الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعلامنا العربي حريات هاربة وحلول مؤجلة

علي حسن الفواز

2006 / 2 / 8
الصحافة والاعلام


يبدو ان الاعلام العربي بحاجة حقيقية الى صدمة بنيوية فاعلة تضعه امام استحقاقات المنعطفات الخطيرة التي بدأت تواجه العقل العربي وتشكلاته في المؤسسات والدول ونظم تداول المعرفة وانتاجها وحقوق ملكيتها ، والبحث عن الكيفيات التي تضع هذا الاعلام في سياقات التخصص المهني والانتاجي قبل ان يكون جزءا غامضا في عمليات سياسية مريبة ،تضع الاعلام في اطار اغواء مشغلها وانحيازاتها ، اذ اثبتت الوقائع ان الاعلام العربي مازال في اغلبه ذات منحى وظائفي واشهاري في الحيز الحكومي/ السلطوي وليس في اطار سياقات مهنية واضحة،له جسده الخالص بعيدا عن لعبة المخالب والفرائس ، ويتعاطي مع المفهوم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في طار الدولة كمؤسسات ونظام اقتصادي واجتماعي ومعلوماتي، اذ ان الكثيرين مازالوا لايفرقون بين الدولة والحكومة/السلطة !! وربما هذا يرتبط بمرجعيات تشكل الدولة في عالمنا العربي ونمط تكونها وتداول السلطة فيها ..مثلما يرتبط ايضا بانماط الثقافات القهرية التي تشرعن وجود المواطن المريد والتابع وليس المواطن النقدي !!
ان ادراك الكثير من الحقائق المثيرة للجدل في اعلامنا المعاصر باتت امرا مثيرا ،ليس في تقدير اهمية الاعلام بما يناسب حجم المساحات المشغولة بالاعلام المرئي والمسموع والمكتوب ، قدر ما يناسب الكيفيات التي يتم بموجبها انتاج رسالة اعلامية بخصوصيات وهويات عربية تحوز الشروط المهنية والموضوعية بعيدا عن الصناعات الجاهزة التي تروج لها النظريات الاعلامية...واذا كان لهذه النظريات من اهمية ،وهذا حق، فانه يجب التعاطي معها على اساس ما تشكله من قاعدة علمية/ اكاديمية تسهم في تنمية المعارف والقدرات والخبرات التي تصنع محترفات اعلامية مثلما تصنع علاقات وفضاء ات تؤنسن ( الثقافة الاعلامية) كخطاب وممارسات ومنافسات تحتكم الى قواعد الاستقلالية في حدودها المهنية ،اذ لايوجد اعلام مستقل بالكامل أو اعلام حيادي ، فالاعلام العربي في اطاره المؤسسي والاكاديمي يمكن ان تشمّ من رائحة الحكومة والنمط الذي يمثله من ثيابه العائلية بسهولة !!!ولكن وهذه حقيقة مرة ازاء معطيات باتت اشبه بالضواغط التي شكلتها دورة الطبيعة السياسية في عالمنا العربي بدءا من تصدع بنيات النظم السياسية ذاتها في مرحلة مابعد الحرب الباردة!!والتغيّر المريع في قوى الاستقطاب الكوني وانعكاسها على الدول الموجودة في طريق حريرها !!! وكذلك مرحلة مابعد اعصار 11/9/2001 والتي خلقت هامشا لصيرورة ما يسمى بالسياسة الشريرة لقوى المهيمن ومحاولة فرض رؤاها على العالم ،وهو الذي انعكس عبر مجموعة من التغيرات والتداعيات التي مازلنا نقف عندها بخجل وعيّ ،وكأننا لم نستوعب انهيار الجدار الكوني من حولنا !!
وكذلك ايضا مرحلة مابعد احتلال العراق والذي يعدّ اكثر الصدمات القوية اثارة للاسئلة والريبة بالآخر خلال اكثر من خمسين عاما ،،وفي قراءة بسيطة ازاء هذه المعطيات يظهر اننا مأخوذون دائما بالنتائج دون الاسباب التي أدت الى حدوث هذه الانهيارات!!
ومن هذا المنعطف ندرك حجم خطورة الاشكاليات الاعلامية واختلال معادلات جدتها وحضورها الفاعل بالتماس مع أية تحولات سياسية طاعنة في المشهد العربي، اذ يبدو الاعلام العربي وللاسف رهينا في ما بعدية الحوادث!! وهذا يرتبط باشكالات الوعي الحكومي العربي وحساسيته في التعاطي مع الاحداث والوقائع ، فضلا عن ذلك ان المؤسسة الاعلامية العربية ضعيفة جدا ولاتعدو ان تكون مؤسسة لها مزاج الحكومات ذاتها، وان خطابها عمومي ووظائفي وليس جوهريا في مواكبة ما يجري حوله من تغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية وتصدعات في كينونة الخطاب الثقافي والتي افرزت انماطا من الثقافات التراجعية في وعيها وفي خطابها وحتى في انتاج رسائل اعلامية ذات مرجعيات