الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة الشيوعية في الذكرى المائوية لانطلاقها

ميشيل حنا الحاج

2017 / 8 / 12
ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا


مائة عام مضت وانقضت على انطلاق الثورة الشيوعية الماركسية التي واجهت نكسة في عامها الرابع والسبعين اثر قيام "يلتسين"، مستفيدا من حالة الفساد التي مارستها بعض القيادات في المكتب السياسي وفي مواقع أخرى، بتوجيه طعنة للاتحاد السوفياتي تسببت في تفككه، وفي ابتعاد بعض الدول خصوصا في اوروبا الشرقية وربما في غيرها، عن النهج الاشتراكي .
واعتقد البعض أن الشيوعية قد انتهت وانتقلت الى رحمة الله بعد هذه النكسة التي اصيبت بها في قاعدة انطلاقها وهي روسيا القيصرية ، مع انها على أرض الواقع لم تمت مع وفاة الاتحاد السوفياتي وقد لا تموت مستقبلا بهذه السرعة أو السهولة. فاذا كان الاتحاد السوفياتي قد مات، واختفى فيه النهج الشيوعي الاشتراكي، فان ذلك لا يعني بالضرورة وفاة الفكر الشيوعي الاشتراكي الذي ما زال قائما وحيا في كوبا وفيتنام ولاوس والصين وكوريا الشمالية وصربيا وفنزويلا وغيرها. كما أنه بدأ يزهر في بعض دول أميركا الجنوبية واللاتينية، فهذه حقيقة مرجحة ولا وينبغي أن يهملها حتى المعادون للفكر الماركسي.
واذا أجرينا تقييما للسكان والشعوب التي تعيش في كنف النظام الشيوعي الماركسي الاشتراكي، مقارنة بأولئك الذين يعيشون في كنف نظام رأسمالي، لا بد أن نلاحظ أن ثلث، بل ربما نصف سكان العالم تقريبا، يعيشون في كنف نظام اشتراكي، آخذين بعين الاعتبار أن سكان الصين وحدها هو مليار ونصف المليار من السكان.
ولا بد أن نلاحظ بأن الدول التي حافظت على النظام الاشتراكي فيها، هي الدول التي بلغت مرحلة النظام الاشتراكي عبر الثورات الشعبية الناجحة، ومن أمثالها كوبا وفيتنام والصين، عكس الدول التي مارست النظام الاشتراكي نتيجة احتلال دولة أخرى لها فرضت النظام الماركسي عليها. والمقصود بذلك الاتحاد السوفياتي الذي سيطر على دول أوروبا الشرقية نتيجة الحرب العالمية الثانية. ومن تلك الدول ألمانيا الشرقية ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا وهنغاريا ودول أخرى في شرق أوروبا.
واذا كان النظام الماركسي الاشتراكي في الاتحاد السوفياتي قد انقضى رغم بلوغه السلطة عبر ثورة شعبية عارمة على النظام القيصري، فان ذلك كان نتيجة تآمر وضغوطات أميركية وأوروبية مكثفة عليه، تسببت بعد تفاعلها مع مشاكل داخلية ومنها بعض الفساد الذي مس القيادات في السلطة... الى تفككه وانهياره انهيارا تاما، مما دفع البعض للتفاؤل، بل وللاعتقاد بأن الفكر الشيوعي الماركسي ذاته، قد انتهى وقضى نحبه، دون التمييز بين انقضاء النظام السوفياتي المعتنق للماركسية، وانقضاء الفكر الشيوعي ذاته، بدليل بقائه حيا في دول تضم نصف سكان الكرة الأرضية تقريبا.
فالماركسية والشيوعية فكر تقدمي راق، وهو فكر لعالم المستقبل، للغد ولحياة أفضل للانسان كما يعتقد البعض، خلافا للفكر الرأسمالي الذي كل همه حماية ممتلكات الأثرياء من ثروة وعقار، الى درجة تأذن للمالك باطلاق النار على كل من ينتهك حرمة ممتلكاته حتى لو انتهكها بطريق الخطأ، وذلك خلافا للفكر الشيوعي الذي كل همه تحقيق العدالة وحماية الانسان بالدرجة الأولى، وليس حماية ممتلكاته قبل كل شيء، لكون الممتلكات الفردية في هذا النظام، غير موجودة أصلا، خاصة بالشكل والحجم المعروف في الأنظمة الرأسمالية التي تقدس ممتلكات الفرد، أكثر من تقديسها واحترامها للفرد ذاته...للانسان ذاته.
ولا بد من تكرار القول بأن الفكر الشيوعي الذي يرى البعض أنه قد ولد ولادة مبكرة، وكان يفضل له أن ينتظر بضع عقود وربما قرون ينطلق بعدها،.. هو فكر انساني مرشح لأن يكون ممتدا في الزمن وقابلا للانتشار، تماما كالفكر المسيحي الذي بقي حيا رغم كل الاضطهاد الذي واجهه على مدى أربعمائة عام على يد الامبراطورية الرومانية وغيرها ، لكن استقر له الأمر بعدها ولو الى حد ما. فكلا الفكرين هما فكران انسانيان، عني كل منهما بالعدالة والمساواة بين البشر، وبين الانسان وأخيه الانسان.
فعبارة "اعطنا خبزنا كفاف يومنا" في الصلوات المسيحية اليومية، تشابه كثيرا "لكل حسب حاجته" في المفهوم الماركسي. وكذلك قيام المسيح (عيسى ابن مريم) بمباركة بضع سمكات لتتحول الى طعام يشبع آلاف الحضور القادمين للاستماع الى عظته، انما فيه تلميح واضح بأن الادارة الحكيمة تعنى بتوزيع المنتوج والثروة بعدالة ومساواة على الجميع، وليس على افراد محددين كل همهم أن يكتنزوا الثروات ولو على حساب جوع الآخرين.

