجج التي يطرحها الإسلاميون للترويج لرؤيتهم ورسالتهم؛ مثل الحاكمية، صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان، الصورة المثالية للعصور الإسلامية القديمة، وقدم حججا عقلية لتفنيد رؤية الإسلاميين في تلك القضايا.
هل الشريعة صالحة لكل زمان ومكان
يقول فؤاد زكريا " الإنسان كائن متغير ومن ثم ينبغي أن تكون الأحكام التي تنظم حياته متغيرة ، والحق أن تغير الإنسان حقيقة أساسية لا يستطيع إنسان يحترم عقله وعلمه أن ينكرها وحقيقة التغير هذه تحتم على ان تكون القواعد التي يخضع متغيرة بدورها ، فالعقل البسيط والمباشر يأبى أن يكون هناك في المجال البشري ما يصلح لكل زمان ومكان ما دام الإنسان ذاته قد طرأت عليه تغيرات أساسية في الزمان منذ العصر الحجري حتى عصر الصواريخ كما طرأت عليه تغييرات جوهرية في المكان ما بين الجزر الاستوائية البدائية وبيئة المدن الصناعية الشديدة التعقيد، والذي كشف حقيقة تغير الإنسان هو العقل الذي خلقه الله للبشر والعلم الذي حضهم عليه ودعاهم إلى التزود به، هو نفسه الذي كشف عن حقيقة التغير الأساسية التي لا تفلت منها أية ظاهرة بشرية "
ويتابع زكريا " لماذا الدعوة الى تطبيق الشريعة ؟ الجواب لأنها من عند الله والقوانين الوضعية من عند البشر، وهل يصح أن نقارن بين شريعة أوحى بها الله وبين قانون وضعه كائن ضعيف هش محدود؟ والسؤال الاساسي هو هل نحن حقا ازاء اختيار بين شرع الله وقانون الانسان؟
يجيب زكريا على تلك المقولة بأن أحكام الشريعة باعتراف الجميع تمثل في أغلبها مبادئ شديدة العمومية يتعين بذل جهد كبير من أجل ملء تفاصيلها بمضمون صالح للتطبيق في ظروف كل عصر بعينه، وأن أي مجتمع يريد لنفسه الحياة وسط عالم متغير متجدد يتعين عليه ان يتعامل معه أن يبذل جهدا بشريا هائلا لكي يترجم المبادئ الدينية العامة الى واقع يمكن تحقيقه في عالم كهذا.
إن عملية الحكم عملية بشرية أولا واخيرا وما دام الذين يمارسونها بشرا فسوف يقحمون مشاعرهم وميولهم في أي نص يحكمون بمقتضاه حتى لو كان نصا إلهيا، وكل حكم يتولاه الانسان حتى لو كان يرتكز على شريعة الهية سيصبح بالضرورة بشريا تنعكس عليه أهواء البشر وتحيزاتهم وأطماعهم وكل جوانب ضعفهم وهذا معناه أن الاختيار الحقيقي ليس بين حكم الله وحكم الانسان وانما بين حكم بشري يزعم انه ناطق بلسان الوحي وحكم بشري يعترف بأصله الانساني.
يناقش زكريا عبارتين هما الحكم الإلهي والحكم البشري، ويصل إلى أن الحكم هو عملية بشرية أولا وأخيرا وأن الرجوع إلى نصوص إلهية لا يحول دون تدخل العنصر البشري في اختيار النصوص الملائمة وتفسيرها بالطريقة التي ترضي مصالح الحكم، و تطبيق أحكام الشريعة ليس في ذاته ضمانا لأي حكم أفضل من تلك الأنظمة التي ظلت تستبد بنا طوال التاريخ ، وإنما المهم والأساسي والجوهري هو الضمانات التي تحول بين الحاكم وبين الانحراف.
ومفهوم الضمانات بحسب زكريا مفهوم بشري بحت تطور على مدى التاريخ وخضع لأسلوب المحاولة والخطأ واستطاعات البشرية أن تنميه وتزيده إحكاما بعد تجارب طويلة مريرة أخفق الكثير منها ونجح القليل نجاحا نسبيا ولكن الناس ما زالوا يتعلمون ويستفيدون من كل تجربة.
يرى زكريا بأن البشر هم دائما الذين يحكمون وهم الذين يحولون أية شريعة إلهية إلى تجربة بشرية تصيب أو تخطئ من خلال ممارستهم للحكم تماما كما يطبق الحاكم – في الغالبية الساحقة من الحالات- أحكام الدستور ويفسرها على النحو الذي يخدم أغراضه ومصالحه بحيث تتحول هذه الأحكام من كلمات مسطورة على الورق إلى واقع فعلي متجسد على يديه.