أثنية وطائفية وفقهوية تضعنا امام ازمة معقدة في قراءة التاريخ والنص والاجتهاد ، والتي يبدو انها تنمّ عن خلل في وعي المهنية الاعلامية التي اختلطت بالثقافي التخصصي واختلطت بالمرجعيات الفقهية ،،مثلما يؤشر ذات الضعف والخلل في مؤسسة الجامعة العربية التي يبدو ان دورها ارضائيا!! وفاقدا لسياساته الستراتجية التي ينبغي ان تفعّل اي جهد قومي في اطار التعليم والثقافة و في اطار تشجيع الدول العربية ضمن اتفاقياتها الاقليمية والثنائية على تبني خطاب اعلامي واضح وعلمي وعلى قدر فاعل من الحيوية ... ولعل الادهى من ذلك ان هذا الخلل يؤشر غيابا حقيقيا وححضوريا لما يسمى بتشكلات المجتمع المدني العربي ودورها المفترض في ان ان تكون مؤسسات نقدية تتبنى خطابا ضاغطا على الحكومات باتجاه تبني سياسات اعلامية واضحة تسهّل تداول المعلومات وتنمية الثقافة الاعلامية في المجتمعات العربية ،وربما دعم اصدار صحف ودوريا ت وتأسيس محطات فضائية وشبكات معلوماتية تسهم في تحرير المواطن العربي من اسر الصياغات الحكومية التي اسلمته لليأس والاحباط واعلاميات الشتائم والكراهية.
ان ادراكنا الجاد بان الاعلام لم يعد جزءا من النوايا ، وجزءا من بضاعة البيت!!وسطوة الاب البطرياركي الشمولي ،وانه اصبح صناعة وصناعة تخصصية جدا ،وتحتاج الى مهارات وخبرات ورؤوس اموال كبيرة ،وبرامج وستراتيجيات تدخل في ادق تفاصيل السياسي والحكومي !!يمثل اول الخطوات الحقيقية باتجاه تشكيل مشهد اعلامي يعرف بمجساته خفايا الجسد العربي ويغوص في جلده الحر بحثا عن المسكوت عنه الذي عادة ما كانت تصنعه الحكومات العربية بمهارة عالية...
واذا كان ثمة من يقول ان هذه التوجهات هي ترويج للبضاعة الغربية ،وتكريس نمط اعلاميات الفضائح وتداول الحرية بشكل يفقدها ضرورتها ومسؤولياتها،،ان هذه الشكوى هي شكوى للذين فقدوا قدرتهم في مواجهة الحياة ومنعطفاتها الخطيرة ،وربما هم الذي يحرضون الغرب الامبريالي والاحتلالي على تسويق نظريا ت الاصلاح والدمقرطة وسياسة الاقتصاد الحر والتجارة الحرة وتوريط المواطن العربي الطيب بكل تداعيات العولمة الذي تصنع عطالته وجوعه في اسواق تضج بكل ما تشتهي النفس !!! نعم هؤلاء هم الذي يشوشون المشهد بالضجيج ، واجد ان ضرورات المحنة التي نواجهها تقتضي ان نعيد قراءة اجندتها في سياق ما تتركه من جروح نازفة في الجسد ومن تشوهات تقزّم الارادة، وضعفا قارا في تكريس ضعفنا وتخلفنا في (ادارة الديمقراطية) كما يقول البعض!! وفي اطار ما تفترضه من مسؤولية تأهيل الامكانات والقدرات والتنميات عبر حوار واضح وصريح يهدف الى تأمين الامكانات المادية والتعليمية الاولية والتخصصية والفنية في الصناعة الاعلامية ،والتأكيد على اهميةالحريات الاعلامية واقرارها ضمن الوثائق القانونية للحقوق العامة ،والتأكيد على اهميتها النوعية في كل الاتفاقيات الدولية والقومية والاقليمية وضمن جداول اعمال المؤتمرات والندوات العربية والحديثعنها بصوت مسموع وبعيدا عن غلواء ما تتركه صناعات الحروب الصغيرة وادلجتها في التدين وفي سياسات التحريم والتضليل والخوف من غزو الاخر ، لتكون الاجيال الجديدة من الاعلاميين اما م مسؤوليات النهضة من جديد ،نهضة الانسان والعلم والثقافة والمعرفة ، وبالتالي اعادة ثقة المواطن العربي بنفسه وامته ،،وربما وساكون صريحا هنا ان كل هزائمنا التي حدثت وتحدث تعود الى هذه الحلول المقطعية التي تترك العلة دائما في النصف الاخر من الجسد ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكونغرس الأمريكي يقر مشروع قانون مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا


.. لازاريني: آمل أن تحصل المجموعة الأخيرة من المانحين على الثقة




.. المبعوث الأمريكي للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط: على إسرا


.. آرسنال يطارد لقب الدوري الإنجليزي الممتاز الذي غاب عن خزائنه




.. استمرار أعمال الإنقاذ والإجلاء في -غوانغدونغ- الصينية