الفكر الماركسي الشيوعي اذن، هو من حيث المبدأ فكر انساني يعنى بحماية الانسان وليس بحماية ثروته، تماما كالمسيحية التي عنيت كثيرا بالانسان، ولذا عاشت طويلا... ومثلها كما يرجح البعض، سيعيش الفكر الماركسي الشيوعي طويلا، لكونه فكرا جاء لحماية الانسان وليس لاستغلاله، والفكر عندما يكون انسانيا في نهجه ومضمونه، لا بد أن يعيش طويلا وقد لا يموت أبدا، وبالتالي لا يجوز التهليل طويلا لسقوط الماركسية في الاتحاد السوفياتي، فالفكر الماركسي قد وجد ليعم العالم مستقبلا كما يتوقع مفكروه، وليس ليقتصر وجوده على دولة واحدة كان اسمها الاتحاد السوفياتي.

فمن كان من مريدي الاتحاد السوفياتي، فان الاتحاد السوفياتي قد مات وانقضى، ومن كان من مريدي الماركسية والفكر الشيوعي الذي انتصر في ثورة اوكتوبر عام 1917، فان هذا الفكر الذي بلغ الآن الذكرى المائوية لانتصاره، باق وقد لا يموت قريباـ كما يرى مناصروه.. بل ربما قد لا يموت ابدا الا اذا جوبه بفكر مقابل يفوقه في التوجه نحو حماية الانسان وحقه في الحياة، وليس حقه فحسب في جني الثروة وفي حمايتها بأي ثمن كان، حتى ولو بلغ الثمن السير على جثث واجساد الآخرين.
الكاتب والمفكر ميشيل حنا الحاج
الاعلامي العربي الأول والمتميز لعام 2017 كما أسماه اتحاد الاعلاميين العرب
مستشار في المركز الدولي لمكافحة الارهاب والاستخبار - برلين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الماركسية المجهولة
فاخر فاخر ( 2017 / 8 / 12 - 06:49 )
رفيقنا ميشيل مثله مثل عامة الشيوعيين يجهل أُسّ الماركسية .
الماركسية نظرية علمية لا أهداف لها طالما أنها تدقق في ميكانزمات التطور الإجتماعي الذي لا يخضع لرغبات الإنسان
رفيقنا الماركسي الكبير فؤاد النمري يؤكد أن المشروع اللينيني (الثورة الشيوعية العالمية 1917) لم تمت وليس هناك قوة عالمية قادرة على إهلاكها فهي ما زالت حيه حيث غرسها البولشفي الأعظم ستالين في باطن الأرض وما عالم اليوم إلا وتحكمه فوضى الهروب من الاستحقاق الإشتراكي تماما كما كان هروب عصابة العسكر السوفيات ورجلهم خروشتشوف
وأنا فاخر فاخر أستطيع أن أؤكد ما أكده رفيقنا النمري
أما الدول التي اعتبرها رفيقنا ميشيل اشتراكية فهي لا يمكن أن تكون كذلك حيث للإشتراكية عاملان هما تطوير أدوات الإنتاج ومحو الطبقات وليس بمقدور هذه الدول -الإشتراكية- أن تقوم بذلك بغير وجود دولة كبرى اشتراكية بمثل ما كان الاتحاد السوفياتي
الوظيفة الأولى لشيوعيي العصر هي البحث في بنية النظام الدولي القائم
هل هو العولمة الرأسمالية المتوحشة كما يعتقد غالبية الشيوعيين
أم هو فوضى الهروب من الاستحقاق الإشتراكي
الإجابة الصحيحة على هذا المأزق تحكم العمل الشيوعي
تحية


2 - مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا..
عبد الحسين سلمان ( 2017 / 8 / 12 - 13:20 )
يقول الكاتب المحترم:
كان من مريدي الاتحاد السوفياتي، فان الاتحاد السوفياتي قد مات وانقضى، ومن كان من مريدي الماركسية والفكر الشيوعي الذي انتصر في ثورة اوكتوبر عام 1917...الخ

وهذه تذكرنا بالنكتة الدينية التي اطلقها ابو بكر:
أَلا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا , فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ.

هذا اولا وثانيا:

لم تنتصر الماركسية والفكر الشيوعي في ثورة اوكتوبر عام 1917.

ثورة اوكتوبر 1917 بعيدة كل البعد عن فكر ماركس و قريبة كل القرب من روبسبير Maximilien Robespierre , و سان جوست Saint-Just قادة اليعقوبية Jacobinism

ج. الزيرجاوي

اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة