الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زيادة واستدامة سعادة المصريين

صبحى إبراهيم مقار
(Sobhi Ibrahim Makkar)

2017 / 8 / 7
الادارة و الاقتصاد


السعادة عبارة عن حالة تجعل الشخص يحكم على حياته بأنها حياة جميلة ومستقرة وخالية من المشاكل والضغوط والمتاعب وتشعره بالرضا من الناحية المادية والروحية بمعنى "الرضا بالحياة". فأغلب الأشخاص يريدون أن يكونوا سعداء، حيث يتم تقييم السعادة بأنها أكثر الأشياء أهمية في الحياة. كما أنها شيء مرغوب فيه لأنها تعزز من السلوك الاجتماعي، وتعتبر مؤشراً على تحقيق جميع الاحتياجات البشرية. ومن المعروف أنه بعد تحقيق طلبات الطبقات البسيطة اللازمة لتحقيق سعادتها، تبدأ تلقائياً في البحث عن مستويات أعلى من السعادة. وفى حالة عدم قيام الحكومة بتحقيق المصالح الحيوية للمجتمع ورفع مستوى المعيشة، يشعر المواطن بأنه لا توجد علاقة بينه وبين الناتج المحلي الإجمالي مما يؤدى إلى حدوث نفور بينه وبين الدولة. كما أن إصرار الناس على السعادة، قد يزيد من الشروط المطلوبة تجاه الدولة في أى مجتمع مما يسبب ضغوطاً فعلية على الدولة لتحقيق انجازات حقيقية وزيادة الاهتمام بالفئات الضعيفة والمناطق الأقل نمواً.
وقد اهتمت الحكومات والمؤسسات الدولية اهتماماً كبيراً بقضايا السعادة الإنسانية خلال العقد الأول من القرن الحالي مما أدى إلى اعتماد الأمم المتحدة في دورتها السادسة والستين عام 2012 يوم 20 مارس من كل عام يوماً دولياً للسعادة اعترافاً بأهمية السعي لتحقيق السعادة أثناء تحديد أطر السياسة العامة لتحقيق التنمية المستدامة، القضاء على الفقر، توفير الرفاهية لجميع الشعوب. حيث يحتاج العالم نموذجاً اقتصادياً جديداً يحقق التكافؤ بين دعائم الاقتصاد الثلاث: التنمية المستدامة، الرفاهية المادية والاجتماعية، سلامة الفرد والبيئة مما يؤدى فى النهاية إلى تحقيق السعادة العالمية. وذلك لأن السعادة هامة جداً على المستوى الشخصى والمجتمع والدولة، فالشخص السعيد يكون متفائلاً، منتجاً، متعاوناً مع الآخرين، صحيح البدن والفكر. وبالتالي، بناء مجتمع سعيد مما يعني مزيداً من التطور والنجاح على المستوى الشخصي والعام في كل دولة.
ويقيس مؤشر السعادة العالمى السعادة بمدى شعور الأفراد بالسعادة والرضا فى حياتهم، وهو متوسط لستة مؤشرات فرعية يوضح كل منها النسبة التى يفسرها فى النتيجة الإجمالية للدولة. وتتمثل فى كل من نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، العمر الصحى المتوقع عند الميلاد، الكرم، الدعم الاجتماعي، الحرية، الفساد، والتى تساهم فى رفع تقييمات الحياة فى كل دولة. ويصدر هذا المؤشر فى تقرير السعادة العالمي لشبكة حلول التنمية المستدامة (SDSN) التابعة للأمم المتحدة. وقد تم نشر أول تقرير في أبريل 2012، وذلك دعماً للاجتماع رفيع المستوى في الأمم المتحدة بخصوص السعادة والرفاهية برئاسة رئيس وزراء بوتان، لأن السعادة تعتبر الإجراء المناسب للتقدم الاجتماعي والهدف من السياسة العامة. وقد قامت بعض الدول بتعيين وزيراً للسعادة مثل بوتان، إكوادور، الإمارات، فنزويلا ليتولى مسئولية تنسيق الجهود الوطنية الهادفة لتحقيق سعادة المواطنين.
ويشمل تقرير عام 2017 تصنيفاً لـ 155 دولة حسب مستويات سعادتهم من الأعلى للأسفل. ويستند الترتيب العالمى للدول وفقاً لدرجة السعادة بصفة أساسية على متوسط إجابات السؤال المطروح فى الاستطلاع العالمى لمؤسسة جالوب الخاص بتقييم الحياة، "من فضلك تخيل سلم بداية من صفر فى الأسفل إلى 10 فى الأعلى، ويمثل أعلى السلم أفضل حياة ممكنة لك، كما يمثل أسفل السلم أسوأ حياة ممكنة بالنسبة لك" ويطلق على هذا السلم "سلم كانتريل للحياة". وتساهم المشاعر الإيجابية فى دعم تقييمات الحياة لأعلى، وتعرف بأنها متوسط ثلاثة مقاييس تؤثر إيجابياً هى "السعادة، الضحك، المتعة". كما تساهم المشاعر السلبية فى دعم تقييمات الحياة لأسفل، وتعرف بأنها متوسط ثلاثة مقاييس تؤثر بالسلب هى "القلق، الحزن، الغضب". ويظهر التقرير وجود فجوة تقدر بـ 4.05 نقطة بين متوسط تقييم أعلى عشر دول سعادة وأقل عشر دول سعادة، والتى تأخذ قيماً منخفضة للمؤشرات الفرعية الستة المستخدمة لشرح الاختلافات الدولية بالإضافة إلى خضوعها غالباً إلى العنف والمرض .