الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معوقات نمو الأبنية المدنية في الأردن

صالح أبو طويلة

2017 / 8 / 4
المجتمع المدني


تبرز أهمية الكيانات المدنية في دولة متشكلة حديثا كالأردن، في كونها ضرورة أساسية لتعزيز بناء الدولة والمساهمة في خلق مجتمع مدني حقيقي، ففي دولة تقوم بنياتها الاجتماعية على العشائرية، فإنها تحتاج إلى جهود مضاعفة لتجاوز مرحلة ما قبل الرأسمالية، من أجل إنجاز الدولة الحديثة القائمة القيم المدنية.
لعبت العشيرة في المرحلة القديمة في بدايات تشكل الدولة الأردنية؛ دورا أساسيا في استقرار المجتمع في تلك المرحلة وكانت العشيرة تؤدي أدوار وسيطة ما بين مصالح الأفراد والدولة، أو لنقل أن وظيفتها كانت أقرب إلى مفهوم المجتمع المدني في وظيفته الأساسية كوسيط بين الدولة والأفراد، غير أن تطور الدولة المجتمع والظروف والمتغيرات الداخلية والخارجية باتت تحتم على الدولة خلق مجالات عمومية وإتاحة الفرصة لتشكل أبنية مدنية بشكل طبيعي، لكن كثيرا من المعوقات والتي لا زالت تلقي بثقلها على الواقع المدني تحول دون الوصول إلى تلك المرحلة؛ ما زاد في حدة التناقضات الاجتماعية وبروز ظواهر جديدة مثل العنف العشائري والتطرف الديني والعنف المجتمعي بشكل عام، كما أدى هذا الفراغ وانسداد البدائل إلى توجه الفئات الشبابية نحو البحث عن كيانات أخرى عشائرية عنصرية أو دينية للتعبير عن آرائهم، والبحث عن أدوار اجتماعية وأنساق جديدة وهويات بديلة تلبي حاجاتهم النفسية والاقتصادية، في حين ستكون فاعليات تلك الفئات تسير نحو تحقيق السلم والاستقرار الأهلي في حال توفر تنظيمات مدنية تستوعب طاقات الشباب، وتحقق تطلعاتهم، وتطرح نقاشاتهم العامة وفق أسس ديمقراطية منظمة ومسيسة ومستقلة، وتبني من خلال عملها شبكات تواصل مع الدولة ومؤسساتها، وتوفر مساحات من نقد الحكومة بشكل سلمي وديمقراطي لتحقيق التوازن الاجتماعي والقيمي.
سنحدد مصطلحا في هذه المقالة يشير إلى مفهوم التشكيلات المدنية بمختلف مسمايتها وسنطلق عليه " المنظمات المدنية" والتي تتشكل بين أفراد أحرار لغايات وأهداف.
المجتمع المدني هو شبكة الاتحادات طوعية التكوين والتي تبدو مستقلة عن الدولة والجماعات الأولية، ولكنها في الوقت الذي تعمل فيه على احتواء الانقسامات الاجتماعية وتشكيل منطقة عازلة بين الدولة فإنها تعمل على ربطها بالدولة وسلطتها (ريموند هينيبوش المشار إليه في؛ (خشيب ووشنان،2016).
و تبرز أهمية التنظيمات الاجتماعية في أنها إن وجود التنظيمات الاجتماعية في أي مجتمع في أنها تمثل شرطا لازما لتحقيق خاصية الاستقرار والنمو، فاستمرارية أي مجتمع مرهونة بالنتاج الثقافي للآليات التنظيمية لذلك المجتمع والتي تتمثل عادة في المؤسسات والهيئات والتجمعات ذات الطابع التنظيمي، واعتبار التنظيمات الاجتماعية نتاجا ثقافيا يعود إلى أن وجودها كان نابعا من نشاط الأفراد والجماعات داخل المجتمع وكذا اتجاهاتهم والعلاقات المتبادلة فيما بينهم من جهة وكذلك علاقاتهم مع مؤسسات المجتمع، ويضاف إلى ذلك مدى تمثلهم للقيم والمبادئ والمعايير الاجتماعية لمجتمعهم جيلا بعد جيل عبر سلسلة نمائية اجتماعية ثقافية (wertsch,1991,1997).