كما يرى بأن الصورة الطوباوية التي شكلها العقل السلفي للعصور الإسلامية القديمة جاءت من خلال الرجوع للنصوص وحدها وأن هذا الأمر لا يسمح على الإطلاق بالحكم على أوضاع مجتمع ما أو حضارة ما من خلال النصوص فقط دون الولوج إلى السياقات التاريخية والثقافية والدينية لتلك المرحلة القديمة، فأنصار الحكم الإسلامي يجعلون النصوص وحدها أساسا للحكم على موقفهم الذي يزعمون أنه موقف الإسلام من مشكلات الإنسان الرئيسة ويتجاهلون ما حدث بالفعل في التاريخ.
ويضيف زكريا بأن الإسلاميين سيقولون مرة أخرى (حول فشل تجارب تطبيق الشريعة عبر العصور) إن هذا سوء تطبيق لا يمس الجوهر، ويجيب زكريا بأنه إذا كان هذا الجوهر قد ظل غير متحقق طوال معظم فترات التاريخ ، ألا يدعونا هذا إلى الشك العميق في إمكان تحققه في عصرنا الحاضر ؟ بل ألا يدعونا ذلك إلى الشك في قدرة هذا الجوهر على التأثير في المسلمين بشكل عام ما دام الطابع على سلوكهم عبر التاريخ هو الابتعاد والانحراف عنه.
تناول فؤاد زكريا مصطلحا جديدا لتوصيف ظاهرة التدين في منطقة الخليج (الدولة السعودية) إذ يستخدم مصطلح (البترو – إسلام) ويناقش أثر الثروة النفطية في هذا النمط من التدين والعلاقة التي نشأت ما بين السلطة والدين للتعامل مع تلك الثروة الهائلة، ويذكر أنه تم توظيف هذا النمط من التدين لحماية الثروة النفطية والعلاقات الاجتماعية القائمة على مبدأ تملك القلة للثروة – وهو نوع من الاسلام الشكلي الذي يتميز بالانشغال بقشور الدين وطقوسه دون مضامينه، و هو إسلام اللحى والجلباب القصير وتوقف العمل في مواعيد الصلاة وتحريم قيادة المرأة للسيارة ومنع الاختلاط والتحريمات والمخاوف الجنسية، فالاسلام البترولي يقوم بعملية فصل تام بين الدين وحياة الناس الفعلية وبين الايمان ومشاكل الفرد أو المجتمع، والاسلام البترولي يبعد أذهان الشعوب التي تدين به عن المشاكل الداخلية والخارجية لمجتمعاتها ولكنه لا يمس مصالح الدول الرأسمالية الكبرى في البترول.
غير أن أثر هذا النمط تجاوز الحدود الجغرافية نحو بلدان كثيرة ، ويستشهد المؤلف بمصر كنموذج لدولة تبنت أنماطا من الإسلام المعتدل قبل أن يغزوها الإسلام البترولي، فقد استقطبت السعودية الإخوان المسلمين الفارين من بطش جمال عبد الناصر ليعودوا فيما بعد إخوانا متسلفين ، كما دعمت الحركات الجهادية في مصر فترة السبعينيات فترة حكم السادات الذي أحدث تقاربا كبيرا مع مختلف التيارات الدينية قبل أن تغتاله رصاصاتهم.
خطاب الشيخ الشعراوي
وجه زكريا العديد من الانتقادات الموجهة نحو خطاب الشيخ الشعراوي، ويعزو المؤلف أن ظاهرة الشيخ الشعراوي جاءت في سياق التقارب الذي قام به السادات مع التيارات الدينية وتسهيل عملية نشر الأفكار السلفية عبر وسائل الإعلام المصرية مقابل إقصائه للتيارات الديمقراطية والناصرية واليسارية، فخطاب الشعراوي في بداياته كان موجها للوعظ الديني والتفسير والفتاوى، ثم تطور تدريجيا نحو الإفتاء في قضايا العلم والتكنولوجيا والسياسة والاقتصاد.
يقول زكريا " الشيخ الشعراوي يقلل من أهمية العقل والعلم ، ويغرد خارج مجاله الديني الوعظي فيفتي بالاقتصاد والسياسة وينقد العلم الطبيعي والتكنولوجيا" . وخطاب الشعراوي بحسب زكريا خطاب موجه من (مرسل) إلى (مستقبل) دون أن يكون هناك نقاش أو حوار من جهة (المستقبل) تجاه (المرسل).
