الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التماسك الأمني ودورة العنف في معان

صالح أبو طويلة

2017 / 8 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


أدت الظروف والتعقيدات المتشابكة التي عاشتها مدينة معان الأردنية والتي تشكلت فيها منذ منذ حوالي ثلث قرن؛ إلى خلق بيئة غير مستقرة اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا، تخلل هذه المدة قلاقل واضطرابات واحتجاجات وخسائر مادية وبشرية جسيمة، كما أنتجت ظواهر اجتماعية ودينية تمكنت من إحكام خطابها على الفئات الاجتماعية ردحا من الزمن، وقد اجتهد الكثيرون في طرح مقترحات وحلول لتلك الأزمة المفتوحة، بل وقدمت تقارير وتحقيقات ودراسات هي أقرب إلى المزيج من التقارير الرسمية الرتيبة والتقارير الصحافية التي يحررها صحافيون هواة، لكنها بالتأكيد لا ترقى إلى عتبة البحث السوسيولوجي أو السياسي الجاد، فتغيب في تلك التقارير والدراسات المنهجية العلمية التي من الممكن أن تعمل على تفهم الظاهرة من داخلها، والكشف عن آليات اشتغالها وتمظهراتها وتعقيداتها المركبة، وتشابك الديني والعشائري والسياسي فيها.
لن نخوض في عوامل تشكل تلك الظاهرة (ظاهرة العنف والاحتجاج وما نتج عنها من علاقة ملتبسة مع رجل الأمن) ( طبيعي أن نطرح مشكل رئيس لو قصدنا تعميق دراسة تلك الظاهرة وهي؛ هل الظاهرة الدينية من انتج العنف أم العنف والظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتاريخية هي من انتج الظاهرة الدينية بصورتها الراديكالية)، لكننا سنتناول جزئية محددة وهي أحد أطراف الصراع في تلك الدورة المتجددة والتي تتصارع فيها قوى عدة لها أهدافها واستراتيجياتها وخطابها الإيديولوجي، وتتمثل هذه القوى ب: النخب المحلية (البرجوازية البيروقراطية من أبناء معان والمقيمة في عمان والتي تتمتع بسلطات وصلاحيات واسعة)، والنخب العشائرية المشتبكة مع تلك النخب ومع الجهات الرسمية من جهة أخرى، والتيارات الدينية بشقيها المعتدل والراديكالي بجميع تقسيماتها وتوجهاتها، والقوى الرابعة هي مراكز القوى في عمان والتي تدفع باتجاه تنفيذ مشروعاتها على مستوى الوطن ومن ضمن الوطن معان وهي المنطقة المرشحة لديهم لكونها الأكثر توترا - أحد هذه المراكز في فترة من الفترات كان (الليبراليون الجدد بمشروعهم التاريخي والقائم على تفكيك الاقتصاد والبنى الاجتماعية والثقافية وقد تحالفت تلك النخبة بالبرجوازية البيروقراطية في فترة ابو الراغب رغم وجود التناقض بين خطاب كل منها)، ويبقى الجهاز الأمني نهاية الأمر ضمن توجيهات الحكومة ومراكز القوى المتصارعة فيها ويتحمل فوق طاقته وتزداد خسائره المادية والبشرية بسبب تشابك أجندات تلك القوى)، الحديث يطول حول تلك القوى المتصارعة ودورها في إنتاج دورة العنف وفق مصالحها وأجنداتها، ولعل هذا الأمر يدفعنا إلى المزيد من المقالات التفصيلية لتفكيك أجزاء هذا الصراع وإبراز الرئيس والثانوي فيه، ولا ننسى أن الملك حين أقال المجالي من منصبة كوزير داخلية أشار إلى وجود تناقض وتضارب في القرارات لدى المؤسسة الأمنية، كانت تلك التناقضات تعكس الصراع الخفي بين مراكز القوى في عمان بالدرجة الأولى.