والمجتمع المدني يعد ضرورة للدولة والمجتمع على حد سواء باعتباره يمثل حلقة الوصل الوظيفي بينهما، الحامل لآمال الشعب، الساهر على رشادة السلطة، العامل على تماسك الدولة ودعم أسباب بقائها ونجاح مهماتها بشكل دائم ومستمر(خشيب ووشنان،2016). وهو صمام الأمان للدولة وهو بارومتر التوازنات التي تحدث في المجتمع وهو فوق هذا أداة للتوازن والتنظيم تقف بين الدولة بسلطتها القهرية والمادية وبين المجتمع وتطلعاته التي قد تتجاوز ما هو مسموح به قانونا، والحد من هذه النزوعات الأنانية التي قد تتخذ أشكالا تعبيرية تتنافى مع فلسفة ومبادئ المجتمع المدني (الطراح،2004).
وتسهم مؤسسات المجتمع المدني في امتصاص حالات الغضب والاحتقان الاجتماعي والسياسي ، وفتح الباب للتنفيس عنها سلمياً بالتعبير عن الرأي العلني، وتعميق مفاهيم العمل المؤسسي، و تأكيد مقدرة المجتمع على التنظيم الذاتي والعمل الجماعي، والقدرة على اتخاذ المبادرات وتدعيم النهج السلمي في الحوار بين الأطراف المختلفة، والعمل على تقليص تأثير النزعة الفردية والتسلطية في اتخاذ القرار (الدميني،2004).
وبالنسبة للأجيال الشابة، فإن مؤسسات المجتمع المدني تعمل على استيعاب طاقاتهم، وتوفير أسباب الأمان الاجتماعي والثقافي والنفسي لهم، وتلبية احتياجهم لتحقيق الذات، وتوفير البيئات العملية الكفيلة بتعميق روح العمل الجماعي والمؤسسي المنظم في نفوسهم، وتيسير اندماج الأفراد المنحدرين من مناطق وشرائح مختلفة في إنجاز أعمال ومشاريع مشتركة والقضاء على ترسبات التفرقة المناطقية والفئوية (الدميني،2004).
لا يؤشر مدى انتشار المنظمات المدنية في الأردن بالضرورة إلى تشكل مجتمعات مدنية بالمعنى العلمي، إذ تفتقر تلك المنظمات إلى الشروط الكافية لجعلها منظمات مدنية تؤدي مهامها كوسيط بين الدولة والمجتمع، صحيح أن هناك عدد كبير من تلك المنظمات ينفذ مهمات عديدة وينتشر في المدن، ولغير المتعمق في واقع وبنية تلك المنظمات يتصور أن كل منظمة تنخرط في العمل المدني والخيري هي منظمة مدنية تعبر عن مجتمع مدني ما.
ثمة عوامل تحد من تشكيل منظمات مدنية حقيقية تؤدي أدوارها وفقا للسياقات الاجتماعية والسياسية السائدة في البلد، وبالتالي ستكون تلك المنظمات كيانات هشة، أو دكاكين للربح، أو تشكيلات اجتماعية تمنح من يقوم على إدارتها الوجاهة والمنفعة المادية والسلطة المحدودة ضمن الإطار المخطط له مسبقا.
تحد التشريعات والإجراءات البيروقراطية والأمنية من تشكل منظمات مدنية فاعلة تعبر عن روح المجتمع، وبذلك لا يمكن تشكيل أية منظمة مدنية بسهولة كما هو سائد في الدول المتقدمة، بل يشترط الحصول على شهادة عدم محكومية من المحكمة، هذا شرط أولي لكنه غير كاف، هناك مرحلة تالية تتمثل بموافقة وزارة التنمية أو الوزارات المعنية على تسجيل تلك المنظمات والجمعيات، وهذه الموافقة مرتبطة بموافقة الأجهزة الأمنية، بمعنى أن الناشط المدني حتى لو حاز على شهادة عدم محكومية إلا أنها غير كافية إذا لم ترفق بموافقة أمنية والتي تمنح أو تمنع بدون أية مبررات، فإذا كان المتقدم قد مارس السياسة يوما ما فإنه لا يتم الموافقة على قبوله كعضو في تلك المنظمة قيد التسجيل، وهذا الأمر يخضع للإرادة الأمنية رغم أن القوانين والتشريعات تمنح أي مواطن حائز على شهادة عدم المحكومية الحق في الانضمام إلى المنظمات والأحزاب.
في حال رفض الوزارة المعنية لتسجيل العضو أو المنظمة؛ فإنها تمنح حق التقاضي ورفع دعوى في محكمة العدل العليا للطعن في قرار عدم القبول، هذا الأمر قد يبدو ديمقراطيا للوهلة الأولى، لكن يكمن في داخله جملة من التعقيدات القانونية التي تؤول إلى إقصاء هذا العضو المتقدم أو المنظمة قيد التسجيل، فعلى سبيل المثال تحتاج الدعوى إلى محام مختص ومصاريف للدعوى وقد تصل إلى بضعة آلاف من الدنانير، ما يقف عائقا أمام كثير من الناشطين المدنيين من تحمل تلك الأعباء والتكاليف وبالتالي عزوفهم عن الالتحاق بالعمل المدني، إلى جانب أن تلك الدعوى المرفوعة في المحكمة قد تمتد إلى بضعة سنوات وهو زمن طويل يتم خلاله انفراط عقد المنظمة تلقائيا وحتى لو صدر قرار يقضي بقبول الطعن فإن غالبية الأعضاء ونظرا لتلك التعقيدات يفضلون الانصراف بعيدا عن العمل المدني.
لنفرض أن مجموعة من المواطنين الذي اكتملت بهم الشروط القانونية والأمنية شكلوا منظمة مدنية وتم تسجيلها بالفعل، فإن ثم شروط وإجراءات يتم قولبتها بحيث تغدو تلك المنظمة حكومية وليست مدنية بمعنى أنها لن تكون حرة ومستقلة خارج إطار التوجيهات الحكومية.
ويتم ذلك من خلال عدة أمور؛ أولها توفير الدعم وتوجيهه، فالتمويل الأجنبي على سبيل المثال لا تتمكن أية منظمة مدنية من الحصول عليه حتى لو حازت على موافقة المنظمات الدولية المانحة؛ ذلك أن الموافقة على ذلك التمويل لا يتم إلا من خلال سلسلة من الإجراءات الحكومية والتي تشترط موافقة رئاسة الحكومة ومن ضمنها وزارة الداخلية، هذا الأمر يحد من توفير تمويل للمنظمات إلا بالشروط والتوجيهات الحكومية وبالتالي تصبح المنظمة تابعة للحكومة وتوجيهاتها وليست حرة أو مستقلة سواء في قراراتها أو نشاطاتها.
بالنسبة للمنظمات المنتشرة في المحافظات النائية تكون وزارة الداخلية موجودة في الحدث كوسيط يزكي أو يرفض توجيه أي مشروع لأية منظمة مدنية من قبل المنظمات المانحة، وبذلك تحرم تلك المنظمات المدنية من حق الحصول على التمويل وتنفيذ برامجها، تقدم الحكومة مبرراتها لتلك القيود والتعقيدات ولكن في نهاية الأمر فإننا نصل إلى تشكيلات بعيدة كل البعد عن روح العمل المدني الحر.
يعد غياب الرقابة والمساءلة عاملا هاما من استشراء الفساد في منظمات المجتمع المدني في الأردن، فقد تحولت غالبية المنظمات والمراكز البحثية والشركات غير الربحية إلى مؤسسات ينتفع منها القائمون عليها، في غياب الرقابة تتم صياغة البرامج والمشاريع بشكل ربحي، وتنحرف البرامج عن أهدافها، تتحول إلى برامج شكلية تهدف إلى منفعة أعضاء المنظمة، وقد تشكلت شبكات من الفساد كبيرة مرتبطة بتوفير التمويل للمنظمات وتقاسم المنافع والمصالح، هذه الشبكات يديرها كبار المتنفذين من أصحاب القرار الذين يوجهون المنظمات الدولية إلى الجمعيات والمنظمات المرتبطة بهم، كما برزت ظاهرة الشركاء البينيين وهم (مديرو البرامج والمنسقون) الذين ينظمون العلاقة بين المنظمات الدولية الكبرى وبين المنظمات الصغيرة، فيتم تنفيع المنظمات الصغيرة وتوجيه الدعم لها لقاء نسب مالية من البرامج والمشاريع القائمة.
وإذا ما تابعنا تقارير وزارة التخطيط والتعاون الدولي والمواقع الإلكترونية الرسمية للمنظمات الأمريكية والأوروبية العاملة في الأردن فإننا نلحظ أن مبالغ ومشاريع وبرامج بالملايين تم تنفيذها غير أن الواقع يشي بغير ذلك فكثير من تلك المشاريع وهمية أو مجتزأة ، إذ يتم التغول عليها سواء من قبل بعض المتنفذين في الحكومة أو الشركات البينية الخاصة في عمان أو المنظمات المدنية المنتشرة في المدن والقرى.
نصل إلى نتيجة أن العمل المدني تحول في جزء كبير منه إلى عمل تجاري بحت بسبب التدخلات والتقييدات وغياب الرقابة، وبذلك تغيب روح العمل المدني والمجتمع المدني وفرصة تشكله التاريخي في هذا البلد.
ثمة تشريعات قانونية تبيح للهيئات الإدارية البقاء لعدة دورات وبدون زمن محدد، هذا الأمر أدى إلى تحول كثير من المنظمات إلى قلاع مغلقة قائمة على المنفعة واستغلال الفئات الفقيرة، وقد رأينا كثيرا من الأشخاص والهيئات لم يتغيروا طيلة عشرين أو ثلاثين عاما، فتحولت تلك المنظمات من خلال تلك التشريعات إلى مشيخات أو مواقع للبرستيج الشكلي والتنفع على حساب مختلف الفئات المحرومة والمحتاجة.
لقد سعت المنظمات الأمريكية والأوروبية العاملة في الأردن إلى دعم وتعزيز العملية الديمقراطية وإتاحة الفرصة لتشكيل أبنية مدنية حقيقية تعبر عن روح المجتمع وتطلعاته، فلو كانت الأمور تسير بالشكل الصحيح لتمكنا خلال فترة ثلاثين عاما من التوفر على أبنية مدنية تعبر عن مجتمع مدني حقيقي يعزز بناء الدولة الحديثة ويدعم أساساتها ويخفف من حدة العنف والتوتر والتطرف، إلا أن إصرار السلطات التنفيذية على تقييد حركة المجتمع وتوجيهه من خلال التشريعات والإجراءات المتبعة يحول دون تشكل مجتمعات مدنية فاعلة تنهض بالمجتمع والدولة وتخفف من وطأة العنف والتوتر والنزاع.
المراجع العربية:-
الدميني، علي.(2004). مــــرافعــــة أولــــى -المجتمع المدني ودوره في الحد من العنف والإرهاب. الحوار المتمدن، العدد 982، استرجع من الرابط:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=24714
خشيب، جلال و وشنان، آمال.(2016). الدولة والمجتمع المدني حدود التأثير والتأثر. مركز إدراك للدراسات والنشر، استرجع من الرابط :
http://idraksy.net/wp-content/uploads/2016/07/State-and-civil-society.pdf
الطراح، علي.(2004). دورة المجتمع المدني والعنف السياسي في البلاد العربية. جريدة الشرق الأوسط، العدد 9212 ، استرجع من الرابط :
http://archive.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=218366&issueno=9212#.WHHVdtJ950x
المراجع الأجنبية:-
Wertsch, J. V. (1991). Voices of the mind: A sociocultural approach to mediated action. Cambridge, MA: Harvard University Press.
Wertsch, J. V. (1997). Vygotsky and the social formation of mind. Sixth. -print-ing. Cambridge, MA: Harvard University Press.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في قضية ترحيل النازحين السوريين... لبنان ليس طرفًا في اتفاقي


.. اعتقال مناهضين لحرب إسرائيل على غزة بجامعة جنوب كاليفورنيا




.. بينهم نتنياهو.. مذكرات اعتقال دولية بحق قادة إسرائيل بسبب حر


.. اعتقال مصور قناة -فوكس 7- الأميركية أثناء تغطيته مظاهرات مؤي




.. برنامج الأغذية العالمي: معايير المجاعة الثلاثة ستتحقق خلال 6