ويلاحظ أن الدول العشر الأعلى سعادة فى تقرير عام 2017 هى نفسها الأعلى سعادة فى تقريرى عامى 2015، 2016، وإن كان هناك تبادلاً فى الأماكن. وهذا متوقع بين الدول المتقاربة فى متوسط الدرجات، حيث تبلغ قيمة الفرق بين مؤشر السعادة للدولة الأولى والدولة العاشرة نحو 0.25 نقطة فقط بعكس الدول العشر الأقل سعادة، حيث تبلغ قيمة هذا الفرق 0.9 نقطة.
ويلاحظ تحسن قيمة مؤشر السعادة لمصر عام 2017 لتصل إلى 4.735 والمركز 104 (من 155 دولة) مقارنة بـ 4.194 والمركز 135 (من 158 دولة) عام 2015، 4.362 والمركز 120 (من 157 دولة) عام 2016. وذلك نتيجة لتحسن جميع قيم المؤشرات الفرعية الستة المكونة لمؤشر السعادة باستثناء العمر الصحى المتوقع عند الميلاد مما أدى إلى تقليل قيمة الفارق فيما بينها وبين متوسط أفضل 10 دول سعادة إلى 2.675 نقطة مقارنة بـ 3.051 نقطة عام 2016. ولذلك يبرز تقرير السعادة أهمية دراسة الاختلافات الفردية والدولية في السعادة كمعيار لتمكين الحكومات من وضع السياسات الداعمة لحياة أفضل دون الضغط على الموارد المادية النادرة مما يحسن من رفاهية الأجيال الحالية والمستقبلية. وهذا ما يعرف بالتنمية المستدامة والتى تعتبر نهجاً شاملاً للرفاهية التى تدعو المجتمعات إلى تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بطريقة متكاملة، حيث ترتفع السعادة فى الدول التى تحقق الأهداف الإنمائية المستدامة، والتى تدل على تمكين المجتمعات المختلفة من العمل على تحقيق التوازن بين أهدافها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وغالباً ما تؤدى زيادة الناتج المحلى الإجمالي بطرق غير متوازنة وعلى حساب الأهداف الاجتماعية إلى انخفاض سعادة المجتمع ورفاهية أفراده. وذلك لأن الاستدامة لا تعنى التوجه إلى الآثار الاقتصادية فقط، بل لتشمل أيضاً الجوانب الاجتماعية والبيئية مما يمكن المجتمعات من الانتقال إلى اقتصاد ابتكارى وتعاوني، بناء الكفاءات، تطوير وبناء حكم رشيد شامل. لذلك فالمجتمعات التى ستعدل بسرعة أنظمتها الاقتصادية والاجتماعية للتحول نحو نظم البيئة الاقتصادية المستدامة، ستحقق مستويات أعلى من السعادة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية. وقد توصلت أغلب الدراسات إلى أنه كلما كانت الاقتصادات أكثر ابتكاراً وإبداعاً كلما كانت أكثر تطوراً وقدرة على المنافسة وأكثر تنظيماً للمشروعات، وأقل عرضة للمعاناة من الانقسامات الشديدة وعدم المساواة. وبالتالى، كلما كان إنتاج الدولة أكثر ابتكاراً كلما كانت أكثر سعادة مستدامة. فعندما نبتكر نكون سعداء، لذلك تزداد الحاجة إلى أن نعمل فى نوع العمل الصحيح الذى يتناسب مع مهاراتنا ورغباتنا ويتم تعويضنا مقابل ذلك بالصورة اللائقة مادياً معنوياً.
ولذلك ترتبط السعادة فى عصر العولمة والمتغيرات السريعة والمتلاحقة بصفة أساسية بمحددات مادية استهلاكية، تليها محددات مجتمعية وسياسية، حيث تتحقق احتياجات المواطنين ومظاهر سلوكهم في سياق مناخ سياسي ومجتمعي تتعزز فيه مستويات الكرامة والحرية والشفافية، وتقل فيه درجات الفساد مما يخلق نمطاً من القيم والتفاعلات الإيجابية تعزز قناعات الأفراد وسعادتهم. وهنا يكون مفهوم الإنسان وسعادته هدفاً أصيلاً لبرامج الحكومة الإنمائية.
ونقدم فيما يلى بعض المقترحات التى تساهم فى زيادة واستدامة سعادة المصريين:
• توفير متطلبات المناخ المناسب للسعادة، وذلك من خلال تعزيز الاستقرار السياسى والاقتصادى وزيادة الاستثمارات لتتجه نحو زيادة مستويات الجودة والإنتاجية وتشجيع البحث العلمي والابتكار وتطوير التقنيات المستخدمة في كافة القطاعات الاقتصادية، وتوافر رؤية حكومية واضحة لأهمية السعادة فى تطوير المجتمع. كذلك توجيه وسائل الإعلام المختلفة نحو تعزيز القيم الإيجابية ومنظومة الأخلاق وإعادة الاعتبار لمفاهيم السعادة والقناعة والرضا عن النفس وفقاً لمنظومة أخلاق اجتماعية وإنسانية. كما يجب أن تكون السعادة في أولوية برامج التنمية الخاصة بالتعليم والصحة وتخفيف معدلات الفقر والبطالة وتعزيز الشفافية واتساع الحريات العامة. وكذلك اعتماد نموذج اقتصادي متطور يتضمن في سياقه حاجات الإنسان المادية والاجتماعية والثقافية لضمان تحقيق رفاهية مادية متلازمة مع تحقيق العدالة والحرية مما يؤدى إلى أن تصبح السعادة أهم ناتج قومي تحرص الحكومة على تحقيقه.
• ضرورة توافر المسئولية الاجتماعية المستدامة لتكون هدفاً أساسياً للحكومة من خلال تقديم المساعدات والدعم لمختلف فئات المجتمع، والإسهام في تأهيل ذوي الدخل المحدود لتحسين وضعهم المعيشي من خلال تقديم قروض مالية صغيرة بدون ضمانات أو فوائد. كذلك إصدار التشريعات المتعلقة بالمسئولية الاجتماعية، وخاصة المتعلقة بحماية البيئة والثروات الطبيعية. وتوحيد جهود المتطوعين والمتبرعين على مستوى محافظات مصر، وتحفيز مختلف المبادرات الفردية التطوعية وتقديم الدعم للقائمين عليها لضمان استمراريتها، وتحقيق أقصى فائدة ممكنة منها مما يعزز من ثقافة العطاء بين المصريين.
• تحقيق المساواة والعدالة بما يخلق بيئة تشاركية بين الحكومة وبين المواطنين في إيجاد وإعداد الحلول، حيث يسهل على المجتمعات التي تتعاون فيها قطاعات الأعمال مع الحكومات تحفيز النمو الاقتصادي والتغيير المجتمعى. لذلك يجب توافر الشفافية الحكومية والتعاون بين القطاعين الحكومي والخاص والإصغاء إلى أصوات المواطنين، والتعرف على أحلامهم ومخاوفهم وطموحاتهم، وخاصة النساء. فالحكومة التى تتفاعل مع مواطنيها تصبح أقوى، فيما تتسبب الحكومات البيروقراطية في فقدان الأمل عند المواطنين مما يؤدى إلى عدم استقرار المجتمع.
• تحفيز الابتكار وزيادة دور المدارس فى تشجيع ثقافة السعادة من خلال تدريس مواد مهارات الحياة الجديدة، حيث يتعلم الطلاب ما هي المتطلبات الهامة لخلق ظروف أفضل لحياة سعيدة مما يساهم في تحصيل المعرفة وصناعة المبتكرين، وذلك من خلال تطوير النظم الأساسية للتعليم وتطبيق النظم التربوية الممنهجة تطويراً للابتكار. كما أن مواكبة الحكومة للتكنولوجيا تمكنها من تشريع الابتكار، حيث يتمثل دور الحكومات في عصر الاتصالات في السعي للتمكين وتيسير الابتكار ومواكبة التكنولوجيا لتتمكن من تشريع وتعزيز التطوير والابتكار مما يخلق الدوافع التي تحقق أفضل النتائج لكل شخص والتركيز على السمات الشخصية الخاصة بهم.
• تقديم الدعم للمجموعات التي لا تشعر بالسعادة (المرضى، العاطلين، ذوي الدخل المنخفض) لكي تعيش حياة أفضل من خلال إعادة توزيع الموارد على هذه المجموعات وتوفير فرص العمل المناسبة للمواطنين، والتى تحقق طموحاتهم، وتشجيعهم على استغلال الوقت فى الأعمال الخيرية والأنشطة البدنية والسياسية مما يساعد فى تعزيز العلاقات الاجتماعية وإدخال مقاييس دورية لسعادة المواطنين وإتاحة أحدث الأبحاث حول كيفية تحسين جودة الحياة، حيث أن قياس الأشياء يجعلنا نأخذها مأخذ الجد لأن استخدام أدوات القياس يمكن من تحديد ما إذا كانت الأشياء تسير في الاتجاه الإيجابي أو السلبي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محافظات القناة وتطويرها شاهد المنطقة الاقتصادية لقناة السو


.. الملاريا تواصل الفتك بالمواطنين في كينيا رغم التقدم في إنتاج




.. أصوات من غزة| شح السيولة النقدية يفاقم معاناة سكان قطاع غزة


.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 25-4-2024 بالصاغة




.. بركان ثائر في القطب الجنوبي ينفث 80 غراما من الذهب يوميا