تميزت الاستراتيجية الأمنية للتعامل مع القلاقل المتكررة في معان منذ عام 1989 ولغاية بدايات 2015 (عهد سلامة حماد ؛ في تلك الفترة تمكنت داعش من الوصول الى تدمر وطريبيل ما شكل تهديدا للدولة الاردنية)؛ بالتضارب والارتجالية في اتخاذ القرارات وعدم وجود رؤية أمنية واسعة وشاملة بعيدا عن تأثير مراكز القوى المتنفعة من تلك القلاقل؛ خلال تلك الفترة لم يكن جهاز الأمن العام متطورا بشكل يفي بالتعامل مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي طالت المناطق الفقيرة بعد موجة الخصخصة التي أطاحت بالفئات الوسطى والفقيرة، ولذا تميزت تلك الاستراتيجية إما بالقوة المفرطة أو التساهل الذي يؤدي الى مزيد من الفلتان الأمني؛ حقيقة في مراحل عديدة كانت موجات العنف والاعتقالات العشوائية تجذب المزيد من الناقمين والمتضررين وتسحبهم إلى طاحونة العنف، وبذلك تتسع الدائرة ويكتسب المحتجون الجدد خبرات جديدة في العنف وتتنافس الحقول الدينية والعشائرية والقوى الخارجة عن القانون على استقطاب وتجنيد المزيد منهم.
في عام 2015 تنبهت الأجهزة الأمنية بعد أن حسمت توجهاتها في ظل التهديدات الخارجية للأردن - وخصوصا بعد وصول تنظيم داعش إلى الأطراف الحدودية- إلى مخاطر البؤر المهمشة التي تعيش التهميش ويسودها الفراغ السياسي والأمني بأنها ستكون مرشحة لدخول مرحلة من التعقيدات الأمنية في حال بقيت الحالة الاجتماعية فيها رهينة لصراع مراكز القوى السابقة، وهذا ما أشار إليه أبو بكر ناجي في كتابه (إدارة التوحش) والذي رشح الأردن لتكون منطقة توحش إلى جانب عدد من الدول العربية، ووضع شروطا تنطبق على بعض المناطق الجغرافية في الأردن، ولذا قامت الأجهزة بتطوير وتنظيم استراتيجياتها الأمنية وفق مبدأ سيادة القانون والانفتاح على المجتمع ومشاركة المواطن همومه وتطلعاته، ومن جهة أخرى حفزت الأجهزة الرسمية العديد من رجال الأعمال والمنظمات الدولية والمحلية لتقديم أكبر قدر من المساعدات الطارئة للفئات الفقيرة في معان بهدف تخفيض مستوى التوتر والاحتقان الذي تسبب به الفقر والتهميش؛ هذه الاستراتيجية حققت نجاحات كبيرة إلى جانب عوامل أخرى يطول شرحها؛ وأسهمت في تخفيض مستوى التوتر وترسيخ قناعة الشارع المعاني بمصداقية الأجهزة في ضبط الأمن وتحييد العناصر الاجتماعية المخربة وتعزيز مبدأ سيادة القانون، وفتح الأبواب أمام المواطن العادي ليطرح مشاكله بعد أن كانت القنوات ضيقة جدا ما بين الاجهزة الامنية والاجهزة الحكومية وما بين المواطن، إذ كانت تلك القنوات حكرا على الرموز العشائرية والنخب المحلية التي كانت تمارس ابتزاز المواطنين وتفتعل الأحداث لتأبيد سلطتها وامتيازاتها.
غير أن استقرار الأحوال في الشارع المعاني منذ عام 2015 وتحجيم القوى المنتفعة من الصراع والخراب؛ لم يرق للكثيرين، لذا تحاول تلك القوى العودة مجددا لسابق عهدها، من خلال افتعال مزيد من الأحداث واستغلال الظروف، والضخ باتجاه تفكيك التماسك الأمني مع فئات المجتمع المحلي في معان، لا ننسى أن تلك القوى لا زالت تحتفظ بخبرات طويلة وإمكانيات مادية كبيرة لتنفيذ أجنداتها وهي في حالة كمون.
إن تلك الاستراتيجية لا تكفي لحل معضلات المجتمعات المحلية في معان وخصوصا؛ المشكلات التنموية والسياسية والمدنية، فهذا الأمر يحتاج إلى رؤية وطنية شاملة تنفذها حكومة وطنية قادرة على تحمل مسؤولياتها، كما تحتاج إلى خطاب اقتصادي سياسي ينبثق من حاجات وواقع المجتمع الأردني، ومن خلال تلك الرؤية يتم دمج معان في نسيج المجتمع الوطني وإزالة الصورة الذهنية المشوهة التي طالتها عبر ثلث قرن مضى، أما إذا اعتقد أصحاب القرار بأن المشكل هو أمني فقط، فإن دورة العنف ستتجدد بشكل دوري نظرا لأن العوامل المؤثرة فيها باقية لكنها كامنة نسبيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطائرات من دون طيار الفاعل الرئيسي الجديد في الحروب


.. سيول جارفة ضرب ولاية قريات في سلطنة عُمان




.. دمار مربع سكني بمخيم المغازي جراء القصف على غزة


.. المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: سنرد على إيران وقاعدة نيفاتيم




.. بايدن ينشغل بساعته الذكية أثناء حديث السوداني عن العلاقة بين