ويوجه زكريا نقدا علميا حادا لدراسة الدكتور حسن حنفي التي نشرت في الصحف المصرية تحت عنوان" مستقبل الاصولية الاسلامية" والتي جعلت من التيار الديني في أشد اتجاهاته تطرفا وتصويرها لهذا التيار وكأنه هو موجة المستقبل في العالم العربي، ودراسة حنفي استخدمت مناهج حديثة في التحليل من أجل إضفاء طابع الأصالة والوطنية والتحرر على التيار الديني، ويكشف زكريا تناقضات حنفي التي تتراوح ما بين تجميل أفكار تلك التيارات ومشروعها السياسي وما بين أطروحاته التي تصب في سياق الحداثة والعقلانية.
يناقش زكريا الأسباب التي أدت الى قتل السادات بأنها ليست أسبابا وطنية او سياسية او اقتصادية كما يروج لها بعض المفكرين ومنهم حنفي؛ بقدر ما هي امتداد لعقائد التكفير وبعض التغييرات الطفيفة التي أجراها السادات اواخر حكمه المصري على قانون الأحوال الشخصية وما يتعلق بمساحات لحرية المرأة ولإبعاد الدين عن السياسة والسخرية من الحجاب؛ هذا الأمر تحقق أواخر عهد السادات.
ويرى زكريا بأن من أسباب ظهور التطرف الديني في مصر طبيعة نظام الحكم الذي كان سائدا بعد ثورة 23 يوليو فهناك علاقة عضوية وثيقة بين أسلوب الحكم الذي سارت عليه ثورة 23 يوليو وبين انتشار التطرف والعنف الديني ذلك لأن أسلوب الحكم هذا كان يتجه بطبيعته إلى أن يطبق على الشعب كله نفس القيم السلوكية المطبقة في الجيش ويميل الى جعل العلاقة بين الحاكم والمحكوم اشبه بالعلاقة بين القائد وجنوده لا بين مواطنين اكفاء عقلاء متساويين وهكذا كان المواطن الذي اتجه عهد الثورة الى تشكيله هو المواطن المطيع الذي يمتنع قدر الإمكان عن التحليل والمناقشة والتفكير المستقل والذي يفكر له الزعماء والقواد وما عليه سوى التنفيذ.
فهناك عنف بنائي أو تكويني يجمع بين الحكومات العسكرية وأساليب الجماعات المتطرفة ويشكل أساسا قويا للجمع بينهما وهذا هام ينبغي أن يضاف الى العوامل التاريخية الأخرى.
يدعو زكريا إلى خلق حوار فعال مع التيارات والأفكار الدينية في مصر بدون تشنج، ويراهن على أن الحوار المتكافئ بإمكانه أن يكون خيارا جيدا وأفضل من الصراعات الحادة التي تنشأ بين التيارات العلمانية والدينية في مصر ولكن ثمة معضلات تقف حائلا في مثل هكذا حوار، ويتساءل زكريا هل من الممكن خلق حوار وسجال عام مع التيارات الدينية وطروحاتها في مصر؟ ولماذا أخفقت محاولات الحوار مع التيارات الدينية ؟ لأن لدى أعضاء الحركات الدينية موقفا شديد الاتساق بحيث أنك لو سلمت بنقاط انطلاقهم كان من أصعب الامور أن تصل الى نتائج مخالفة لتلك التي يقولون بها، فنظرتهم متكاملة تترابط عناصرها وأجزاؤها بإحكام ولا سبيل الى انتقادها بطريقة فعالة الا بمناقشة المنطلقات الاولى والمقدمات الاساسية التي يبدأون منها، أما انصاف الحلول أو الحلول المنافقة فلا تنطلي عليهم ولا تؤثر كثيرا في جمهورهم بل تأتي في معظم الحالات بنتائج عكسية.
مقولة ثورة 23 يوليو والجماعات الاسلامية
يفند زكريا مقولة (ارتباط نشوء الحركات المتطرفة في مصر بظاهرة اضطهاد السجون) وأن تاريخ الجماعات الاسلامية مع ثورة 23 يوليو هو تاريخ اعتقالات واضطهاد وسجون وأن التطرف الديني نشأ في فترات الاضطهاد والتعذيب في السجون، وأن الثورة وقفت موقفا معاديا من الاسلام باعتبار ان تلك الجماعات كانت تمثل الاسلام .
يرى زكريا أن صدامات الثورة مع تلك التيارات كانت سياسية وليست عقائدية أو دينية، ويستدل على ذلك بالتوسع في إنشاء المؤسسات والمراكز الدينية من قبل السلطة المصرية في فترات مختلفة في عهد الثورة، وأن الصراع بين عبد الناصر والإخوان هو صراع سياسي على السلطة لا أكثر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك